حب الصحابة
12-09-2017, 03:11 PM
حب الصحابة

د. خالد النجار
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:
رياح الليبرالية الغربية العاتيةُ أتت على كثير من ثوابتنا بفعل موجةِ التغريب التي تنبثق من واقع أنَّ:"المغلوب دائمًا مولَعٌ بتقليد الغالب"، فضلًا عن الحملة الغربية الضروس على أمَّتِنا الإسلامية لمحوهُويتها، وضمان تبعيَّتها، لقد تفشَّت النسبيَّة في كثير من معتقداتنا، وباتت ثوابتُناهلامًا لا شكل له ولا مَعْلم، ونال الطعن والنقدمقدساتنا من قرآن وسنة، وعقيدةٍ وشريعة؛ حتى صار بعضُهم يتحدَّث عن أفذاذ الصحابة - وكلهم أفذاذ - كما يتحدَّث عن شراذم الناس، مما يتنافى مع وجاهتهم ومكانتهم، ويتنافى مع ما كان عليه السلفُ المبارك من حبِّهم للصحابة، وتوقيرهم بتوقير الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لهم؛ حتى إنهم ألحقوا باب: "حبالصحابة" في الحديث عن العقائد؛ إعلامًا منهم: أن حبَّهم دين يدين به المؤمنون للهربِّ العالمين، مما حتم علينا نحن الخلف: أن نكرر الذِّكر ونجدِّد العهد على حبهم وتبجيلهم.

"صحابةرسولالله هم: من صَحِبَ رسولالله صلى الله عليه وسلم بلُقِيِّه ولو ساعةً مؤمنًا به ومات على ذلك"، ونوعُ الصُّحبة وقَدْر الصُّحْبَة يختلف فيه الصحابة، فليسوا على مرتبة واحدة.
والصحابة كلُّهم أثنى الله تعالى عليهم بدون استثناء، وأثنى عليهم رسولُه صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُاللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾، قال أهل التفسير: "محمدرسولالله، والذين معه على دينه أشداءُ على الكفار، رحماءُ فيما بينهم، تراهم ركَّعًا سُجَّدًا لله في صلاتهم، يرجون ربَّهم أن يتفضَّل عليهم، فيُدخِلهم الجنة، ويرضى عنهم، علامةُ طاعتهم لله ظاهرة في وجههم من أثر السجود والعبادة، هذه صفتهم في التوراة، وصِفتُهم في الإنجيل كصفة زرع أخرج ساقه وفرعه، ثم تكاثرت فروعُه بعد ذلك، وشدت الزرع، فقوي واستوى قائمًا على سيقانه جميلًا منظرُه، يُعجب الزُّرَّاعَ؛ ليَغِيظ بهؤلاء المؤمنين في كثرتهم وجمال منظرهم الكفارَ.

وفي هذا دليل على كفر من أبغضالصحابة - رضي الله عنهم -؛ لأن من غاظهالله بالصحابة، فقد وُجد في حقِّه موجِب ذاك، وهو: الكفر.
وعد الله الذين آمنوا منهم بالله ورسوله، وعملوا ما أمرهم الله به، واجتنبوا ما نهاهم عنه - مغفرةً لذنوبهم، وثوابًا جزيلًا لا ينقطع، وهو: الجنة، ووعدُ الله حقٌّ مصدَّق لا يُخْلَف، وكل من اقتفى أثرَ الصحابة رضي الله عنهم، فهو في حُكمهم في استحقاق المغفرة والأجر العظيم، ولهم الفضل والسبق والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحدٌ من هذه الأُمَّة، رضي الله عنهم وأرضاهم"؛ [التفسير الميسر].

وقال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ ﴾ ، كذلك قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ﴾؛ حتى سُمِّيَتْ هذه البيعة بيعة الرضوان؛ لأنَّ الله رَضِيَ ما عملوه، ورَضِيَ بَيْعَتَهُم فَسُمِّيَتْ بيعة الرضوان.
وقال تعالى: ﴿ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ﴾.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((لا تسُبُّوا أصحابي، فوالذي نفس محمد بيده، لو أنفق أحدُكم مثل أُحُد ذهبًا، ما بلغ مُدَّ أحدِهم ولا نصيفه))؛ [الصحيحين].
((دعوا لي أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أنفقتم مثل أُحُد ذهبًا ما بلغتم أعمالهم))؛ [أحمد: صحيح الجامع: 3386].
((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم))،[الترمذي، صحيح الجامع:3294].
((احفظوني في أصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب، حتى يَشهد الرجل وما يُستشهد، ويَحلف وما يُستحلف))؛ [ابن ماجه، صحيح الجامع: 206].
((إذا ذُكر أصحابي فأمسِكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا))؛ [الطبراني، صحيح الجامع: 545].
((النجوم أمَنةٌ للسماء، فإذا ذهبَت النجومُ أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأُمَّتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون))؛ [مسلموأحمد].
(النجوم)؛ أي: الكواكب، سميت بها؛ لأنها تنجم؛ أي: تطلع من مطالعها في أفلاكها، (أمَنةللسماء): الأمَنة مصدر بمعنى "الأمن"، فوصفها بالأَمَنة من قبيل قولهم: رجل عَدْلٌ، يعني أنها سببُ أمن السماء، فما دامت النجوم باقيةً، لا تنفطر ولا تتشقَّق، ولا يموت أهلها، (فإذا ذهبت النجوم)؛ أي: تناثرت، (أتى السماء ما توعد) من الانفطار والطيِّ كالسجل، (وأنا أمنةلأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون) من الفتن والحروب واختلاف القلوب، وقد وقع، (وأصحابي أمنة لأمتي) أمة الإجابة، (فإذا ذهبأصحابي أتى أمتي ما يوعدون) من ظهور البدع، وغلبة الأهواء، واختلافالعقائد، وطلوع قرن الشيطان، وظهور الروم، وانتهاك الحرمين، وكل هذه معجزات وقعت.

قال ابن الأثير:" فالإشارة في الجملة إلى مجيء الشر عند ذهاب أهلالخير؛ فإنه لما كان بين أظهرهم، كان يبين لهم ما يختلفون فيه، وبموته جالت الآراء، واختلفت الأهواء، وقلَّت الأنوار، وقويت الظُّلَم، وكذا حال السماء عند ذهاب النجوم"؛ [فيض القدير، بتصرف].