لماذا رمضان شهر التغيير...؟!
24-05-2018, 04:34 PM
لماذا رمضان شهر التغيير...؟!
د.حمزة بن فايع الفتحي


الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:

رمضان موسم يحملك على الجهد والمجاهدة والانتقال لأحوال عبادية جديدة، والسبب يكمن في الآتي :

١/ ضخامة الخيرات المصبوبة فيه كما في الحديث، ومن أجلِّها:" فُتحت أبواب الجنة، وغلّقت أبواب النار، وصُفدت الشياطين"، ومن آثارها: نشاط الخيرات وتقلص الشرور إلى حد ما.

٢/ انشراح النفوس واهتبالها للفرص الإيمانية والتدفق الوجداني، فهو كما قيل:" شهر الثورة على المألوفات".
يقول الأديب الرافعي رحمه الله:
" شهرٌ هو أيام قليلة في الزمن، متى أشرفت على الدنيا قال الزمن لأهله: هذه أيام من أَنفسكم لا منْ أيامي، ومنْ طبيعتكم لا منْ طبيعتي، فيقبل العالم كله على حالة نفسية بالغةِ السمو، يَتَعهَّد فيها النفس برياضتها على معالي الأمور، ومكارم الأخلاق، ويفهم الحياة على وجه آخر غير وجهها الكالح، ويراها كأنما أجيعت من طعامها اليومي كما جاع هو، وكأنما أفرغت من خسائسها وشهواتها كما فرغ هو، وكأنما أُلزمت معاني التقوى كما ألزمها هو..".

٣/ هبّة الأمة ويقظتها التسابقية لرمضان: ابتهاجا بحلوله، وشعورها بأنه الذهب والسعادة، والصفاء والنوال، والرحمة والمتاب، والجد والمسارعة:
" بادروا بالأعمال...".

٤/ دوي المساجد الأخاذ، والذي يشعل الأحياء إيمانيا وتربويا وفكريا وأخلاقيا، فيستحيون من الله، ويقبلون على صلاتهم، وهذا من أسرار رمضان البهيجة، وفي الحديث الصحيح:" من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة".

٥/ نشاط الكسالى والمقصرين، وشعورهم بضرورة التهذيب الذاتي والنشاط الروحي، والذي لا يحصل أو يُدرَك إلا في هذه الأيام المعدودات:[ أياما معدودات]، وإحساس كل فرد بناموس داخلي يحضه على الخير والولع به، وهو تأكيد لمبدأ التغيير القرآني الذي يتساءل عنه كثيرون:
[ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم].

6/ بركة تلاوة القرآن، والتلذذ بمعانيه التدبرية، ومواعظه التأملية:
[ أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها].

7/ التربية على التحمل والصبر، فهو: شهر الصبر، يهذب الروح، ويدرب الجسد، ويزيد في قوة الاحتمال:[ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب].

8/ الخمول العصياني من الشياطين ونوابهم وأزواجهم وشركائهم، بحيث لا صوت إلا صوت المسارعة والاستحثاث:" يا باغي الخير أقبل، وَيَا باغي الشر أَقصر".

9/ النقاء القلبي المكتسب من إمساك طويل، وذكر متدفق، وتسامح عال، وانتهاء سلوكي، أعلا الطاعات وأضعف الشهوات، فترتقي الروح ارتقاء يدنيها من الله تعالى، وفي الحديث:" الصوم جُنة" يحول بينها وبين حافة الشهوات والمعاصي، فيُلبسها لباس الممانعة والسلامة، أشبه ما يكون بالمجن الواقي للفرسان في المعارك، وهذا شيء غير مدروك إلا باستطعام الصيام وثمراته وأسراره:[ لعلكم تتقون].

10/ التزود الروحي والمادي، والعلاقة الرائعة بين الفطور والسحور، فهو كلما أفطر واستباح ما حُرم عليه، يعود إلى ليله هانئاً، ويصلي التراويح ثم يستعد سحرا ليوم جديد، ويتقوت به بوجبة السحور، وهي البركة المانحة، والغذاء المبارك، والطاقة المتينة التي تهب غذاء الروح والبدن، وتعمل على الإمداد المعنوي والحسي:" تسحروا، فإن في السحور بركة"، فيشعر بعملية الاتصال اليومي التي تجعل من رمضان حلقة متصلة طيلة أيام الشهر:[أياما معدودات]:لا يكاد يتخللها فتور أو كسل، وكلما حل كسل أو لاح ملل: جاء الفطور ببسماته، وداهم السحور ببركاته، حتى يزيل ذاك الشعور المحبط للنفس، فيرفعها للخيرات، وبقدر الاستزادة الإيمانية المتواصلة وتزكيتها اللحظية المستديمة: تتغير الروح، وتتغلب على كل وساوسها ورذائلها:[ قد أفلح من زَكَاهَا].

11/ ما يثمره الإمساك من إضعاف للشهوة، وحفز للطاعة، بحيث تنتج مع الصيام ما لا تنتجه مع الأكل والشهوات، وعن محمد بن واسع رحمه الله قال:" من قلّ طُعمه: فهم وأفهم، وصفا ورقّ؛ وإن كثرة الطعام لتثقل صاحبه عن كثير مما يريد"، وقال الشافعي رحمه الله:" ما شبعت منذ ست عشرة سنة، إلا شبعة أطرحها، لأن الشبع: يثقل البدن، ويقسي القلب، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة".

12/ نداء التوبة في رمضان:" رغم أنف رجل أدركه رمضان، ثم انسلخ فلم يغفر له"، فجل الناس من المقصرين يستشعرون فيه أهمية التوبة والرجوع إلى الله:[ وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون]، فتقل شرورهم هيبةً للشهر، واحتراماً لساعاته، وعلى الدعاة وأئمة المساجد استثمار هذا المجيء في هدايتهم وإصلاحهم، والله الموفق.

اللهم بارك لنا في رمضان، واجعله موسم خير وفتح وفرقان لنا جميعا يا رب العالمين.