الشرح الكامل لقصيدة الصحراء او لامية العرب للشنفرى
14-09-2008, 11:10 PM

لامية العرب للشنفرى

- أَقِيمُـوا بَنِـي أُمِّـي صُـدُورَ مَطِيِّـكُمْ فَإنِّـي إلى قَـوْمٍسِـوَاكُمْ لَأَمْيَـلُ

بنو الأم : الأشقاء أو غيرهم ما دامت تجمعهمالأم ، واختار هذه الصِّلة لأنًها أقرب الصِّلات إلى العاطفة والمودَّة . والمطيّ : ما يُمتَطى من الحيوان، والمقصود بها، هنا، الإبل. والمقصود بإقامة صدورها: التهيؤللرحيل. والشاعر يريد استعدادهم لرحيله هو عنهم لا لرحيلهم هم ، وربما أشار بقولههذا إلى أنَهم لا مقام لهم بعد رحيله فمن الخير لهم أن يرحلوا والميل هنا أفعللرغبته الميل لقوم غيرهم .

2- فَقَدْ حُمَّتِ الحَاجَاتُ وَاللَّيْـلُمُقْمِـرٌ وَشُـدَّتْ لِطِيّـاتٍ مَطَايَـا وَأرْحُلُ

حُمَّت: قُدِّرتْ ودُبِّرت. والطِّيَّات: جمع الطِّيَّة ، وهي الحاجة، وقيل: الجهة التي يقصد إليها المسافر. وتقول العرب: مضَى فلان لطيَّته، أي لنيّته التي انتواها. الأرْحل: جمع الرحل، وهوما يوضَع على ظهر البعير. وقوله:" واللَيل مقمِر " كناية عن تفكيره بالرحيل في هدوء، أو أنه أمر لا يُراد إخفاؤه. ومعنى البيت: لقد قُدِّر رحيلي عنكم ، فلا مفرّ منه، فتهيؤوا له .

3- وفي الأَرْضِ مَنْـأَى لِلْكَرِيـمِ عَنِالأَذَى وَفِيهَا لِمَنْ خَافَ القِلَـى مُتَعَـزَّلُ

المَنأى : المكان البعيد. القِلى: البغضوالكراهية. والمتعزِّل: المكان لمن يعتزل الناس. والبيت فيه حكمة: ومعناه أن الكريميستطيع أن يتجنب الذلّ ، فيهاجر إلى مكان بعيد عمَّن يُنتظر منهم الذلّ ، كما أناعتزال الناس أفضل من احتمال أذيتهم.

4- لَعَمْـرُكَ مَا بِالأَرْضِ ضِيـقٌ علىامْرِىءٍ سَرَى رَاغِبَـاً أَوْ رَاهِبَـاً وَهْوَ يَعْقِـلُ

لعمرك: قَسَم بالعمر. سرى: مشىفي الليل. راغباً: صاحب رغبة. راهباً: صاحب رهبة. والبيت تأكيد للبيت السابق ،ومعناه أن الأرض واسعة سواء لصاحب الحاجات والآمال أم للخائف.

5- وَلِيدُونَكُمْ أَهْلُـون : سِيـدٌ عَمَلَّـسٌ وَأَرْقَطُ زُهْلُـولٌ وَعَرْفَـاءُجَيْـأََلُ

دونكم: غيركم. الأهلون : جمعأهل. السِّيد: الذئب. العملَّس: القويّ السَّريع. الأرقط: الذي فيه سواد وبياض. زُهلول: خفيف. العرفاء: الضبع الطويلة العُرف. جَيْئَل: من أسماء الضبع. والمعنى أنالشاعر اختار مجتمعاً غير مجتمع أهله ، كلّه من الوحوش ، وهذا هو اختيار الصعاليك.

6- هُـمُالأَهْلُ لا مُسْتَودَعُ السِّـرِّ ذَائِـعٌ لَدَيْهِمْ وَلاَ الجَانِي بِمَا جَرَّيُخْـذَلُ

هم الأهل أي الوحوش هم الأهل ،فقد عامل الشاعِرُ الوحوشَ معاملة العقلاء ، وهو جائز. وقوله: "هم الأهل " بتعريفالمسنَد ، فيه قَصر ، وكأنَه قال: هم الأهل الحقيقيّون لا أنتم . والباء في " بما " للسببية. والجاني: المقْترف الجناية أي الذنب. جرَّ : جنى . يُخْذَل: يُتَخلّى عننصرته. والشاعر في هذا البيت يقارن بين مجتمع أهله ومجتمع الوحوش ، فيفضل هذا علىذاك ، وذلك أن مجتمع الوحوش لا يُفْشِي الأسرار، ولا يخذل بعضه بعضاً بخلاف مجتمعأهله.

7- وَكُـلٌّ أَبِـيٌّ بَاسِـلٌ غَيْـرَ أنَّنِـي إذا عَرَضَتْ أُولَى الطَرَائِـدِأبْسَـلُ

وكلٌّ: أي كل وحش من الوحوشالتي ذكرتها. أبيّ: يأبى الذّلَّ والظلم. باسل: شجاع بطل. الطرائد: جمع الطريدة ،وهي كل ما يُطرد فيصاد من الوحوش والطيور. أبْسَل: أشَدّ بسالَةً. والشاعر يتابع فيهذا البيت مدح الوحوش فيصفها بالبسالة ، لكنه يقول إنّه أبسل منها.

8- وَإنْمُـدَّتِ الأيْدِي إلى الزَّادِ لَمْ أكُـنْ بَأَعْجَلِهِـمْ إذْ أَجْشَعُ القَوْمِأَعْجَلُ

الجَشع: النَّهم وشدَّة الحرص . وفي هذا البيت يفتخر الشاعر بقناعته وعدم جشعه ، فهو، وإنْ كان يزاحم في صيدالطرائد ، فإنه لا يزاحم في أكلها.

9- وَمَـا ذَاكَ إلّا بَسْطَـةٌ عَـنْتَفَضُّـلٍ عَلَيْهِـمْ وَكَانَ الأَفْضَـلَ المُتَفَضِّـلُ

ذاك: كناية عن أخلاقهالتي شرحها. البسطة: السعة. التفضُّل: ادّعاء الفضل على الغير ، والمعنى أنَّالشاعر يلتزم هذه الأخلاق طلباً للفضل والرِّفعة.

10- وَإنّـي كَفَانِـي فَقْدَ مَنْ لَيْسَ جَازِيَاً بِحُسْنَـى ولا في قُرْبِـهِمُتَعَلَّـلُ

التعلّل: التلهِّي ،والمعنى: ليس في قربه سلوى لي ، يريد : أني فقدتُ أهلًا لا خير فيهم ، لأنهم لايقدِّرون المعروف ، ولا يجزون عليه خيراً ، وليس في قربهم أدنى خير يُتَعلّل .

11- ثَـلاَثَـةُ أصْحَـابٍ : فُـؤَادٌ مُشَيَّـعٌ وأبْيَضُ إصْلِيتٌ وَصَفْـرَاءُعَيْطَـلُ

المُشيَّع: الشجاع. كأنَّه فيشيعة كبيرة من الناس . الإصليت: السَّيف المُجرَّد من غمده. الصفراء: القوس من شجرالنَّبع. العيطل: الطويلة. والمعنى أن عزاء الشاعر عن فقد أهله ثلاثة أشياء: قلبقويّ شجاع ، وسيف أبيض صارم مسلول ، وقوس طويلة العنق .

12- هَتُـوفٌ مِنَ المُلْـسَِ المُتُـونِ تَزِينُـها رَصَائِعُ قد نِيطَـتْ إليهاوَمِحْمَـلُ

هتوف: مُصَوِّتة. الملس: جمع ملساء ، وهي التي لا عُقَد فيها. المُتون: جمع المتن ، وهو الصُّلب. والرصائع: جمع الرصيعة ، وهي ما يُرصَّع أي يُحلَّى به. نيطت: عُلِّقت. المِحْمَل: ما يُعلَّقبه السيف أو القوس على الكتف. والشاعر في هذا البيت يصف القوس بأنّ لها صوتاً عندإطلاقها السهم ، وبأنَّها ملساء لا عُقد فيها تؤذي اليد ، وهي مزيَّنة ببعض مايُحلَّى بها ، بالإضافة إلى المحمل الذي تُعلَّق به.

13- إذازَلََّ عنها السَّهْـمُ حَنَّـتْ كأنَّـها مُـرَزَّأةٌ عَجْلَـى تُـرنُّوَتُعْـوِلُ

زلّ: خرج. حنين القوس: صوتوترها. مُرزَّأة: كثيرة الرزايا (المصائب). عَجْلى: سريعة. تُرنّ: تصوِّت برنين ،تصرخ. تُعول: ترفع صوتها بالبكاء والعويل. والمعنى أن صوت هذه القوس عند انطلاقالسهم منها يشبه صوت أنثى شديدة الحزن تصرخ وتولول.

14- وَأغْدو خَمِيـصَ البَطْن لا يَسْتَفِـزُّنيِ إلى الزَادِ حِـرْصٌ أو فُـؤادٌمُوَكَّـلُ

خميص البطن ضامره ، يستفزّني : يثيرني . الحِرْص : الشَّرَه إلى الشيء والتمسّك به .

15- وَلَسْـتُ بِمِهْيَـافٍ يُعَشِّـي سَوَامَـه مُجَدَّعَـةً سُقْبَانُهـا وَهْيَبُهَّـلُ

المهياف: الذي يبعد بإبلهطالباً المرعى على غير علم ، فيعطش. السوام: الماشية التي ترعى. مجدَّعة: سيئةالغذاء . السُّقبان: جمع سقْب وهو ولد الناقة الذكَر. بُهَّل: جمع باهل وباهلة وهيالتي لا صرار عليها (الصِّرار: ما يُصَرّ به ضرع الناقة لئلا تُرضَع ). يقول: لستُكالراعي الأحمق الذي لا يُحسن تغذية سوامه، فيعود بها عشاءً وأولادها جائعة رغمأنها مصرورة. وجوع أولادها كناية عن جوعها هي، لأنها، من جوعها، لا لبن فيها،فيغتذي أولادها منه.

16- ولا جُبَّـأٍِ أكْهَـى مُـرِبٍّبعِرْسِـهِ يُطَالِعُهـا في شَأْنِـهِ كَيْفَ يَفْعَـلُ

الجُبّأ: الجبان. والأكهى: الكدِرالأخلاق الذي لا خير فيه ، والبليد. مُرِبّ: مقيم ، ملازم . عرِسه: امرأته. وملازمةالزوج يدلّ على الكسل والانصراف عن الكسب والتماس الرزق. وفي هذا البيت ينفي الشاعرعن نفسه الجبن ، وسوء الخلق ، والكسل ، كما ينفي أن يكون منعدم الرأي والشخصيةفيعتمد على رأي زوجه ومشورتها.

17- وَلاَ خَـرِقٍ هَيْـقٍ كَـأَنَّفــؤادَهُ يَظَـلُّ به المُكَّـاءُ يَعْلُـو وَيَسْفُـلُ

الخرق: ذو الوحشة من الخوف أو الحياءوالمراد، هنا، الخوف. والهيق: الظْليم (ذكَر النعام)، ويُعرف بشدّة نفوره وخوفه. والمُكّاء: ضرب من الطيور. والمعنى: لست مِمَّن يخاف فيقلقل فؤاده ويصبح كأنّهمعلّق في طائر يعلو به وينخفض.

18- ولا خَالِــفٍ دارِيَّــةٍ مُتَغَــزِّلٍيَـرُوحُ وَيغْـدُو داهنـاً يَتَكَحَّـلُ

الخالف: الذي لا خير فيه. يقال: فلانخالفة (أو خالف) أهل بيته إذا لم يكن عنده خير. والدَّاريّ والداريّة: المقيم فيداره لا يبرحها. المتغزّل: المتفرّغ لمغازلة النساء. يروح: يسير في الرواح، وهو اسمللوقت من زوال الشمس إلى اللَّيل. يغدو: يسير في الغداة، وهو الوقت من الصباح إلىالظهر. والداهن: الذي يتزيَّن بدهن نفسه. يتكحّل: يضع الكحل على عينيه. والمعنى أنالشاعر ينفي عن نفسه الكسل، ومغازلة النساء، والتشبّه بهنّ في التزيّن والتكحّل. وهو يثبت لنفسه، ضمناً، الرجولة.

19- وَلَسْـتُ بِعَـلٍّ شَـرُّهُ دُونَخَيْـرِهِ ألَفَّ إذا ما رُعْتَـهُ اهْتَـاجَ أعْـزَلُ

العَلّ: الذي لا خير عنده ، والصَّغيرالجسم يشبه القُراد. ألفّ: عاجز ضعيف. رعتَه: أخفْتَه. اهتاج: خاف. الأعزل: الذي لاسلاح لديه.

20- وَلَسْـتُ بِمِحْيَارِ الظَّـلاَمِ إذاانْتَحَتْ هُدَى الهَوْجَلِ العِسّيفِ يَهْمَاءُ هؤجَلُ

(20 )
المِحْيار: المتحيّر. انْتَحَتْ: قصدت واعترضَتْ. الهدى: الهداية، والمقصود هداية الطريق في الصحراء. الهوجل: الرجل الطويل الذي فيه حمق. العِسِّيف: الماشي على غير هدى. اليَهْماء: الصحراء. الهَوْجَل: الشديد المسلك المَهول. وفي البيت تقديم وتأخير. والأصل: لستبمحيار الظلام إذا انتحتيهماء هوجل هدى الهوجل العسيف. والمعنى: لا أتحيّر فيالوقت الذي يتحير فيه



21- إذا الأمْعَـزُ الصَّـوّانُ لاقَـىمَنَاسِمِي تَطَايَـرَ منـه قَـادِحٌ وَمُفَلَّـلُ

الأمعز: المكان الصّلب الكثير الحصى. الصَّوّان: الحجارة الملس. المناسم: جمع المنسم، وهو خفّ البعير . شبّه قدميهبأخفاف الإبل. القادح: الذي تخرج النار من قدمه. مفلَّل: متكسِّر. والمعنى أنه حينيعدو تتطاير الحجارة الصغيرة من حول قدميه ، فيضرب بعضها بحجارة أخرى ، فيتطاير شررنار وتتكسَّر.

22- أُديـمُ مِطَـالَ الجُـوعِ حتّـىأُمِيتَـهُ وأضْرِبُ عَنْهُ الذِّكْرَ صَفْحاً فأُذْهَـلُ

أُديم: من المداومة، وهيالاستمرار. المطال: المماطلة. أضرب عند الذِّكْر صَفْحاً: أتناساه. فأذهل: أنساه. يقول: أتناسى الجوع، فيذهب عنّي. وهذه الصورة من حياة الصَّعْلَكَة.

23- وَأَسْتَـفُّ تُرْبَ الأرْضِ كَيْلا يُرَى لَـهُ عَلَـيَّ مِنَ الطَّـوْلِ امْـرُؤٌمُتَطَـوِّلُ

الطَّوْل: المَنّ. امرؤمتطوِّل: منّان. والمعنى أنه يفضل أن يستفَّ تراب الأرض على أن يمدّ أحد إليه يدهبفضل أو لقمة يمنّ بها عليه.

24- ولولا اجْتِنَابُ الذَأْمِ لم يُلْـفَمَشْـرَبٌ يُعَـاشُ بـه إلاّ لَـدَيَّ وَمَأْكَـلُ

الذَّأم والذَّام: العيبالذي يُذمّ به. يُلفى: يوجد. والمعنى: لولا تجنُّبي ما أذمّ به، لحصلت على ما أريدهمن مأكل ومشرب بطرق غير كريمة.

25- وَلكِنّ نَفْسَـاً مُـرَّةً لا تُقِيـمُبـي علـى الـذامِ إلاَّ رَيْثَمـا أَتَحَـوَّلُ

مرَّة: صعبة أبيّة. الذَّام: العيب. وفيهذا البيت استدراك، فبعد أن ذكر الشاعر أنّه لولا اجتناب الذمّ لحصل على ما يريدهمن مأكل ومشرب ، قال إن نفسه لا تقبل العيب قَطّ.

26- وَأَطْوِي على الخَمْصِ الحَوَايا كَما انْطَوَتْ خُيُوطَـةُ مـارِيٍّ تُغَـارُوتُفْتَـلُ

الخَمص: الجوع ، والخُمص: الضُّمر. الحوايا: جمع الحويَّة ، وهي الأمعاء. الخيوطة: الخيوط. ماريّ فاتل، وقيل: اسم رجل اشتُهر بصناعة الحبال وفتلها. تغَارُ: يُحكم فتلها. والمعنى. أطوي أمعائيعلى الجوع، فتصبح، لخلوّها من الطعام، يابسة ينطوي بعضها على بعض كأنها حبال أُتقنفتلها.

27- وأَغْدُو على القُوتِ الزَهِيـدِ كماغَـدَا أَزَلُّ تَهَـادَاهُ التنَائِـفَ أطْحَـلُ

أغدو: أذهب في الغداة، وهي الوقت بينشروق الشمس والظهر. القوت: الطعام. الزهيد: القليل. الأزلّ: صفة للذئب القليلاللحم. تهاداه: تتناقله وتتداوله. التنائف: الأرضون، واحدتها تنوفة، وقيل: هيالمفازة في الصحراء. الأطحل: الذي في لونه كدرة. يشبه الشاعر نفسه بذئب نحيل الجسمجائع يتنقل بين الفلوات بحثاً عن الطعام.

28- غَدَا طَاوِيـاً يُعَـارِضُ الرِّيـحَهَافِيـاً يَخُـوتُ بأَذْنَابِ الشِّعَابِ ويُعْسِـلُ

الطاوي: الجائع. يعارض الريح: يستقبلها. أي: يكون عكس اتجاهها. وهذا الوضع يساعده على شمّ رائحة الفريسة واتّباعها. الهافي: الذي يذهب يميناً وشمالاً من شدَّة الجوع، وقيل: معناه السريع. يخوت. يختطف وينقض. أذناب: أطراف. الشِّعاب: جمع الشِّعب، وهو الطريق في الجبل. يعسل: يمر مَرَّاًسَهْلاًَ. وفي هذا البيت تتمة لما في البيت السابق من وصف للذئب.


29- فَلَما لَوَاهُ القُـوتُ مِنْ حَيْـثُ أَمَّـهُ دَعَـا فَأجَابَتْـهُ نَظَائِـرُنُحَّـلُ

لواه: دفعه، وقيل: مطله وامتنععليه. أَمَّه: قصده. النظائر: الأشباه التي يشبه بعضها بعضاً. نُحَّل: جمع ناحِل،وهو الهزيل الضامِر. يقول: بعد أن يئس هذا الذئب من العثور على الطعام، استغاثبجماعته، فأجابته هذه، فإذا هي جائعة ضامرة كحاله.


30- مُهَلَّلَـةٌ شِيـبُ الوُجُـوهِ كأنَّـها قِـدَاحٌ بأيـدي ياسِـرٍ تَتَقَلْقَـلُ

مُهَلَّلة: رقيقة اللحم، وهي صفة لـ" نظائر " التي في البيت السابق. شِيب: جمع أَشْيَب وشيباء. القِداح: جمع قِدْح، وهوالسَّهْم قبل بريه وتركيب نصله، وهو، أيضاً ، أداة للقمار. الياسر: المقامِر. تتقلقل: تتحرك وتضطرب. وفي هذا البيت يصف الشاعر الذئاب الجائعة الباحثة عن الطعام،فإذا هي نحيلة من شدة الجوع، بيضاء شعر الوجه، مضطربة كسهام القمار.


31- أوِ الخَشْـرَمُ المَبْعُـوثُ حَثْحَثَ دَبْـرَهُ مَحَابِيـضُ أرْدَاهُـنَّ سَـامٍمُعَسِّـلُ

"
أو" للعطف إمّا على الذئبالأزلّ في البيت الذي سبق قبل ثلاثة أبيات، وإمَّا على ، " قداح " التي في البيتالسابق، وجاز عطف المعرفة على النكرة لأنه أراد بـ" الخشرم " الجنس إبهاماً، و" قداح " وإن كان نكرةً، فقد وُصف، فاقترب من المعرفة. والخشرم: رئيس النحل. حَثْحَثَ: حرك وأزعج. الدَّبْر: جماعة النَحْل. المحابيض: جمع المحبض، وهو العود معمشتار العسل. أرداهُنَّ: أهلكهنّ. السامي: الذي يسمو لطلب العسل. المعَسَّل: طالبالعسل وجامعه.


32- مُهَرَّتَـةٌ فُـوهٌ كَـأَنَّ شُدُوقَـهاشُقُوقُ العِصِـيِّ كَالِحَـاتٌوَبُسَّـلُ

المُهَرَّتة: الواسعةالأشداق. الفُوه: جمع "الأفوه " للمذكَّر، والفوهاء للمؤنث، ومعناه المفتوحة الفم. الشدوق: جمع الشّدق، وهو جانب الفم. كالحات: مكشرة في عبوس. البُسَّل: الكريهةالمنظر. والشاعر في هذا البيت يعود إلى وصف الذئاب التي تجمّعت حول ذلك الذي دعاهالإنجاده بالطعام، فيصفها بأنها فاتحة أفواهها، واسعة الشدوق، كئيبة كريهة المنظر.


33- فَضَـجَّ وَضَجَّـتْ بالبَـرَاحِ كأنَّـها وإيّـاهُ نُوحٌ فَوْقَ عَلْيَـاءَثُكَّـلُ

ضجَّ: صاح. البراح: الأرضالواسعة. النوح: النساء النوائح. العلياء: المكان المرتفع. الثكَّل: جمع الثَّكْلى،وهي المرأة التي فقدت زوجها أو ولدها أو حبيباً. والمعنى أن الذئب عوى فعوتِ الذئابمن حوله، فأصبح وإيّاها كأنَّهن في مأتم تنوح فيه الثكالى فوق أرض عالية.

34- وأغْضَى وأغْضَتْ وَاتَّسَى واتَّسَتْ بـه مَرَامِيـلُ عَـزَّاها وعَزَّتْـهُمُرْمِـلُ

أغْضى: كفّ عن العواء. اتَّسَى، بالتشديد: افتعل من "الأسوة "وهي الاقتداء، وكان الأصل فيه الهمزة، فأبدلتالهمزة ياء لسكونها وكسر همزة الوصل قبلها، ثُم أُبدلت الياء تاء، وأُدغمت في تاءالافتعال. ويروى بالهمزة فيهما من غير تشديد، وهو أجود من الأوّل، لأن همزة الوصلحذفت لحرف العطف، فعادت الهمزة الأصليّة إلى موضعها، كقولك: وائتمنه، والذي ائتمن . والمراميل: جمع المرمل، وهو الذي لا قوت له. والمعنى أن الذئب وجماعته وجدا حالهمامتّفقين يجمعهما البؤس والجوع، فأخذ كل منهما يعزِّي الآخر ويتأسَّى به.

35- شَكَا وَشَكَتْ ثُمَّ ارْعَوَى بَعْدُ وَارْعَوَتْ وَلَلْصَبْرُ إنْ لَمْ يَنْفَعِالشَّكْوُ أجْمَلُ

شكا: أظهر حاله منالجوع. ارعوى: كفَّ ورجع. الشكو: الشَّكوى. وعجز هذا البيت حكمة ، ومفادها أنَّالصبر أفضل من الشكوى إن كانت غير نافعة.

36- وَفَـاءَ وَفَـاءَتْ بَـادِراتٍوَكُلُّـها على نَكَـظٍ مِمَّا يُكَاتِـمُ مُجْمِـلُ

فَاءَ: رجع. بادرات: مسرعات،وبادره بالشيء أسرع به إليه. النكظ: شدَّة الجوع. يكاتم: يكتم ما في نفسه. مُجْمِل. صانع للجميل. وفي هذا البيت يتابع الشاعر وصف الذئاب، فيقول إنهنَّ بعد يأسهن منالحصول على الطعام، عدن إلى مأواهنَّ ، وفي نفوسهن الحسرة والمرارة.


37- وَتَشْرَبُ أسْآرِي القَطَا الكُـدْرُ بَعْدَما سَرَتْ قَرَبَـاً أحْنَاؤهـاتَتَصَلْصَـلُ

الأسآر: جمع سؤر، وهوالبقيَّة في الإناء من الشراب. القطا: نوع من الطيور مشهور بالسرعة. الكدر: جمعأكدر للمذكَّر وكدراء للمؤنَّث، والكُدرة: اللَّون ينحو إلى السواد. القَرَب: السيرإلى الماء وبينك وبينه ليلة. الأحناء: جمع الحنو، وهو الجانب. تتصلصل تصوِّت. والمعنى أنِّي أريد الماء إذا سايرت القطا في طلبه، فأسبقها إليه لسرعتي، فتردبعدي، فتشرب سُؤري.

38- هَمَمْتُ وَهَمَّتْ وَابْتَدَرْنَـاوأسْدَلَـتْ وشَمَّـرَ مِنِّي فَـارِطٌ مُتَمَهِّـلُ

هَمَمْتُ بالأمر: عزمتُ على القيام بهولم أفعله. والتاء في " هَمَّتْ " تعود إلى القطا، والمعنى: أنا وإيَّاها قصدناالماء. ابتدرنا: سابق كلٌّ منّا الآخر. أسدلت: أرخت أجنحتها كناية عن التعب. الفارط: المتقدِّم، وفارط القوم: المتقذِّم ليصلح لهم الموضع الذي يقصدونه. يقول: ظهر التعب على القطا، وبقيت في قمَّة نشاطي، فأصبحت متقدِّماً عليها دون أن أبذلكلَّ جهدي، بل كنتُ أعدو متمهِّلاً لأنني واثق من السبق.

39- فَوَلَّيْـتُ عَنْها وَهْيَ تَكْبُـو لِعُقْـرِهِ يُبَاشِـرُهُ منها ذُقُـونٌوَحَوْصَـلُ

ولَّيت: انصرفت. تكبو: تسقط. العُقْر: مقام السَّاقي من الحوض يكون فيه ماء يتساقط من الماء عند أخذه منالحوض. الذّقون: جمع الذقن، وهو منها ما تحت حلقومها. الحَوْصل: جمع الحوصلة، وهيمعدة الطائر. يقول: سبقت القطا بزمن غير قصير حتى إنِّي شربت وانصرفت عن الماء قبلوصولها مجهدةً تتساقط حول الماء ملتمسةً الماء بذقونها وحواصلها.

40- كـأنَّ وَغَـاها حَجْرَتَيـْهِ وَحَوْلَـهُ أضَامِيـمُ مِنْ سَفْـرِ القَبَائِـلِنُـزَّلُ

وغاها: أصواتها. حَجْرتاه: ناحيتاه، والضمير يعود على الماء. والأضاميم: جمع الإضمامة، وهي القوم ينضمّ بعضهمإلى بعض في السَّفَر. السَّفْر: المسافرون. نزَّل: جمع نازل، وهو المسافر الذي حطَّرحله، ونزل بمكان معيَّن، وحوله جماعات من المسافرين حطَّت الرحال محدثةً صخباًكبيراً، والمعنى أن أصوات القطا حول الماء كثيرة حتى كأنَّها أَلََّفت جانبي الماء .

41- تَوَافَيْـنَ مِنْ شَتَّـى إِلَيـْهِ فَضَمَّـهَا كما ضَـمَّ أذْوَادَ الأصَارِيـمِمَنْهَـلُ

توافين: توافدن وتجمَّعن،والضمير يعود إلى القطا. شتَّى: متفرِّقة، والمقصود متفرّقة. الأذْواد: جمع ذود،وهو ما بين الثلاثة إلى العشرة من الإبل. ومن أمثال العرب: " الذَّود إلى الذَّودِإبل " ، وهو يُضرب في اجتماع القليل إلى القليل حتّى يؤدِّي إلى الكثير. الأصاريم: جمع الصرمة، وهي العدد من الإبل نحو الثلاثين. والمَنْهل: الماء. والمعنى أنَّأسراب القطا حول الماء تشبه أعداداً كثيرة من الإبل تتزاحم حول الماء.


42- فَغَـبَّ غِشَاشَـاً ثُمَّ مَـرَّتْ كأنّـها مَعَ الصُّبْحِ رَكْبٌ مِنْ أُحَاظَةَمُجْفِلُ

العَبّ : شرب الماء من غير مصّ . الغشاش: العجلة. والركب خاصّ بركبان الإبل. أحاظة: قبيلة من اليمن، وقيل: منالأزد. المُجْفل: المنزعج، أو المسرع. والمعنى أن القطا لفرط عطشها شربت الماء غبا،ثمّ تفرقت بسرعة.


43- وآلَفُ وَجْـهَ الأرْضِ عِنْدَافْتَراشِـها بأَهْـدَأَ تُنْبِيـهِ سَنَاسِـنُ قُحَّـلُ

آلف: أتعوَّد. الأهدأ: الشديد الثبات. تنبيه: تجفيه وترفعه. السناسن: فقار العمود الفقري. قُحَّل: جافة يابسة. يقول: ألفتُ افتراش الأرض بظهر ظاهرة عظامه، حتَّى إنَّ هذه العظام هي التي تستقبل الأرض،فيرتفع الجسم عنها، وهذا كناية عن شدَّة هزاله.


44- وَأعْدِلُ مَنْحُوضـاً كـأنَّ فُصُوصَـهُ كعَابٌ دَحَاهَا لاعِـبٌ فَهْيَ مُثَّـلُ

أعدل: أتوسَّد ذراعاً، أي: أسوِّي تحترأسي ذراعاً. المنحوض: الذي قد ذهب لحمه. الفصوص: مفاصل العظام. الكعاب: ما بينالأنبوبين من القصب، والمقصود به هنا شيء يُلعب به. دهاها: بسطها. مُثَّل: جمعماثل، وهو المنتصب. والمعنى أن ذراعه خالية من اللحم لا تبدو فيها إلاَّ مفاصل صلبةكأنها من حديد.


45- فإنْ تَبْتَئِـسْ بالشَّنْفَـرَى أمُّقَسْطَـلٍ لَمَا اغْتَبَطَتْ بالشَّنْفَرَى قَبْلُ أطْـوَلُ

تبتئس : تلقى بؤساً من فراقه. القسطل: الغبار. وأمّ قسطل: الحرب. و"ما "، في " لما " بمعنى الذي. اغتبطت: سرَّت. والمعنىأنَّ الحرب إذا حزنت لفراق الشنفرى إيَّاها، فطالما سرَّت بإثارته لها.


46- طَرِيـدُ جِنَايَـاتٍ تَيَاسَـرْنَ لَحْمَـهُ عَقِيرَتُــهُ لأِيِّـها حُـمَّأَوَّلُ

طريد: مطرود. الجنايات: المقصودبها غاراته في الصعلكة. تياسرن لحمه: اقتسمنه. عقيرته: نفسه. حُمَّ : نزل، ولميؤنَّث "حُمَّ " لأنَّه لـ "أيّ " ، ولفظها مذكَّر. والمعنى أنَّه مطارد ممَّن أغارعليهم، وهؤلاء يتنافسون للقبض عليه والانتقام منه.

47- تَنَـامُ إذا مَا نَـامَ يَقْظَـى عُيُونُـها حِثَاثَـاً إلى مَكْرُوهِـهِتَتَغَلْغَـلُ

تنام: أي الجنايات،وعبَّر بها عن مستحقِّيها. حثاثاً: سراعاً. تتغلغل: تتوغَّل وتتعمَّق. يقول: إنَّأصحاب الجنايات في غاية اليقظة للانتقام مني ، وهم إنْ ناموا، فإنَّ عيونهم تظليقظى تترصَّدني للإيقاع بي. وقيل: المعنى أنَّه إذا قصَّر الطالبون عنه بالأوتار لمتقصَّر الجنايات.


48- وإلْـفُ هُمُـومٍ مـا تَـزَالُتَعُـودُهُ عِيَاداً كَحُمَّـى الرِّبْـعِ أو هِيَ أثْقَلُ

الإلف: الاعتياد، وهنا بمعنى المعتاد. والربع في الحمّى أن تأخذ يوماً، وتدع يومين، ثمّ تجيء في اليوم الرابع. و"هي": ضمير يعود على "الهموم "، يعني الهموم أثقل عنده من حُمَّى الربع.


49- إذا وَرَدَتْ أصْدَرْتُـها ثـمّ إنّـها تَثُـوبُ فَتَأتي مِنْ تُحَيْتُ ومِنْ عَـلُ

وردت: حضرت، والضمير يعود للهموم. والورد خلاف الصَّدر. وأصدرتها: رددتها. تثوب: تعود. تُحيت: تصغير "تحت". عَلُ: مكان عالٍ. والمعنى أنَّ الشاعر كلَّما صرف الهموم، عادت إليه من كلّ جانب، فهي،أبداً، ملازمة له.



50- فإمّا تَرَيْنِي كابْنَـةِ الرَّمْـلِضَاحِيَـاً على رِقَّـةٍ أحْفَـى ولا أَتَنَعَّـلُ

ابنة الرمل: الحية، وقيل: هي البقرةالوحشية. ضاحياً: بارزاً للحرِّ والقرّ. رقّة: يريد رقّة الحال ، وهي الفقر. وأحفى: من الحفاء وهو عدم لبس النعل. وفي هذا البيت يتخيَّل الشاعر امرأةً، كعادة الشعراءالقدماء ، فيخاطبها قائلاً لها إنه فقير لا يملك ما يستر به جسده من لفح الحرّوالقرّ، ودون نعل ينتعله فيحمي رجليه.


51- فإنّي لَمَولَى الصَّبْـرِ أجتـابُبَـزَّهُ على مِثْلِ قَلْبِ السِّمْعِ والحَزْمَ أفْعَلُ

مولى الصبر: وليّه. أجتاب: أقطع. البزّ: الثياب. السِّمع: ولد الذّئب من الضْبع . أنعل: أتخذه نعلاً. يقول إنّه صبور، شجاع،حازم.


52- وأُعْـدِمُ أَحْيَانـاً وأَغْنَـىوإنَّمـا يَنَـالُ الغِنَى ذو البُعْـدَةِ المُتَبَـذِّلُ

أُعدِم: أفتقر. البعدة،بضمّ الباء وكسرها، اسم للبعد. المتبذِّل: المُسِفّ الذي يقترف ما يُعاب عليه. يقولإنه يفتقر حيناً ويغتني حيناً آخر، ولا ينال الغنى إلا الذي يقصر نفسه على غايةالاغتناء.


53- فلا جَـزِعٌ مِنْ خَلَّـةٍ مُتَكَشِّـفٌولا مَـرِحٌ تَحْتَ الغِنَى أتَخَيَّـلُ

الجزع: الخائف أو عديم الصبر عند وقوعالمكروه. الخَلَّة: الفقر والحاجة. المتكَشِّف: الذي يكشف فقره للناس. المَرِح: شديد الفرح. المُتخَيِّل: المختال بغناه. يقول: لا الفقر يجعلني أبتئس مظهراً ضعفي،ولا الغنى يجعلني أفرح وأختال.


54- ولا تَزْدَهِي الأجْهـالُ حِلْمِي ولاأُرَى سَؤُولاًَ بأعْقَـاب الأقَاويلِ أُنْمِـلُ

تزدهي: تستخفّ. الأجهال: جمع الجَهْل ،والمقصود الحمق والسفاهة. سؤول: كثير السؤال، أو ملحّ فيه. الأعقاب: جمع العقب، وهوالآخر. أنمل: أنمّ، والنملة، بفتح النون وضمّها، النميمة. والمعنى أنّ الشاعر حليملا يستخفه الجهلاء، متعفِّف عن سؤال الناس، بعيد عن النميمة وإثارة الفتن بينالناس.


55- وَلَيْلَةِ نَحْـسٍ يَصْطَلي القَوْسَرَبُّـها وَأقْطُعَـهُ اللَّاتـي بِـهَا يَتَنَبَّـلُ

النَحْس: البرد. يصطلي: يستدفىء. ربّها: صاحبها. الأقطع: جمع قِطْع، وهو نصل السّهم. يتنبَّل: يتخذ منها النّبل للرمي. والمعنى: ربَّ ليلةٍ شديدة البرد يُشعل فيها صاحب القوسِ قوسَه ونصال سهامه، فيجازفبفقد أهمّ ما يحتاج إليه، ليستدفىء .


56- دَعَسْتُ على غَطْشٍ وَبَغْشٍوَصُحْبَتـي سُعَـارٌ وإرْزِيـزٌ وَوَجْـرٌ وَأفَكَلُ

دعست: دفعت بشدّة وإسراع، وقيل: معناهمشيت. أو وطئت. الغَطْش: الظلمة. البغش: المطر الخفيف. صحبتي: أصحابي. السّعار: شدّة الجوع، وأصله حرّ النار، فاستُعير لشدّة الجوع، وكأنّ الجوع يُحدث حرَّاً فيجوف الإنسان. الإرزيز: البرد. والوجر: الخوف. والأفكل: الرعدة والارتعاش.


57- فأيَّمْـتُ نِسْوَانَـاً وأيْتَمْـتُ إلْـدَةً وَعُـدْتُ كما أبْدَأْتُ واللَّيْلُألْيَـلُ

أيَّمت نسواناً: جعلتُهنأيامى، أي بلا أزواج. والأيِّم: من لا زوج له من الرجال والنساء على حدٍّ سواء. الإلدة: الأولاد. وأيتمتُ إلدة: جعلتهم بلا آباء. أبدأت: بدأت. أليل: شديد الظلمة.


58- وأصْبَـحَ عَنّـي بالغُمَيْصَـاءِ جَالسـاً فَرِيقَـانِ: مَسْـؤُولٌ وَآخَرُيَسْـألُ

أصبح: فعل ماض ناقص، اسمه "فريقان" ، وخبره "جالساً". ويجوز أن يكون فعلاً تامَّاً فاعله "فريقان"،و"جالساً"، حال. والغميصاء: موضع في بادية العرب قرب مكة . والجَلْس. اسم لبلادنجد. يقال: جلس الرجل إذا أتى الجَلْس، فهو جالس، كما يقال: أتْهَمَ، إذ أتى تهامة. يقول: كان من نتائج غارتي اللّيليّة، التي وصفها في الأبيات الثلاثة السابقة، أنهعند الصباح أخذ الذين غرت عليهم يسأل بعضهم بعضاً، وهم بنجد، عن آثار غارتيمتعجّبين من شدّتها وآثارها الأليمة.


59- فَقَالُـوا: لَقَدْ هَـرَّتْ بِلَيْـلٍكِلَابُنَـا فَقُلْنَـا: أذِئْبٌ عَسَّ أمْ عَسَّ فُرْعُـلُ

هَرَّت: نبحت نباحاً ضعيفاً. عَسَّ: طافباللَّيل، ومنه العَسَس، وهم حرَّاس الأمن في اللَّيل. الفُرعُل: ولد الضبع. يقول: إن القوم الذين أغرت عليهم يقولون: لم نسمع إلا هرير الكلاب، وكان هذا الهرير بفعلإحساسها بذئب أو بفرعل.


60- فَلَمْ يَـكُ إلاَّ نَبْـأةٌ ثُـمَّهَوَّمَـتْ فَقُلْنَا: قَطَـاةٌ رِيـعَ أمْ رِيعَ أجْـدَلُ

النبأة: الصوت، والمقصود صوت صدر مرّةًواحدة ضعيفاً. هوَّمت: نامت ، والضمير في هذا الفعل يعود على الكلاب. القطاة: نوعمن الطيور، يسكن الصحراء خاصَّةً. رِيع: خاف. وفاعله "قطاة"، ولذلك كان على الشاعرأن يقول "ريعتْ"، ولم يؤنث لوجهين: أحدهما على الشذوذ، والثاني أنَّه حمل القطاةعلى جنس الطائر، فكأنَّه قال: طائر ريع. والأجدل: الصَّقْر. وهمزة الاستفهاممحذوفة، والتقدير: أقطاة ريعت أم ريع أجَدَلُ. وهذا البيت استدراك للبيت السابق،فقد استدرك القوم الذين أغار عليهم، فقالوا: إن هرير الكلاب لم يستمرّ، وإنَّما كانصوتاً واحداً ضعيفاً، ثم نامت الكلاب، فقالوا، عندئذ، لعل الذي أحسَّت به الكلابقطاة أو صقر.


61- فَإِنْ يَـكُ مِنْ جِـنٍّ لأبْـرَحُطارِقـاً وإنْ يَكُ إنْسَـاً ما كَها الإنسُ تَفْعَلُ

أبرح: أتى البَرَح، وهو الشِّدَّة،وقيل: هو أفعل تفضيل من البرح، وهو الشِّدَّة والقوَّة. الطارق: القادم باللَّيل. والكاف في "كها" للتشبيه. والمعنى أن الذين أغار عليهم تعجَّبوا وتَحيَّروا، فقدتعوَّدوا أن يقوم بالغارة جماعة من الرجال لا فرد واحد، وأن يشعروا بها فيدافعوا عنأنفسهم وحريمهم، أمَّا أن تكون بهذه الصورة الخاطفة فهذا الأمر غير مألوف، ولعلالذين قاموا بها من الجنّ لا من الإنس.
وهذا البيت شاهد للنحاة على جر الكافللضمير في "كها" شذوذاً.



62- وَيومٍ مِنَ الشِّعْـرَى يَـذُوبُلُعَابُـهُ أفاعِيـهِ فـي رَمْضائِـهِ تَتَمَلْمَـلُ

الشِّعرى: كوكب يطلع في فترة الحرالشَّديد، ويوم من الشِّعرى: يوم من الحرّ الشديد. واللّواب (كما في بعض الروايات): اللعاب، والمقصود به ما ينتشر في الحر كخيوط العنكبوت في الفضاء، وإنما يكون ذلكحين يكون الحز مصحوباً بالرطوبة ، الأفاعي: الحيَّات. الرمضاء: شدَّة الحرّ. تتململ: تتحرك وتضطرب. يقول: ربَّ يومٍ شديد الحرارة تضطرب فيه الأفاعي رغماعتيادها على شدَّة الحر.


63- نَصَبْـتُ له وَجْهي ولا كِـنَّ دُونَـهُولا سِتْـرَ إلاَّ الأتْحَمِـيُّ المُرَعْبَـل

نصبت له وجهي: أقمته بمواجهته. الكِنّ ؛السِّتر. الأتحميّ : نوع من الثياب كالعباءة. المرعبل: المُمَزَّق. وهذا البيتمرتبط بسابقه، ومعناهما: ربَّ يوم شديد الحرارة تضطرب فيه الأفاعي رغم اعتيادهاشدَّة الحرّ، واجهت لفح حرِّه دون أيّ ستر على وجهي، وعليّ ثوب ممزّق لا يردّ منالحرِّ شيئاً قليلاً.


64- وَضَافٍ إذا طَارَتْ له الرِّيحُطَيَّـرَتْ لبائِـدَ عن أعْطَافِـهِ ما تُرَجَّـلُ

الضافي: السابغ المسترسِل،ويعني شَعره. اللبائد: جمع اللبيدة، وهي الشَّعر المتراكب بين كتفيه، المتلبِّد لايُغْسَل ولا يُمشَّط. الأعطاف: جمع العَطف، وهو الجانب. ترجَّل: تسرَّح وتمشَّط. والمعنى: أنَّه لا يستر وجهه وجسمه إلا الثوب الممزَّق، وشعر رأسه، لأنه سابغ. إذاهبّت الريح لا تفرِّقه لأنّه ليس بِمسرَّح، فقد تلبَّد واتَّسخ لأنَّه في قفر ولاأدوات لديه لتسريحه والعناية به.


65- بَعِيـدٌ بِمَسِّ الدُّهْـنِ والفَلْيِعَهْـدُهُ لـه عَبَسٌ عافٍ مِنَ الغِسْل مُحْـوِلُ

بعيد بمسّ الدهن والفلي أي منذ زمن بعيدلم يعرف الدهن والفَلْي (الفلي: إخراح الحشرات من الشَّعر. العَبَس: ما يتعلَّقبأذناب الإبل والضّأن من الرَّوث والبول فيجف عليها، ويصبح وسخاً. عافٍ : كثير. مُحْوِل: أتى عليه حول (سنة). والأصل: محوِل من الغَسْل. والبيت بكامله وصف لشعره.

66- وَخَرْقٍ كظَهْرِ التُّـرْسِ قَفْـرٍ قَطَعْتُـهُ بِعَامِلَتَيْـنِ ، ظَهْـرُهُلَيْسَ يُعْمَـلُ

الخَرْق: الأرض الواسعةتتخرَّق فيها الرياح. كظهر الترس: يعني أنَّها مستوية. قَفْر: خالية، مقفرة، ليسبها أحد. العاملتان: رجلاه. والضمير في "ظهره" يعود على الخرق. ليس يُعمل: ليسمِمَّا تعمل فيها الركاب.

67- فألْحَقْـتُ أُوْلاَهُ بأُخْـرَاهُمُوفِيَـاً عَلَى قُنَّـةٍ أُقْعِـي مِرَارَاً وَأمْثُـلُ

ألحقت أولاه بأخراه: جمعت بينهما بسيريفيه، قطعته. والضمير في "أولاه" و "أخراه " يعود على (الخرق) المذكور في البيتالسابق. والمعنى: لشدَّة سرعتي لحق أوّله بآخره. موفياً: مشرفاً. القُنَّة: أعلىالجبل، مثل القلَّه. الإقعاء: أن يلصق الرجل ألْيَتَيه بالأرض، وينصب ساقيه،ويتساند ظهره. أمثل: أنتصب قائماً. يقول: وربَّ أرض واسعة قطعتها مشرفاً من علىقمَّة جبل، جالساً حيناً، وسائراً حيناً آخر.


68- تَرُودُ الأرَاوِي الصُّحْـمُ حَوْلي كأنّـها عَـذَارَى عَلَيْهِـنَّ المُلاَءُالمُذَيَّـلُ

ترود: تذهب وتجيء الأراوي: جمع الأرويَّة، وهي أنثى التيس البريّ. الصُّحْم: جمع أصحم للمذكر، وصحماء للمؤنث،وهي السوداء الضارب لونها إلى الصفرة، وقيل: الحمراء الضارب لونها إلى السواد. العذارى: جمع العذراء، وهي البكر من الإناث. الملاء: نوع من الثياب. المُذَيَّل: الطويل الذيل.


69- ويَرْكُـدْنَ بالآصَـالِ حَوْلِي كأنّنـيمِنَ العُصْمِ أدْفى يَنْتَحي الكِيحَ أعْقَلُ

يركُدْن: يثبتن. الآصال: جمع الأصيل،وهو الوقت من العصر إلى المغرب. العُصم: جمع الأعصم، وهو الذي في ذراعيه بياض،وقيل: الذي بإحدى يديه بياض. الأدفى من الوعول: الذي طال قرنه جداً . ينتحي: يقصد. الكِيحَ: عرض الجبل وجانبه. الأعقل: الممتنع في الجبل العالي لا يُتوصَّل إليه. والمعنى أن الوعول آنستني، فهي تثبت في مكانها عند رؤبتي، وكأن الشاعر أصبح جزءاًمن بيئة الوحوش، وإن كان أخطر وحوشها
حين تموت الأسود ترقص الكلاب على أجسادها
لكن تبقى الأسود أسوداً و تبقى الكلاب كلاباً


أَقِيمُـوا بَنِـي أُمِّـي صُـدُورَ مَطِيِّـكُمْ فَإنِّـي إلى قَـوْمٍ سِـوَاكُمْ لَأَمْيَـلُ

فَقَدْ حُمَّتِ الحَاجَاتُ وَاللَّيْـلُ مُقْمِـرٌ وَشُـدَّتْ لِطِيّـاتٍ مَطَايَـا وَأرْحُلُ