الحركات الجهادية.. كتاب جديد يسعى لتضليل الرأي العام الأمريكي
27-02-2009, 11:30 AM
الحركات الجهادية.. كتاب جديد يسعى لتضليل الرأي العام الأمريكي
المؤلف: جورج وايغل ـ
عرض ونقد: حسن البراري
21/02/2008


* بالرغم من مرور سبع سنوات على أحداث الحادي عشر الإرهابية، فما زال الكثير من الاستراتيجيين والباحثين في الولايات المتحدة منشغل في محاولة فهم هذه الظاهرة وما يطلق عليه "عولمة الجهادية". ينظر هذه الكتاب إلى إرهاب الحادي عشر في سياق منفصل عما سبقه من إرهاب. فمثلا كان معروف أن إرهاب القرن التاسع عشر الذي مثله الفوضويون وما نتج عن ذلك من اغتيالات في أوروبا أو حتى اختطاف الطائرات من قبل بدر مينهوف أو من قبل منظمة أيلول الأسود الفلسطينية كان له هدف واحد محدد يتمثل بالدعاية من أجل تسليط الضوء والإعلام على قضاياهم. أما إرهاب الحادي عشر فجاء بهدف إحداث تدمير كبير وبأقصى درجة ممكنة. وفي هذا السياق جاء الكتاب المعروض الذي يجادل مؤلفه بأنه وبعد مرور أكثر من نصف عقد على أحداث الحادي عشر فإنه ما زال هناك قضايا لا يمكن إلا أن تتم عملية فهمها. فبدون فهم طبيعة هذه الحرب الجديدة وجذورها الدينية والأيدلوجية وفهم الشغف والانفعال الذي نما مع هذه الجذور وفهم ضعفنا لهذه الانفعالات فإن فرص الانتصار على العدو ضعيفة. وبالتالي فالهدف من الكتاب هو تحديد ما يجب تعلمه منذ عام 2001 إذ يقدم الكتاب خمسة عشر درسا حول ثلاثة محاور أساسية هي: فهم العدو، إعادة التفكير بالواقعية، استحقاق النصر.
تناول الجزء الأول من الكتاب طبيعة العدو. وينطلق الكتاب من فرضية أن المسائل الإنسانية الكبرى هي في نهاية الأمر ثيولوجية. فيقول إن طريقة تفكير الناس حول الله أو عدم التفكير بها يتعلق بدرجة كبيرة بكيفية تصور المجتمع العادل وتصميم الوسيلة المناسبة لبناء ذلك المجتمع. ويتطلب هذا الأمر أخذ الأمور الثيولوجية على محمل الجد. وهذا يتضمن أيضا النظر بجدية إلى مفاهيم الآخرين حول طبيعة الله ومدى التزامهم بالإيمان النابع من هذه المفاهيم. ويقول "لم نتعلم من هذه الأشياء في السنوات الخمس الماضية فمعنى ذلك بأننا لم نتعلم شيء". وبالتالي فهم الأفكار التي ترسم الفترة التاريخية وتفاعلها هو ضروري لفن القيادة الحكيم. فقد تعلمنا خلال الحرب الباردة التي كانت في أساسها تنافس على الأفكار الأساسية وهي أفكار حول طبيعة الإنسان وأصل الإنسان وطموح ومصير الإنسان. فبعد أن فهم الغرب أن التنافس مع الشيوعية هو على الأفكار فقد وظف الغرب بقيادة أميركا المصادر الحضارية والاقتصادية والثقافية والفكرية والعسكرية لاحتواء التهديد الذي مثلته الشيوعية وهذا درس يجب تعلمه.
ويحاول المؤلف أن يبين أن الإسلام مختلف عن المسيحية واليهودية بالرغم من أنها جميعها أديان سماوية توحيدية. ويتوسع بتسليط الضوء على نقطة أن الإسلام جاء ليحل محل الأديان الأخرى. ويقول أيضا بأن بعض المسيحيين يقول بأن المسيحية جاءت لتحل مكان اليهودية إلا أن المسيحية الأرثوذكسية تقر وتعترف بأن الوحي إلى المسيح علية السلام لا ينفي الوحي على سيدنا موسى عليه السلام. أما الإسلام فهو على العكس من ذلك تماما إذ يعتبر نفسه محل هذه الأديان. وهذه "الإحلالية" الإسلامية فيها بنية داخلية تسمح بالصراع مع المسيحية واليهودية. وهي بالتالي مصدر النزاع المستمر. ويبدو لي أن الكاتب لا يستوعب جيدا موقف الإسلام من الأديان الأخرى. ولا يذكر الكاتب كيف أن الكثير من اليهود على سبيل المثال أنكروا أن الإسلام دين من الله وحاربوه. وكان من الممكن استخدام هذه الحقيقة كمتغير لشرح وفهم الصراع. لكن الحقيقية أن الصراعات الدولية لا تتم في الغالب من منطلقات ثيولوجية كما يريدنا المؤلف أن نستبطن. فكيف على سبيل المثال يشرح الكاتب الصراع المسيحي المسيحي المتمثل بحروب أوروبا لقرون من الزمان؟!
يجادل الكتاب أن الجهادية هي العدو في حرب متعددة الجبهات شنت على الغرب. وللجهادية تاريخ فكري بالغ التعقيد يجب فهمه من أجل استيعاب طبيعة التهديد الذي يوجهه للغرب. يقول إن الجهادية هي تعبير عن صراع الإسلام مع الحداثة. وتعود جذور هذا الصراع إلى إخفاق الإسلام في التعامل مع بداية الحداثة ووقف الزحف الإسلامي من قبل المسيحية في معركة فينا عام 1683. وقد أدت هذه الانتكاسات إلى وجود تجارة وتوجهات استعمارية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر والتي وقع اغلب العالم الإسلامي تحت حكم الأجنبي "الكافر" الدوني. ويتحدث بشيء من التفصيل عن أن قوى التحديث والثورة الصناعية مرت دون أن تترك أثرا في المجتمعات الإسلامية التي عانت مرحلة انحطاط فكري، على حد تعبير المؤلف. ويتناول ردود الأفعال الإسلامية ويمر على مفكرين من ابن تيمية إلى حسن البنا وسيد قطب لكي يصل إلى صعود الحركات الجهادية. المشكلة في هذا الطرح هو إذا كان الإسلام كما يقول يحمل في ثناياه العنف لماذا لم تظهر الحركات الجهادية عندما كان الاستعمار جاثما على صدور العرب والمسلمين لقرون وعقود؟! فبالرغم من الاتفاق بأن الجهادية هي نتاج تطور في الفكر السلفي إلا أن هناك عواملاً موضوعية ساهم الغرب بجزء كبير منها في خلق الظروف الموضوعية التي ساهمت على نشوء هذه الحركات،. فهي لم تأت من فراغ وليس بدافع ثيولوجي بحت وإنما جاءت استجابة لجملة من التحديات أبرزها العامل الخارجي.
ويضيف المؤلف أن الجهاديين ينظرون إلى السياسة والتاريخ من خلال مناظيرهم الثيولوجية وليس من خلال المناظير والافتراضات الغربية حول الديناميكية التقدمية للتاريخ. فيقرأ الجهاديون، على سبيل المثال، عقد التسعينيات ليس على طريقة "نهاية التاريخ" أو انتصار الديمقراطية بل يرون فيه عقدا أظهر ضعف الغرب. فهزيمة السوفييت في أفغانستان تعني أن الحداثة هي على طريق الهزيمة. هنا لا بد من الإشارة إلى أن هذه المقولة فيها الكثير من التبسيط للواقع. فلم يربط الجهاديون بين السوفييت ومقارعة الغزو السوفييتي مع موضوع الحداثة. لكن صحيح أن هزيمة السوفييت في عقد أعطت انطباعاً بأن هزيمة أميركا قد تأخذ عقداً آخر. فبعد النصر في أفغانستان، رأى الجهاديون أن الحرب والجهاد يجب أن يستمرا حتى يعبد جميع البشر الله. وهذا ما يفسر العدائية الجهادية في عقد التسعينيات. وفي هذا الموقع بالتحديد يكثر المؤلف من اقتباس المستشرقين والمحافظين الجدد الذين بالفعل عجزوا عن فهم هذه الظاهرة المعقدة لأنهم انطلقوا من منطلقات أيديولوجية وبعضها ثيولوجية لفهم ظاهرة الجهاديين. وفي الوقت الذي ينتقد فيه هؤلاء المستشرقون البعد الأيديولوجي للجهاديين، يوظفون هم أنفسهم الموقف الأيديولوجي لفهم الظاهرة الجهادية وفي ذلك مفارقة.
وبالتالي يعتقد المؤلف بأن الحرب ضد الجهادية ستكون حول مستقبل البشرية وستستمر لأجيال قادمة. فالنافذة التاريخية لإنجازات الجهاديين وتحقيقهم لأكثر طموحاتهم وأهدافهم ستغلق على الأرجح خلال ربع قرن تقريبا. بمعنى آخر فمن وجهة نظر الجهاديين هناك جيل أو جيلين لإنجاز المهمة. فديناميكية التغير الديموغرافي تبين أن الصراع الحالي مع الجهاديين لن يدوم إلا لأجيال قليلة قادمة. وبعد إدراك هذه الحقيقة لابد من إدراك صحة من عدم صحة المقولة التي تتردد كثيرا حول أن الأغلبية الساحقة من المسلمين هم ليسوا إرهابيين أو جهاديين. فهو يقول بأنه صحيح أن غالبية المسلمين تريد العيش بسلام وأن هذا ليس ذو صلة. فالجهاديون مع أنهم أقلية إلا أن هناك متعاطفين معهم أكثر مما ينبغي الأمر الذي يمّكن الجهاديين من الاستمرار في حملاتهم الإرهابية. وهذه الفئة المتعاطفة ليست موجودة فقط في الشرق الأوسط بل في أوروبا وكندا والولايات المتحدة. لذلك يرى مؤلف الكتاب بأنه لا بد لهذه الدول الغربية أن تخلص نفسها من وهم تعدد الثقافات، وأن تأخذ على محمل الجد أكثر من ذي قبل مسألة انصهار واندماج المهاجرين في المجتمعات الجديدة. والانصهار هنا يعني الاندماج في المعايير الأساسية للمجتمع المدني الذي تستند عليه المجتمعات الحرة في الغرب واحترام التعددية والتي تتضمن احترام معتقدات الآخرين مما يجعل من الاشتباك المدني مع الآخر أمراً ممكناً، ويعني أيضا احترام حكم القانون والالتزام بوسائل الإقناع في السياسة ورفض وسائل الإكراه. وهذا يجب أن يكون أحد مهام التعليم المدني الذي هو أحد أهم مكوّنات استيعاب وانصهار المهاجرين. فالإنسان الديمقراطي يصنع ولا يولد. وهذه في واقع الحال حرب طويلة. فمن الضروري أن يتفهم الغرب ويدرك هذه الحرب ويقوم بتثقيف وتعليم المجتمعات الغربية لوضع الاستراتيجيات والتكتيكات المناسبة.
فبعد تحديد طبية العدو ينتقل المؤلف في الجزء الثاني إلى تناول ما أسماه مؤلف الكتاب بإعادة التفكير بالواقعية. ويقدم مجموعة من الدروس في هذا الجزء. فيقول جورج وايغل في أحد الاستخلاصات المهمة بأن الواقعية الحقيقية في السياسة الخارجية يجب أن تأخذ الشر بجدية لكنها يجب أن لا تكون مغلقة أمام التفكير في احتمالية التغيير الإيجابي في السياسة الدولية. فجهود إدارة الرئيس بوش في أعقاب أحداث الحادي عشر لتسريع التغيير والإصلاح في المنطقة العربية جاء نتاج تقييم موضوعي وواقعي للوضع برمته في الشرق الأوسط. فكما يقول فؤاد عجمي فإن الوضع القائم في الشرق الأوسط يمتاز بعدم الاستقرار مما ساهم في إنتاج الإرهابيين والجهاديين الذين هم مصممين على تغيير الوضع الفاسد في بلدانهم. المشكلة مع هذه القراءة هي أنها تتجاهل عن مسؤولية الولايات المتحدة وسياساتها في خلق مشاعر معادية للولايات المتحدة. فالقول إن القمع في الإقليم العربي أنتج إرهابيين فيه الكثير من التجني وتجاهل أن العامل الخارجي ساهم بشكل كبير في خلق البيئة المناسبة لحمل الإسلام الراديكالي على ملاحقة ما يعرف بأدبيات الإسلام السياسي بالعدو البعيد. ويستند جورج وايغل في هذه النتيجة على أن التقييم الواقعي يأخذ العالم كما هو لكنه لا يتركه كما هو في دعوة مباشرة لأن تتدخل أميركا في إعادة ترتيب المنطقة بما يضمن مصالحها. ويطالب مؤلف الكتاب أن يستفاد من درس الثلاثينيات من القرن الماضي عندما سادت سياسة الاسترضاء مع هتلر والتي عبرت عن عجز وعقم أكثر من أي شيء آخر. فجاءت سياسة الاسترضاء كوصفة كارثية وتأخير غير مبرر وغير مسؤول أدى إلى عواقب وخيمة.
فالحرب ضد الجهادية تتطلب أن يكون الهدف السياسي في الشرق الأوسط وبقية العالم الإسلامي أن يكون التطور باتجاه حكومات مسؤولة ومستجيبة علما بأن هذه الحكومات ستأخذ شكلا مختلفا نظرا للظروف الثقافية والتاريخية. وهنا يقتبس مؤلف الكتاب مطولا من أفكار المؤرخ برنارد لويس الذي يقول إن الجامعات المختلفة طورت طرق مختلفة لإدارة شؤونها ولا توجد هناك حاجة لأن تكون مشابهة لإداراتنا. فمثلا كانت الديمقراطية الأميركية بعد حرب الاستقلال منسجمة مع العبودية لمدة ثلاثة أرباع القرن ولم تعط المرأة حق التصويت إلا في وقت متأخر جدا. فالديمقراطية حسب برنارد لويس تأتي على مراحل. بالتالي يجب أن لا يحبط الأميركان مما حصل في العراق عندما تحولت العراق إلى ساحة قتال مع الجهاديين. فالتحول الصعب في عراق ما بعد البعث يجب أن لا تقود إلى واقعية زائفة لإغلاق سابق لأوانه. كما يجب أن لا تعمي هذه الحقيقية عن ما كتبه برنارد لويس بأن "الحرب على الإرهاب والبحث عن الحرية هما أمران مترابطان مع بعضهما البعض بشكل وثيق إذ لا يمكن لأي منهما النجاح دون الآخر".
وبناء على ما سبق من تحليل ينتقل المؤلف إلى الدرس العاشر وهو أنه في الحرب ضد الجهادية الكونية، فإن الردع الاستراتيجي من غير المحتمل أن يكون فعالا. لأنه يكاد يكون من المستحيل أن يرتدع أولئك الذين يكونون ملتزمين بمفاهيم مثل الشهادة. فقد عملت جيدا استراتيجية الردع الاستراتيجي مع الاتحاد السوفيتي لامتلاك الجانبين وسائل ومقدرات تهدد الآخر بشكل وجودي. وعلى العكس من ذلك، يجادل جورج وايغل بأن هناك كل سبب للاقتناع بأن الفكر الذي يؤثر على الجهاديين يحيّد من مفاهيم الردع وذلك بسبب طبيعة العدو ولكن أيضا لأن الردع يفسر لدى الجهاديين بالضعف. ويبدو أن ثمة نوعاً من الفهم لطريقة تفكير الجهاديين. فحساب الموت والحياة لديهم لا يخضع للعقلانية الغربية القائمة على الربح والخسارة. فالذي يريد أن يرتكب عملية انتحارية بقصد قتل العدو والموت في سبيل الله لا ينفع معه مفاهيم واستراتيجيات قائمة على توازن الرعب وتوازن التهديد وتوازن القوى والردع الاستراتيجي. المشكلة في فهم مؤلف الكتاب هي أنها جزئية لطريقة عمل الجهاديين. فمثلا في الوقت الذي يوظف فيه الجهاديون نصوص مقدسة لمهاجمة العدو فإنهم يتناسون أنه ما كان للجهاديين القدرة على تجنيد أعداد كبيرة من الانتحاريين لولا وجود مظالم حقيقية سببتها السياسة الغربية عموما تجاه الشرق. فالعمليات التي قامت بها حماس والجهاد الإسلامي على سبيل المثال هي في سبيل دحر الاحتلال وليس لتقريب نهاية الكون. والعمليات الانتحارية التي قام بها الكميكاز الياباني وثوار التاميل هي نفسها التي يقوم بها الراديكاليين الإسلاميين دون أن يشتركوا في نفس العقيدة. بمعنى أنه قد يكون هناك نصوص دينية يمكن تفسيرها بشكل يسهل من مهمة المنتحرين لكن التفسير الغالب هو وسطي ولا يجيز قتل الآخر إلا بسبب وهنا يأتي احتلال الأرض كالسبب الوحيد ربما الذي يدفع الإنسان للتضحية بنفسه في سبيل الوطن.
الجزء الأخير من الكتاب مخصص لما أسماه المؤلف بـ "استحقاق النصر". ويستخلص المؤلف أن الثقة بالذات ثقافيا هي أمر لا يمكن الاستغناء عنه في الصراع طويل المدى مع الجهادية. فقبل البدء في المعركة مع الجهادية على الغرب، كما يقول المؤلف، معالجة العجز في قدراته وذلك حتى "نكون" جدرين بالنصر على العدو. والخطوة الأولى هنا تتطلب أن ندرك بأن أول مشاكلنا الأساسية تتعلق بالأفكار والثقافة. ويوجه هنا انتقادا حادا إلى أوروبا لأنها على حد تعبيره تعتقد أن كل الثقافات متساوية إذ ترفض أن تطلق أحكاما على هذه الثقافات معتقدين بأنه في حالة دفاع الواحد عن ثقافته يعد ذلك أو يفسر كنوع من الهيمنة وعدم التسامح والتي تخون مبادئ الليبرالية والديمقراطية. وبالتالي لن يتحقق النصر ولن يستحقه الغرب إذا لم يعتبر أن ثقافته وقيمه تستحقان ذاك النصر. وهذا يتطلب أن يكون الغرب قادراً على الدفاع عن التزاماته للمجتمع المدني والديمقراطية بشكل فلسفي. ويتطلب ذلك أيضا الدفاع عن هذه الالتزامات تاريخيا.
فالغرب الذي لا يرى في تاريخه سوى الحروب الدينية والعنصرية والاستعمار والاضطهاد هو غرب لا يستطيع أن يدافع عن حاضره. فالغرب الذي لا يستطيع أن يتذكر ماضيه بشكل دقيق فلن يكن بإمكانه تقديم نفسه بشكل إبداعي في المستقبل. وأكثر من ذلك، فالغرب الذي يمحو من ذاكرته الجماعية مساهمات الدين لحريته الحالية هو غرب في موقع ضعيف لمواجهة تحدي قراءة دينية بديلة للماضي والحاضر والمستقبل. فالمسيحية على سبيل المثال، ساهمت بشكل كبير في تطور مشروع الحرية في الغرب. ومن تعاليم المسيحية في هذا المجال مقولة ما لقيصر لقيصر وما لله فهو لله. وإذا كان هناك ما هو لله وليس للقيصر عندها تكون سلطة القيصر بالضرورة محددة. فوجهة النظر الجديدة في الغرب كانت بمثابة التمييز بين النظام الروحي والنظام العلماني. والحقيقة أن ذلك كان تمييزا ثوريا. فالإمبراطورية التي تطورت لاحقا إلى دولة قد أجبرت لتشترك بمساحة محددة مع لاعب آخر (الكنيسة) يطالب بسلطة حقيقية في المجالات المهمة.
وبالتالي يجب مواجهة تكتيكات "السلامي" salami الإسلامية. فمجرد التنازل باسم الفكرة الخاطئة المتمثلة بالتسامح ستؤدي حتما إلى تنازلات أخرى ثم يتبعها تنازلات أخرى تتعلق بالحرية والأمن. ويبدو أن الكاتب يستخدم نفس مقولات معارضي عملية السلام خوفا من تقديم تنازل يؤدي إلى فتح شهية الآخر. فالكثير من الإسرائيليين يزعموا بأن تقديم تنازلات كبيرة للفلسطينيين ستفتح شهية الفلسطينيين وعندها يطالبون بحيفا ويافا الخ.
فالمجتمعات الغربية يمكن أن تخضع وتستسلم للضغوطات الثقافية والاجتماعية والسياسية باسم التسامح أو التعددية الثقافية مما قد يؤدي في نهاية الأمر إلى إرجاع غير المسلمين في مجتمعاتهم إلى مواطنين من الدرجة الثانية وذلك عن طريق خضوعهم للضغوطات الإسلامية. وأكثر من ذلك يلقي المؤلف باللوم على معدلات الولادة المتدنية في أوروبا وكيف أن هذا الواقع يخلق فراغا في مرحلة الفئة العمرية الشبابية وكيف أن المهاجرين المسلمين يملؤون هذه الفجوة أو الفراغ. ويظهر هذا في بعض أطراف المدينة التي يوجد فيها مسلمون محيطون بحارات وضواحي الأغنياء الأوروبيين. وهناك بعض المناطق في أوروبا التي تطبق فيها قواعد الشريعة الإسلامية بالإكراه ولا تصل إليها قوى الدولة المركزية مثل الشرطة وغيرها. وقد غضت السلطات الأوروبية الطرف عن هذه الممارسات. وأكثر من ذلك فإن نظام الأمن الاجتماعي الأوروبي يشمل المهاجرين المسلمين بسخاء. وما زال الرد الأوروبي يأخذ شكل سياسة الاسترضاء. وبعيدا عن مقاومة تكتيكات السلامي، فالمطلوب من الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا العمل على تعزيز الحوار بين الأديان وجعله من أولويات سياسة الولايات المتحدة الخارجية والحكومات الغربية.
ويجادل بأنهم (الغرب) لن يحققوا أو يستحقوا النصر إذا ما استمروا في تمويل أولئك الذين يهاجمونهم وبالتالي يجب أن يكون هناك برنامج لعدم تمويل الجهاديين بتطوير بدائل للنقل الذي يعتمد على النفط وهذا يجب أن يكون مكوّن مهم في هذه الاستراتيجية. فالجهادية ما كانت لتكون خطرا كما هي عليه الآن لو أن الغرب لم يحول ما يعادل من 2 تريليون دولار للعالم العربي والإسلامي الفترة التي أعقبت الحرب الباردة. ولا يعقل أن الكاتب غير ملم بهذا التمييز لكن هناك تحريضا واضحا في الكثير من مقولاته يجعلانه يتغاضى أو يتذاكى أحيانا لعل القارئ الغربي يستنتج ما يريده الكاتب نفسه أن يستنتج. بمعنى أن المؤلف يمارس نوعا من التدليس والتضليل وهو يربط بين الإنفاق على التعليم (الابتدائي والثانوي والجامعي) خاصة وأن الدين الرسمي متصالح مع ذاته والعالم الخارجي. ولذلك جاءت دعوته لفصل عرى الاعتمادية على النفط الشرق أوسطي لما له من مساهمة في تعزيز الأمن الوطني للمجتمعات الغربية. كان سيكون أكثر فائدة لو أن الكاتب ركز على إعطاء توصيات لكي تتجنب الولايات المتحدة مزيدا من الأذى في صورتها غير البهية بسبب سياساتها بدلا من التحريض على العرب والمسلمين وحقهم في التعليم. لا يبدو أن المؤلف مدرك لصعوبة عدم القدرة الحالية للغرب لتطوير بدائل عن النفط، ولكن هذا موضوع آخر.
وهذا يقوده إلى درس آخر ينادي فيه بضرورة وجود تحالف داخلي لهزيمة الجهاديين بعيدا عن تشويش اليسار المتطرف واليمين المتطرف. وهذا التحالف يجب أن يتكون من الجميع بحيث يستوعب أركان التحالف حجم الخطر المتمثل بالجهاد العالمي ويتفقون على الإجراءات اللازمة لإلحاق هزيمة به. وهنا يوجه نقدا جارحا لليسار الذي يلقي باللوم على المحافظين الجدد.
وفي نهاية الكتاب يرى بأنه لا مناص من قيادة الولايات المتحدة للتصدي لهذا الخطر. فهو يرى بأنه يجب أن يتم توفير كل الإمكانات في الحرب على الجهاديين وهنا الإشارة إلى حرب الأفكار بالإضافة إلى القوة العسكرية. ويطالب بالتركيز على ما يعرف بالدبلوماسية العامة وما يتطلب ذلك من أن يقوم ممثلي الولايات المتحدة في الخارج في إقناع الآخرين بالخطر من الجهادية العالمية. ويجب أن يكون ذلك أولوية قصوى للدبلوماسية الأميركية. لذلك يأخذ هذا بعين الاعتبار عند تعيين السفراء الأميركان في بعض البلدان الرئيسة في العالم. فالسفراء يجب أن يخضعوا للفحص وأن لا يكون المعيار لتعيينهم هو مساهماتهم في الحملة الانتخابية للرئيس بل المعيار يجب أن يكون قدرتهم على الاشتباك مع الإعلام المحلي والجامعات المحلية ومراكز «الثنك تانك» من أجل تشكيل الرأي العام. وبالإضافة لمسألة التعيين فهناك حاجة لأن يركز تدريب السفراء على حب الحاجة لمواجهة الجهادية والحد من انتشار معاداة الأميركان. وهو يرى بأن الرئيس القادم وبصرف النظر عن هويته سيكون بحاجة لتقديم نموذج لقيادة العالم في حرب لم يختارها الغرب، على حد تعبير المؤلف.
بكلمة يمكن وصف الكتاب بأنه يقع في سياق الحملات الدعائية والتركيز على عامل الخوف لدى الشعب الأميركي. بمعنى أن التضخيم من خطر الجهادية دون تقديم فهم حقيقي لهذه الظاهرة إنما يقصد من وراء ذلك الاستمرار في تعزيز التضليل الذي يمارسه الكثير من الباحثين في الولايات المتحدة. لم يقدم الكاتب مقولات جديدة غير التي نعرفها عن المستشرقين لذلك اقتبس كثيراً من الباحث المعروف برنارد لويس. والنقطة التي تستحق الإشارة هنا أن جورج وايغل يعتبر الحرب على العراق ضمن سياق الحروب العادلة. وهو بالتالي يردد بشكل غير نقدي مقولات المحافظين الجدد لكن دون تقديم أي برهان أو أي معيار في كتابه حول ما هي الحرب العادلة من غير العادلة. وإن دلّ هذا على شيء إنما يدل على تغلغل الموقف الأيديولوجي على مقولات الكاتب بحيث إنه يتمتع بنظام معتقدات مغلق تجاه الآخر. وهذا النظام المغلق يمنع المؤلف من رؤية الأمور كما هي وعندما يستجد أمراً أو تطورا على موقف الآخر ولا ينسجم هذا الغير مع الإطار الأيديولوجي الذي يحرك الكاتب نجده يطرح بالمعلومات الجديدة جانبا على اعتبار أنها زائفة ولا تعبر عن الواقع الخ. بقي نذكر أن المؤلف هو جورج وايغل وهو كبير باحثين في مركز الخلاق والسياسة العامة في واشنطن. وهو ثيولوجي كاثوليكي ومن أشهر المعلقين في قضايا الدين والحياة العامة .