متحررتان من الأمية: حفظنا 30 حزبا ونعيش لله
11-06-2016, 11:34 PM


بقلم/ سمية سعادة

هما امرأتان لم تهزمهما الظروف الاجتماعية التي حجبت عنهما يوما نور العلم، فانتسبتا إلى مدارس محو الأمية وهما تتأبطان إرادة قوية لا تلين ولا تنكسر أمام صعوبات التعلم، فاستطاعتا أن تبرهنا أن السن المتقدمة لا يمكن أن تكون سببا في حرمانهما من تحقيق أحلامهما التي تأجلت كثيرا، فبعد أن أمسكتا ناصية الحروف والكلمات، عزمتا على حفظ القرآن الكريم، أغلى أمنية تداعب خواطرهما، في الوقت الذي تجتهدان لختم المصحف الشريف في هذا الشهر الفضيل.

30 حزبا.. والبقية تأتي

السيدة مباركة حربي التي تبلغ من العمر 68 سنة، هي واحدة من هؤلاء النسوة اللواتي لم يستسلمن للظروف الاجتماعية والبيئة المنغلقة التي تحرم الأنثى من التعليم، بينما تشجع الذكر عليه، وهي نموذج رائع للمرأة المثابرة التي لا تنظر إلى تاريخ ميلادها إلا لكي تعلن به التحدي لمن يستصعب عليها مهمة التمدرس التي تقول إنها منحتها من عمرها 12 سنة تقريبا، كانت خلالها تحاول أن تروي عطشها إلى الحروف والكلمات التي حرمت منها وهي طفلة، حيث تم توقيفها عن الدراسة بعد ثلاث سنوات من مزاولتها، ولكن الله شاء لها أن تعود إلى الدراسة بعد أن تخطت عتبة الخمسين، حيث سجلت في مدرسة عقبة بالعلمة ولاية سطيف، وهي تشعر أن روحها التي انتزعت منها وهي صغيرة عادت إليها، وبدأت رحلة الدراسة وهي تطوي جوانحها على حلم بعيد، وهو حفظ كتاب الله، وبلوغ مرحلة متقدمة من الدراسة لا تنتهي بانتهاء السنوات الأولى التي يكتفي بها عادة المتقدمون للدراسة في أقسام محو الأمية، وبالفعل أنهت السنوات الست الأولى، وسجلت في مركز التعليم عن بعد مع بعض زميلاتها، ولكنهن سرعان ما استسلمن وتركن الدراسة، بينما واصلت السيدة مباركة مهمتها حتى اجتازت شهادة التعليم المتوسط بنجاح، وهاهي الآن تدرس في السنة الثانية ثانوي، حيث تقول ل"جواهر الشروق"عن هذه التجربة، إنها لم تشعر يوما بالإحراج وهي تجتاز امتحانات إثبات المستوى مع طلبة أقل منها سنا، بل كانت تشعر بثقة كبيرة ولا تجد صعوبة في الإجابة على الأسئلة المطروحة، وهي تطمح في الوصول إلى البكالوريا، وعن سؤالنا إذا ما كانت ستكمل دراستها في الجامعة، قالت إنها ستكتفي بهذا القدر لأن سنها لا يسمح لها باستيعاب المواد المدرسة في الجامعة، مع أن ابنتها التي تشتغل في التدريس شجعتها على مواصلة الدراسة، ولذلك قررت أن تترك هذا الأمر للظروف فربما منحتها عزيمة قوية لاستكمال المشوار.

وبدت السيدة حربي في حديثها إلينا ملمة باللغة العربية، إذ كانت تتحدث بطريقة تكشف أنها نالت قدرا لا بأس به من التعليم، وهو ما يسّر لها قراءة قصائد مفدي زكريا وعبد الحميد بن باديس، ناهيك عن رغبتها في مطالعة كتب السيرة النبوية، وتعلم اللغات الأجنبية التي قالت إنها متشوقة إليها.

والأهم من كل هذا، استطاعت مباركة أن تحفظ 30 حزبا من القرآن الكريم بأحكامه وهذا بفضل تعلمها في أقسام محو الأمية، وتعتزم أن تختم المصحف الشريف في هذا الشهر العظيم، حيث تقول إنها وصلت إلى الحزب الحادي عشر.

ويحز في نفس"المتحررة من الأمية" كما تسميها رئيسة المكتب الولائي لجمعية محو الأمية بسطيف، بثينة مقيدش، أن ترى أطفالا صغارا ومراهقين يتسربون من المدارس، في الوقت الذي أصبح فيه كل شيء متوفرا ويسمح بالتعلم الجيد، لذلك تنصح الأولياء والمدرسين بالحد من هذه الظاهرة.

القرآن عوضني عن كل شيء

رغم أن زهرة بن عياد البالغة من العمر 37 سنة ولدت في زمن أصبحت فيه المدارس من الحقوق الثابتة للأنثى، إلا أنها لم تنل حقها من التعليم لأنها كانت تقيم في منطقة ريفية بالعلمة، أين لا يسمح للفتاة بمزاولة دراستها إذا كانت المدرسة تقع في مكان بعيد عن البيت، ولكن حلم الدراسة ظل يداعبها، ولم تتوقف عن مطاردته، إلى أن كتب لها الالتحاق بالدراسة في محو الأمية سنة 2009، وشعرت حينها أنها حرّرت من السجن الذي عاشت بين جدرانه لسنوات طويلة، ولكن كان كل أملها هو أن تتمكن من حفظ القرآن الكريم، لذلك عندما سألتها المعلمة عن هدفها من الدراسة، قالت إنها تريد أن تحفظ كتاب الله، وبالفعل، بعد أربع سنوات من الدراسة تمكنت من حفظ 30 حزبا إلى جانب نساء متعلمات ومثقفات، حيث لم يشعرن يوما أنها تلقت تعليمها في محو الأمية لما كانت تبديه من قدرة على القراءة دون صعوبة، وقالت زهرة في هذا السياق، إن العلم الوضعي مهم، ولكن العلم الشرعي هو الأهم، وهو ما يجب أن يتفرغ له الإنسان المسلم.

وعن الأثر الذي تركه حفظ القرآن الكريم في حياتها، قالت محدثتنا التي لم تتزوج حتى الآن، إنه عوضها عن كل شيء يبدو للمرأة أنها فقدته، فقد عوضها عن الزوج والأسرة لأنها تعيش لله ومع الله، ومن تكون هذه غايته لا يشعر بالفقد والحرمان.

وخصصت الآنسة بن عياد التي تطمح لأن تصبح معلمة قرآن، برنامجا ثريا لشهر رمضان، يبدأ مع صلاة الفجر، ولا ينتهي وإلا وقد صلت صلاة الضحى والنوافل وصلاة التراويح وقرأت وردا من القرآن ، كما يتضمن برنامجها الصدقة وزيارة المرضى وصلة الرحم، وتشعر وهي تنفذ هذا البرنامج بالراحة والسكينة التي يفتقدها الكثير من الناس وهم يبحثون عنها في متاع الدنيا.

وتوجه زهرة في آخر حديثها إلينا، نصيحة للأمهات أن لا يغفلن عن بناتهن، ويتركهن في أيدي وسائل الاتصال والتواصل الحديثة ليشكلن أخلاقهن بالطريقة التي ترمي بهن في طريق الانحراف، بل عليهن أن يعتمدن على العلم الشرعي في تربيتهن وتوجيههن لكي يصلن بهن إلى بر الأمان.