تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > المنتدى العام > المنتدى العام

> القرضاوي واتحاد علماء المسلمين والدّور المشبوه

 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية بذرة خير
بذرة خير
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 01-09-2007
  • المشاركات : 6,800

  • اجمل رسمة بالقلم جائزة3 

  • معدل تقييم المستوى :

    23

  • بذرة خير will become famous soon enough
الصورة الرمزية بذرة خير
بذرة خير
شروقي
القرضاوي واتحاد علماء المسلمين والدّور المشبوه
12-03-2012, 11:26 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

أحْمَدُ الله تعالى، وأصلِّي وأسلِّم على رسوله المختار، وعلى آله وصحبه الأبرار، وبعد:
فإنَّ العلماء الرَّاسخين هم منارةٌ للأمة، يُعلِّمون الناس، ويُرشدونهم، ويحثُّونهم على الخير، ويُحذِّرونهم من الشَّر؛ لأنهم ورثة الأنبياء، لم يرثوا منهم درهمًا ولا دينارًا، ولكن ورثوا منهم العلم، أولئك هم العلماء الصَّادقون.
وفي مقابل هؤلاء؛ أناسٌ راموا الصُّعود في مراقي العلم والعلماء، لكنَّهم لم يُحْكِمُوا بناءهم، ولم يوطِّدوا أركانه على قواعدها الصَّحيحة، فجمعوا حقًّا وباطلاً، ومزجوا الصَّحيح بالسَّليم، فلم يكن مستغربًا أن يمتطي أحدهم صهوة الفضائيَّات، مُهدِّدًا بسيفٍ ثوريٍّ طائشٍ إخوانَه من المسلمين شعوبًا وحكَّامًا؛ مُستغلاًّ الهالة الكبيرة التي يرسمها لنفسها أو يرسمها له آخرون؛ لأغراضٍ حزبيَّة، ومآربَ أُسِّست على تجاهل قواعد الشَّرع الحنيف وأصوله في هذا الباب.
وقد كان يُمكن أن يُكتفى في غير هذا المقام بأن يُقال: (ما بال أقوام)، على صيغة الإبهام دون تصريح، ولكن حينما يهدم الآخرُ في خطابه وتهديداته واستعداءاته صروحَ العدل والإنصاف والأدب، ويقيم على أنقاضها مبانٍ متهالكةٍ من التُّهم الباطلة، ويجمع كيدَه برزمةٍ من التَّحريضات المغرضة، ويهدِّد باستغلال المنبر لإشعال الفتن في بلاد المسلمين؛ فإنه لا بدَّ حينئذٍ من التَّصريح وكشف الحقائق.
لقد قال القرضاوي قديمًا في كتابه (في فقه الأولويات) في فصلٍ بعنوان (الأولويات في مجال الإصلاح) ص 209 :
ومن الأولويات المهمة في مجال الإصلاح: العناية ببناء الفرد قبل بناء المجتمع، أو بتغيير الأنفس قبل تغيير الأنظمة والمؤسسات، والأفضل أن نستخدم التعبير القرآني وهو تغيير ما بالأنفس: {إنَّ الله لا يغيِّر ما بقومٍ حتَّى يغيِّروا ما بأنفسهم}، فهذا أساس كل إصلاح أو تغيير أو بناء اجتماعي: البداءة بالفرد، فهو أساس البناء كله، إذ لا أمل في إقامة بناء سليم متين إذا كانت لبناته واهية أو فاسدة، والإنسان الفرد هو اللبنة الأولى في جدار المجتمع، ولهذا كان كل جهد يبذل لتكوين الإنسان المسلم الحق وتربيته تربية إسلامية كاملة له الأولوية على ما سواه؛ لأنه مقدمة ضرورية لكل أنواع البناء والإصلاح، وهذا هو تغيير ما بالنفس، إن بناء الإنسان الفرد الصالح هو مهمة الأنبياء الأولى ومهمة خلفاء الأنبياء وورثتهم من بعدهم، وإنما يبنى الإنسان أول ما يبنى بالإيمان أي بغرس العقيدة الصحيحة …”.ا.هـ
لقد اعترف القرضاوي في كتابه هذا بأنَّ فقه الإصلاح يكون: بتغيير الأنفس قبل تغيير الأنظمة، واعترف صراحةً أنَّ هذا هو المنهج القرآنِيّ، وأنَّه مهمَّة الأنبياء الأولى، وأنَّه مهمة خلفاء الأنبياء وورثتهم من بعدهم، وأنه المقدَّم في مجال الإصلاح.
فهل التزم القرضاويّ بهذا المنهج القرآنِيِّ وتأسَّى بالأنبياء والخلفاء وورثتهم وعمل بفقه الأولويات في الإصلاح؟!
أم أنَّ الكلام السَّابق لم يَعُدْ في واقعه اليوم إلاَّ حِبرًا على ورقٍ كما يُقال؟!
في الموقع الرسمي للدكتور القرضاوي قسم المقالات يقول أحدهم في مقالٍ له بعنوان (القرضاوي.. شيخ شباب الحرّيّة):”وهكذا تمضي الثورات العربية كلّ يوم إلى ما شاء الله لها أن تمضي، وتحلم الشّعوب التي لم تدركها الثّورة بمجيء يوم تثور فيه على طغاتها”.
ويقول صاحب هذا المقال:”ولأن قطار التّغيير الخيّر على الأمة العربيّة هبّ، كان لابدّ له في كلّ البلدان أن يحطّ”.
إنَّ المنهج الذي يُعلنه القرضاوي اليوم ويجهر به للعالمين هو تغيير الأنظمة قبل تغيير الأنفس، وخلع الرؤساء من الكراسي قبل خلع الهوى من النفوس، وإشعال الثَّورة في جميع البلدان العربيَّة؛ مُخالفًا بذلك المنهج القرآنِيِّ، ومُخالفًا الأنبياء والخلفاء وورثتهم، ومُخالفًا فقه الأولويات في باب الإصلاح، ذلك الذي سطَّره هو نفسه قديمًا!
يقول صاحب ذلك المقال:”لقد ظلت أمتنا لعقود تبحث عن نفسها، تبحث عن فارس يقود عودتها لريادتها، وقائد يوجه معركتها، ويرشّد خطواتها، إلى أن منّ الله في هذه الأحداث الأخيرة برجل كان ذاك هو بعينه، … ذلكم هو العلامة يوسف القرضاوي حفظه الله تبارك وتعالى ورعاه، الذي كان قائد الحريّة بامتياز، وداعية الحق والعدل، وشيخ الثورة ضد عداتها، وكان الوقود الذي يذكي شعلتها، بل والنور الذي ينير دربها”.ا.هـ
لا أدري إن كان القرضاوي يتشرَّف بأن يكون الوقود الذي يُذكي الثورات التي تُراق فيها الدماء وتُزهق فيها الأنفس؟!
وهل القرضاوي يحلم بهذا الدور القيادي أن يكون شيخ الثورة وقائد الحرية والوصيَّ على الشعوب العربيَّة على حساب الدماء المراقة والفتن المشتعلة، ولا يكتفي بذلك كلِّه حتَّى يستضيف في موقعه الرَّسمي التَّحريضات على إشعال الثورات في جميع البلدان العربية!!
هل هذا هو الإصلاح الذي يزعمه القرضاوي؟!
والأمر لم يتوقف على القرضاوي فحسب، بل تعدَّى إلى ما يُسمَّى باتحاد علماء المسلمين زعموا.
ففي الموقع الرسمي للدكتور القرضاوي قسم المقالات يقول أحدهم في مقال له بعنوان (اتحاد علماء المسلمين … دور في زمن الثورة):”هذا الدور المتعاظم الذي يلعبه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين زاد بشكل غير مسبوق مع اندلاع الثورات في الدول العربية وتحديدا منذ اندلاع الثورة المصرية التي مثلت علامة فارقة في تاريخ الأمة العربية وكذلك في الدور الذي يلعبه الاتحاد في تعضيد هذه الثورات ودفعها للوصول إلى نهايتها المأمولة لتغيير واقع الأمة المزري”.
إلى أن قال:”ولأن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بطبيعته يعد ممثلا للشعوب العربية والإسلامية كان لا بد أن يأخذ زمام المبادرة ليكون صوت هذه الشعوب المسموع في مواجهة نظمها الفاسدة …”.ا.هــ
فأقول:
أوَّلاً: من الذي خوَّل هذا الاتحاد المزعوم أن يكون ممثِّلاً للشُّعوب العربيَّة والإسلاميَّة؟!
هل علماء الأمة وأئمتها ومنهم علماء أجلاَّء مشهودٌ بعلمهم وفضلهم واعتدالهم في أرض الجزيرة العربية وغيرها، هل أجمعوا على هذا الاتِّحاد فصار ما يصدر منه هو من قبيل الإجماع المعروف في أصول الفقه؟!
أم أنَّ تَمثيل الشُّعوب ورقةٌ يلهو بها من يشاء؟!
أم أنَّه التَّسلُّط على رقاب المسلمين باسم هذا الاتِّحاد المزعوم؟!
وإذا كان القرضاوي اتَّهم رئيس دولتنا ونائبه وحكامنا بأنهم تسلَّطوا على رقاب شعوبهم زعمًا منه باطلاً، فإنه هو نفسه يمارس المهنة نفسها حينما يتسلَّط على رقاب الأمَّة شعوبًا وحُكَّامًا؛ يُهدِّد ويتوعَّد ويُمارس دكتاتوريَّةً من نوعٍ آخر!
ثانيًا: هل الدَّور الذي لا بدَّ أن يلعبه هذا الاتِّحاد هو تعضيد الثَّورات وإشعال فتيل الفتن هنا وهناك في البلدان العربية بدعوى التصدي للأنظمة الفاسدة؟!
وإذا كان رئيس الاتِّحاد هو القرضاوي نفسه فأين هذا الرئيس واتِّحاده من الكلام الذي سطَّره القرضاوي نفسه في (فقه الأوليَّات) من المنهج القرآني ودعوة الأنبياء والخلفاء وورثتهم في باب الإصلاح؟!
وأين القرضاوي واتِّحاده من مقال القرضاوي نفسه والذي هو بعنوان (الخلل في فقه الخروج على الحكام) في موقعه الرَّسمي حيث يقول فيه:
يقع الخلل عند جماعات العنف في فقه الخروج على الحكام: فهو يتمثَّل في أنهم يرون وجوب الخروج على الحكام المعاصرين في البلاد الإسلامية، ما داموا لا يحكمون بما أنزل الله، وما داموا يوالون أعداء الله، وما داموا يعادون الدعاة إلى الله، وما داموا قد فرضوا أنفسهم على شعوبهم بغير رضاها واختيارها”.
ثُمَّ قال القرضاوي في المقال نفسه:”ولا أرى أن وضع الحكم في معظم الأقطار الإسلامية: وضع يرضى عنه الله ورسوله والمؤمنون”.
إلى أن قال:”ولكنا نخالف جماعات العنف في حمل السلاح، والخروج على الحكام بالقوة المادية، بدعوى أن هذا واجب ديني، وفريضة شرعية: لما ذكروه من أدلة واعتبارات تؤيد وِجهة نظرهم، فقد غفل هؤلاء – من جماعات العنف – عن أمر مهم، وهو أن الذي ذكروه هنا من النصوص، يدخل في باب العمومات والمطْلقات، التي خصَّصتها أو قيَّدتها نصوص أخرى، جاءت تأمر بالصبر على جَور الأئمة، ومظالم الأمراء، وإن جاروا على حقوق الأفراد بأخذ المال، وضرب الظهر، ما لم يظهر منهم كفر بواح عندنا فيه من الله برهان. وما ذلك إلا للإبقاء على وحدة الأمة واستقرار الدولة، والحرص على حقن الدماء، وسلامة الأرواح والأموال، والخشية من أن تفتح أبواب فتن لا تسدُّ، وأن تفتق فتوق يصعب رتقها. وقد شدَّدت الأحاديث في هذا الجانب، حتى لا يسارع أهل الورع وأهل الحماس، بالخروج على السلطان الشرعي: بكلِّ ما يرونه مخالفا، وإن لم يكن من الضروريات أو القطعيات في الدين، ولقد أثبت التاريخ الحافل قديما وحديثا: أن (الخروجات المسلَّحة) على الأمراء والحكام، لم يقدر لها النجاح، وباءت بالإخفاق، إلا ما ندر، ولم تكسب الأمة من ورائها شيئا إلا الفتن والاضطراب، وزعزعة الأمن، وسفك الدماء في غير طائل”.
قال القرضاوي مُتمِّمًا كلامه:”وحسبنا أن نلقي نظرة سريعة على الأحاديث، التي ذكرها صاحب (منتقى الأخبار) وشرحها الشوكاني في (نيل الأوطار)، تحت عنوان:(باب الصبر على جور الأئمة وترك قتالهم والكف عن إقامة السيف)”، وذكر هذه الأحاديث النَّبويَّة.
وذكر القرضاوي في المقال كلام الشَّوكانِيِّ رحمه الله في شرح بعض الأحاديث:”قوله: (وإن ضُرب ظهرك، وأُخذ مالك، فاسمع وأطع): فيه دليل على وجوب طاعة الأمراء، وإن بلغوا في العسف والجَور إلى ضرب الرعية وأخذ أموالهم، فيكون هذا مخصِّصا لعموم قوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]، وقوله:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]“.
وذكر في مقاله كلام النَّوويِّ رحمه الله فقال:”قال النووي: (وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرتُه، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق، وأما الوجه المذكور – في كتب الفقه – لبعض أصحابنا: أنه ينعزل، وحُكي عن المعتزلة أيضًا: فغلطٌ من قائله، مخالف للإجماع، قال العلماء: وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه: ما يترتَّب على ذلك من الفتن، وإراقة الدماء، وفساد ذات البين، فتكون المفسدة في عزله: أكثر منها في بقائه)”.
فإذا كان القرضاويُّ يعُدُّ نفسه قائدًا ثوريًّا للشُّعوب العربيَّة ووصيًّا عليها ضد حكَّامها؛ فإنَّه يثور أوَّل ما يثور على نفسه التي بين جنبيها والتي سطَّرت مثل هذا المقال، ويثور أوَّل ما يثور على ما أورد فيها من النُّصوص النَّبويَّة الشَّرعيَّة والإجماعات!
ثالثًا: لقد عجبتُ كثيرًا من كمِّ التَّناقضات والازدواجيَّات في مواقف القرضاوي واتِّحاده المزعوم!
ففي الموقع الرَّسمي لاتحاد علماء المسلمين في قسم التَّعريف في بيان سمات الاتحاد المنشود:”3- الشعبية: فهو ليس مؤسسة رسمية حكومية، وإنما يستمد قوته من ثقة الشعوب والجماهير المسلمة به، ولكنه لا يعادي الحكومات، بل يجتهد أن يفتح نوافذ للتعاون معها على ما فيه خير الإسلام والمسلمين”.
ألم تستغربوا معي من عبارة:”لا يعادي الحكومات”!
فإذا كان القرضاوي رئيسًا لهذا الاتِّحاد فإن من سمات الاتحاد الذي يترأسه هو … هو ألاَّ يعادي الحكومات!
ولكنَّ الواقع كما تعلمون غير هذا تمامًا، فإنَّ القرضاويَّ نفسه رئيس الاتحاد يُمارس بكل جدارة معاداة الحكومات! ويُورد المقالات في موقعه الرَّسمي عن الدور الثوري للاتحاد الذي يترأَّسه! ويورد المقالات التي تريد تصدير الثورة إلى جميع البلدان العربية بلا استثناء!
ألا تجدون بعد ذلك أن كلمة:”لا يعادي الحكومات” لا محل لها من الإعراب في واقع القرضاوي!
وهل هذا يدلُّ على مصداقيَّة هذا الاتِّحاد ورئيسه؟!
والعجبُ أنَّك تقرأ في قسم التَّعريف في الموقع الرَّئيسيِّ لهذا الاتِّحاد قولهم:”ولهذا الاتحاد سمات وخصائص يجب أن يتصف بها”!
فإذا كانت هذه السِّمات (واجبةً) على المنضوين في هذا الاتِّحاد، ومنها عدم معاداة الحكومات كما في النُّقطة الثَّالثة؛ فلماذا ينحرف القرضاوي رئيس هذا الاتِّحاد عن هذا الأمر (الواجب) الذي (أوجبه) هو نفسُه واتِّحادُه المزعوم!
أليست هذه تناقضات تُزلزل مصداقيَّة القرضاوي واتِّحاده؟! وتُسلِّط الضَّوء على الأدوار المشبوهة؟!
وأخيرًا أقول للقرضاوي ومن هو مُغترٌّ به:
كفى تَخديرًا وتغريرًا بشباب الأمَّة!
كفى إبعادًا للمسلمين وخاصَّةً الشَّباب منهم عن الطَّريق الحقيقيِّ للفوز بِمَعيَّةِ الله سبحانه الخاصَّة؛ من التَّأييد والحفظ والإعانة والتَّوفيق، كما قال عزَّ وجلَّ:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النَّحْلِ: 128].
إنَّك يا قرضاوي بتعليق أمجاد الأمَّة بالثَّورات تَصرف النَّاس والشَّباب عن الطَّريق الصَّحيح لنيل المجد والعزِّ، وهو توثيق العلاقة مع ربِّ العالَمين، الذي بيده خزائن السَّماوات والأرض، الذي له الخلق والأمر، وكلُّ ما يجري في هذا العالَم فإنَّما هو بتقديره سبحانه وحكمته جلَّ في علاه، فلا نصر ولا عزَّ ولا مجد ولا تمكين ولا فوز في الدنيا والآخرة إلاَّ باللجوء إليه، واستمداد العون منه، وإحياء القلوب والجوارح بطاعته، وحسن عبادته، وتقواه، وتعظيم أوامره وحرماته، مخلصين له الدِّين، على وفق ما شرع وارتضى؛ مقتدين بعلماء الأمَّة الأخيار، وأئمَّتها الأبرار، وعلى رأسهم صحابة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ورضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، حملةُ راية الاعتدال والوسطيَّة، ودعاةُ الخير للأمم كلِّها.
فيا شباب الأمة تزوَّدوا فإنَّ خير الزَّاد التَّقوى، ولباس التَّقوى ذلك خير، وتعاونوا مع ولاة أمركم على البِرِّ والتَّقوى، واعرفوا لهم قدرهم، ووقِّروهم، واسمعوا لهم وأطيعوا بالمعروف، وأرفعوا أكفكُّم بالدُّعاء لهم، واجتهدوا في العلوم الشَّرعيَّة التي هي أشرف العلوم على الإطلاق من منابعها الصَّحيحة، واجتهدوا في العلوم الدُّنيويَّة النَّافعة، وتبوَّءوا فيها أرفع المراتب المعرفيَّة، وأعلى الدرجات العلميَّة، ونافِسُوا الأمم كلَّها شرقها وغربها في علوم الطب والفيزياء والصناعة والتكنولوجيا وغيرها بكلِّ جِدٍّ واجتهادٍ ومثابرة، متسابقين إلى كلِّ جديدٍ نافعٍ يستفيد منه مجتمعكم وأمُّتكم.
وإذا كان القرضاويُّ يقصد بصيحاته الثَّوريَّة واتِّهامته أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فإنَّ لهذا الباب الجليل آدابًا وشروطًا وضوابط وفقهًا ليس يراعيها القرضاوي في صيحاته واتِّهاماته ولا يبالي بها.
وقد تستَّر أقوامٌ عبر تاريخ الأمَّة بدعاوى إنكار المنكر فسعوا بالفتنة، وأفسدوا في الأرض غاية الإفساد عندما انحرفوا في هذا الباب عن أحكام الشَّرع الحنيف، وانطلقوا من عقائدهم التي نضحت بالتَّكفير، ومن عواطفهم التي عصفت بهم في الفتن المدلهمَّة، فأراقوا الدماء، وأزهقوا الأنفس، وبثُّوا الفرقة والشِّقاق والنِّزاع.
قال العلامة ابن القيّم رحمه الله:”وأخرجت الخوارج قتالَ الأئمَّة والخروجَ عليهم بالسَّيف في قالب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وأخرج أرباب البدع جميعهم بدعهم في قوالب متنوِّعةٍ بحسب تلك البدع”.
ولذلك لَمَّا سأل أبو مطيع؛ الإمام أبا حنيفة رحمه الله: ما تقول فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيتَّبعه على ذلك أناسٌ فيخرج من الجماعة، هل ترى ذلك؟ فقال الإمام أبو حنيفة: لا، فقال أبو مطيع: لِمَ وقد أمر الله تعالى ورسوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بالأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر وهو فريضة واجبة؟ فقال الإمام: هو كذلك، لكنْ ما يُفسدون أكثر مِمَّا يُصلحون من سفك الدّماء واستحلال الحرام.
أفلم يئن للقرضاوي أن يعتبر ويتَّعظ؟!
وقد أخرج الهرويُّ وغيره عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنَّه قال: “اعلم أنَّ الضَّلالة حقَّ الضَّلالة: أن تعرف ما كنت تنكر، وأن تنكر ما كنت تعرف، وإيَّاك والتَّلوُّن في دين الله، فإنَّ دين الله تعالى واحد”.
ومن كثرة تقلُّبات القرضاوي أنَّك لو جمعت تقلبُّاته وتغيُّراته لبلغت كتابًا، وهذا يدلُّ دلالةً واضحةً على اضطرابه وأنَّه لا يصحُّ أن يتصدَّر الأمَّة.
فالنَّصيحة المتأكِّدة في هذه الأزمان بالاجتهاد كلَّ الاجتهاد فيما يلي:
الأمر الأوَّل: طلب العلم الشرعي وتحصيله فهو الوحي، كما قال تعالى:{وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ}، وهو النُّور الذي يُميَّز به بين الحقِّ والباطل وما يرضي اللهَ ويسخطه، كما قال تعالى:{مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا}.
وكلمَّا استكثر الرَّجل منه؛ استكثر من ميراث النُّبَّوة، كما قال تعالى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}، وهو من أعظم أسباب النَّجاة من الفتن، كما في حديث:« إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا » متفق عليه.
الأمر الثَّاني: الاجتهاد في معرفة التَّوحيد والاعتقاد الصَّحيح، والحذر من أنصاف العلماء والمخالفين في السَّاحة الدَّعويَّة ومنهم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
الأمر الثَّالث: الاجتهاد في جمع الكلمة والألفة بين الراعي والرعية على المنهج الشرعي، كما في الصَّحيحين عن النُّعمان بن بشير أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِى تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى » متفق عليه.
وفَّقنا الله سبحانه إلى ما يُحبُّ ويرضى ورزقنا الإخلاص لوجهه الكريم.
وصلَّى الله وسلَّم وبارك على خير خلقه مُحمَّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالَمين.

كاتب إماراتي
  • ملف العضو
  • معلومات
أحباب بني يلمان
عضو جديد
  • تاريخ التسجيل : 21-07-2014
  • المشاركات : 6
  • معدل تقييم المستوى :

    0

  • أحباب بني يلمان is on a distinguished road
أحباب بني يلمان
عضو جديد
رد: القرضاوي واتحاد علماء المسلمين والدّور المشبوه
29-07-2014, 05:15 PM
السلام عليكم

لك الشُكر اخي ابو ايمن رضوان .
من مواضيعي
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 04:44 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى