الرفيق في فقه الحج والعمرة للبيت العتيق -الحلقة الرابعة-الطواف بالبيت-سيد مبارك
06-08-2018, 04:56 PM

الرفيق في فقه الحج والعمرة للبيت العتيق -الحلقة الرابعة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي النبي الأمين وبعد..نواصل معا بيان فقه الحج والعمرة ونبين في هذه الحلقة فقه الطواف بالبيت العتيق.

اعلم أن العمرة لها أركان وواجبات فمن أركان العمرة ثلاثة:
1- الإحرام.
2- الطواف بالبيت.
3- السعي بين الصفا والمروة

ومن واجبات العمرة اثنتان:
1- أن يكون الإحرام بها من الميقات.
2- الحلق أو التقصير للرجال، والتقصير فقط للنساء.
ومن المستحب للمعتمر أن يغتسل فور وصوله ثم يذهب للبيت، والغسل مستحب وليس بواجب فان لم يغتسل فلا شيء عليه وأن كان تاركاً للأفضل، وها هو بإيجاز شديد أركان وواجبات العمرة مع تنبيهات لاغني عنها يقع فيها كثيرا من المعتمرين
أولاً أركان العمرة
1-الإحرام
وقد ذكرنا كيفيته سلفا ووضحنا محظوراته ومباحاته. ونوضح في هذه الحلقة كيفية وفقه الطواف باليت الحرام كما ذكرنا أنفاً

2-الطواف بالبيت:
ونبينه بالخطوات التالية:
1-إذا اغتسل المعتمر و ذهب للبيت العتيق لأداء العمرة فينبغي عليه أن يدخل المسجد برجله اليمني ويقول دعاء دخول المسجد
قال الألباني-رحمه الله- 1
فإذا دخلت المسجد فلا تنس أن تقدم رجلك اليمنى وتقول:
" اللهم صل على محمد وسلم اللهم افتح لي أبواب رحمتك" أو: "أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم ".اهـ،
2- أعلم أن تحية المسجد عند القدوم لأول مرة هي الطواف حول البيت وعير ذلك صلاة ركعتين كغيره من المساجد وليس كما يفعل البعض بالطواف كلما دخل المسجد الحرام
ولقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-2 : هل تحية المسجد الحرام الطواف، أو تحية المسجد الحرام صلاة ركعتين؟
فأجاب فضيلته بقوله: اشتهر عند كثير من الناس أن تحية المسجد الحرام الطواف، وليس كذلك، ولكن تحية الطواف لمن أراد أن يطوف، فإذا دخلت المسجد الحرام تريد الطواف فإن طوافك يغني عن تحية المسجد، لكن إذا دخلت المسجد الحرام بنية انتظار الصلاة، أو حضور مجلس العلم، أو ما أشبه ذلك فإن تحيته أن تصلي ركعتين كغيره من المساجد لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" 3 . وهذا يشمل المسجد الحرام، وأما إذا دخلت للطواف فإن الطواف يغني عن التحية؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل المسجد الحرام للطواف فلم يصل التحية.اهـ
3-ليس هناك دعاء مخصوص عند رؤية الكعبة ثابت وصحيح عن النبي -صلي الله عليه وسلم- ولكن هناك آثار عن الصحابة وللحاج والمعتمر أن يدعو بما يشاء، ومن دعاء عمر بن الخطاب " اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام"4
4- فإذا شرع في الطواف قطع التلبية، ثم يتقدم إلى الحجر الأسود ليبتدئ الطواف منه
ويطوف المعتمر سبعة أشواط وهو مضطبعاً- وذلك بأن يكشف كتفه الأيمن واضعا طرفي الرداء علي كتفه الأيسر- والاضبطاع لا يكون إلا في هذا الطواف- أعني به طواف القدوم- فقط ولا يجوز في غير ذلك من الناسك.
5-ويسن له الترمل في الأشواط الثلاثة الأولى- والرمل إسراع المشي مع مقاربة الخطوات -وعند العجز للزحام يسقط عنه ، وفي الأربعة الأخرى يمشي عاديا، ودليل ذلك حديث جابر - رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر إلى الحجر ثلاثا ومشى أربعا." 5
6-يتجه مباشر إلي المطاف ويستلم الحجر الاسود بيده اليمني ويقبله 6، فإن لم يتيسر تقبيله قبل يده إن استلمه بها، فإن لم يتيسر استلامه بيده استلمه بعصا إن كان بيده عصا وقبلها لفعل النبي-صلي الله عليه وسلم-فإن لم يتيسر أشار إليه وكبر ولا يقبلها
ويقول عند استقباله للحجر الأسود ":"باسم الله، والله أكبر، اللهم إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، ووفاء بعهدك،وابتاعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم"
" وليجعل البيت عن يساره وليطوف حتي الحجر الأسود من جديد ويكبر ويبدأ الشوط لثاني وهكذا حتي ينتهي من الأشواط السبعة
ومعني استقباله: أن يحاذيه بوجه بجميع بدنه.
6-إذا وصل المعتمر أثناء طوافه الركن اليماني- وهو الركن الذي قبل الحجر الأسود - سن له استلامه بيده في كل طوف دون تكبير أو تقبيل فإذا لم يتمكن لزحام أو غيره لا يشرع له الإشارة بل يستمر في مشيه قائلا(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201))-البقرة
قال ابن تيمية-رحمه الله- 7:
"وأما سائر جوانب البيت والركنان الشاميان ومقام إبراهيم فلا تقبل ولا يتمسح به باتفاق المسلمين المتبعين للسنة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم. فإذا لم يكن التمسح بذلك وتقبيله مستحبا فأولى ألا يقبل ولا يتمسح بما هو دون ذلك."اهـ
وعلي العبد أن يجتهد في الدعاء وليس هناك دعاء أو ذكر خاص كما يفعل العامة بأن جعلوا لكل شوط دعاء خاص به وليس من السنة إلا الدعاء عند الركنين اليمانيين الذي ذكرناه آنفاً.
7- لا يشترط علي الصحيح الطهارة لصحة الطواف من الحدث الأصغر وأن كان هو الأفضل والأكمل لحديث ابن عباس- رضي الله عنهما-" الطواف بالبيت صلاة"8 وهو صحيح ولكنه موقوف علي ابن عباس كما رجح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى، كما أن الطواف لا يشبه الصلاة في كل شيء وهو لا يجوز إلا للحائض كما في حديث عائشة 9 وقال ابن العثيمين- رحمه الله- 10:
فالصواب أن الطواف بالبيت ليس صلاة، بل هو عبادة مستقلة كالاعتكاف تماماً.
ثم قال بعد كلام:
وهذا الذي تطمئن إليه النفس أنه لا يشترط في الطواف الطهارة من الحدث الأصغر، لكنها بلا شك أفضل وأكمل وأتبع للنبي صلّى الله عليه وسلّم، ولا ينبغي أن يخل بها الإنسان لمخالفة جمهور العلماء في ذلك، لكن أحياناً يضطر الإنسان إلى القول بما ذهب إليه شيخ الإسلام، مثل لو أحدث أثناء طوافه في زحام شديد، فالقول بأنه يلزمه أن يذهب ويتوضأ ثم يأتي في هذا الزحام الشديد لا سيما إذا لم يبق عليه إلا بعض شوط ففيه مشقة شديدة، وما كان فيه مشقة شديدة ولم يظهر فيها النص ظهوراً بيناً، فإنه لا ينبغي أن نلزم الناس به، بل نتبع ما هو الأسهل والأيسر؛ لأن إلزام الناس بما فيه مشقة بغير دليل واضح منافٍ لقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185].اهـ
8-بعد انتهاء الطواف غطى المعتمر أو الحاج كتفه لأنه لا يجوز الاضبطاع إلا في طواف القدوم فقط، ويسن له صلاة ركعتين خلف المقام لحديث ابن عمر رضي الله عنهما11 يقول قال:
"قدم النبي صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين ثم خرج إلى الصفا وقد قال الله تعالى﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾-الأحزاب/21
ومن السنة قراءة سورة (الكافرون) في الركعة الأولي و(الإخلاص) في الثانية
،وأن لم يستطع الصلاة خلف المقام صلي في أي مكان في المسجد فهي تجوز في أي مكان في الحرم قال ابن عثيمين- رحمه الله-12:
" والخطأ الذي يفعله بعض الناس هنا ظنهم أنه لابد أن تكون صلاة الركعتين قريباً من المقام، فيزدحمون على ذلك، ويُؤذون الطائفين في أيام الموسم، ويُعوقون سير طوافهم، وهذا الظن خطأ، فالركعتان بعد الطواف تُجزيان في أي مكان من المسجد، ويُمكن المصلي أن يجعل المقام بينه وبين الكعبة، وإن كان بعيداً عنه، فيُصلي فِي الصحن أو في رُواق المسجد، ويسلم من الأذية فلا يُؤذِي ولا يُؤذى، وتحصلُ له الصلاة بخشوع وطمأنينة. "
9- إذا فرغ المعتمر من الطواف والصلاة خلف المقام سن له أن يشرب من ماء زمزمكما فعل النبي-صلي الله عليه وسلم-وليس ذلك من المناسك فلو ترك الحاج أو المعتمر الشرب لاشيء عليه
تنبيهات عن الطواف لاغنى عنها:
هناك الكثير من المخالفات يقع فيها المعتمر والحاج في الطواف أذكر هنا بعضها وأكثرها شيوعا:
- ينبغي أن يكون الطواف خارج الحجر- حجر إسماعيل-لأنه من البيت ومن شروط الطواف أن يكون خارج الكعبة فلو طاف داخل الحجر فسد طوافه
- ينبغي قطع الطواف عند الصلاة وإكمال ما فاته بعد الصلاة، وليحذر من التسليم قبل الأمام كما يفعل البعص لتقبيل الحجر الأسود فهذا يبطل صلاته حتماً.
- إذا حاضت المرأة أثناء الطواف قطعت طوافها حتى تطهر ثم تكمل إذا طهرت من حيضها لحديث عائشة رضي الله عنها13:" خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا نرى إلا الحج حتى إذا كنا بسرف أو قريبا منها حضت فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال أنفست يعني الحيضة قالت قلت نعم قال إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي قالت وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر "
-أن شك المعتمر أو الحاج في عدد الأشواط يبني علي ما غلب علي ظنه ويكمل، أما لو شك بعد الطواف والانصراف للسعي فأن الشك لا يؤثر،قال ابن العثيمين -رحمه الله14 : "مثال ذلك: في أثناء الطواف شك هل طاف خمسة أشواط، أو ستة أشواط، فإن كان الشك متساوي الأطراف جعلها خمسة؛ لأنه المتيقن، وإن ترجح أنها خمسة جعلها خمسة، وإن ترجح أنها ستة، فمن العلماء من يقول: يعمل بذلك ويجعلها ستة، ومنهم من قال: يبني على اليقين ويجعلها خمسة.
والصحيح أنه يعمل بغلبة الظن كالصلاة، وعلى هذا فيجعلها ستة، ويأتي بالسابع.
أما بعد الفراغ من الطواف، والانصراف عن مكان الطواف، فإن الشك لا يؤثر، ولا يلتفت إليه، ما لم يتيقن الأمر".اهـ
-من البدع رفع اليدين عند استلام الحجر الأسود كما يرفع للصلاة ولكن السنة أن يشير إليه.
-------------
1 -متفق عليه من حديث أبي قتادة، رواه البخاري في الصلاة باب: إذا دخل المسجد فليركع ركعتين ح(444)، ومسلم في صلاة المسافرين باب: استحباب تحية المسجد ح69 و70 (714).
2 - رواه ابن أبي شيبة(3/437) وحسنه الألباني كما في مناسك العمرة ض/20
3 - إذا استطاع الرمل عند البعد عن الكعبة فهو أولي بالمشي بالقرب منها لأنه حافظ علي السنة والعمل بها أولي ومثاب عليه
قال الألباني في تحقيقه لأبن ماجه : صحيح ح/(3074)
4- ليس المقصود بتقبيله التبرك به ولا غيره وإنما ذلك اتباعاً للسنة كما قال عمر بم الخطاب –رضي الله عنه-" إني لأعلم إنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك" أخرجه البخاري ح/1605, ومسلم ح/1270
5 - نقلا من كتاب" كيف يحج المسلم ويعتمر "للدكتور عبد الله بن محمد الطيار بتعليقات العلامة ابن باز- رحمه الله -ص/54
6 - العامة تسمي الحجر الاسود بالحجر الأسعد وهذا غير صحيح وأما اسمه ما ذكرنا
7-انظر مجموع الفتاوى(26/97) لابن تيمية (المتوفى : 728هـ)- نشر دار الوفاء:-تحقيق أنور الباز - عامر الجزار
8 -صحح الشيخ الألباني إسناده في الإرواء(1102), وصحيح الجامع (3954)
9 - وسنذكر الحديث في التنبيهات علي الطواف لاحقاً
10- الشرح الممتع على زاد المستقنع (7/263) لمحمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى : 1421هـ)
11 - أحرجه البخاري ح/1521
12-مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين(14/329) جمع وترتيب : فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان- الناشر : دار الوطن - دار الثريا
13-الحديث أخرجه البخاري (2114)-
14 - انظر الشرح الممتع على زاد المستقنع(7/250)