الإعلام العربي واللغة العربية
28-08-2015, 10:49 PM
الإعلام العربي واللغة العربية

والإعلام : هو التعبير الموضوعي عن عقلية الجماهير ، وروحها ، وميولها ، واتجاهاتها في الوقت نفسه ( فهو أولاً وقبل كل شيء يعتبر من أهم مؤسسات التشكيل الثقافي , ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا : بأن جميع مصادر التشكيل الثقافي على تنوعها أصبحت بحوزة الإعلام)

الاتصال الجماهيري تتسع رقعته يوماً بعد يوم ، فالسماء وما فيها من أقمار صناعية ، والأرض وما فيها من مستقبلات فضائية ، كل يخاطب كلاً ويتصل به (( وقد يكون ميدان الصراع الحضاري الحقيقي اليوم , قد تحول إلى الإعلام , وأصبح التمكن من امتلاك الشوكة الإعلامية , بكل لوازمها ومقتضياتها يضمن الغلبة الثقافية , التي تعتبر ركيزة التفوق الحضاري) حيث ألغى الإعلام كل الحدود الجغرافية والسياسية للدول , فلم تعد الشرائح الاجتماعية تهتم عمّن تتلقى ،، يكفيها أنها تتلقى فحسب .. وهي تنتقل من فضائية إلى أخرى دون أن تكترث ،، وإن استقرت فإنها تستقر على قناة تعرف لغتها ، لأن العائق اللغوي يلغي مشاهدة أكثر من 70% من المحطات .. والتلفاز هو الوسيلة التي تستهلك اكبر وقت من حياة المشاهدين ، والمذياع في المرتبة الثانية ، ثم الصحف وتليها المجلة .
فإذا افترضنا أن الشرائح الاجتماعية لا تعرف إلا اللغة العربية ، فهذا يعني أنها هي المرشحة للخطاب الإعلامي ، سواء أكانت الفصحى أم العربية الميسرة ) .
ولكل لغة مستويان على الأقل؛المستوى الموجه للخاصة وهو لغة المثقفين والمتعلمين ، ومستوى حوار العامة في الأسواق والشارع .
هناك شبه إجماع بأن هناك قراراً سياسياً أو إداريا يوجه اعتماد العربية الفصحى لغة للإعلام .
وإدارات الإعلام الرسمية تخطط برامجها على أساس أن الجمهور يقع بين حدين : الأمية ـــ والثقافة ، وما بينهما من درجات ، فتخاطبه بالفصحى ، وباللغة الثالثة ، وبالعامية .

إن أعلى نسبة للفصحى في الإعلام نلاحظها في البرامج التي تعتمد الخطاب الرسمي : كنشرات الأخبار ، والتقارير ، المناسبات السياسية ، والمسلسلات الدينية ... وغيرها ، وأعلى نسبة للعامية نجدها في برامج الأطفال ، والأسرة ، والبرامج المنوعة والترفيهية ، والمسلسلات المعاصرة ، والأغاني بكل لهجاتها .


والتلفاز وسيلة ذات جمهور واسع ، تستغرق اكبر وقت من مشاهدة الناس ، وتجده في كل مكان . كما انه يقدم أنماطاً من السلوك الاجتماعي واللغوي تفتقر إليها وسائل الإعلام الأخرى ، و مما يدل على أهميته ــ رغم أن الصحيفة لها قاعدة عريضة وتستطيع المنافسة إذا أحسن استخدامها وتوجيهها ــ أنه أحكم قبضته على الأسرة واحتل صدر المجالس في البيوت بلا منازع ، وتشير أحدث الإحصاءات أنه فيما بين 600-700 ساعة على الأقل من عمر الإنسان تضيع سنويا في مشاهدة التلفاز ، ويشكل الأطفال الذين لم يبلغوا سن الدخول إلى المدرسة أوسع شريحة من مشاهدي التلفاز حيث تبلغ ساعات مشاهدتهم حوالي 22.9ساعة في المتوسط أسبوعيا بينما يمضى أطفال المجموعة العمرية من 6-11سنة حوالي 20.4ساعة مشاهدة أسبوعيا ، بل إن دراسات مسحية أخرى بينت أن هناك أوقات مشاهدة أطول تصل إلى 54ساعة أسبوعيا لمشاهدين لم يصلوا إلى السن المدرسية بعد. حيث حول الإعلام بامكاناته الهائلة غرف التعليم التقليدي , بسبوراتها وأقلامها ومقاعدها و وسائلها , إلى ما يشبه المعتقلات التي لا يصدق التلميذ متى يخرج منها ليقعد دون إحساس بالزمن إلى التلفزيون , أو الانترنت , أو الكمبيوتر .

ولذلك فليس بمستغرب أن نجد انتشار ظاهرة تراجع المستوى الدراسي لأطفال التلفاز فضلا عن تدنى قدراتهم العقلية والخبرات الخاصة نتيجة حرمانهم من ممارسة القراءة , يقول برونو بتلهايم: Bruno Bettelheim : التلفاز يأسر الخيال لكنه لا يحرره ،أما الكتاب الجيد فإنه ينبه الذهن ويحرره في الوقت ذاته ... فتصبح القراءة ممارسة سطحية ، ويرجع السبب إلى الانتباه المسترخي غير المركز ( السلبية العقلية ) المصاحب للمشاهدة التلفزية الذي يعوق نمو قدرة الأطفال على تفسير المادة اللفظية بطريقة ذات معنى مما يجعل عملية القراءة والتحصيل شاقة جدا وفي ذلك يقول واحد من أبرع كتاب أمريكا إ. ب. وايت E.B. White : لست أعرف حقا ماذا يمكننا أن نفعل من أجل القراءة فيما عدا إلقاء جميع أجهزة التلفاز بعيدا ..إننا في حاجة ملحة لأن نقف وقفة حاسمة تجاه التلفاز نحدد فيها ما يمكن أن نشاهده والقدر من الوقت الذي نستغرقه فإذا فشلنا في هذه الوقفة فعلينا أن نختار بين التلفاز أو أطفالنا .

يبين أصحاب الخبرات الطويلة في البحث اللغوي أن أفضل طريقة لتعليم اللغة وأيسرها إلى الطبيعة، هو " خلق بيئة فصيحة تنطق بها العربية " ، وان نستمع إليها ونطيل الاستماع ، ثم نحاول التحدث بها ونكثر المحاولات ... فتكمن خطورة طول فترات المشاهدة التلفزية في أنها لا تساعد الطفل على السير في النضوج الطبيعي والخروج من مرحلة التفكير غير اللفظي إلى مرحلة التفكير اللفظي والنمو اللغوي لديه،لأن عملية المشاهدة تجربة غير لفظية بصرية لا تقوم بدور ملموس في نمو اللغة عند الطفل كما أنها تصرف الطفل عن مشاركة لغوية متبادلة مع الأفراد المحيطين ومن هنا يفقد الطفل مصدرا هاما للتنبيه اللفظي الذي يساعده في تنمية المراكز اللفظية في قشرة المخ، لذلك كانت العلاقة بين مشاهدة التلفاز والنمو اللغوي عند الأطفال علاقة عكسية ، وفي أحدث الدراسات أظهر الأطفال الذين شاهدوا التلفاز بكثرة مستويات لغوية متدنية حيث فقدوا الساحة الأساسية لنمو اللغة عن طريق الحديث الواقعي والإصغاء . فهل يمكن لوسائل الإعلام أن تسهم في إيجاد هذه البيئة .
إننا بحاجة إلى ( تنمية الملكة اللغوية للمجتمع ) أي نقله من مستوى إلى مستوى أفضل ، ومن نمط بال إلى آخر متقدم ، ومن طريقة تعبيرية سوقية إلى أخرى رائعة , إذ ليس من اللائق التستر وراء الشعبية لتسويغ الإسفاف , أو لتسويغ القضاء على الشعب بالجهل الأبدي الذي يقصر إطلاعه على موضوعات لا تعلو بالقارئ عن طاقة الأمية من سقط المتاع , وليس من المقبول كذلك أن تبقى مشكلة الأمية مسوغاً لتدني مستوى لغة الخطاب الإعلامي ، لأننا اذا خاطبنا العامة بلغة الأميين نكون قد أسهمنا في زيادة نشر الأمية ، ولكن إذا خاطبناهم بلغة ارفع نكون قد أفدناهم من جهة ، ولان استمرارنا في ذلك سيجعلهم يتعلمون شيئا ما ، ويقومون باستخدامه في التعبير من جهة أخرى ،، لأن اللغة ضرب من السلوك قبل أن تكون علماً ومعرفة .

ظواهر سلبية في الإعلام المرئي :ــ
(1) فشو العامية على ألسنة بعض المذيعين ولا سيما في المقابلات والمحاورات ، رغم أن الصحافة المقروءة استطاعت حتى الآن أن تصون نفسها من الانزلاق في اللهجة الدارجة .
(2) بعض الألفاظ الأجنبية كثيرة الترداد على ألسنة المذيعين . وهذا العيب قلما نجده في الصحافة المقروءة .
(3) الإيغال في التفرنج واللهث وراء كل ما يصدر عن الغرب حتى في أسماء القنوات الفضائية ، والسؤال الذي يفرض نفسه : مادام مضمون برامج التلفزة والإذاعة عربياً وباللغة العربية ، فما المسوغ لهذه الأسماء الأجنبية ، إن الأجانب بطبيعة الحال لا يلتفتون إلى إذاعاتنا وبرامجنا ، ولا تعنيهم في شيء ، بل لا تحظى بأي قدر من الاهتمام لديهم ، ولا تلامس مشاكلهم ، وبينهم وبينها حاجز اللغة الأصم المنيع .
(4) إن المعول عليه الآن عند توظيف المذيع أن يكون ( فتاة ) يراعى في انتقائها أن تكون حسناء ، يافعة ، رشيقة القد ، مليحة الوجه ، كثيفة الشعر ..... أما ماعدا ذلك من إتقانها اللغة العربية وتجويد أدائها ، وحسن نطق مخارج الحروف .. فهذا أمر لا لزوم للتشديد فيه ، وربما لا يُؤبه له . يكفي أن تكون سليمة من عيوب النطق وحبسة اللسان وما عليها في نهاية الأمر ألا أن ترسم ابتسامة على ثغرها .
(5) ضحالة الأسلوب وضعف الزاد اللغوي لدى المذيعين غالباً ، وسبب ذلك قصور إطلاعهم على أساليب البلغاء وكلام الفصحاء .
(6) لغة الإعلانات :- غلبت الركاكة على اللغة الإعلانية وكثرت فيها الأخطاء والابتذال ، سواء في الصحف أو في التلفاز والإذاعة .. منتشرة في كل مكان ، واللافتات على جوانب الطرق ، وفي المحلات التجارية ، عباراتها سوقية ،هجينة ..

المواجهة :ـ
(( لذلك لابد أن نجيب في العملية الإعلامية عن السؤال الكبير: " لماذا ؟ " فنجدد نوايانا ونوضح أهدافنا من العمل الإعلامي .. ثم نصل إلى السؤال : " كيف ؟ " فنضع الخطط والبرامج ونحدد الوسائل والأدوات في ضوء امكاناتنا و واقعنا , ومن ثمة تحديد الإجابة عن : " متى ؟ " وذلك ،لاختيار الزمن المناسب لأداء العمل المناسب .

حلول ومقترحات :ـ
(1)/ أن تستخدم وسائل الإعلام الكلمات الفصحى ، والعبارات السليمة التي تجمع بين البساطة في التعبير ،، واحترام قواعد اللغة .
(2)/ قيام وسائل الإعلام بالتوعية المستمرة في حثّ الجماهير على النطق بالعربية الفصحى .
(3)/ ضرورة وجود دائرة من المراجعين المدققين اللغويين ذوي الكفاءة يتتبعون النشرات والتقارير والبرامج الأخرى .
(4)/ تقديم تحديد حوافز تشجيعية لكل من يخرج عملاً إعلاميا بلغة فصحى مبسطة للجماهير في كل قطر .
(5)/ تقديم دروس تقوية للعاملين بالإعلام ، يكون حضورها إلزامياً في اللغة العربية بنحوها وصرفها .
(6)/ إقامة ندوات لغوية للإعلاميين ، و محاضرات بين الحين والأخر ، متعلقة بوسائل الإعلام .
(7)/ أن يكون اختيار المذيعين قائماً على جودة اللغة العربية ، وإتقانهم لها ، فكراً وثقافة ، وكتابة .
(8)/ زيادة الوقت المخصص للبرامج التثقيفية في اللغة العربية والعمل على رفع مستواها .
(9)/ تعميم لغة مشتركة تقرّب بين اللهجات ثم تلغيها بمرور الوقت .

(10)/ الربط بين الإعلام وأجهزته و التعليم والمناهج المدرسية.


(11)/ مراقبة ترجمة الأفلام والبرامج الأجنبية على المدققين اللغويين قبل تسجيلها ، و يكون شرطاً لشرائها أو مبادلتها .

(12)/ يفترض في الإعلانات التجارية أن تكون بلغة سليمة ناصعة ، آو على الأقل بلغة وسط بين العامية والفصحى .

(13)/ عدم إدخال ألفاظ أجنبية على العربية في لغة الإعلانات ، و تعتمد الترجمة و التعريب فيها تجنبا لازدواجية لغوية .



والله الموفق لما فيه خدمة الإسلام


الأستاذ/ سالم مبارك الفلق


بلادي و إن جارتْ علي عزيزة ٌ** و قومي و إن ضنوا علي كِرامُ