قتل مبرمج في سجون "أمير المؤمنين"
13-02-2016, 10:22 AM

تحقيق: رضا ملاح

صحافي بالقسم الوطني لجريدة الشروق


سجنا قلعة "مكونة" و"أغدر" بالمملكة المغربية، يخفيان السجناء بل المعتقلين وراء جدرانهما.. قصص مروعة للوحشية وإنهاء كرامة البشر.. لقد مر بغياهب زنزاناتهما معظم السجناء السياسيين الصحراويين، بموجب أحكام عسكرية طويلة الأمد، تفاوت ما بين 15 و24 سنة، صورها لاتزال محفورة في ذاكرتهم وأجسادهم، فمنهم من دخلها شابا لا يتعدى الـ18 سنة وخرج منها كهلا.
شهادات مروعة، روى فيها سجناء سياسيون وحقوقيون صحراويون لـ"الشروق"، "كابوس" التعذيب والإرهاب النفسي الذي عاشوه بالسجون ومراكز الاعتقال السرية لنظام المخزن، من قبل أعوان جهاز المخابرات "دي أس تي"، بدءا من اعتقالهم بمراكز سرية، لايزال يجهل بعض مواقعها إلى حد الآن، ونقلهم بعد ذلك إلى زنزانات تحقيق لا تتجاوز المتر مربع، على أن تنتهي المرحلة الأولى من "الموت البطيء" كما فضلوا تسميتها، إما بأمراض وآثار نفسية تلازمهم طيلة حياتهم، وهو ما حدث مع السجين محمد ددش الملقب بـ"مانديلا"، الذي قضى نحو 25 سنة محكوم عليه بالإعدام، أو يواجهون مصير "الموت" وسط جدران المراكز وزنزانات تحت الأرض، تأثرا بشدة الممارسات القمعية مثل ما حدث ذلك مع الكثير منهم .
سجنا "أكدز" و"قلعة مكونة".. الموت البطيء
وهم يستحضرون شريط ممارسات وأشكال التعذيب التي تعرضوا لها، بدت عليهم جليا آثار التوتر والرعب، وكأنهم يعيشونها من جديد، فكثيرا ما خانتهم الكلمات وهم بصدد التعبير عن أحد المشاهد والممارسات القمعية، ولم يجدوا ما يقولوا إلا عبارة "لا نستطيع أن نذهب بمخيلتكم إلى حقيقة ما عشناه بتلك الزنزانات الأرضية المظلمة، إلا إذا اطلعتم على شكلها وما نتعرض بداخلها".

قضى 24 سنة و7 أشهر ولــُقب بـ"مانديلا الصحراوي"
محمد ددش.. حقوقي وسجين سياسي سابق من مدينة لعيون: "دخلت سجن القنيطرة شابا وخرجت منه عجوزا"

يروي ددش، شهادة معاناته بالسجون المغربية، طيلة 24 سنة و7 أشهر، وكان مدانا بالإعدام، حيث صدر في حقه الحكم يوم 07 أفريل 1980، بالمحكمة العسكرية بالرباط، ونقل بعد ذلك للسجن المركزي بالقنيطرة، وخٌفض الحكم من الإعدام إلى المؤبد سنة 1994، وبقي في منفاه بسجن القنيطرة إلى غاية السابع نوفمبر 2001.
وكنتيجة لتدخل منظمات دولية، كالصليب الأحمر، ومنظمة "امنيستي أنترناسيونال"، التي أقدم رئيسها سنة 1989 على زيارته بالسجن، وبعد حملة قادتها المنظمة بمعية جمعية أولياء المعتقلين، وعدد من الجمعيات الحقوقية الأخرى، وشخصيات مدافعة عن حقوق الإنسان، تم الإفراج عنه يوم 7 نوفمبر 2001.
استهل ددش حديثه قائلا: "طيلة 24 سنة، لم أكن أرى الشمس إلا ساعة واحدة في اليوم، أتواجد داخل زنزانة مغلقة، ناهيك عن معاناة أخرى، قضيت 14 سنة منها وأنا محكوم علي بالإعدام"، وأَضاف "عموما السجناء يعانون من أمراض نفسية وجسدية، وقسوة العقوبة"، بالإضافة إلى التغييب الإعلامي عن أوضاعهم من قبل المخزن، وكذا بعدهم عن عائلاتهم بأكثر من 1500 كلم، ولذلك ما يمكن قوله "أوضاع لا يمكن وصفها.. عشنا القهر".
توقف المتحدث لبرهة قبل أن يواصل حديثه، ماذا تريدونني أن أقول عن الأوضاع التي عشناها لسنوات طويلة؟.. غياب لجان حقوق الإنسان، وضغط دولي على المملكة المغربية، من أجل إطلاق سراح السجناء والمعتقلين يزيد من معاناتهم، لأن المملكة المغربية لا تسمع نهائيا لأي أحد يتكلم عن أوضاعهم المساجين والمعتقلين في سجونها، وهذه كلها عوامل تدفع بالمساجين إلى التفكير أحيانا أن حياتهم وحريتهم ستنتهي بالمراكز والأماكن المحبوسين فيها.
ويضيف ددش، "الشخص المحكوم عليه بالمؤبد من دون جرم، بل هو مدان بقرارات سياسية جائرة يتعذب نفسيا حتى إن لم يتعرض لأي ممارسات قمعية"، لم يجد محدثنا سوى توجيه نداء للمنظمات الحقوقية في العالم، لمباشرة حملة لإطلاق سراح المعتقلين الصحراويين السياسيين، وعلى رأسهم مجوعة "اكديم ايزيك".
ورغم قسوة العقوبة التي قضاها بالسجون المغربية، والممارسات غير الإنسانية التي تعرض لها رفقة من كان معه من السجناء، غير أن محمد ددش لايزال يناضل من أجل حقوق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وتحرير أراضيه، ذكر أن أكبر مجموعة تعاني حاليا من حكم طويل الأمد،هي مجموعة "اكديم ايزيك"، وعلى رأسها الناشط الحقوقي العزة الحافظ المحكوم عليه بـ 16 سنة.


السجين السياسي السابق محمد صالح يروي "كابوس" مراكز التعذيب
يا ملوك المغرب لماذا فعلتم بنا كل هذا.. عذبتم نساءنا أمام أعيننا
"نتعرض بالسجون المغربية، ولأيام طويلة لممارسات مناقضة لجميع المواثيق والمعاهدات الدولية، حتى يبدأ يتساءل بعضنا: لماذا كل هذا التعذيب، ما الذي فعلناه؟ ليجيبوا على تساؤلاتهم: ألمجرد مطالبتنا بحقوق مشروعة".
هكذا فضل محمد صالح بداية الحديث عن محطات من حياته بالسجون المغربية، وهو بصدد الشروع في ذلك، أكد قائلا "سجن قلعة مكونة.. وما أدراك ما قلعة مكونة".
محمد الصالح هو سجين آخر، قضى مدة 14 سنة، ذاق مختلف أشكال وممارسات الإرهاب النفسي الذي يتعرض له السجناء الصحراويين، يقول في شهادته "اعتقلتني قوات الأمن المغربي رفقة عشرين آخرين، وطيلة 18 يوما ونحن تحت طائلة التعذيب في أحد المراكز السرية كنا نجهل موقعها، ونقلنا بعدها إلى سجن آخر تابع للدرك المغربي، أين وضع كل سجين في زنزانة، مساحتها متر ونصف مربع".
ويتابع الصالح حديثه "رغم صغر سننا في ذلك الوقت، تعرضنا للصعق بالكهرباء، وكنا نعلق كالشاة المذبوحة، وترمى علينا الأوساخ والحشرات، كما يترك المساجين لمدة ثلاثة أيام واقفين داخل زنزانة، ويتعرضون لصب الماء البارد والساخن، كما يأتوا بنسائنا وأخواتنا المسجونات معنا، لتعريضهن لنفس الممارسات أمام أعيننا".
ويضيف السجين الصحراوي، "أكدز سجن تحت الأرض، لا يستطيع المحبوس داخله حتى رؤية ضوء الشمس.. البطش من دون سبب، لمجرد تهم ملفقة لشباب لا يتعدون 18 عاما، يتعرضون لمراحل ممنهجة من التعذيب البطيء، ناهيك عن سوء التغذية، ويحرم السجناء حتى من التهوية والأوكسجين، حتى المعتقلين والمساجين الذين يكونون على فراش المرض"، ويتابع "..أما المرحلة التي قضيتها بسجن قلعة مكونة، فقد سجلت حيزا كبيرا من ذكريات حياتي، لما تعرضت له من ممارسات غير إنسانية، وأمراض ومضايقات وإرهاب نفسي"، وواصل قائلا: "أنا شخصيا تعرضت لعملية اغتيال بطيئة بهذا السجن، نتجت عنها أمراض، استدعت إجراء علمية استعجاليه، ووصلت إلى حد فقدان النظر والصوت".

عبد السلام عمر رئيس لجنة الدفاع عن حقوق السجناء السياسيين
المخزن عذب أزيد من 2000 صحراوي وصفى 214 آخر و60 شخصا دفنوا أحياء

من جهته، أكد رئيس لجنة الدفاع عن حقوق السجناء السياسيين الصحراويين، عبد السلام عمر، في حديثه حول أوضاع السجناء، لـ"الشروق"، أن الوضع أبشع مما يكون عليه في مكان آخر من العالم، من خلال المعاملة التي يقابل بها المعتقلون، والخرق السافر لمعاهدة جنيف التي وقعت عليها المملكة المغربية وجبهة البوليساريو.
ويقول عبد السلام عمر "إن سوء المعاملة بالسجون والانتهاكات التي تطال المحبوسين تسببت في وفاة 214 حقوقي وناشط سياسي، منهم شباب في مقتبل العمر، بسبب عدم تمكينهم من أدنى حقوقهم، كالتطبيب، مؤكدا أنه توجد عائلات بأكملها تم الزج بها في السجون، طالتها أحكام جائرة من طرف محاكم عسكرية ومدنية، لا لي شيء إلا لأن أحد أفرادها يملك معلومات عن الجرائم البشعة التي قام بها نظام المخزن منذ بداية الغزو إلى يومنا هذا، وبالأخص من يخوض في موضوع المقابر الجماعية".
إلى ذلك، ذكر المتحدث، في قضية المقابر الجماعية، أن البحث لايزال مستمرا، بمعية منظمات دولية وجمعيات حقوقية صحراوية، بعد أن تم اكتشافها لأول مرة سنة 2012، حيث وجد بها أكثر من 60 شخصا دفنوا أحياء، كاشفا عن إحصاء حوالي ألفي شخص يوجدون تحت الإفراج المؤقت من دون محاكمة وتم تعذيبهم ورميهم خارج السجون.
وأضاف عبد السلام عمر، أنه حان الوقت للضغط على المغرب، من خلال هيئة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، من أجل تطبيق البروتوكول الإضافي الأول لمعاهدة جنيف، الخاص بالكشف عن المفقودين وإطلاق سراح المعتقلين الصحراويين من دون أي شروط، خاصة مجموعة "إكديم ايزيك"، تماشيا مع ما أنجزه المقررون الخاصون ومجموعات العمل التابعة للأمم المتحدة.

رئيس المنظمة الصحراوية لمناهضة التعذيب مامي عمر السالم:
"أكثر من 500 معتقل لهم يظهر لهم أثر إلى حد الآن"

ذكر رئيس المنظمة الصحراوية لمناهضة التعذيب، مامي عمر السالم، أن أغلب الناشطين السياسيين والحقوقيين الصحراويين، مروا على تجارب ممارسات نظام المخزن خلال الـ 40 سنة الماضية، وطيلة هذه السنوات اعتقل جهاز المخابرات المغربي حوالي 500 ناشط سياسي وحقوقي في ظروف غامضة، لم يظهر لهم أثر إلى غاية حد الآن.
وقال عمر السلم أنه رغم مطالب عديد المنظمات الدولية كـ"هيومن رايتس واتش"، و"العفو الدولية"، المناهضة لممارسات الاعتقال والتعذيب، إلا أن نظام المملكة المغربية لايزال مستمرا في انتهاك جميع المواثيق الدولية، بدليل وجود اليوم أكثر من 70 سجينا سياسيا يقبعون في السجون، ولاتزال تمارس ضدهم الممارسات المذكورة بشكل منهجي ومنظم، ناهيك عن قضية الاختفاء القسري التي يرفض المغرب الخوض فيها.
وواصل عمر السالم أن معاناة الشعب الصحراوي مع النظام المغربي، بدأت منذ 40 سنة، ومنذ ذلك الحين، والسلطات المغربية تطبق سياسة الأرض المحروقة، واستمر مسلسل الانتهاكات ضد الصحراويين العزل، ممن قبعوا في سجون كانت في وقت سابق سرية، كقلعة مكونة، وأغدز، وبعض المعاقل التي لايزال يجهل مواقعها إلى غاية الآن، والحصيلة المسجلة إلى حد الساعة أكثر من 500 صحراوي لا يعرف مصيرهم.
من جهة أخرى، ذكر المتحدث أن النشطاء الحقوقيين يشتغلون في جو من الرعب، وأكد قائلا "أنا شخصيا ذقت مرارة التعذيب عديد المرات، وتم طردي نحو موريتانيا، ورميت بمنطقة عازلة في الحدود الموريتانية، هذا الأمر حصل معي في عديد المرات".
وخلال تطرقه للحديث عن المراكز السرية للاعتقال، أوضح المصدر أنه لم تعرف إلا بعد أن خرج الناجون من غيابها، من بينها "قلعة مغونة"، وهو سجن شهير يوجد بجنوب المغرب بمنطقة معروفة بالورود، عرف موقعه لما خرج منه سجناء، وحسب شهادة هؤلاء فإنهم يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب والترهيب النفسي، كما يقوم الأمن المغربي بوضع أحزمة على أعينهم حتى لا يعرفوا أين هم، ولحد الساعة تبقى عديد المعاقل السرية، التابعة للمخابرات المغربية التي يتم فيها تعذيب الصحراويين مجهولة.
وواصل قائلا "أؤكد لكم أن كل مدينة محتلة بها معاقل سرية، الآن لا توجد معاقل أو سجون سرية، موازاة مع تحرك المنظمات الدولية، لكن ما نجهله هي المراكز التي يتم فيها تعذيب المعتقلين أربعة أو خمسة".