الذكورة ليست شرطا للفتوى والأنوثة بحاجة إلى تحديد
30-03-2015, 09:46 PM

شهد ثالث أيام الملتقى الدولي الأول للمرأة العربية، الاثنين، سجالا صاخبا حول موضوعاتية "الاجتهاد النسوي" الذي رأته البرلمانية "أسماء بن قادة" مغلقا، وذهبت إلى أنّ "الذكورة ليست شرطا للفتوى"، مشدّدة على حتمية إعادة تحديد "مفهوم الأنوثة"، مثلما اعتبرت قانون "تجريم العنف ضدّ المرأة" بمثابة "تقدم حقيقي".

استتباعا للتظاهرة السابقة من نوعها التي ينظمها مجمّع "الشروق" للنشر والإعلام عبر الموقع الالكتروني المتخصص "جواهر الشروق"، تجوّلت البرلمانية د/"أسماء بن قادة" في محاضرتها "الاجتهاد النسوي ومفهوم الأنوثة" بالمشاركين في رحلة علمية تاريخية أثثتها بأقوال العلماء وخوضهم في اجتهاد المرأة.

واستبسلت النائب عن حزب "جبهة التحرير الوطني" في الدفاع عن أحقية النساء بممارسة "الفتوى والاجتهاد"، وذكرت في هذا الشأن:"للاجتهاد دائما شروط من الناحيتين العلمية والشرعية تنطبق على الرجل كما على المرأة"، مردفة:"مطلوب من النساء خوضا أكبر في الاجتهاد حتى يقرّبن الكثير من الصور، فلا بدّ للمرأة أن تخوض في الاجتهاد بأنماطه الإنشائي، التقليدي والجماعي"(..).

واعتقدت "بن قادة" أنّه لا بدّ من إصلاح نظامنا المعرفي ومصفوفتنا الفكرية بعيدا عن مبدأ تقديس الأشخاص ورفع الوصاية الفكرية والتوجسات الأمنية، وينبغي أن نحافظ على حد أدنى من الفردانية التي تحقق النوابغ وتصقل العقل الحرّ".

"أمّ سلمة" أنقذت الرسالة !

رأت "بن قادة" إنّ "أم سلمة" كانت نقطة انعطاف إثر "فك الإحرام في صلح الحديبية" (..)، كما ذهبت إلى أنّ "أمّ سلمة هي من أنقذت للرسالة من مآلها الخطير" (!!!)، قبل أن تلاحظ المحاضرة أنّ اجتهاد بنات حواء تعرّض إلى التغييب على مدار 14 قرنا، وانتقدت أولئك "الفقهاء الذين وضعوا شرط الذكورة في فتاوى الاجتهاد"، مشدّدة "لا بدّ من ظهور عالمات مشرّعات في الوقت الحالي لتفعيل منظومة الفتوى".

ولفتت "أسماء بن قادة" إلى أنّ "باب الاجتهاد لا يزال مغلقا"، وتصورت أنّه "لا يجب أن يبقى هذا الاجتهاد تقليديا، بل ينبغي أن يتم بأدوات جديدة"، قبل أن تقفز للمطالبة بإعادة النظر في المفهوم التقليدي للأنوثة، وإذ أبرزت ما قاله الرئيس "بوتفليقة" في "أرزيو" قبل سنوات "لولا المرأة لما بقيت الجزائر واقفة"، فإنّ البرلمانية المثيرة للجدل لاحظت إنّ المرأة تنفر من "الفساد" لكنها "موازية لقيم الرجال الإيجابية"، وتفاخرت بكون "نساء الغرفة السفلى لعبن دورا مؤثرا في تمرير عدة قوانين".

تناغم لا تكامل

وسط نقاش مستفيض، ركّزت "بن قادة" على حساسية إنضاج قيم إنسانية يتناغم فيها الرجل والمرأة، ورفضت مسمى "التكامل" بداعي أنّ الأخير "لعبة صفرية وهو مفهوم رياضي مفصلي حاد"، كما رأت المحاضرة أنّ "التكامل يخلق زوبعة في المفهوم الإسلامي للمساواة بين المرأة والرجل"، ما يستدعي – بحسبها - إعادة النظر في مفهوم الأنوثة التقليدي (..).

وبدلا عن "التكامل"، فضّلت المتحدثة "التناغم"، وقدّرت إنّ الأخير يؤدي معنى التلابس وفق منظور "ابن القيّم": "إذا تشاكلت النفوس وتمازجت الأرواح، تفاعلت معها الأبدان وطلبت نظير الامتزاج والجوار الذي بين الأرواح، فإن البدن آلة الروح ومركبه".

الشارع إلى المرأة "غرائزيا"

أبدت "بن قادة" قناعة بـ"الخطاب النسوي" بدل "الخطاب العلماني" وتوابعه، ولم تتردد عن انتقاد موقف "حسن البنا" مؤسس تنظيم "الإخوان المسلمون" من المرأة واعتبرته "سلبيا"، تماما مثل استهجانها نظرة الشارع إلى المرأة "غرائزيا كأنها مجموعة تضاريس ونتوءات" (..)، وهو ما أفرز في منظورها "الكثير من التعنيف والتهديد والتحرّش بالنساء".

وأشارت المتدخلة عند "الكثير من النساء اللاتي هُدّدن وعُنّفن وجرى الإمعان في التحرش بهنّ، هذا ما ركّز عليه القانون المجرّم للعنف ضدّ المرأة" الموسوم لدى طليقة "القرضاوي" بـ"التقدم الحقيقي، لأنّه يحفظ كرامة المرأة طالما أنّها سكن للرجل ولا يجوز إهانتها بألوان من السب والشتم والضرب".

وعليه، ردّدت "بن قادة": "قانون العقوبات تقدم نحو الإسلام وكسر لعرف اجتماعي يصف الرجل الذي لا يضرب المرأة بأنّه ليس برجل"!

مفارقة الضرر والتشتت

في مداخلتها، شدّدت "سهام إيغيل" المديرة التنفيذية لمركز "بصمتي" على أنّ "قانون العقوبات لن يضمن استمرار الثقة بين الرجل والمرأة، وسيشتّت الأسرة"، مشيرة إلى وجود ثمة "نساء يعنفن ويتحرشن بالرجال"، وهو ما ردّت عليه "بن قادة":"نساء قليلات يتحرشن، لكن كثيرا من الرجال بحكم طبيعتهم يفرزون ضررا سيكولوجيا وجسديا للنساء!!، وعن "تسبّب التجريم في تدمير البيوت"، اكتفت "بن قادة" بالقول: "لا حرج من تدخل الطرف الثالث لإصلاح ذات البين، وإذا لم يتم الإصلاح يتدخل القضاء"، مقترحة "استحداث مراكز للإرشاد ومجالس للمصالحة حتى نحصّن الأسرة".

ودافعت "بن قادة" عن الحراك الرسمي "علينا أن نثق في دولتنا، والدولة الجزائرية لن تسمح بالعبث بثابت من الثوابت، وما يحصل كلها اجتهادات لا تتناقض مع هويتنا وثوابتنا".

لكن "إيغيل" عادت للتوكيد على أنّ "القانون المستحدث لن يحد من الظاهرة، لا سيما في ظل تنامي تحرّش النساء ضدّ الرجال، لذا لا بدّ من قانون ضدّ المرأة أيضا" !، في المقابل، صمّمت "بن قادة": "الأمر يتعلق بحدود الله، والإسلام حضّ على معاشرة النساء بالمعروف، واعتبر كل من يتجاوز ذلك "ظالما".

الإسلام ليس تجارة أو سياسة !

ذهبت "بن قادة" إلى أنّ "لا يمكن تعويض مبادئ الإسلام بمواقف سلبية، فالإسلام ينطوي على معاني عميقة ولا يجدر استخدامه تجاريا وفي زوايا ضيقة، وأحبّ أن أجدّد التأكيد على أنّ المرأة أصبحت حرة بالإسلام"، مضيفة:"ليس المطلوب من المرأة أن تتوارى عن السياق العام".

وتعقيبا على تأكيد متدخلين إنّ "الخطاب الديني لم ينتقص من قدر الأنثى"، أوعزت "أسماء":"ليس لدينا فوبيا الآخر، ونتشبع بقناعاتنا"، معلّقة:"المسألة النسائية خضعت لتوظيفات سياسية، والمرأة أهينت واستهلكت إمكاناتها الفكرية"، قبل أن تضيف بلهجة ذات مغزى:"موجودات في البرلمان بفضل إرادة الرئيس" (...)، مهاجمة غرمائها:"الأحزاب الإسلامية لا تختلف عن نظيراتها العلمانية".

كما استماتت "بن قادة" في تعزيز طرحها:"نعم للحفاظ على الإسلام الذي يحمل أبعادنا الرسالية والجمالية، فأنا أستغرب فتاوى مشايخ في قطر لصالح زواج المسيار، ودعوتهم الشباب للارتباط بنية الطلاق، فهل هذا ديننا؟ هذا كذب وتدليس".

ونبّهت الدكتورة:"الموجات الدينية الصاخبة تبعد الإنسان عن الإسلام، والاجتهاد لا بدّ أن يكون محصلة لجهود متعددة للعلماء، ولا بدّ لمتخصصي الطب والتعليم والاجتماع والعلوم الشرعية أن يسهموا في صناعة الفتوى وبلورة الأفكار المستنيرة".

المرأة ليست للمداعبة والمؤانسة والملاعبة

استرسلت "بن قادة": "المرأة ليست للمداعبة والمؤانسة والملاعبة فحسب، وعلينا الانتصار للإسلام، بعيدا عن ثنائية الصراع المفترض، فالرجل والمرأة متناغمان متلابسان، وحالما تسترجع المرأة كرامتها ستبدأ هذه القطبية في التفاعل، ويتعين علينا أن نركّز على التراث بإيجابياته وسلبياته".

تحويل المقاهي إلى فضاءات ثقافية

قالت "بن قادة": "لا أؤمن بأماكن نسائية وأخرى رجالية، والمفروض أنّ مفهومنا للحضارة ينبغي أن ينبسط أكثر، فعندما تحدثت عن المقهى كفضاء ذكوري، دعوت لتأنيث المكان وتحويل المقاهي إلى فضاءات ثقافية على منوال ما هو حاصل في فرنسا، لبنان والولايات المتحدة وغيرها، ولم أطالب بتمكين المرأة من مراودة المقاهي الشعبية التي لم يدخلها لا أبي ولا أخي (..)".

واستذكرت "بن قادة": "هل تتذكرون ما حصل في الثالث مارس 2010 ولقاء الجزائر – صربيا (0 – 3)، أربعة آلاف امرأة راودن ملعب 5 جويلية الأولمبي، وكان اقتحامهن يومها هذا المكان الذكوري حبا في الجزائر".

وتابعت المتخصصة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية: "ينبغي أن تكون عقولنا مفتوحة على كل التساؤلات المستنيرة، فلا أنثى ولا ذكر بل ننتصر للتوحيد، والموجة النسوية الثالثة طالبت بالمساواة في التعليم، وضمت تلك الموجة كوكبة من العالمات النسائيات".

إنهاء الطلاق التعسفي

في إجابتها عن سؤال الزميلة "كريمة خلاص" حول "الخطأ الذي ترتكبه النساء عبر إفراطهنّ في مسألة الخلع التي صارت موضة أحيانا بنية مسبقة وأحيانا بأي عارض، ذكرت "بن قادة": "التعديل القادم لقانون الأسرة سيحول دون الطلاق التعسفي من الجانبين، ويضع مزيدا من التشديد حتى يحتفظ بالرباط الأسري، وحتى يحافظ على العائلة".

وفي وقت أثبتت "شائعة جعفري" رئيسة المركز الجزائري للمرأة أنّ "اتفاقيات بيكين خطيرة جدا، ما يجعل الخطر آت من الخارج وليس من الداخل"، تساءلت البرلمانية "نعيمة ماجر" عن دواعي تخصيص قانون لتجريم العنف ضدّ المرأة مع أنّ الحيثيات متضمنة في قانون العقوبات، أوردت بن قادة: "ملفات الطب الشرعي مثخنة بحالات بشعة لتعنيف النساء، لذا علينا الجرأة والشجاعة لتصحيح الأمور والنسج على منوال السلف"، واتكأت المتدخلة على حادثة بليغة:"كسرت السيدة عائشة صحنا غضبا من إحدى ضرّاتها، فقام النبي الأعظم بلملمة شتات صحن، وقال محمد (ص) للصحابة "غارت أمكم".

قانون العقوبات سيفرز "كوارث"

تطرقت الأستاذة "سامية بن شايب" ممثلة جمعية العلماء المسلمين إلى نظرة العلامة "عبد الحميد بن باديس" إلى المرأة وتربيتها، وقالت في محاضرة "الجمعيات وفن تفعيل دور المرأة" إنّ "التغيير يأتي بتحرير العقل ورفع حجاب الجهل عن المرأة مع أخيها الرجل".

واعتبرت "بن شايب" أنّ قانون العقوبات الذي يسجن الأزواج المعنفين، سيفرز "كوارث" مثلما سيزيد من عزوف الشباب عن الزواج ويودي بهم إلى طريق ثان عنوانه الأكبر "الانحراف".

80 بالمائة من الجمعيات "متسللة"

تحدثت "بن شايب" عن وجود مائة ألف جمعية في ربوع الجزائر بينها الآلاف من الجمعيات النسوية، لكن 80 بالمائة من النسيج العام "غير فاعلة"، في وقت أحصت 93 جمعية متسللة في العاصمة.

وفي تفاعلها، صرّحت "شائعة جعفري": "الجمعيات الناشطة في العاصمة تتوزع على ثلاث: ثلث أول عريق يدرك وظيفته – ثلث ثان حصر مهامه في المساواة بين الرجل والمرأة وشن حرب شرسة على الرجل ما أنبت الشوك في رؤوس الرجال، وثلث ثالث تخصص في الحلاقة وتقليم الأظافر وطهي الحلويات، مع أنّ الجزائريات أكبر من هذا".

وأضافت "جعفري" متحسّرة:"لو أنّ السبعة آلاف جمعية الناشطة في العاصمة، فعّلت أدوارها لنجحنا بكل تأكيد".

رفع حجاب "الجهل" قبل "الستر"

نوّهت "بن شايب" بأنّ "جمعية العلماء المسلمين" التي تأسست في الخامس مايو 1931 بدأت ولا تزال تتموقع كحركة دعوية تتميز عن الأحزاب والمنظمات، وحملت مسمى العلماء يقينا من المؤسسين الأوائل بأنّ التغيير يأتي بنخبة العلماء، ورسّخ العلامة "بن باديس" الجمعية كخلية للتحصين وترسيخ الهوية وترقية الأفكار وتثمين كل جهد ناجح".

ولاحظت "بن شايب": "جمعية العلماء لم تهمل النساء منذ تأسيسها، وبن باديس نادى بتربية المرأة وتعليمها رفقة أخيها الرجل، وقال "إذا أردنا أن نكوّن رجالا، فعلينا أن نكوّن أمهات دينيات وذاك يفرض تربية البنات تربية إسلامية وبذلك يكوّن لنا عظماء الرجال"، وقدّرت "بن شايب" إنّ "المرأة سطرت أسطرا من نور في كل المجالات، فكانت ملكة وقاضية وطبيبة وو..".

وإذ ركّزت على "استحالة تحرّر البدن والعقل لا يزال مكبّلا"، نقلت "بن شايب" على لسان "بن باديس: "ارفعوا حجاب الجهل عن عقل المرأة قبل أن ترفعوا حجاب الستر عن وجهها"، وقوله أيضا في ثلاثينيات القرن الماضي:"ما تعيشه النساء جهالة عمياء ولأوليائهن مسؤولية عظمى عن هكذا وضع".

50 مدرسة في العاصمة تابعة لجمعية العلماء

كشفت "بن شايب" إنّ خمسين مدرسة قرآنية في الجزائر العاصمة تابعة لجمعية العلماء، ونوّهت بأنّ مدرسة التربية والتعليم بقسنطينة نهضت بدور تنويري هام، واستحضرت حرص العلاّمة الراحل "عبد الرحمان شيبان" على التمثيل النسائي في الجمعية واستقطاب بنات حواء.

وامتدح د/"عبد الحميد يحيى" ما قدّمته "بن شايب" بقوله:"محاضرة شديدة التأصيل عميقة الفكر، في حين أفاد د/"أحمد محمود المصري": "لدينا عدة تجارب مع الجمعيات في الخليج العربي، على منوال كل من جمعيتي مكة والمدينة المنوّرة الأكبر من نوعهما هناك، وقدمنا لهما دراسة مستفيضة لرفع الدعم، وسنقدمها مجانا للجزائر".


http://jawahir.echoroukonline.com/articles/2093.html