نحو خطاب إسلامي جديد ... الأصولية والاصلاح والسياسات الدولية
06-02-2007, 07:05 PM
نحو خطاب إسلامي جديد ... الأصولية والاصلاح والسياسات الدولية.

ثمة قناعة عند الكثير من الباحثين في تاريخية ومستقبل الحركات الإسلامية أن الحادي عشر من سبتمبر الدامي شكل حدثاً فارقاً في تاريخ تطور حركات الإسلام السياسي في المنطقة العربية، وأصبح من الصعب كما يقول عمر الشوبكي النظر إلى مستقبل هذه الحركات بمعزل عن تداعيات هذا الحدث عربياً وعالمياً (ص197) بخاصة أن ثمة عداء أميركياً معلناً لهذه الحركات السلمية السياسية منها وكذلك العنيفة.
من وجهة نظر الباحثين رفعت سيد أحمد مؤلف كتاب «النبي المسلح» كذلك عمر الشوبكي الخبير في مركز الأهرام ومؤلف كتاب «الإخوة المسلمون في مصر» أنه يمكن الحديث عن مستقبل الحركات الإسلامية، شرط تجــاوز ورفـض القــراءات السائـدة عن الإسلام السياسي والإسـلام عموماً، أولها القراءة الاستشراقية التي تقـرن الإسلام بالخيمة والقبيلة، بالجمود والتخلف، وتربط عن عمد المصحــف بالسيف، النص بالرصاص، وثانيها القراءة العلمانية كما يسميها عمر الشوبـكي وكما يــتهمها رفـــعــت سيد أحمد، والتي ما زالت تــنــتــج أحكاماً مسبقة وأيديــولوجية حولها الظاهرة الإسلامية والإسلام السياسي كعــقـــبـــة في وجه الحداثة المنشودة وفي مقـــدمتها كتابات فؤاد زكريا ورفعت السعيــد وسعيد العشماوي، وهي كتـــابــات تنتهي إلى إقصـــاء هــــذه الحـــركات ونفيها لا بل انها تطالب دولة شرق المتوسط على حد تعبير الروائي عبد الرحمن منيف بممارسة مزيد من العنف إزاء هذا الحركات.
ما يقلق من وجهة نظر سيد أحمد والشوبكي أن الخطاب العلماني لنقل مدعي العلمانية لا يزال على حاله، بمعنى أنه يقف عند أحكامه القديمة الجاهزة فلا يفرق بين خطاب سيد قطب باعتباره المنتج الإيديولوجي لتيار الإسلام السياسي على طول الساحة العربية وعرضها، وبين خطاب الشيخ راشد الغنوشي، ولا يفرق بين خطاب الإخوان المسلمين كحركة سياسية وبين خطاب الجماعات الإسلامية المتشددة. فالكل سواسية من وجهة نظره، وهو لا يكتفي بذلك فمن وجهة نظره أن كل حديث عن تغيير داخل خطاب الإسلام السياسي يندرج في إطار مؤامرة تستهدف اليسار العربي، أو يندرج في إطار مبدأ التقية الذي تعتمده هذه الحركات في حديثها عن الديموقراطية والإصلاح السياسي والتغيير.
يخص رفعت سيد أحمد حديثه عن مستقبل الحركات الإسلامية بالحديث عن «الجماعة الإسلامية» ثاني أكبر تنظيم بعد الإخوان المسلمين في مصر. فمن وجهة نظر سيد أحمد أن تغييراً ملحوظاً طاول خطاب هذه الجماعة التي اعتمدت لغة العنف، وأن ثمة مراجعة فكرية دقيقة، يسمها هو بالعنيفة تطاول «فقه العنف الجهادي» الذي تعتمده، وهو يعتمد في ذلك على أمرين، على الكتب الأربعة التي تندرج في إطار تصحيح المفاهيم التي أصدرتها الجماعة بعد مداولات طويلة داخل السجن وخارجه، وهذه الكتب هي :
1 - مبادرة إنهاء العنف.
2 - حرمة الغلو في الدين وتكفير المسلمين.
3 - تسليط الأضواء على ما وقع في الجهاد من أخطاء.
4 - النصح والتبيين في تصحيح المحتسبين.
وثانياً فـهـو يستـنــد عـلى المقـابـلة المطولة التي أجراها مكرم محمد أحمد رئيس تحـريـر المصور مع قـادة هذه الجماعـة (كـرم زهدي وآخرين) والتي نشرها على صفحات طويلة في المصور.
من وجهة نظر رفعت سيد أحمد «إن تحولاً بنيوياً رئيسياً في «طبيعة الجماعة» قد حدث، وأن مراجعة حقيقية وكاملة في كل أطروحات الماضي العنيف لهذه الجماعة، قد تمت على امتداد السنوات الخمس السابقة وأنها كانت جادة، وواعية في الوقت ذاته بالمخاطر العالمية الجديدة، خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، وبخاصة الخطر الإسرائيلي القادم إلى المنطقة كلها وفي القلب منها مصر» (ص 99)، وهو لا يكتفي بذلك بل يشيد بأن تحول الجماعة من جماعة دينية منغلقة إلى جماعة دينية سياسية منفتحة، تطرح رؤى إصلاحية وتطالب بالحوار، والتطبيع مع المجتمع بآفاق ورؤى أوسع مما سبق وطرحته في أدبياتها القديمة التي كانت في مجملها أطروحات صدامية ترفض الآخر، وتكفر الحاكم والمجتمع، وهذا ما يؤكده الشوبكي مع بعض التحفظ، فمن وجهة نظره أنه على مدى «أكثر من عقدين من الزمان بدأت حركات الإسلام السياسي تشهد تحولات كثيرة نتيجة تغيرات عالمية وإقليمية محلية وفي مقدمها حادث الحادي عشر من سبتمبر، لكنه يؤكد على أن هذه التغييرات سبقت الحادي عشر من سبتمبر بكثير وهذا ما يجمعه مع رفعت سيد أحمد. لا بل إنه يؤكد بقوله إن «المفارقة الحقيقية أن كثيراً من الجماعات الجهادية عادت في الألفية الثالثة وراجعت كثيراً من أفكارها في أعقاب هزيمتها في معركة المواجهة مع الدولة المصرية» (ص 222)، وهو يرصد ما يسميه التحول الجذري لهذه الجماعة قياساً بالمواقف التكفيرية السابقة التي انتهت بتكفير المجتمع والدولة معاً؟
والسؤال هو: هل تنجح هذه المراجعة العنيفة كما يصفها الشوبكي بوقف التراجع الذي وسم مسيرة هذه الجماعة والجماعات الإسلامية الراديكالية بوجه عام؟ وهل يصلح هذا التحول في مسيرة الجماعة من التكفير إلى تصحيح المفاهيم لأن يكون مدخلاً للبحث في مستقـبل هذه الحركات.
من وجهـة نظر رفعت سيد أحمد الذي يــدعو إلى بـناء «فقــه للمقاومــة» جديد يقــطع مع النــزعـة التكفيرية السابقة، أن لهذه الحـــركات مستقبلاً شرط تبـنـيـها لمنهج جديد في الفــكر والواقع وهذا هو مكمن رهانه. أما الشوبكي الذي ينتـقد بقوة التسطيح الفكري الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية في فهمها لهـذه الحركات، فيرى أن انكسار ما يسميه «الجهاد النصي» المنزوع الصلة بالواقع الاجتماعي والسياسي المحبط والمفصول عن حسابات السياسة يفسح المجال لانتعاش جديد لاحتجاج إسلامي مشروع وسلمي، وهو يعول في هذا المجال على أهمية التــفــاعل الكبير بين مشروع الإسلام السياسي السلمي والمشاريع السياسية الأخرى سواء كانت قادمة من داخل المجتمعات الإسلامية أو من الإدارة الأميركيــة، وبالتالي دمج تيار الإسلام السيـاســي الذي سيكون مهيأ لذلك في المسيرة المدنية لبلدان العالمين العربي والإسلامي وبالتالي تدعيم مسيرة التطور الديموقراطي وهنا مكمن الرهان وقيمة التحول الذي طاول خطاب الجماعة الإسلامية والذي من شأنه أن يدفع إلى تصحيح حقيـقـي للمفاهيم والأهم إلى تأسيس خطاب إسلامي إنسـاني جديد؟
و هو من الأمر الصعب لكون الحركات الاسلامية لا مخرج لها بدون غلو و عنف..