شيوخ الجرح يُحيطون أنفسهم بضعاف النُّفوس وفاقدي الكرامة
02-10-2015, 09:36 PM

أحمد ذيب
إنَّ من المؤشرات المهمة في الحكم على نجاح تنظيم معين، هو المقاربة بين طاقة الأفراد الفعلية، وبين الطاقة المستغلة، فكلما ضاق الفارق دل ذلك على قوة التنظيم وفعاليته، والعكس صحيح.
وإنَّ الكيان الذي لا يُنشئ مؤسسات يكون كياناً هامشياً محدود التأثير؛ لأنَّ من مؤشرات النمو والتطور: تضخم العمل لدرجة الحاجة إلى إفراد مؤسسات متخصّصة للقيام بنشاط واضح ومحدد.

ولتقوية أيّ كيان لا بد من الإجابة عن خمس أسئلة: من نحن؟ ما مهتمتنا؟ أين نحن؟ أين نريد أن نذهب؟ وكيف نصل إليه؟

ونحن إذا ما أسقطنا هذه الأسئلة على واقع التيار المدخلي نجده قد اعتنى كثيراً بالإجابة عن السؤالين الأوليين، وتراجع اهتمامه بتقديم إجابات وافية عن بقية الأسئلة، ونتج عن ذلك أن تقلصت مؤشرات النمو والتطور لتقتصر غالباً على التواجد العددي للكيان السلفي.

ولا يخفى أنَّ الكيان الذي يحيا من أجل إثبات تواجده فقط، سيتحوّل مع مرور الوقت إلى بيئة طاردة للكفاءات الفكرية والطاقات الإبداعية، والعقول النقدية التي تحتاج عادةً إلى بيئة أكثر انفتاحاً للتعبير عن اجتهاداتها المختلفة.

وهذا ما حدث بالفعل، فلقد تحوّل هذا التيار إلى بيئة طاردة للكفاءات من ذوي الشهادات العليا التي تبحث عن آفاق أكثر اتساعًا تتيح لهم ممارسة البحث والتنقيب بكل حرية.

إنَّ الجيل الأكاديمي الصاعد أصبح يتململ من عقلية الوصايا التي تمارسها المشيخة التقليدية، وأصبح يدعو إلى إعادة النظر في مصداقية القيادات القديمة وأهليتها للاستمرار في هذا الموقع.

يحرص شيوخ الجرح على أن يُحيطوا أنفسهم بضعاف النُّفوس وفاقدي الكرامة، تماماً كما تصنع الأنظمة الفاسدة التي لا تحشي نفسها إلا بالبطانة السيئة المطبّلة.

أما طلبة العلم المتيقظين فلا حاجة لهم فيهم، بل الأولى إبعادهم وإسقاطهم حتى لا يقفون على معايبهم وقبائحهم.

وإنَّ من أشهر الطرق التي يتوسل بها هؤلاء لإسقاط النخب الصاعدة، هي تربية مريديهم على الوشاية، حيث يتم تعيين مُخبر في كل منطقة من أصحاب المستويات المنخفضة، والعُقد النفسية، والسَّوابق القضائية، ليكون مرجعاً للأتباع في منطقته، ومصدراً للمعلومات المغرضة، ومنبراً للنشرات التجريحيّة .

وهم في ذلك أشبه بــ "بيَّاع" القِسْم قَديماً، فحينما كنا ندخل فصلاً جديداً سرعان ما ينبري من يتولى مهمة "الفيَّاق" أو "البَيَّاع" ليسجل أسماء الفوضويين - في نظره - بتفان وإخلاص حتى ينال رضى المعلم، فهؤلاء المتزعمين للسلفية في الولايات والمناطق الداخلية لو بحثت عن سيرتهم لوجدت أنَّهم كانوا رؤساء التبليغ وحراس الوشاية، وهم الآن يُكرِّرُون نفس العمل، بل أعظم وهو الوشاية بطلبة العلم وأئمة المساجد لدى شيوخهم من دون أَجْرٍ ولا أُجرة، ومن شبَّ على شيء شابَ عليه!

أسباب هجرة الكفاءات من المنهج المدخلي:

هناك أسباب عديدة تدفع الكفاءات الشبانية للانعتاق من المنهج المدخلي، نذكر منها:

1ـــ أسئلة محيرة ولا إجابة لها:

هناك فئة عريضة من الشباب الجامعي أعلنت انسحابها من هذا التيار - ولو من الناحية الفكرية - ؛ لأنها أصبحت لا تجد أجوبة منطقية على كثير من الأسئلة، وشباب اليوم ليس كشباب العقدين الماضيين، فهو يناقش ويستشكل، وهذا مالا تطيقه طبيعة التيار المدخلي، بل تنظر إليه بكثير من التوجس والاستهجان.

2ـــــ الركود والرتابة:

يُعد الركود القاتل الذي تعرفه هذه الحركة باعثًا على التوجه نحو مشاريع أخرى أكثر فعالية وحركية؛ لأنَّ الشعور بعدم إمكانية الإفادة والإبداع لا يشجع على البقاء تحت سقف هذا التيار

3ـــ قتل المبادرة الفردية:

تعد المبادرة الفردية من أهم مقاييس نجاح وفاعلية الجماعة الإصلاحية، فعلى قدر ما تمور به الجماعة من مبادرات فردية تكون فاعليتها وحيوتها، والسلفية المدخلية لا تسمح بالمبادرات الفردية، ومعلوم أنَّ الفرد إذا فقد فرديته أصبح مدمجاً مع غيره في كتلة واحدة، لا تمايز فيها. فتنكسر بذلك همته، وتكلّ نفسه، وتبرد حميته.

4ـــ النمطية في التفكير:

إنَّ التجربة الفكرية والروحية في أروقة السلفية المدخلية تمتاز بالضحالة، فأغلب أتباعها لا يملكون خلفيات فكرية وسياسية وثقافية متينة، فلم نقرأ أو نسمع عن تجربة مناضل أو مثقف تحول نحو السلفية المدخلية.

إنَّ الدارس لواقع هذا التيار يقف أمام هويات محسومة واضحة من غير طموحات عالية، فأغلب التجارب تذهب في سقف طموحها نحو الارتقاء داخل التيار إلى مرتبة "طالب علم".

5ـــ شطب الوجود الاعتباري للكفاءات الشابة:



إن الامتثال الاجتماعي داخل التيار المدخلي يفرض على الكفاءات الشابة تصرّفات ومواقف ليس لها رصيد في قناعاتهم الشخصية، كما أنَّ ظروف الحياة المختلفة تجعل تطلعاتهم وحاجاتهم أكبر من الامكانيات التي تتيحها لهم هذا التيار، وهذا ما يدفع بهم نحو التمرد الناعم على المشيخة التقليدية استجابة لداعي الإبداع والطموح، أو الإذعان بالأمر الواقع خوفاً من أن تلتهمهم ألسنة الجرج.

http://www.echoroukonline.com/ara/articles/256832.html