بين عبد الحميد مغيش و إبراهيم الكوني "الغموض و اللغة الصوفية".
01-02-2016, 04:10 PM
بين عبد الحميد مغيش و إبراهيم الكوني
الغموض و اللغة الصوفية.
--------------------------
يحاول هذا المقال المقتضب أن يحدد تلك التقاطعات الجمالية التي يمكن سبرها بين التجربة الروائية عند الروائي الجزائري عبد الحميد مغيش والتجربة الروائية عند الروائي الليبي إبراهيم الكوني .
إن المتتبع لكتابات الروائي عبد الحميد مغيش، يمكنه و بسهولة تعيين تلك الهوة الجمالية التي تفصل بين سيرورة أحداثه السردية، إنها هوة تشتغل على هدم تلك التراتبية التقليدية الخاصة ببنية الحدث.
فالحدث عنده لا يعتمد على المنطق الواقعي فحسب، إنه يرتكز في تكونه على التصور القرائي الجمالي، إنه ينبني خصوصا على التخلص التام من التتالي الاستدعائي الذي ترتبه شخوص الحكي، ليحقق وجوده انطلاقا من خصوصية حكائية تمنح تلك السلطة المطلقة للقارئ المبدع، على ربط السوابق باللواحق.
وهذا عينه ما نلاحظه عند إبراهيم الكوني في رواياته، فهو غالبا ما يقدم لوحات مشهدية منبتة عن بعضها، ليمنحها بهذا الانقطاع و التشرذم ما ينبغي من لحمة و بنائية.
إن عبد الحميد مغيش كونه صاحب لغة نثرية صوفية، تتشرب ذلك الزخم الروحي الصحراوي، فإنه غالبا ما يميل بذلك إلى العودة و في كل مرة إلى تلك الروافد التاريخية، التي هو في الأصل ينطلق منها، فهو و في عمق تعقبه لتلك القيم الحضارية المدنية الواقعية، نجده يحاول أن يحتويها و بلغة تراثية لا يحدها تجدد الزمان ولا تغير الإنسان.
إنها تلكم اللغة التي تحوم حول القضايا الاجتماعية و السياسية و غيرها، من غير أن تسميها بمسمياتها، إنها تقبض عليها لتقدم لها تعيينا فريدا، لا تقولبه الكلمات و الاصطلاحات.
تلك اللغة التي تنفتح على الوجود لا لتحد من وسعه ورحابته، بل لتحافظ على قدر أكبر من لانهائياته الجمالية، كل ذلك لأجل أن تتماهى معه.
إن هذا هو عينه ما نلفيه في لغة إبراهيم الكوني، التكثيف، و الإشارة، بالإضافة إلى كثير من الروحانية التي تنبثق من جوهر الشخوص.
إن الغموض هو سمة غالبة على كتابات إبراهيم الكوني، ونقصد بالغموض هذا، تلك الصعوبة التي تتعقب القارئ على صعيد تطور الأحداث و ترابطها، كما على مستوى الشعرية السردية، بحيث تتعاضد الرواية بنعتها قطع منفصلة مع القارئ فحسب إذ أنه و بدافعه الإبداعي القرائي، الوحيد المخول له رسم المسارات الذاتية للرواية، هذا ما نعثر عليه في كتابات عبد الحميد مغيش.
قصارى القول و بعد كل ما سلف، هو أن هناك تشابهات كثيرة يمكن تعقبها بين الكثير من كتاب الرواية، غير أن هذا التشابهات غالبا ما تكون تشابهات متصلة بجوهر التكوين الجمالي للمبدعين، و بعلاقة طبيعة اللغة بالإنسان والزمان.
--------------------------
دكتور. شكري الفرجاني.