الأسرار في غابـة الصمـت !!
09-11-2018, 04:37 PM
بسم الله الرحمن الرحيم














الأسرار في غابـة الصمـت !!
عطاء التمني يزيد الجرح تعمقاً .. ومطية الكبرياء تعجرفاً تنال المقام إيلاماً .. والتقاضي عن الدموع المنهمرة تهاون يؤكد قسوة القلب .. كما يوحي بمقدار الهزل دون الجد .. ومذاق الإنكار والجحود نافذ كالحنظل في الحلق .. وأتعجب من قلبي حيث الرضوخ للويلات بقدر يفوق الحد .. يتمسك إخلاصاً رغم أن التخاذل يجرح القيمة والمقام .. وذلك الخضوع لشرعة الأمر الواقع إذلال يجلب المهانة .. وانحناء الهامة بفرية المحبة حالة تهين الشموخ والعـزة .. والتنازل عن المكانة والعزة إسقاط للهيبة والأهلية .. والأمر قد بلغ المدى لكي نقول أن درهما من التقدير والاعتبار خير من قنطار التصدق والإحسان .. والسكوت بعد ذلك هو دثار من زجاج لا يحجب خفايا السريرة .. ومظاهر الصمت فينا لا تبطل العلل المكنونة في صدورنا .. وكنا نتقي الجفوة لنقول للآخرين أن الأصل من الأصالة وأن الزيف لأهل الزيف .. والتبر لا يكتسب المكانة إلا بجوهر الصدق في الأصل .. والفخار قد يطلى بماء الذهب حتى يتلألأ كالنجف .. رغم أن العمق مازال يتمسك بالعيب .. والناس تعلم الأسرار ثم تمسك عن البوح .. وما الصمت والسكوت من الناس إلا للحياء والسماحة وعدم التجريح بالقول .. أما من يستخدم المعول لتجريح مشاعر الآخرين فقد تكمن في ذاته باقة من العيوب .. وأغطية التمويه قد تخفي المحاسن كما قد تخفي الشوائب من أجل التقاضي أدباً وسلوكاً .. وليس التقاضي جبناً وخوفاً وتخاذلاً .. والذي ينقب ليكشف عيباً يسانده في إثراء النوايا قد يمشي فوق رمال متحركة .. ثم لا يجد الثبات أبداً حتى يهلك الذات قبل أن يلحق الأسرار !. ويقال لا تخلو نفس من الأسرار كما لا تخلو بيت من الأسرار .. ولكن أهل الأصالة لا يركضون إطلاقاً لإزالة الأغطية .. بل هو ذلك الأخلاق والسماحة التي تفرض السكوت والستر .. وقد تلدغ النفوس المنقبة في الأسرار حين تصادف الأفاعي .. وحينها يقع اللوم على المنقب قبل أن يقع على الأفاعي .. والحكيم اللبق يدرك الحكمة من تواجد الشواهد فوق القبور .. فهي شواهد تخفي الكثير والكثير من الأسرار .. نعمة تحجب الماضي وقد رحلت أصحابها تحت التراب .. فكم يا ترى من الأسرار في تلك القبور !! .. فلو تفادى الناس نبش القبور لرحلت تلك الأسرار كما يرحل الأصحاب .. وبنفس القدر إذا سكت الناس عن عيوب الغير لسكت الغير عن العيوب التي فيهم .. ولتعانقت القلوب في بوتقة المحبة التي تخلو من الغـدر والطعن .. ولكن تلك هي نزعة الشر من أسلحة الشيطان الذي يأمر الناس بقذف الأحجار في النهر .. فإذا بالنهر يفقد الصبر ثم يقذف المستور في العمق ليطفو فوق السطح !! .. وبعدها تلك الشوائب التي تعكر الصفاء والطهر .. تجليات غير مطلوبة وغير مرغوبة ولكن هي تلك المعهودة في مسالك الإنس .. وما كان يضير أحداَ لو أن السماحة سادت في بساط المحبة دون غل يجلب الهـم .. وما كان يضير أحداَ لو أن الأمور تركت على علاتها دون الغور في دهاليز التجريح والغـم .. وتلك حكمة عالية حين يقال : ( من كان بغير خطيئة فليرم الآخرين بالحجر ) .. وحينها تمسك الكفوف خجلاَ وحياءَ لأنها لا تخلو من آثار الخدش .. وتلك الأسرار في حياة الناس تمثل غابة من أشجار الصمت .. والكل يضطرب وجلاَ حين يقترب الدخلاء من حاجب السـتر .. وقد تفلت الأسرار من أكنانها وحينها يكون القذف بالقذف والرد بالرد .. ثم تلك الشوائب المتلاحقة التي تدهن الواجهات بدهان الزيف والعيب .. فإذا بالوقور في الظاهر يلبس في العمق وشاح الحقير .. وإذا بالحقير في الظاهر يلبس في العمق وشاح التوقير .. والحكمة العالية دائما تقتضي عدم الكلام في غابة الصمت .
ـــــــــ
الكاتب السوداني / عمرعيسى محمد أحمد