رواسب ما قبل التّوبة
03-06-2018, 05:30 PM
رواسب ما قبل التّوبة
سلطان بركاني


طالما ارتفعت أصوات الأئمّة والخطباء من فوق المنابر تنادي الشّباب، وتدعوهم ليتوبوا إلى الله العزيز الوهّاب، وطالما بحّت أصواتهم من النّداء والعتاب، لكنّهم ما وجدوا من أثر لتلك الدّعوات وتلك النّداءات إلا قليلا.. ولمّا أراد الله بمنّه وكرمه أن يهدي من شاء: كان ما كان، يوم حلّ رمضان ولاحت أنواره، وفاحت نسماته، فشرح الله بها صدور آلاف الشّباب الذين ملئوا بيوت الله، وكلّهم يرجو رحمة الله، ويتمنّى الثّبات على الطّاعة والاستقامة حتّى الممات.
لا شكّ في أنّه ما من عبد مؤمن صادق إلا وهو يتمنّى لنفسه الهداية والاستقامة والثبات، ويتمنّى من سويداء قلبه لهؤلاء الشّباب التّائبين: أن يثبتوا على توبتهم في رمضان وبعد رمضان حتى يلقوا الله الواحد الديان، ولا يريد لهم أن يعودوا إلى ظلمات الحرمان بعد أن ذاقوا حلاوة الطّاعة والإيمان، ويعودوا إلى أسر الشّهوات بعد أن تحرّروا منها إلى رحاب الطّاعات، وإلى مجالسة الغافلين المعرضين بعدما صفّوا أقدامهم بين الرّاكعين والسّاجدين.
أخي الشابّ:
يا من تُبت في شهر التّوبة والغفران.. لا أظنّك قد تبت في رمضان، وأنت تضمر العودة إلى المعاصي في شوّال!!؟، وإنّما هي فطرة الخير التي انتفضت في نفسك مع بداية رمضان، لتعلنها عودة إلى الرّحيم الرّحمن، لتطلّق حياة الغفلة والحرمان، وتبدأ حياة الطاعة والإيمان.
هل تعلم أخي: أنّ الله قد فرح بتوبتك؟، نعم، أنت باسمك ورسمك قد فرح الله بتوبتك، بل ربّما تكون ممّن يباهي بهم ملائكته.. أيّ حياة أرفع من هذه الحياة: أن يرضى الله عنك ويحبّك ويباهي بك ملائكته الكرام؟، إنّها الحياة التي لا تشترى بالأموال ولا تحصّل بالوساطات.
لقد تبت -أخي الشّابّ- ووجدت لتوبتك حلاوة، وأنت الذي لا تزال مصرّا على بعض رواسب حياتك قبل رمضان.. هل تخيّلت كيف ستكون حياتك لو تخلّصت من تلك الرّواسب؟.
لا شكّ في أنّك ستعيش جنّة الدّنيا، نعم جنّة الدّنيا، جنّة الرّضوان؛ يوم ترضى عن الله ويرضى عنك ويحبّك، فيحبّك أهل السّماء وأهل الأرض..
ستتساءل أخي:
وما هذه الرّواسب التي تحول بيني وبين رضوان ربّي؟.
ما هي هذه المخلّفات التي تحول بيني وبين جنّة الدّنيا والآخرة؟.
فأجيبك:
تبت أخي من ترك الصّلاة، ولكنّك لا تزال تنام عن صلاة الفجر.. ربّما لا تعلم أنّ تهاونك في هذه الصّلاة قد يكون سببا لترك الصّلاة بعد رمضان.. كم مرّة حاولت المحافظة على الصّلاة ثمّ تركتها، ولم تبحث عن السّبب؟، إنّه النّوم عن صلاة الفجر..
ربّما تكون -أخي المؤمن- تُبت من إضاعة الصّلاة، وصرت تصلّي الفجر في المسجد، لكنّك ربّما لا تزال لم تتب من معصية إطلاق العنان للنّظرات في الشّوارع، وأمام الشّاشات وفي بحار الانترنت، لا تزل أسيرا للأهواء والنّزوات.
إنّ ذنبا كهذا، ربّما يكون سببا في إعراض الله وتخلّيه عنك، فما تلبث أن تعود في شوّال إلى ما كنتَ عليه قبل رمضان..
ربّما تبت –أخي-من ترك الصّلاة وتبت من النّظرات، لكنّك ما تبت عن التّدخين؛ لا تزال تقول: إنّه ذنب هيّن، والله غفور رحيم..
اعلم أخي أنّه لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار.
كنتَ تتعلّل بأنّك لا تستطيع ترك التّدخين قبل رمضان، فها أنت قد تركته في نهار رمضان، فما الذي يردّك عن تركه في ليل رمضان كما تركته في نهاره؟، تحتاج فقط إلى صدق وعزيمة، ومعرفة بربّك الذي تعصيه..
ربّما تُبت –أخي الشابّ- من ترك الصّلاة ومن النّظرات ومن التّدخين ومن السّهرات، فهنيئا لك، لكن ما بال هذه السّلسلة التي تطوّق رقبتك؟، ما بال هذه الخواتيم التي تملأ يدك؟، أما تعلم أنّها من المحرّمات، وأنّها ربّما تكون من أسباب انتكاستك ونكوصك وعودتك إلى ذنوبك ومعاصيك؟.
أنت رجل، ولا يحلّ لك أن تتزيّن بزينة المرأة، فأطلق أخي وثاقك، وألق عنك هذه الرّواسب وهذه المظاهر التي لا تليق بك كرجل، كيف وأنت مسلم وتعلم أنّ دينك يحرّم هذا؟.
إنّ التّنعّم والتّرفّل في الزّينة من خصائص النّساء، ونحن نريدك رجلا كامل الرّجولة في مظهرك ومخبرك وفي كلامك وحركاتك.
وأنتِ أيتها المؤمنة..
ها قد تُبت في رمضان ووضعت الخمار على رأسك.. ها أنت تصلّين التّراويح في المسجد بلباس طويل ساتر.. لماذا لا تجعلين هذه المحطّة الرّمضانيّة منطلقا لك للتّحرّر من التّقليد؟: تقليد المتبرّجات والعابثات والتّعبّد للخرق والموديلات..
أنت مؤمنة، ولك رسالة تؤدّينها في هذه الحياة، وأنتِ أكبر من أن تكوني أَمة متعبّدة للمظاهر الجوفاء..
ها أنتِ قد لبست الحجاب للمسجد والتّراويح، فهل نسيت أنّ الذي يراك في المسجد باللّيل، لا تخفين عليه، وأنت تجوبين الشّوارع بالنّهار، وتلبسين ما لا يرضاه لك، ولا يليق بك كامرأة مسلمة عفيفة طاهرة؟..
اسألي نفسك أيّتها المؤمنة:
كم حلقة من حلقات المسلسلات تابعت حتّى الآن؟، ماذا جنيت منها؟، ماذا استفدت من العكوف عليها؟، هل ستمضي حياتك حلقات وحلقات حتّى تنثني من ظهرك الفقرات، فلا صدقة ولا صلاة ولا قيام ولا طاعات؟.
أخي المؤمن..
لا تزال أمامك أيّام من رمضان قد تجعل منك إنسانا آخر تجد بعدها طعم الحياة الحقيقيّة، يوم ترضى عن ربّك ويرضى عنك، وتصبح صاحب همّة عالية، وصاحب هدف وغاية في هذه الحياة..
تب أخي من كلّ ما تعلم أنّه ذنب ومعصية، وإن عدت إلى الذّنب، فعد إلى التّوبة والاستغفار، وإياك إياك والإصرار.