هبي ياريح الإيمان (النسمة الثامنة والتاسعة)
26-04-2009, 11:08 PM






كيف لا تحب من كل نعمة منه
وكل فضل لديه..
و كل بتوفيقه و كل رحمة بتيسيره؟!
كيف لا تحب من احبك فغمرك و شملك
بإحسانه؟!

روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه".
و من أجل هذه النعم:
1- نعمة الإسلام:
فلو لم يكن يحبك ما كان سماك باسم الإسلام، و لا وسمك بسمة الإيمان.
أخبرني...
هل كان لك ادني فضل في كونك مسلما؟! هل يزعم احد من انه دعا ربه في بطن أمه أن يخرجه مسلما ففعل؟! أو توسل إلى الله أن يجعله من قبضة أهل اليمين وهو بعد في صلب أبيه فاستجيب له؟!
يا أخي..كان من الممكن أن تكون حطبا لجهنم.. تولد على الكفر و تموت عليه، و لكنه يحبك، فعصمك من عبادة العبيد و أسجدك لمن خلق الملوك و العبيد.. حماك من السجود للصنم و أخضعك لمن خلقك من العدم.
ما للعباد عليه حق و اجب كلا و لا سعي لديه ضائع
إن عذبوا فبعدله أو انعموا فبضله وهو الكريم الواسع
1- آثار قدرته:
و لأنه يحبك أرشدك إليه عن طريق آثار قدرته و ملامح عظمته لتستدل بها عليه، و تهتدي بها إليه...هي رسوله الذي أرسله الله إلى الناس غير انه لا يوحى إليه، و كتابه المفتوح دائما يقرأه الأمي والجاهل... سبحانه خلق فأبدع و سمى نفسه ( البديع) و جمل و أتقن ولذا فهو ( الجميل).
عجبا... كيف لا يعبده من رأى آثاره؟! و كيف لا يعرفه من لمح انواره؟! إذا كانت أعرابية عرفته و قالت: إذا كانت البعرة تدل على البعير، و الأثر يدل على المسير ، فسماء ذات أبراج و ارض ذات فجاج ألا تدل على العزيز القدير؟!
هذا شأن الأعرابية، فما شأنكم يا أصحاب الشهادات؟!



لا تمتروا في ذاته فالكون من آياته
إن صح في حركاته أو نام في سكناته
و الصبح في إشراقه و الليل في ظلماته
و الجو في إعصاره إن هب أو نسماته
و الرعد دوى قاصفا و البرق في ومضاته
و الليث في فلواته يختال في خطواته
الطير حلق في الفضا أو نام في أوكاره
و الورد والعطر الشذي يفوح من روضاته
دانت له الأزهار و الـ أشواك بعض حماته
و الغاب ظل وارف و الروض في ثمراته
و الماء صاف في الغدير تشف في مرآته
لا تمتروا في ذاته فالروح من آياته
و الصدر في أنفاسه و القلب في خفقاته
و الثغر في تسبيحه و الفم في بسماته
و العقل في إبداعه و الفكر في سبحاته
و البحر يهدر صاخبا و الفلك في جنباته




ابعد كل هذه الأبيات التي أرشدك إليها تهجره... تنساه... تتركه إلى غيره؟! تتودد إلى من يجافيك و تجافي من يتودد إليك؟! سبحانه من إله يتعرف إلى خلق عنه معرضون!!
فيا عجبا كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد
و لله في كل تحريكة و في كل تسكينة شاهد
و في كل شيء له آية تدل على انه الواحد
3- الحسنة المضاعفة:
كل إنسان يعاملك ليربح منك، و يكسب عليك... أما الله عز وجل فانه يعاملك لتربح أنت منه و تكسب عليه، فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة لأنه يحبك، و السيئة عليك بواحدة و هي أسرع شيء في المحو، دمعة واحدة تمحو آلاف الخطايا، و خطوة قصيرة في الطاعة تنسف أطنان الذنوب، يشكر اليسير من العمل و يمحو الكثير من الزلل... لأنه يحبك... و اسمع إلى خطاب حبه و لذيذ وده في قوله:
" إذا هم عبدي بحسنة ولو يعملها كتبتها له حسنة، فان عملها كتبتها له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، و إذا هم بسيئة و لم يعملها لم اكتبها عليه، فان عملها كتبتها سيئة واحدة".
4- الله يهرول:
قال الله عز وجل:" إذا تقرب العبد إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، و إذا تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، و إذا أتاني مشيا أتيته هرولة".
تأمل قوله:" أهرول!!" لماذا؟!ماذا سيكسب منك؟! ماذا سيربح عنك؟! حاشاه... إنما يريد مصلحتك و يحب لك كل خير.
جل ربنا أن يعامله العبد نقدا فيجازيه تأخيرا، فان عبده ورسوله محمدا عليه الصلاة والسلام أوصى:
" أعطوا الأجير أجره قبل إن يجف عرقه".
5- ثلث الليل الآخر
و لأنه يحبك ينزل الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا كل ليلة تنزلا يليق بمقامه، فينادي الجموع الغافلة و الأجفان النائمة بلطيف قوله و حلو ندائه:
هل من داع فاستجيب له دعاءه؟ هل من سائل فأعطيه سؤاله؟ هل من مستغفر فاغفر له؟
يـــا أخي...
أليس لك إلى حاجة في أمر دنيا أو في أمر آخرة؟!هل استغنيت عن ربك؟! هل استكفيت حاجتك منه؟!هل حللت كل مشاكلك؟ هل تخلصت من كل متاعبك؟ رد علي وأجبني ؟
ألا تشكو قسوة القلب ؟ ألا تعاني هجر القرآن؟ ألا يسوءك حالك مع الله ؟ ألا يواجهك ضيق عيش أو عقوق ولد أو مرض والد أو وقوع بلاء؟
إن كان يواجهك شيء من هذا فهلم إليه..ارفع شكواك ..قدم نجواك ..هنا في الثلث الأخير..هنا خاتمة الأحزان وفاتحة الرضوان..هنا جنات النعيم الدنيوي والكرم الإلهي .
عجبا لك
ترفع حوائجك إلي من أغلق دونك بابه وجعل دونها الحرس والحجاب، وتترك من بابه مفتوح إلي يوم الدين
احفظ ماء وجهك
*لأنه يحبك ..لايزداد علي كثرة السؤال إلا جودا وكرما ، وعلي كثرة الحوائج إلا تفضلا وإحسانا .
*لأنه يحبك.. لا يمنعه إعراض المعرضين أو كثرة المذنبين وإصرار المعاندين من أن يستمر في نزوله كل ليلة، ولا يمنعه عظيم سلطانه من أن ينظر إلي صغير سلطانه.
سبحانه ..هذا حبه لك ،فأين حبك له؟
لو ناداك أبوك يطلب إليك منفعة له لأجبته ، وهذا الله العلي العظيم يناديك ويطلب إليك منفعة لك فتنام عنه .لو أسدي إليك احد أصحابك معروفا ثم طلب إليك إن ترده في السحر لما تأخرت عنه، فلم التأخير مع من أنت مغمور في بحر نعمه ؟أين رد الجميل ياناكر الجميل ؟
جرعة حب
مع كثرة معاصيك تواتر إحسان الله إليك ، ومع تكرار إخلاف وعودك معه ماحرمك من نعمه، بل ..مكنك من التزود لجنته ، وبعث إليك بالدليل ووصفه بأنه بالمؤمنين رءوف رحيم، وأعطاك القدرة علي التزود إلي جنة عدنا لتي غرس غراسها بيده ..غرسها لك بيده..بيده لأنه يحبك.
قواك علي طاعته، وأعانك علي بره، وحبب إليك الإيمان وزينه في قلبك..غرس في قلبك غرس الفطرة، فعرفك بنفسك قبل إن تطلب.
أسجد الملائكة لأبيك، بل طرد إبليس من سمائه وأخرجه من جنته وأبعده عن قربه لأنه لم سجد لك وأنت لم تزل بعد نطفة في صلب أبيك..أتحب أن أزيدك ؟.
خذ:أمرك بشكره لا لحاجته إليك، بل لتنال المزيد من فضله.
خذ:أمرك بذكره لا ليتنفع به ، بل ليذكرك بإحسانه وجوده وكرمه .
خذ: أمرك بسؤاله ليعطيك، بل أعطاك اجل العطايا وأفضل المزايا بغير سؤال..ألا يدل ذالك كله علي انه يحبك ؟
6-الابتلاء:
ولأنه يحبك ابتلاك !! ألم تسمع قول النبي صلي الله عليه وسلم :
من يرد الله به خيرا يصب منه .
*ابتلاك ليرفع درجاتك في الجنة..لأنه يحبك .
*ابتلاك لتفيق من غفلة نفسك وتصحوا من سكرة ذنبك.. لأنه يحبك .
*ابتلاك ليمحوا خطيئة تدخلك النار..لأنه يحبك .
*ابتلاك لتعرف نعمة الله عليك وتعلم قدرها فتشكرها وهذا أيضا..لأنه يحبك .
*ابتلاك لتتواضع له وتدعوه سحرا فيستجيب لك فورا، ويعوضك عن فقد نعمة واحدة نعما أخرى كثيرة..لأنه يحبك .
*ابتلاك لتدخل الجنة من أوسع أبوابها وأسهل طرقها..إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب.
*ابتلاء الخير أشد
قال ابن القيم: وإنما كان الصبر علي السراء شديد لأنه مقرون بالقدرة، فالجائع عند غيبة الطعام أقدر منه علي الصبر عند حضوره، وكذالك الشبق عند غيبة المرأة أصبر منه عند حضورها.
7-التوفيق لطاعته .
قال سبحانه وتعالي : " ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكي منكم من احد أبدا".
الحسنة من فضله تصدر، وبلطفه تحصل، ثم يقبلها منك، ويثني عليك، والله..لولا الله ما سجد ساجد ، لولا حبه لنا ماقدر طائع علي إتمام طاعته وما أطاق عابد جهد عبادته .
الوقوف بين يدي الله نعمة وإقبال القلب عليه نعمة، قراءة القرآن نعمة، شكر نعمائه نعمة، غمرتنا نعمه فلم نعد –والله –نعرف كيف نشكرها.
سبحانه ..مبتدئ هذه النعم قبل استحقاقها ومديمها قبل شكرها .
إذا كان شكري نعمة الله نعمة علي له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله وإن طالت الأيام واتصل العمر
إذا سر بالسراء عم سرورها وإن مس بالضر أتبعه الأجر
وما منها إلا له فيه نعمة تضيق بها الأوهام والبر والبحر
8-العصمة من الذنب .
ولأنه يحبك فكم من ذنوب عصمك منها ووقاك، وأبعدك عنها وهداك، وليس ذنب كالكفر، ولذا كان حكيم بن حزام يذكر نعمة الله عليه-إذ هداه للإسلام قبل موته –فكان عامة قسمه..
لا والذي نجاني من القتل يوم بدر
وليست العصمة من الذنب فقط من علامات حب الله ، بل كذالك المداومة علي ذالك حتى الممات ، كحال أبي سفيان رضي الله عنه رأس الكفر في بدر الذي نجاه الله وهداه إلي الإسلام واسمع إلي قوله لأهله عند احتضاره ..
لا تبكوا علي فإني لم أتلطخ بخطيئة منذ أسلمت.
وكان بين إسلامه وموته اثنا عشر سنة.
ومع المداومة علي الاستقامة تكون الإعانة علي الطاعة ، وتذكيرك بفضلها إذا وسوست لك نفسك بتركها ، كما حدث مع سهل التستري ..حكي عن سهل بن عبد الله التستري أنه كان يواضب علي الصيام ، فمر يوما بتمار وبين يديه رطب حسن ، فاشتهت نفسه فرد شهوتها، فقال نفسه :كل بلية ذقتها منك من سهر الليالي وظمأ الهواجر ،فأعطني هذه الشهوة واستعملني في طاعة الله حيث شئت ، فاشتري سهل الرطب والخبز ودخل موضعا ليأكل ، فإذا رجلان يختصمان فقال احدهما :إني محق وأنت مبطل ، أتريد إن احنث لك أني محق ؟فقال :نعم ، فحلف وقال :ورب الصائمين إني محق في دعواي ، فقال : هذا مبعوث الله إلي ، ثم اخذ بلحيته وقال : يا سهل بلغ من شرفك وشرف صومك حتى يحلف العباد به ثم تفطر علي قليل رطب !!
9-عدم الإهلاك بالذنب .
قال سبحانه وتعالي : " ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك علي ظهرها من دابة ".
والله لو آخذنا الله بما جنت أيدينا لعذبنا وما كان لنا ظالما ، ولأفني مظاهر الحياة من علي وجه الأرض ، ولذا كان بعض الصالحين يتذكر ذالك كلما شرب شربة ماء عذبة فيقول : الحمد لله الذي جعله عذبا فراتا برحمته ولم يجعله ملحا أجاجا بذنوبنا .
هل عرفت الآن إلي أي حد يحبك ؟
كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه
ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلي الشاطئ نسيناه
ونركب الجو في امن وفي دعة وما سقطنا لأن الحافظ الله
ننساه عد نجاح في امتحان غد وإن رسبنا وأكملنا دعوناه
هل بدأت بواعث الحب تسري في جسدك أم لازلت بعد بعيدا.
كلام يحي أحيا
قال يحي بن معاذالآمال فكيفق الذنوب فكيف رضوانه.ورضوانه يستغرق الآمال فكيف حبه ؟ وحبه يدهش القلوب فكيف وده ؟ ووده ينسي ما دونه فكيف لطفه؟!
10-يسر الطاعات مع عظمة الذنوب
انظر إلي هذه المكافآت:
*ما من رجل يصلي علي مائة إلا غفر الله له.
*من علم أني ذو قدرة علي مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي، ما لم يشرك بي شيئا
*من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه ، وكانت صلاته ومشيه إلي المسجد نافلة .
*من مشي إلي صلاة مكتوبة في جماعة فهي كحجة ن ومن مشي إلي صلاة تطوع فهي كعمرة نافلة
*ما جلس قوم يذكرون الله، إلا ناداهم مناد من السماء: قوموا مغفورا لكم
*من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر
*مر رجل بغصن شجرة علي ظهر طريق فقال : والله للأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم ، فأدخل الجنة .
*من غسل يوم الجمعة واغتسل ، ثم كر وابتكر ، ومشي ولم يركب ن ودنا من الإمام واستمع وأنصت ولم يلغ ، كان له بكل خطوة يخطوها من بيته إلي المجد عمل سنة أجر صيامها وقيامها .
11-أحب الله لأنه الله
أ-الغفار:
غفر ..أي ستر، والغفار هو من اظهر الجميل، وستر القبيح رآك علي الذنوب فلم يفضحك، وحاربته بالمعاصي فلم يهتك سترك..اخفي عن الناس ذنبك وستر عيبك، وجمل ظاهرك، واخفي باطنك فلم يعرف الناس همك بالشر والغش والخيانة وإرادة المعصية وسوء الظن بالخلق، ولو عرفوك لكرهوك وما أكرموك، وعادوك وما أحبوك.
أخي..اغرف معي من بحر الحب المتدفق في آثار قوله :
يا بن آدم..إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك علي ما كان منك ولا أبالي.
يا بن آدم..لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي.
يا بن آدم..لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة .
إذا كنت تغدو في الذنوب بعيدا وتخاف في يوم الميعاد وعيدا
فلقد أتاك من المهيمن عفوه وأفاض عليك من نعم فريدا
لاتيأسن من لطف ربك في الحشا في بطن أمك مضغة ووليدا
ول شاء إن تصلي جهنم خالدا ماكان الهم قلبك التوحيدا
الفرحة الكبري
يفرح برجوعك إليه أكثر من فرحك برجوعه إليك.
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " لله اشد فرحا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته بأرض مهلكة دوية عليها طعامه وشرابه وظلها ، حتى إذا أيس من حصولها نام في أصل شجرة ينتظر الموت ، واستيقظ فغدا هي علي رأسه قد تعلق خطامها بالشجرة ، فالله أفرح بتوبة عبده من هذا براحلته .
وهي فرحة غحسان وبر ولطف لا فرحة محتاج إلي توبة عبده منتفع بها ، يفرح بمن عبادته هو وأمثاله لا تساوي في ملكه ذرة تراب ، من أنت يا فقير حتى يتقرب إليك أغني الأغنياء ؟ماذا تساوي يا ذليل حتى يتودد غليك العزيز ؟ ومع ذالك يغفر ويتودد ويتلطف ، بل يجعل أعظم الذنوب عنده أن يظن العبد إن الرب لن يغفر له ..
من أسوا الناس حالا ؟
قال عبد الله بن المبارك :جئت إلي سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاث علي ركبتيه وعيناه تهملان ، فقلت له : من أسوا هذا الجمع حالا ؟ قال : الذي يظن إن الله لا يغفر
مازلت أغرق في الإساءة دائبا وتنالني بالعفو والغفران
لم تنتقصني إذ أسات وزدتني حتى كان إساءتي إحسان
تجزي الجميل عن القبيح كأنما يرضيك مني الزور والبهتان
جرعة حب
نظر الفضيل بن عياض إلي تسبيح الناس وبكائهم عشية عرفة، فقال : أرأيتم لو إن هؤلاء صاروا غلي رجل فسألوه دانقا (الدانق سدس الدرهم)أكان يردهم ؟قالوا: لا .قال : والله للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق .
لا يبعدنك عتبنا عن بابنا فالعهد باق والوداد مصان
وبحسننا وبلطفنا وبجاهنا شاع الحديث وسارت الركبان
فإذا ذللت لعزنا ولجاهنا ذلت لعزتك الملوك وهانوا
ب-الرحمن:
عبر عن قدر رحمة الله غير المتصور وسعتها اللامحدودة رسول الله صلي الله عليه وسلم في قوله : "لو تعلمون قدر رحمة الله لاتكلتم عليها"
رحمة الله التي نحن غارقون فيها لها مظاهر جليلة:
*فمن رحمته : "إن الله حيي كريم ، يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين " لأنه يحبك .
* ومن رحمته:أنه سكت عن أشياء فلم يذكر فيها تحريما ولا تحليلا رحمة بنا من غير نسيان..لأنه يحبك .
* ومن رحمته: حمايته لعبده المؤمن من الدنيا إذا سبق في علم الله إنها ستطغيه وتصرفه عن طريق الحق " إن الله ليحمي عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه، كما تحمون مريضكم من الطعام والشراب تخافون عليه " لأنه يحبك.
* ومن رحمته:حمايته عباده العصاة من السماء التي تستأذن أن ترجم العصاة، والأرض التي تستأذن أن تخسف هم ، والبحر الذي يستأذن أن يغرقهم لكنه يمهلهم رجاء توبتهم ..لأنه يحبك .
* ومن رحمته :أن أحدا من خلقه لا يستطيع حجب رحمته أو منعها عن أحبابه " ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها "
فلا ممسك لها
رحمة الله لا تعز علي طالب في أي زمان ومكان: وجدها إبراهيم عليه السلام وسط ألسنة النار ، ووجدها يوسف عليه السلام في غيابات الجب وغياهب السجن ، ووجدها يونس عليها السلام في بطن الحوت ، ووجدها موسي عليه السلام في اليم وهو طفل وفي قصر فرعون وهو متربص به ، ووجدها أصحاب الكهف حين افتقدوها في القصور ، ووجدها رسول الله وصاحبه في الغار ن وهو مطارد...
راجع شريط ذكرياتك لتتذكر أين وجدت رحمة الله ..وكم مرة ذقتها ؟ وتعجب نسيانك لها .
توقف لحظة
ومع هذا فإن كل هذه الرحمات الدنيوية لا تشكل في رحمة اله سوي واحد 0/0 من مجموع رحماته التي خلقها .
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " إن الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة ، كل رحمة طباق مابين السماء والأرض ، فجعل منها في الأرض رحمة ، فبها تعطف الوالدة علي ولدها ، والوحش والطير بعضها علي بعض ، وآخر تسعا وتسعين رحمة فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة".
ولأن رحمة والديك بك مهما بلغت فهي جزء من جزء من مائة جزء من الرحمة.كان شيخ الإسلام حماد بن سلمة يقول :
مايسرني أن أمري يوم القيام صار إلي والد ي، إن ربي أرحم بي من والدي .
أخي..التمس رحمة من الله في أي مكان ومن أي إنسان ول كان رجلا فقيرا لا يؤبه له..تجعل قدوتك في ذالك علم الزهاد وبركة العصر معروف الكرخي الذي مر يوما وهو صائم بسقاء يقول : رحم الله من شرب ، فشرب رجاء الرحمة.
جرعة حب
كان بعض الأغنياء كثير الشكر فطال عليه الأمد وعصي ربه ، فمازالت نعمته ولا تغيرت حالته ، فقال : يا رب تبدلت طاعتي وما تغيرت نعمتك ، فهتف به هاتف :
يا هذا ..لأيام الوصال عندنا حرمة حفظناها وضيعتها !!
ج-اللطيف :
واللطف رحمة خفية تشمل علم الله بمصالح العبد ومنافعه وإيصالها له في رفق ، فمن
*لطفه بالأجنة في بطون امهاتها في ظلمات ثلاث ، وإيصال الغذاء إليها وصرف الفضلات عنها .
*حبه التيسير علي عباده ك "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر "
ولذا فرض الحج لمن استطاع إليه سبيلا ، ورخص في قصر الصلاة والفطر والسفر ، والصلاة قاعدا أوعلي جنبه لمن لايقدر عليها .
*حماية العبد مما يضره ..قال عز من قائل : " له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله "
قال الحسن :هم الملائكة يحمونه من كل سوء ، فإذا حل القضاء خلو ا عنه.
ويبصرك الفضيل بن عياض بلطف الله بك فيقول : كم أراد عدو الإنسان إن يضره فيصرفه الله عنه وهو لا يشعر ، ثم قرأ : " اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم إن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم .
*نعمة الموت ..اتدري أيها الإنسان و لم يخلق الله الموت ماذا كان سيحدث لو تكاثر الذباب فحسب دون موت ؟ كانت الأرض ستمتليء ذبا حتى تتكون طبقة من الذبا سمكها 5سم تغلف الكرة الأرضية خلال سنتين فقط ! (حقيقة علمية).
*الخير كله ..قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : "اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله و آجله ما علمت منه وما لم اعلم ، و أعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم اعلم".
يبصرنا بلطف الله بنا ويعلمنا إن الله وحده الذي يعلم ما يضرنا وما ينفعنا وما يصلحنا وما يفسدنا، فلندع أمرنا إليه ولنتوسل إليه هذا الدعاء الجامع ولنستسلم لاختياره لنا.
وماذا بعد الكلام
1-ليكن لك جلسة تفكر وتدبر تنظر بها في خلق الله ليزداد إيمانك وتتعرف علي خالقك ، أو شاهد حلقة من حلقات الإعجاز العلمي في القرآن [زغلول النجار ]فهي تؤدي نفس الغرض .
2-ناج ربك في السحر حين يخلو كل حبيب حبيبه ، واضرع غلي ربك الذي يحبك وادع بما تشاء .
3-احرص علي أداء الطاعات، وإذا كسلت عن طاعة فعليك بأختها ، فأبواب الخير كثيرة.
4-أحسن الظن بربك " أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي مايشاء "واحذر أعظم الذنوب : استصغار رحمة الله واستبعاد أن يغفر لأحد وإن كنت غارقا في الذنوب.
5-من أحب شيئا أكثر من ذكره، أسقط ذالك علي ذكرك لله.قال ابن القيم : " واعجبا لمن يدعي المحبة ويحتاج إلي من يذكره بمحبوبه ، فلا يذكره إلا بمذكر ، أقل ما في المحبة أنها لا تنسيك ذكر المحبوب "
6-من أحب ربه وافقه في السر والعلن، ولذا كانت عبادة السر أكثر أجرا وأعظم ثوابا.
النسمة التاسعة
الزائر الأخير
تزود للفراق و تهيأ للرحيل و تجهز فقد دنا وقت الحساب على اليسير مع الجليل.. أسرع قبل أن ينجلي لك الأمر عند الحشرجة.
لماذا تكره الزائر الأخير؟
لماذا نكرهه؟ مع أن النبي عليه الصلاة والسلام حين خير بين البقاء في الدنيا و الموت قال:" بل الرفيق الأعلى"، و على دربه سار أصحابه الذين كانوا يرحبون بالموت و يحسنون استقباله..
ترى ما الفارق بيننا و بينهم؟ لماذا نكره قدومه؟ لماذا نخاف زيارته؟ لماذا يرتعد القلب وجلا من ذكره؟
الأسباب هي:
1- الحياء من الله:
قال احمد بن أبي الحواري: قلت لأم هارون العابدة الدمشقية: أتحبين الموت: قلت: لا. قلت: و لم؟ قالت: لو عصيت آدميا ما أحببت لقائه فكيف أحب لقاء الله وقد عصيته؟
أخــي...
[IMG]file:///C:/DOCUME~1/fkih/LOCALS~1/Temp/msohtml1/01/clip_image001.gif[/IMG] لو كنت موظفا و تأخرت عن عملك دقائق معدودة لحملت هم المساءلة.
[IMG]file:///C:/DOCUME~1/fkih/LOCALS~1/Temp/msohtml1/01/clip_image001.gif[/IMG] لو كنت تلميذا و طلب إليك استاذك أداء واجبك فتاخرت عنه لحملت هم المساءلة.
[IMG]file:///C:/DOCUME~1/fkih/LOCALS~1/Temp/msohtml1/01/clip_image001.gif[/IMG] لو كنت ابنا صالحا و طلب إليك ابوك حاجة مرة بعد مرة و لم تقضها له لحملت هم المساءلة؟.
سبحان الله!! هؤلاء: المدير والمدرس و الأب...أعظم أم الله؟!هؤلاء الخلق أم الخالق؟!اسال قلبك و استفت عملك و اعرض نفسك على نفسك.
2- أين النزول و إلام المصير؟!
قال سعيد بن أبي عطية: لما حضر ابا عطية الموت جزع منه، فقالوا له: اتجزع من الموت؟ قال: مالي لا اجزع و إنما هي ساعة ثم لا ادري أين يذهب بي؟
و كيف تنام العين و هي قريرة و لم تدر في أي المحلين تنزل
لما حضرت احمد بن خضرويه المنية سئل عن مسالة، فدمعت عيناه و قال: يا بني كنت أدق بابه خمسا و تسعين سنة، و ها هو يفتح الساعة لي، لا أدري أيفتح بالقبول و السعادة أو الشقاوة ، فأنى لي أوان الجواب؟
3- قلة الزاد:
قال عز وجل: " و انفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى اجل قريب فأصدق و أكن من الصالحين".
تحسر بعض الناس عند موته، فقيل له: ما بك؟ فقال: ما ظنكم بمن يقطع سفرا طويلا بلا زاد، و يسكن قبرا موحشا بلا مؤنس، و يقوم بين يدي حكم عدل بلا حجة.
ما أخبار زادك؟
بكم ركعة في جوف الليل اعتقت رقبتك من النار؟ بكم يوم صمته في شدة الحر اتقيت حر جهنم؟ بكم شهوة تركتها ترجو نعيم الابد؟ أين الزاد الذي يبلغ؟ أين العمل الذي يصلح؟
كان صالح المري كثيرا ما يتمثل هذا البيت من الشعر:
و غائب الموت لا ترجون رجعته إذا ذوو سفر من غيبة رجعوا
ثم يبكي و يقول: هو و الله السفر البعيد، فتزودوا لمراحله، فان خير الزاد التقوى، و اعلموا انكم في مثل امنيتهم ، فبادروا الموت و اعملوا له قبل حلوله.
4- الاسراف على النفس:
المسرفون في المعاصي يخافون القدوم، و يهابون المنون، اساءوا فخافوا، و عاثوا فهابوا، و ماتوا فلاقوا ما كانوا يحذرون.
لاه بدنياه و الأيام تنعاه و القبر غايته و اللحد مثواه
يلهو و لو كان يدري ما اعد له إذا لأحزنه ما كان ألهاه
أو ما جنت يده لو كنت تعرفه ويلاه مما جنت كفاه ويلاه
برقيات قبل الوصول
قد بعث إليك الموت " برقيات" تعلمك بقرب وصوله و دنو أجله ... و ها هي:
1- المرض:
دخل الناس يعودون محمد بن واسع في مرض موته، فقال: يا اخوتي...يا اخوتي...هبوني و اياكم سالنا الله الرجعة فاعطاكموها و منعنيها... فلا تخسروا أنفسكم.
و لما مرض عبد الملك بن مروان مرض الموت جعل يلوم نفسه و يضرب بيده على رأسه و يقول: وددت أنني كنت اكتسبت يوما بيوم يكفيني، و اشتغل بطاعة الله، فذكر ذلك لأبي حزم فقال:" الحمد لله الذي جعلهم يتمنون عند الموت ما نحن فيه، و لا نتمنى عند الموت ما هم فيه". أسمعت... أم لم تسمع؟ أفهمت أم لم تفهم؟
يــا أ خــي...من اسبعد موته و اطال امله و نسي قبره فليقرا موعظة الحسن البصري حين قال: من لم يمت فجأة مرض فجأة ، فاتقوا الله و احذروا مفاجأة ربكم.
إن الطبيب بطبه و دوائه لا يستطيع دفاع نحب قد اتى
ما للطبيب يموت بالداء الذي قذ كان أبرأ مثله فيما مضى
مات المداوي و المداوى و الذي حمل الدواء و باعه و من اشترى
2- الشيب:
العمل في الشباب قبل حلول المشيب، فانه إن حل فقد تقصر الهمة و تخور القوة و تضعف الارادة و لا تسعف الطاقة، فتسمع أحاديث فضائل الاعمال و تتمنى العمل بها فلا تستطيع.
يــا مسكين.. احين يعطيك القوة تنساه؟ و حين يسلبك اياها تذكره؟ اف لك.. أما تعلم انه ما من شعرة تبيض إلا و هي تقول للتي تليها: أختي... قد جاء الموت فاستعدي له.
أخـــــي .. الشيب رسول الله إليك يخبرك بدنو اجلك فاعد لما بعده.
إذا الرجال ولدت اولادها و بليت من كبر اجسادها
و أصبحت امراضها تعتادها تلك زروع قد دنا حصادها
و اعلم انك على سفر ، وانك مغادر لا محالة.
و إذا رأيت بنيك فاعلم أنهم قطعوا إليك مسافة الاجال
وصل البنون إلى محل ابيهم و تجهز الاباء للترحال
رحم الله الحسن البصري حين ايقظ الشيوخ بقوله:
يا معشر الشيوخ ... ما ينتظر بالزرع إذا بلغ؟ قالوا الحصاد.
و ايقظ الشباب بقوله:
يا معشر الشباب... إن الزرع قد تبلغه العاهة قبل أن يبلغ.
استيقظ
سئل القاضي أبو المكارم شرف الدين الصفراوي الاسكندري عن سنه فاجاب ارتجالا:
يا سائلي عن قوى جسمي و ما فعلت فيه السنون ألا فاعلمه تبيينا
ثاء الثلاثين احسست الفتور بها فكيف حالي عند ثاء الثمانينا
3- فراق الاحبة:
كان الرجل من السلف يبلغه موت اخ من اخوانه فيقول: إنا لله و إنا إليه راجعون... كدت والله أن أكون أنا السواد المختطف ، فيزيده الله بذلك جدا واجتهادا.
افهم يا هذا ما اقول: كان ملك الموت قريبا منك في الدار التي تجاورك و قبض منها اخاك ، وكان من الممكن ان يغير وجهته ، و يقبضك لكن الله اعطاك فرصة اخرى ومد لك في العمر حتى تفيق فهل افقت؟
لطيفة
جاء رجل إلى الفضيل بن عياض فقال له: اوصني. قال: هل مات والداك؟قال: نعم، قال: فقم عني، فإن من يحتاج إلى من يعظه بعد موت و الديه لا تنفعه موعظة.
يا ساهيا عما يراد به آن الرحيل و ما حصلت من زاد
ترجو البناء صحيحا سالما أبدا هيهات أنت غدا فيمن عدا غاد
أخي ... كم مرة استمعت فيها لوعظ القبور؟ كم مرة زرتها.
إلى من يشكو قسوة القلب، و الرجوع إلى الذنب، و نكث العهد مع الرب، و البعد عن الله بعد القرب: الم تسمع أبدا قبل ذلك عن وعظ القبور؟
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:" كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها، فإنها ترق القلب و تدمع العين و تذكر الآخرة".
يقول اديب الإسلام مصطفى صادق الرافعي:
"من هرب من شيء تركه أمامه إلا القبر فما يهرب منه احد إلا وجده أمامه ، وهو أبدا ينتظر غير متململ، و أنت أبدا متقدم إليه غير متراجع.
و اينما يذهب الإنسان تلقفته اسئلة كثيرة : ما اسمك؟ ما صناعتك؟ كم عمرك؟كيف حالك؟ ما مذهبك؟ ما رايك؟ ثم يبطل هذا كله عند القبر، و هناك يتحرك اللسان الازلي بسؤال واحد للإنسان: ما عملك؟".
لو كان بالقلب حياة!!
رأى الحسن البصري شيخا في جنازة، فلما فرغ من الدفن قال له الحسن: يا شيخ ...اسالك بربك... اتظن أن هذا الميت يود أن يرجع إلى الدنيا فيزيد من عمله الصالح ليستغفر الله من ذنوبه السالفة؟ قال الشيخ: اللهم نعم، فقال الحسن: فما بالنا لم نحصل درجة ميت؟ ثم انصرف وهو يقول: أي موعظة !!و ما انفعها... لو كان بالقلب حياة!!
كيف تذكر الموت؟
لا يكون الرجل ذاكرا للموت حتى يذكر الموت بلسانه و قلبه و جوارحه.
1- اللسان :
أ‌- الموتة الصغرى:
كل يوم نموت فيه و نحيا.. ننام ونصحو إلى أن يأتي اليوم الذي ننام فيه لنستيقظ على نفخة الصور يوم القيامة!!
في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام" كان إذا اخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول: باسمك اللهم احيا، و باسمك اللهم أموت، و إذا استيقظ قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا و إليه النشور".
ليذكر الإنسان الموت كل ليلة مع منامه، بل ويذوق طعمه و امكانية حدوثه إن ظن لحظة انه معمر أو مخلد.. رب شروق بلا غروب..رب ليل بغير نهار..كم من رجل امسى من أهل الدنيا و اصبح من أهل الآخرة، و كم من مزمار بات في بيت اصبح فيه الصراخ، وكم من رجل بات يقسم ميراث ابيه فلما حل الصباح قسموا ميراثه.
الهروب من الموت
نشرت مجلة القصيم السعودية أن شابا في دمشق حجز ليسافر و اخبر والدته أن موعد إقلاع الطائرة في الساعة كذا وكذا، و عليها أن توقظه إن دنا الوقت، و نام هذا الساب، و سمعت أمه أخبار الاحوال الجوية في التلفاز، و علمت أن الرياح هوجاء ، و أن الجو غائم ، و أن هناك عواصف رملية ، فأشفقت على وحيدها فلم توقظه أملا في أن تفوته الطائرة.
و لما تاكدت أن الرحلة قد أقلعت، أتت إلى ابنها لتوقظه فوجدته ميتا في فراشه ، فر من الموت و في الموت وقع، و من المقدور لا ينجي الحذر، وصدق ربنا:" أينما تكونوا يدرككم الموت و لو كنتم في بروج مشيدة".
ب- العزاء:
اوصى النبي عليه الصلاة والسلام أن نذكر الموت بلساننا في عزاء كل مؤمن فنقول:" لله ما أخذ و له ما اعطى ، وكل شيء عنده إلى اجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب".
إني معزيك لا إني على ثقة من الخلود و لكن سنة الدين
فما المعزى بباق بعد ميته و لا المعزي و لو عاشا إلى حين
ونحن بترديدنا هذه الكلمات نعمق ذكر الموت في قلوبنا و في قلوب من حولنا لذلك نستحق المكافاة التي اخبر عنها النبي عليه الصلاة والسلام في قوله:" ما من مؤمن يعزي اخاه بمصيبته إلا كساه الله من حلل الجنة".
مسافر على الطريق
جاء رجل إلى الفضيل بن عياض فقال: عظني، فقال: كم تبلغ من العمر؟ قال: ستين عاما.قال: فأنت تسير إلى الله منذ ستين عاما توشك إن تبلغ. فقال الرجل: إنا لله إنا إليه راجعون. قال الفضيل: من علم أنه إلى الله راجع... علم أنه بين يدي الله موقوف... و من علم أنه بين يدي الله موقوف... علم أنه بين يدي الله مسئول... و من علم أنه بين يدي الله مسئول فليعد لكل سؤال جوابا.
قال الرجل وكان قد اساء: ماذا افعل وقد أسأت فيما مضى؟
قال الفضيل: إن كنت أسأت فيما مضى فأصلح فيما بقي، فانك إن اسات فيما بقي اخذت بما مضى و ما بقي.
يا معرضا عن عرضه و حسابه لا يستعد ليوم نشر كتابه
متعللا بعياله و بمالــــــه متلهيا في أهله و صحابه
متناسيا لمماته و ضريحه و نشوره ووقوفه و مآبه
القول قول مصدق و الفعل فعل مكذب بثوابه و عقابه
من قال قولا ثم خالف قوله بفعاله ففعاله أولى به
2- القلب:
ذكر الموت بالقلب يكون بان يتامل الإنسان حاله بعد موته و إلام المصير؟
الاعين التي التذت بالحرام سالت عبى الوجنات و الأقدام التي سعت في الباطل دفنتها الرمال، و الايدي التي بطشت و سرقت قطعت من مفاصلها، و الوجوه الناضرة و الشعور الساحرة و القوام الأهيف كل هذه غزاها الدود و علاها.
يمتلئ القلب بهذه المعاني فيقصر امله و يستشعر قرب الرحيل و لا يعود يحدث نفسه إلا بزاده و ما يجب عليه فعله.
يا أخي ... افق من رقادك، و احضر قلبك معك من بيتك، و العلم انه لا نوم اثقل من الغفلة و لا رق املك من الشهوة، و لا مصيبة كموت القلب، و لانذير ابلغ من الشيب.
يا أخي...مم خلق قلبك ؟ من صخرة أم من فولاذ؟ اتدعي العجز عن الطاعة و في المعاصي استاذ؟.
يا أخي.. المشكلة في أن بصرك قوي ، لكن بصيرتك ضغيفة.
انفع يوم
قالوا لعون بن عبد الله: ما انفع أيام المؤمن له؟ قال: يوم يلقى ربه فيعلم انه عنه راض، قالوا: إنما اردنا من أيام الدنيا. قال : إن من انفع أيامه له في الدنيا ما ظن انه لا يدرك اخره.
وهكذا كان أبو زرعة الشامي، بل و أكثر من ذلك، قال يوما لصاحبه إبراهيم بن نشيط: لأقولن لك قولا ما قلته لأحد سواك ما خرجت من المسجد منذ عشرين سنة فحدثن نفسي أن ارجع إليه.
3- الجوارح
ذكر الموت بالجوارح يكون بأن يقدم كل واحد منا ما يستطيع بذله من عمل صالح يتقرب به إلى الله، ويؤنس به وحشة قبره و ينير ظلامه، و يحضر معه شهود الاثبات حين ينزل أول منازل الآخرة : القبر.
أداء الشهادة
انظر إلى هذه النماذج التي اصطحبت معها في قبرها ما تتقرب به إلى ربها لتنا بها الشفاعة:
[IMG]file:///C:/DOCUME~1/fkih/LOCALS~1/Temp/msohtml1/01/clip_image001.gif[/IMG] سعد بن أبي وقاص: آخر العشرة المبشرين بالجنة موتا، و فد اوصى أن يكون شاهد إثباته جبة صوف كان لقي المشركين فيها يوم بدر، فقال: أخبئها لهذا ، فكفن فيها.
[IMG]file:///C:/DOCUME~1/fkih/LOCALS~1/Temp/msohtml1/01/clip_image001.gif[/IMG] علي بن عبد الله بن حمدان( سيف الدولة): جمع من نفض الغبار الذي اجتمع عليه من غزواته شيئا ، و عمله لبنة بمقدار الكف، و اوصى أن يوضع خده عليها في لحده، فنفذت وصيته.
[IMG]file:///C:/DOCUME~1/fkih/LOCALS~1/Temp/msohtml1/01/clip_image001.gif[/IMG] القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق: احد الفقهاء السبعة الذي اوصى و قال: كفنوني في ثيابي التي كنت اتهجد فيها.
ترى ...ما حالك أنت؟ أي عمل من الصالحات سيؤنس وحشتك بعد موتك؟ جبة قتال، أم لبنة جهاد، أم ثياب تهجد؟
قال رجل للإمام احمد: اوصني، فقال له احمد: انظر إلى أحب ما تريد أن يجاورك في قبرك فاعمل به.
أخي .. بادر من الآن...الان...الان
قبل أن تمرض فتضنى ، و تهرم فتبلى، ثم تموت و تنسى، ثم تدفن فتطوى، ثم تبعث فتحيا، ثم تدعى، ثم توقف، ثم تجزى.
أخي... غدا تسافر فأين زادك؟ انقلة إلى غير مسكن؟ اسفرة من غير تزود؟ اقدوم إلى بلاد ربح بغر بضاعة؟
و تاه المسافرون
مر أبو الصهباء صلة بن لشيم باناس يلعبون وقت الصلاة ، فققال لهم: يا قوم... ما رايكم في قوم ارادوا سفرا حادوا عن طريقه نهارا ناموا فيه ليلا...اصابوا أم اخطاوا؟ قالوا: اخطاوا.
و مر عليهم في اليوم التالي فوجدهم على نفس الخال، فاعاد عليهم مقالته و اعادوا نفس الرد ، وفي اليوم الثالث كذلك، و عندها قال احدهم: ما أراد صلة بكلامه أحدا سوانا، فنحن اردنا سفرا إلى الجنة وحدنا عن طريقه نهارا، و نمنا فيه ليلا فكيف نصل؟ فتابوا و صحت توبتهم
من فوائد العصا!!!
قيل لاحد الصالحين: مالك تدمن امساك العصا، و لسن بكبير و لا مريض ؟ فقال:
لا الضعف اوجب حملها علي ولا أني تحنيت من كبر
و لكنني الزمت نفسي حملها لاعلمها أن المقيم على سفر
فوئد ذكر الموت
1- شغل الأوقات:
الوقت البطيئ السريع... متحرك دائب المضي ، و لا يعود بعد مروره فخسارته خسارة لا يمكن تعويضها، لان لكل وقت ما يملؤه من العمل.
إذا كنت اعلم علما يقينا بأن جميع حياتي كساعة
فلم لا أكون بها ضنينا و اجعلها في صلاح وطاعة
و لذلك نقل عن رجل من السلف أن قوما دخلوا عليه فقالوا: لعلنا شغلناك. قال: اصدقكم... كنت اقرأ القرآن فتركت القرآن لأجلكم!!
ولذات السبب لما وقف قوم على رجل صالح و قالوا: إنا سائلوك، افتجيبنا أنت ؟ قال: سلوا ولا تكثروا، فان النهار لا يرجع، و العمر لن يعود، و الموت حثيث في طلبي ذو اجتهاد.
إخواني...
السنين مراحل، و الشهور فراسخ، و الأيام اميال، و الانفاس خطوات، و الطاعات رؤوس أموال، والمعاصي قطاع طرق، و الربح الجنة، و الخسران النار.
صدق أو لا تصدق
و اسمعوا خبر قاضي قضاة الدنيا يعقوب بن إبراهيم الانصاري، صاحب أبي حنيفة و تلميذه و ناشر مذهبه يباحث وهو في النزع الأخير بعض عائديه في مسالة فقهية رجاء أن ينتفع بها المسلمون.
قال تلميذه القاضي إبراهيم بن الجراح الكوفي: مرض أبو يوسف فاتيته اعوده فوجدته مغمى عليه فلما افاق قال لي: يا إبراهيم ما تقول في مسالة؟
قلت: في مثل هذه الحالة؟
قال: و لا باس بذلك، ندرس لعله ينجو به ناج، ثم قال: يا إبراهيم ايهما أفضل في رمي الجمار: إن يرميها ماشيا أم راكبا؟
قلت :راكبا. قال: اخطات.
قلت : ماشيا. قال: اخطات.
قلت : قل فيها يرصى عنك الله.
قال: أما ما كان يوقف عنده الدعاء فالافضل أن يرميه ماشيا، أما ما كان لا يوقف عنده فالافضل إن يرميه راكبا، ثم قمت من عنده فما بلغت باب داره حتى سمعت الصراخ عليه و إذا هو قد مات.
2- العفو و التسامح:
ما قيمة الحقد والكراهية بين من سيصيرون ترابا عن قريب، و ما معنة الغيظ و البغض و نحن عن قريب راحلون و للدنيا نفارقون و لنعيمها تاركون.
قيل لأبي الفضل يوسف بن مسرور: فلان يتكلم فيك. فقال: إنما مثلي و مثله كمثل رجل حمل لضرب عنقه فقذفه رجل في الطريق، فقال لنفسه: أنت تحمل للقتل تسال عمن يقذفك ؟ وأنا سائر إلى الموت لا ادري متى ياتيتني . اسال عمن يتكلم في؟ في الموت ما يشغلني عن ذلك.
نعش يتكلم
دخل بهاء الدين السبكي على الشيخ برهان الدين الانباسي يعوده و مان امامهما نعش ، فنظر السبكي إلى النعش، ثم قال للانباسي: يا شيخ برهان الدين، أتدري ما يقول هذا النعش؟ فقال: انه يقول:
انظر إلي بعقلك أنا المعد لحملك
أنا سرير المنايا كم سار مثلي بمثلك.
3- الانفاق في سبيل الله
سال النبي عليه الصلاة والسلام اصحابه يوما:" ايكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟" قالوا: ليس منا احد إلا و ماله أحب إليه من مال وارثه. قال:" فان ماله ما قدم و مال وارثه ما آخر".
و لذلك قال ابو عمران الجوني:
من قرب الموت من قلبه استكثر ما بين يديه.
الانفاق ثمرة و دواء
و كما أن الانفاق احدى ثمار ذكر الموت، فانه أيضا دواء لمن شكاطول الأمل و كراهية الموت.
جاء رجل إلى احد الصالحين قائلا: إني اكره الموت
فقال له الرجل الصالح: ألك مال؟
قال: نعم، قال : فقدمه، فان الرجل إذا قدم ماله في سبيل الله أحب إن يلحق به.
و هذا كلام حق وصدق، لأن من ينفق ماله في سبيل الله إنما يشتري به رقعة من الجنة ، و كلما زاد انفاقه هنا زادت املاكه هناك، فاحب إن يعاين ما اشترى و يشهاد ويرى ... و لا سبيل إلى ذلك إلا بان يموت لذا أحب إن يموت.
4- المسارعة في الخيرات
كان غير واحد من السلف لو قيل له: ستموت غدا ما استطاع أن يزيد في عمله.
و هذا لإمتلاء قلوبهم بدنو الأجل و قرب الرحيل، و القدوم على نتيجة اعمالهم و جزاء سعيهم.
ويظل العمل دائبا لان المرء ما يدري هل رجحت كفة الحسنات على السيئات؟ أم أن السيئات ما تزال أكثر.
فهم هذا عبد الله بن المبارك، فلما قيل له: يا ابا عبد الرحمن إلى متى تكتب هذا الحديث ؟ فقال: لعل الكلمة التي انتفع بها ما كتبتها بعد.
إخواني... لو أن افجر أهل الأرض حبس في داره و قيل له : ستقتل بعد ساعة...لصار في هذه الساعة اتقى أهل الأرض.
توزيع الغنائم
قال عمر بن ذر: قرات كتاب سعيد بن جبير إلى أبي: يا ابا عمر... كل يوم يعيشه المؤمن غنيمة.
من يسبق الشهيد؟
عن طلحة بن عبيد الله أن رجلين من بلي قدما على رسول الله عليه الصلاة والسلام و كان اسلامهما معا، فكان احدهما اشد اجتهادا من إلا خر، فغزا المجتهد منهما فاستشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي، قال طلحة: فرأيت في المنام... بينما أنا عند باب الجنة إذا أتى بهما فخرج خارج الجنة، فأذن للذي توفي في الآخر منهما ثم خرج، فأذن للذي استشهد، ثم رجع إاي فقال: ارجع فإنك لم يأن لك بعد، فصبح طلحة يحدث به الناس فتعجبوا لذلك، فبلغ ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام و حدثوه الحديث!!فقالوا يا رسول الله...هذا كان اشد الرجلين اجتهادا ثم استشهد، ودخل هذا الآخر الجنة قبله، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام :" اليس قد مكث هذا بعده سنة ؟ قالوا بلى، قال:" و ادرك رمضان فصام وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟ قالوا: بلى، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:" فما بينهما ابعد مما بين السماء والأرض".
و ماذا بعد الكلام
1- احرص على زيارة المقابر مرة في الشهر، و ادع في هذه الزيارة لأموات المسلمين، من عرفت ومن لم تعرف.
2-* شيع جنازة كلما استطعت و اذكر:" من تبع جنازة ايمانا واحتسابا، و كان معها حتى يصلى عليها و يفرغ من دفنها ، فانه يرجع من الاجر بقيراطين كل قيراط مثل احد، و من صلى عليها ثم رجع قبل أن يدفن فانه يرجع بقيراط من الاجر".
3- لا تصرف جزء من وقتك في عمل تندم عليه بعد الموت... املأاوقات فراغك بما يفيدك في أمر دنيا أو أمر اخرة.
4- اعف عمن ظلمك... صل من قطعك...اعط من حرمك...فالدنيا جيفة لا تستحق التنازع من اجلها... وكلنا على سفر منها عاجلا أم اجلا.
5- انفق مالك قبل إن يوزع غدا على الورثة، و كلما كان انفاقك في الدنيا أكثر كانت املاكك في الجنة اكبر.
6- إذا صليت فصل صلاة مودع و كأنها آخر صلاة.