تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
تشكيك المستشرقين في صحة القرآن المبين
03-06-2018, 05:38 PM
تشكيكالمستشرقين في صحة القرآن المبين




الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:



طار بعض المستشرقين وأذنابهم من:" دعاة نقد التراث وإعادة قراءته"، وشرقوا وغربوا بأثر عن:" هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة": توهموه دليلا على وجود اللحن في القرآن الكريم!!؟.
نقول للمستشرقين وأذنابهم المرددين لشبهة:( وجود اللحن في القرآن الكريم):" رمتني بدائها وانسلت!!؟".
لقد افُتضح أمركم في التحريفات التي وقعت في كتابيكم: التوراة والإنجيل، وها أنتم تريدون أن تلحقوا بهما: القرآن الكريم الذي:[ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ]، ولكن: هيهات هيهات...، فوالله الذي لا إله غيره، ولا رب سواه:" للمسكم الشمس بأيديكم: أهون عليكم من إثبات تحريف القرآن الكريم!!؟"، والسبب واضح:" وضوح الشمس في رابعة النهار"، وهو: أن من أنزل القرآن الكريم هو الذي تكفل بحفظه قائلا:
[إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُلَحَافِظُونَ (9)].(الحجر).
إن محاولاتكم التشويش على المسلمين وتشكيكهم في كتاب ربهم لإبعادهم عن أنوار هدايته: ليس بالأمر الجديد، فقد قال المشككون الأولون:
[وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26)].(فصلت).
[فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)].(المدثر).
[وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)].(النحل).

فلا تتعبوا أنفسكم، ووفروا جهودكم وأموالكم وأوقاتكم، لأن مصيرها لن يختلف عن مآل أسلافكم الهالكين في انتظار العرض أمام رب العالمين!!؟.

وسنحاول بتوفيق الله تعالى دحض شبهتهم باختصار بنقل بعض كلام أئمتنا الأعلام عليهم رحمة الرحمن العلام، ولمن أراد التفصيل في المسألة، فلينظر المصادر التالية مع ملاحظة اختلاف أرقام طبعات الكتب:( المقنع للداني: ص:119-122)، و:( الإتقان للسيوطي: 4/1236-1239، طبعة مجمع الملك فهد)، و:( مناهل العرفان للزرقاني: 1/317 -323).
وإلى المقصود بتوفيق المعبود:

1) قال السيوطي رحمه الله:
" الثاني: قد يقع في كلامهم هذا: تفسير معنى، وهذا: تفسير إعراب، والفرق بينهما: أن تفسير الإعراب: لا بد فيه من ملاحظة الصناعة النحوية، وتفسير المعنى: لا تضره مخالفة ذلك.

الثالث: قال أبو عبيد في:( فضائل القرآن): حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه قال: سألت عائشة عن لحن القرآن عن قوله تعالى:( إن هذان لساحران)، وعن قوله تعالى:( والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة)، وعن قوله تعالى:(إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون)، فقالت:" يا ابن أختي هذا عمل الكتاب، أخطئوا في الكتاب"، هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقال: حدثنا حجاج عن هارون بن موسى، أخبرني الزبير بن الحريث عن عكرمة قال: لما كتبت المصاحف عرضت على عثمان، فوجدت فيها حروفاً من اللحن، فقال:" لا تغيروها، فإن العرب ستغيرها"، أو قال:
" ستعربها بألسنتها، لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد هذه الحروف". أخرجه ابن الأنباري:( كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان)، وابن أشتة في:( كتاب المصاحف).
ثم أخرج ابن الأنباري نحوه من طريق عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر، وابن أشتة نحوه من طريق يحيى بن يعمر. وأخرج من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير: أنه كان يقرأ - والمقيمين الصلاة - ويقول هو:" لحن من الكتاب"، وهذه الآثار مشكلة جداً، وكيف يظن بالصحابة أولاً: أنهم يلحنون في الكلام فضلاً عن القرآن، وهم الفصحاء اللد؟، ثم كيف يظن بهم ثانياً: في القرآن الذي تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم كما أنزل وحفظوه وضبطوه وأتقنوه؟، ثم كيف يظن بهم ثالثاً: اجتماعهم كلهم عن الخطأ وكتابته، ثم كيف يظن بهم رابعاً: عدم تنبيههم ورجوعهم عنه؟، ثم كيف يظن بعثمان أنه ينهي عن تغييره؟، ثم كيف يظن أن القراءة استمرت على مقتضى ذلك الخطأ، وهو مروي بالتواتر خلفاً عن سلف؟، هذا مما يستحيل عقلاً وشرعاً وعادة، وقد أجاب العلماء عن ذلك بثلاثة أجوبة.
أحدها: أن ذلك لا يصح عن عثمان، فإن إسناده ضعيف مضطرب منقطع، ولأن عثمان جعل للناس إماماً يقتدون به، فكيف يرى فيه لحناً ويتركه لتقييمه العرب بألسنتها؟، فإذا كان الذين تولوا جمعه وكتابته لم يقيموا ذلك وهم الخيار، فكيف يقيمه غيرهم؟، وأيضاً، فإنه لم يكتب مصحفاً واحداً، بل كتب عدة مصاحف، فإن قيل: إن اللحن وقع في جميعها، فبعيد اتفاقهم على ذلك، أوفي بعضها، فهو اعتراف بصحة البعض، ولم يذكر أحد من الناس أن اللحن كان في مصحف دون مصحف، ولم تأت المصاحف قط مختلفة إلا فيما هو من وجوه القراءة، وليس ذلك بلحن.
الوجه الثاني على تقدير صحة الرواية: أن ذلك محمول على الرمز والإشارة ومواضع الحذف نحو: الكتاب، والصابرين وما أشبه ذلك.
الثالث: أنه مؤول على أشياء خالف لفظها رسمها كما كتبوا: لأوضعوا، لأذبحنه بألف بعد لا، وجزاؤا الظالمين بواو وألف، وبأييد بياءين، فلو قرئ ذلك بظاهر الخط: لكان لحناً، وبهذا الجواب وما قبله: جزم ابن أشتة في كتاب المصاحف.
وقال ابن الأنباري في:( كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان):
" في الأحاديث المروية عن عثمان في ذلك لا تقوم بها حجة، لأنها منقطعة غير متصلة، وما يشهد عقل بأن عثمان وهو إمام الأمة الذي هو إمام الناس في زمنه يجمعهم على المصحف الذي هو الإمام، فيتبين فيه خللاً، ويشاهد في خطه زللاً، فلا يصلحه، كلا والله، ما يتوهم عليه هذا ذو إنصاف وتمييز، ولا يعتقد أنه أخر الخطأ في الكتاب، ليصلحه من بعده!!؟، وسبيل الجائين من بعده: البناء على رسمه والوقوف عند حكمه، ومن زعم: أن عثمان أراد بقوله:" أرى فيه لحناً": أرى في خطه لحناً إذا أقمناه بألسنتنا: كان لحن الخط غير مفسد ولا محرف من جهة تحريف الألفاظ وإفساد الإعراب، فقد أبطل ولم يصب، لأن الخط منبئ عن النطق، فمن لحن في كتبه، فهو لاحن في نطقه، ولم يكن عثمان ليؤخر فساداً في هجاء ألفاظ القرآن من جهة كتب ولا نطق، ومعلوم أنه كان مواصلاً لدرس القرآن متقناً لألفاظه موافقاً على ما رسم في المصاحف المنفذة إلى الأمصار والنواحي.
ثم أيد ذلك بما أخرجه أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن هانئ البربري مولى عثمان قال:
" كنت عند عثمان، وهم يعرضون المصاحف، فأرسلني بكتف شاة إلى ابن كعب فيها: لم يتسن، وفيها: لا تبديل للخلق، وفيها: فأمهل الكافرين، قال: فدعا بالدواة، فمحا أحد اللامين فكتب: لخلق الله، ومحى فأمهل، وكتب فمهل، وكتب لم يتسنه ألحق بها الهاء".
قال ابن الأنباري:" فكيف يدعي عليه: أنه رأى فساداً فأمضاه، وهو يوقف على ما كتب، ويرفع الخلاف إليه الواقع من الناسخين، ليحكم بالحق، ويلزمهم إثبات الصواب وتخليده". انتهى.
قلت: ويؤيد هذا أيضاً: ما أخرجه ابن أشتة في المصاحف قال: حدثنا الحسن بن عثمان، أنبأنا الربيع بن بدر عن سوار ابن سبئة قال: سألت ابن الزبير عن المصاحف، فقال:" قام رجل إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين: إن الناس قد اختلفوا في القرآن، فكان عمر قد هم أن يجمع القرآن على قراءة واحدة، فطعن طعنته التي مات فيها، فلما كان في خلافة عثمان، قام ذلك الرجل، فذكر له، فجمع عثمان المصاحف، ثم بعثني إلى عائشة، فجئت بالمصحف، فعرضناها عليها حتى قاومناها، ثم أمر بسائرها، فشققت".
فهذا يدل على أنهم ضبطوها وأتقنوها، ولم يتركوا فيها ما يحتاج إلى إصلاح ولا تقويم.
ثم قال ابن أشتة: أنبأنا محمد بن يعقوب، أنبأنا أبو داود سليمان بن الأشعث، أنبأنا أحمد بن مسعدة، أنبأنا إسماعيل، أخبرني الحارث بن عبد الرحمن عن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر قال:
لما فرغ من المصحف أتى به عثمان، فنظر فيه، فقال:" أحسنتم وأجملتم، أرى شيئاً سنقيمه بألسنتنا"، فهذا الأثر لا إشكال فيه، وبه يتضح معنى ما تقدم، فكأنه عرض عليه عقب الفراغ من كتابته، فرأى فيها شيئاً كتب على غير لسان قريش كما وقع لهم في:( التابوه والتابوت)، فوعد بأن سيقيمه على لسان قريش، ثم وفى بذلك عند العرض والتقويم، ولم يترك فيه شيئاً، ولعل من روى تلك الآثار السابقة عند حرفها، ولم يتقن اللفظ الذي صدر من عثمان، فلزم منه ما لزم من الإشكال، فهذا أقوى ما يجاب به عن ذلك، ولله الحمد.

وبعد، فهذه الأجوبة لا يصلح منها شيء عن حديث عائشة:
أما الجواب بالتضعيف، فلأن إسناده صحيح كما ترى.
وأما الجواب بالرمز وما بعده، فلأن سؤال عروة عن الأحرف المذكورة لا يطابقه، فقد أجاب عنه ابن أشتة وتبعه ابن جبارة في شرح الرائية بأن معنى قولها أخطئوا: أي في اختيار الأولى من الأحرف السبعة لجمع الناس عليه، لا أن الذي كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز، قال: والدليل على ذلك: أن ما لا يجوز مردود بإجماع من كل شيء وإن طالت مدة وقوعه.
قال: وأما قول سعيد بن جبير:" لحن من الكاتب"، فيعني باللحن القراءة واللغة: يعني أنها لغة الذي كتبها وقراءته وفيها قراءة أخرى، ثم أخرج عن إبراهيم النخعي أنه قال: إن هذان لساحران، وإن هذين لساحرين سواء، لعلهم كتبوا الألف مكان الياء والواو.
وفي قوله والصابئون والراسخون مكان الياء، قال ابن أشتة: يعني أنه من إبدال حرف في الكتابة بحرف مثل: الصلوة والزكوة والحيوة، وأقول: هذا الجواب إنما يحسن لو كانت القراءة بالياء فيها والكتابة بخلافها، وأما القراءة على مقتضى الرسم فلا، وقد تكلم أهل العربية على هذه الأحرف، ووجهوها على أحسن توجيه.
أما قوله (إن هذان لساحران - ففيه أوجه.
أحدها: أنه جاز على لغة من يجري المثنى بالألف في أحواله الثلاث، وهي لغة مشهورة لكنانة، وقيل لبني الحارث.
الثاني: أن اسم ضمير الشأن محذوفاً، والجملة مبتدأ وخبر خبر إن.
الثالث: كذلك إلا أن ساحران خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: لهما ساحران. الرابع: أن إن هنا بمعنى: نعم.
الخامس: أن ها ضمير القصة اسم إن، وذان لساحران مبتدأ وخبر، وتقدم رد هذا الوجه بانفصال إن واتصال ها في الرسم.
قلت: وظهر لي وجه آخر، وهو: أن الإتيان بالألف لمناسبة يريدان كما نون سلاسلاً لمناسبة أغلالاً، ومن سبأ لمناسبة بنبأ.

وأما قوله (والمقيمين الصلاة - ففيه أيضاً أوجه:
أحدها: أنه مقطوع إلى المدح بتقدير: أمدح، لأنه أبلغ.
الثاني: أنه معطوف على المجرور في - يؤمنون بما أنزل إليك – أي: ويؤمنون بالمقيمين الصلاة، وهم: الأنبياء، وقيل: الملائكة، وقيل التقدير: يؤمنون بدين المقيمين، فيكون المراد بهم: المسلمين، وقيل: بإجابة المقيمين.
الثالث: أنه معطوف على قبل: أي ومن قبل المقيمين، فحذفت قبل وأقيم المضاف إليه مقامه.
الرابع: أنه معطوف على الكاف في قبلك.
الخامس: أنه معطوف على الكاف في إليك.
السادس: أنه معطوف على الضمير في منهم، حكى هذه الأوجه أبو البقاء.

وأما قوله (والصابئون - ففيه أيضاً أوجه.
أحدها: أنه مبتدأ حذف خبره، أي: والصابئون كذلك.
الثاني: أنه معطوف على محل إن مع اسمها، فإن محلها رفع الابتداء. الثالث: أنه معطوف على الفاعل في هادوا.
الرابع: أن إن بمعنى نعم، فالذين آمنوا وما بعده في موضع رفع، والصابئون عطف عليه.
الخامس: أنه على إجراء صيغة الجمع مجرى المفرد، والنون حرف الإعراب، حكى هذه الأوجه أبو البقاء.

تذنيب يقرب مما تقدم عن عائشة: ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده وابن أشتة في المصاحف من طريق إسماعيل المكي عن أبي خلف مولى بني جمح: أنه دخل مع عبيد بن عمير على عائشة فقال: جئت أسألك عن آية في كتاب الله تعالى، كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها؟، قالت: أية آية؟، قال: الذين يأتون ما أتوا، أو الذين يأتون ما آتوا؟، قالت: أيتهما أحب إليك؟، قلت: والذي نفسي بيده لأحدهما أحب إلى من الدنيا جميعاً، قالت: أيهما قلت - الذين يأتون ما أتوا - فقالت: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذاك كان يقرؤها، وكذلك أنزلت، ولكن الهجاء حرف".
وما أخرجه ابن جرير وسعيد بن منصور في سننه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله:(حتى تستأنسوا وتسلموا) - قال: إنما هي خطأ من الكاتب - حتى تستأذنوا وتسلموا - أخرجه ابن أبي حاتم بلفظ:" هو فيما أحسب مما أخطأت به الكتاب".
وما أخرجه ابن الأنباري من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه قرأ:( أفلم يتبين الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاًفقيل له: إنها في المصحف: أفلم ييأس، فقال:" أظن الكاتب كتبها وهو ناعس".
وما أخرجه سعيد بن منصور من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان يقول في قوله تعالى:( وقضى ربك)، إنما هي: ووصى ربك، التزقت الواو بالصاد.
وأخرجه ابن أشتة بلفظ: استمد الكاتب مداداً كثيراً، فالتزقت الواو بالصاد. وأخرجه من طريق الضحاك عن ابن عباس أنه كان يقرأ:( ووصى ربك)، ويقول: أمر ربك، إنهما واوان التصقت إحداهما بالصاد.
وأخرجه من طريق أخرى عن الضحاك أنه قال: كيف تقرأ هذا الحرف؟، قال:( وقضى ربك قال: ليس كذلك نقرؤها نحن ولا ابن عباس، إنما هي:( ووصى ربك وكذلك كانت تقرأ وتكتب، فاستمد كاتبكم، فاحتمل القلم مداداً كثيراً، فالتزقت الواو بالصاد، ثم قرأ:( ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ولو كانت قضى من الرب لم يستطع أحد رد قضاء الرب، ولكنه وصية أوصى بها العباد.
وما أخرجه سعيد بن منصور وغيره من طريق عمرو ابن دينار عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقرأ:(ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ضياء)، ويقول: خذوا هذه الواو واجعلوها ها هنا:( والذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم) الآية.
وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق الزبير بن حريث عن عكرمة عن ابن عباس قال:" انزعوا هذه الواو، فاجعلوها في:( الذين يحملون العرش ومن حوله).
وما أخرجه ابن أشتة وابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى:(مثل نوره كمشكاة)، قال: هي خطأ من الكاتب، هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة، إنما هي مثل نور المؤمن كمشكاة".
وقد أجاب ابن أشتة عن هذه الآثار كلها بأن المراد: أخطئوا في الاختيار، وما هو الأولى لجمع الناس عليه من الأحرف السبعة، لا أن الذي كتب خطأ خارج عن القرآن.
قال: فمعنى قول عائشة حرف الهجاء ألقى إلى الكاتب هجاء غير ما كان الأولى أن يلقى إليه من الأحرف السبعة.
قال: وكذا معنى قول ابن عباس: كتبها وهو ناعس، يعني: فلم يتدبر الوجه الذي هو أولى من الآخر، وكذا سائرها.
وأما ابن الأنباري، فإنه جنح إلى تضعيف الروايات ومعارضتها بروايات أخرى عن ابن عباس وغيره بثبوت هذه الأحرف في القراءة، والجواب الأول: أولى وأقعد.
ثم قال ابن أشتة: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنبأنا أبو داود، أنبأنا ابن الأسود، أنبأنا يحيى بن آدم عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد قال: قالوا لزيد: يا أبا سعيد أوهمت إنما هي ثمانية أزواج من الضأن اثنين اثنين، ومن الإبل اثنين اثنين، ومن البقر اثنين اثنين، فقال: لأن الله تعالى يقول:( فجعل منه زوجين الذكر والأنثى)، فهما زوجان كل واحد منهما زوج، الذكر زوج، والأنثى زوج.
قال ابن أشتة: فهذا الخبر يدل على أن القوم كانوا يتخيرون أجمع الحروف للمعاني وأسلسها على الألسنة وأقربها في المأخذ وأشهرها عند العرب للكتابة في المصاحف، وإن الأخرى كانت قراءة معروفة عند كلهم، وكذا ما أشبه ذلك". انتهى كلام العلامة:" السيوطي" رحمه الله.

2) ننتقل الآن إلى كلام أحد أئمة القراءات القرآنية، وهو: العلامة المقرئ:" أبو عمرو الداني" رحمه الله في كتابه:( المقنع في رسم مصاحف الأمصار:1/35- 37)، حيث يقول:
"فإن سأل عن السبب الموجب لاختلاف مرسوم هذه الحروف الزوائد في المصاحف، قلت: السبب في ذلك عندنا: أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه لما جمع القرآن في المصاحف، ونسخها على صورة واحدة، وآثر في رسمها لغة قريش دون غيرها، مما لا يصحّ ولا يثبت: نظرا للأُمّة واحتياطا على أهل الملّة، وثبت عنده أن هذه الحروف من عند الله عز وجل كذلك منزلة، ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسموعة، وعلم أن جمعها في مصحف واحد على تلك الحال غير متمكّن إلا بإعادة الكلمة مرتّين، وفي رسم ذلك كذلك من التخليط والتغيير للمرسوم: ما لا خفاء به، ففرقها في المصاحف، لذلك: جاءت مثبتة في بعضها، ومحذوفة في بعضها، لكي تحفظها الأمة كما نزلت من عند الله عز وجل وعلى ما سُمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا سبب اختلاف مرسومها في مصاحف أهل الأمصار.
فأن قال قائل: فما تقول في الخبر الذي رويتموه عن يحيى بن يعمر وعكرمة مولى ابن عباس عن عثمان رضي الله عنه: إن المصاحف لما نّسخت عُرضت عليه، فوجد فيها حروفا من اللحن، فقال:" اتركوها فإن العرب ستقيمها أو ستعربها بلسانها"، إذ يدل على خطأ في الرسم؟.
قلت: هذا الخبر عندنا لا يقوم بمثله حجة، ولا يصح به دليل من جهتين: أحدهما: انه مع تخليط في إسناده واضطراب في ألفاظه: مرسل، لأن ابن يعمر وعكرمة لم يسمعا من عثمان شيئا، ولا رأياه، وأيضا: فإن ظاهر ألفاظه ينفي وروده عن عثمان رضي الله عنه لما فيه من الطعن عليه مع محلّه من الدين، ومكانه من الإسلام، وشدّة اجتهاده في بذل النصيحة، واهتباله بما فيه الصلاح للأمة، فغير ممكن: أن يتولى لهم جمع المصحف مع سائر الصحابة الأتقياء الأبرار نظرا لهم، ليرتفع الاختلاف في القرآن بينهم، ثم يترك لهم فيه مع ذلك لحنا وخطأ، يتولى تغييره من يأتي بعده: ممن لا شك أنه لا يدرك مداه، ولا يبلغ غايته ولا غاية من شاهده!!؟.
هذا ما لا يجوز لقائل: أن يقوله، ولا يحل لأحد أن يعتقده.
فإن قال: فما وجه ذلك عندك: لو صحّ عن عثمان رضي الله عنه؟.
قلت: وجهه أن يكون عثمان رضي الله عنه أراد باللحن المذكور فيه: التلاوة دون الرسم، إذ كان كثير منه لو تُلي على رسمه: لانقلب بذلك معنى التلاوة، وتغيرت ألفاظها، ألا ترى قوله:" أولاأذبحنّه " و:" لأاوضعوا " و:" من نبأي المرسلين " و:" سأوريكم " و:" الربوا " وشبهه: مما زيدت الألف والياء والواو في رسمه، لو تلاه تالٍ لا معرفة له بحقيقة الرسم على صورته في الخط، لصير الإيجاب، ولزاد في اللفظ ما ليس فيه ولا من أصله، فأتى من ألحن بما لا خفاء به على من سمعه مع كون رسم ذلك كذلك جائزا مستعملا، فأعلم عثمان رضي الله عنه، إذ وقف على ذلك: أن من فاته تمييز ذلك، وعزبت معرفته عنه ممن يأتي بعده، سيأخذ ذلك عن العرب إذ هم الذين نزل القرآن بلغتهم، فيعرفونه بحقيقة تلاوته، ويدلونه على صواب رسمه، فهذا وجهه عندي، والله اعلم.
فان قيل: فما معنى قول عثمان رضي الله عنه في آخر هذا الخبر:" لو كان الكتاب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد هذه الحروف".
قلت: معناه، أي: توجد فيه مرسومة بتلك الصور المبنية على المعاني دون الألفاظ المخالفة لذلك، إذ كانت قريش ومن ولي نَسْخ المصاحف من غيرها قد استعملوا ذلك في كثير من الكتابة، وسلكوا فيها تلك الطريقة، ولم تكن ثقيف وهذيل مع فصاحتهما يستعملان ذلك، فلو أنهما وليتا من أمر المصاحف ما وليه من تقدم من المهاجرين والأنصار، لرسمتا جميع تلك الحروف على حال استقرارها في اللفظ، ووجدها في المنطق دون المعاني والوجوه، إذ ذلك هو المعهود عندهما، والذي جرى عليه استعمالها.
هذا تأويل قول عثمان عندي: لو ثبت وجاء مجيء الحجّة، وبالله التوفيق.
حدثنا خلف بن إبراهيم المقرئ، قال: حدثنا احمد بن محمد المكي، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا القسم بن سلام، قال: حدثنا حجاج عن هارون، قال: اخبرني الزبير بن الخريت عن عكرمة، قال:" لما كُتبت المصاحف عُرضت على عثمان رضي الله عنه، فوجد فيها حروفا من اللحن فقال: لا تغيّروها، فإن العرب ستغيرها، أو قال: ستعربها بألسنتها، لو كان الكتاب من ثقيف، والمملي من هذيل: لم توجد فيه هذه الحروف".
حدثنا عبد الرحمن بن عثمان قال حدثنا قاسم ابن اصبغ قال حدثنا احمد بن زهير قال حدثنا عمرو بن مرزوق قال حدثنا عمران القطان عن قتادة عن نصير بن عاصم عن عبد الله بن أبي فطيمة عن يحيى بن يعمر قال: قال عثمان بن عفان رضي الله عنه:" في القرآن لحن تقيمها العرب بألسنتها".

فإن قيل: فما تأويل الخبر الذي رويتموه أيضا عن هشام بن عروة عن أبيه: أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن لحن القرآن عن قوله:" إن هذين لسحران " وعن:" والمقيمين الصلوة والمؤتون الزكوة " وعن " إن الذين ءامنوا والذين هادوا.. والصبئون "، فقالت:" يا ابن أختي، هذا عمل الكتّاب، اخطئوا في الكتابة"؟.
قلت: تأويله ظاهر، وذلك أن عروة لم يسأل عائشة فيه عن حروف الرسم التي تزاد فيها لمعنى وتنقص منها لأخر: تأكيداً للبيان وطلبا للخفّة، وإنما سألها فيه عن حروف من القراءة المختلفة الألفاظ المحتملة الوجوه على اختلاف اللغات التي أذن الله عز وجل لنبيّه عليه السلام ولاُمّته في القراءة بها، واللزوم على ما شاءت منها: تيسيرا لها وتوسعة عليها، وما هذا سبيله وتلك حاله، فعن اللحن والخطأ والوهم والزلل بمعزل لفشّوه في اللغة، ووضوحه في قياس العربية، وإذا كان الأمر في ذلك كذلك، فليس ما قصدته فيه بداخل في معنى المرسوم ولا هو من سببه في شيء وإنما سّمى عروة ذلك لحنا، وأطلقت عائشة على مرسومه كذلك الخطأ على جهة الاتّساع في الأخبار، وطريق المجاز في العبارة، إذ كان ذلك مخالفا لمذهبهما، وخارجا عن اختيارهما، وكان الأوجه والأولى عندهما: الأكثر، وإلا فشا لديهما لا على وجه الحقيقية والتحصيل والقطع لما بيّناه قبل من جواز ذلك وفشوه في اللغة، واستعمال مثله في قياس العربية مع انعقاد الإجماع على تلاوته كذلك دون ما ذهبا إليه إلا ما كان من شذوذ أبي عمرو بن العلاء في:" إن هذين " خاصّة.
هذا الذي يُحمل عليه هذا الخبر، ويتأوّل فيه دون أن يقطع به على أن أم المؤمنين رضي الله عنها مع عظيم محلّها، وجليل قدرها، واتّساع علمها ومعرفتها بلغة قومها: لّحنت الصحابة، وخطأت الكتبة، وموضعهم من الفصاحة والعلم باللغة: موضعهم الذي لا يجهل ولا ينكر، هذا ما لا يسوغ ولا يجوز، وقد تأوّل بعض علمائنا قول أم المؤمنين:" اخطئوا في الكتاب"، أي: أخطئوا في اختيار الأولى من الأحرف السبعة بجمع الناس عليه، لا أن الذي كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز، لأن ما لا يجوز مردود بإجماع، وإن طالت مدة وقوعه وعظم قدر موقعه، وتأوّل اللحن أنه: القراءة واللغة، كقول عمر رضي الله عنه:" أبي وأنا، لندع بعض لحنه"، أي: قراءته ولغته، فهذا بين، وبالله التوفيق.

فإن قال قائل: قد أَوضحت ما سئلتَ عنه من تأول هذين الخبرين، فعرفنا بالسبب الذي دعا عثمان رضي الله عنه إلى جمع القرآن في المصاحف، وقد كان مجموعا في الصحف عَلَى ما رويته لنا في حديث زيد بن ثابت المتقدم. قلت: السبب في ذلك بين، فذلك الخبر عَلى قول بعض العلماء، وهو: أن أبا بكر رضي الله عنه كان قد جمعه أَولاً عَلى السبعة الأحرف التي أذن الله عز وجل للأمة في التلاوة بها، ولم يخص حرفا بعينه، فلما كان زمان عثمان، ووقع الاختلاف بين أهل العراق وأهل الشام في القراءة، وأَعلمه حذيفة بذلك: رأَى هو ومن بالحضرة من الصحابة: أن يجمع الناس على حرف واحد من تلك الأحرف، وأن يسقط ما سواه، فيكون ذلك مما يرتفع به الاختلاف، ويوجب الاتفاق، إذ كانت الأمة لم تؤمر بحفظ الأحرف السبعة، وإنما خُيّرت في أيها شاءت لزمته وأجزأها: كتخييرها في كفارة اليمين بالله بين الإطعام والكسوة والعتق، لا إن يجمع ذلك كله، فكذلك السبعة الأحرف.
وقيل: إنما جمع الصحف في مصحف واحد لما في ذلك من حياطة القرآن وصيانته، وجعل المصاحف المختلفة مصحفا واحدا متفقا عليه، وأسقط ما لا يصحّ من القراءات، ولا يثبت من اللغات، وذلك من مناقبه وفضائله رضي الله عنه". انتهى كلام العلامة المقرئ:" أبو عمرو الداني" رحمه الله.


3) قال الزرقاني رحمه الله في:( مناهل العرفان):
" الشبهة الثامنة:
يقولون روي عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: سألت عائشة عن لحن القرآن عن قوله تعالى:( إن هذان لسحرن 20 طه 63 )، وعن قوله تعالى: (والمقيمين الصلوة والمؤتون الزكوة 4 النساء 162)، وعن قوله تعالى:( إن الذين أمنوا والذين هادوا والصبئون 5 المائدة 69)، فقالت يا بن أخي هذا من عمل الكتاب قد أخطئوا في الكتاب".
قال السيوطي في هذا الخبر: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
ويقولون أيضا: روي عن أبي خلف مولى بني جمح: أنه دخل مع عبيد بن عمير على عائشة، فقال: جئت أسألك عن آية في كتاب الله، كيف كان رسول الله يقرؤها؟، قالت: أية آية؟، قال: الذين يؤتون ما آتوا أو الذين يأتون ما أتوا، قالت: أيهما أحب إليك؟، قلت: والذي نفسي بيده لإحداهما أحب إلي من الدنيا جميعا. قالت: أيهما؟. قلت: الذين يأتون ما أتوا، فقالت: أشهد أن رسول الله كذلك كان يقرؤها، وكذلك أنزلت، ولكن الهجاء حرف".

ونجيب أولا: بأن هذه الروايات مهما يكن سندها صحيحا، فإنها مخالفة للمتواتر القاطع، ومعارض القاطع: ساقط مردود، فلا يلتفت إليها، ولا يعمل بها.
ثانيا: أنه قد نص في كتاب:( إتحاف فضلاء البشر) على أن لفظ هذان قد رسم في المصحف من غير ألف ولا ياء، ليحتمل وجوه القراءات الأربع فيها: كما شرحنا ذلك سابقا في فوائد رسم المصحف.
وإذن، فلا يعقل أن يقال:" أخطأ الكاتب"، فإن الكاتب لم يكتب ألفا ولا ياء، ولو كان هناك خطأ تعتقده عائشة: ما كانت تنسبه للكاتب، بل كانت تنسبه لمن يقرأ بتشديد إن وبالألف لفظا في هذان، ولم ينقل عن عائشة ولا عن غيرها: تخطئة من قرأ بما ذكر، وكيف تنكر هذه القراءة، وهي متواترة مجمع عليها!!؟، بل هي قراءة الأكثر، ولها وجه فصيح في العربية لا يخفى على مثل عائشة، ذلك هو: إلزام المثنى الألف في جميع حالاته، وجاء منه قول الشاعر العربي:
واها لسلمى ثم واها واها ÷ يا ليت عيناها لنا وفاها
وموضع الخلخال من رجلاها ÷ بثمن يرضى به أباها
إن أباها وأبا أباها ÷ قد بلغا في المجد غايتاها

فبعيد عن عائشة: أن تنكر تلك القراءة، ولو جاء بها وحدها رسم المصحف.
ثالثا: أن ما نسب إلى عائشة رضي الله عنها من تخطئة رسم المصحف في قوله تعالى:( والمقيمين الصلاة) بالياء: مردود بما ذكره أبو حيان في:( البحر)، إذ يقول ما نصه:" وذكر عن عائشة رضي الله عنها وعن أبان بن عثمان: أن كتبها بالياء من خطأ كاتب المصحف، ولا يصح ذلك عنهما، لأنها عربيان فصيحان، وقطع النعوت مشهور في لسان العرب، وهو باب واسع ذكر عليه شواهد سيبويه وغيره.
وقال الزمخشري: لا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه خطأ في خط المصحف، وربما التفت إليه من لم ينظر في الكتاب، يريد: كتاب سيبويه، ولم يعرف مذاهب العرب وما لهم في النصب على الاختصاص من الافتنان، وخفي عليه أن السابقين الأولين الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل: كانوا أبعد همة في الغيرة على الإسلام، وذب المطاعن عنه من أن يتركوا في كتاب الله ثلمة يسدها من بعدهم، وخرقا يرفوه من يلحقهم".
رابعا: أن قراءة:( والصابئون) بالواو: لم ينقل عن عائشة أنها خطأت من يقرأ بها، ولم ينقل أنها كانت تقرأ بالياء دون الواو، فلا يعقل أن تكون خطأت من كتب بالواو.
خامسا: أن كلام عائشة في قوله تعالى:( يؤتون ما آتوا): لا يفيد إنكار هذه القراءة المتواترة المجمع عليها، بل قالت للسائل:" أيهما أحب إليك؟"، ولا تحصر المسموع عن رسول الله فيما قرأت هي به، بل قالت: إنه مسموع ومنزل فقط، وهذا لا ينافي أن القراءة الأخرى مسموعة ومنزلة كتلك، خصوصا أنها متواترة عن النبي.
أما قولها:" ولكن الهجاء حرف"، فكلمة حرف مأخوذة من الحرف بمعنى: القراءة واللغة، والمعنى: أن هذه القراءة المتواترة التي رسم بها المصحف لغة ووجه من وجوه الأداء في القرآن الكريم، ولا يصح أن تكون كلمة حرف في حديث عائشة مأخوذة من التحريف الذي هو: الخطأ، وإلا كان حديثا معارضا للمتواتر، ومعارض القاطع: ساقط". انتهى كلام الشيخ: الزرقاني رحمه الله.


4) وجاء في:( مجلة الجامعة الإسلامية:36/210-216) بخصوص هذه المسألة ما يأتي:

" فهل يعقل أن يرى عثمان في المصحف لحنا وخطأ، ثم يتركه ليتولى من يأتي بعده تغييره؟.
عثمان الذي تولى جمع المصحف مع سائر الصحابة الأخيار، وتحرى في ذلك الدقة والأمانة وكمال الضبط، ورغبة منه في جمع الأمة على مصحف إمام، فلا يقع اختلاف في القرآن بينهم... عثمان الذي هذا شأنه: يرى في كتاب اللّه ثلمة، فيتركها ليسدها من بعده!!؟.
ثم، ما هذا التناقض الظاهر بين صدر النص:" أحسنتم وأجملتم"، وآخرته: " أرى فيه شيئا من لحن.."، كيف يصف نساخ المصحف بالإحسان والإجمال: أولا.. ثم يصف المصحف الذي نسخوه بأن فيه لحنا..؟.
هل يقال للذين لحنوا في المصحف: أحسنتم وأجملتم!!؟ .
ألا إن مكانة عثمان.. والاضطراب بين صدر النص وعجزه، كل هذا يدعونا إلى الاعتقاد بأن صدور ذلك عن عثمان أمر بعيد عنه، مدسوس عليه. اهـ .
وما تقدم، فهو ما يتعلق ما نسب إلى عثمان رضي اللّه عنه.
وأما الرواية عن عائشة، فقد أخرج أبو عبيد القاسم بن سلام وابن أبي داود من طريق أبي معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: سألت عائشة عن لحن القرآن:{إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}، وعن قوله:{وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}، وعن قوله:{وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ}، فقالت: يا ابن أختي هذا عمل الكُتّاب أخطئوا في الكِتاب".
وقد ضعّف بعض أهل العلم هذه الرواية، لوجود أبي معاوية فيها، وهو: محمد بن خازم الضرير، قال الذهبي: وقال ابن خراش: يقال: "هو في الأعمش ثقة، وفي غيره فيه اضطراب"، وكذلك قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: "هو في غير الأعمش مضطرب، لا يحفظها حفظاً جيدا.علي بن مسهر أحبّ إلي منه في الحديث"، وقال الحاكم: "احتجّ به الشيخان، وقد اشتهر عنه: الغلو أي: غلو التشيع".
وما رواه البخاري عنه، فمن طريق الأعمش، وبما أنه اشتهر في غلو التشيع، وأن الرواية تؤيد بدعته في نسبته مثل هذا الكلام إلى عائشة رضي اللّه عنها، فيتوقف في هذه الرواية، ولكن يبقى الاحتمال فيما إذ وجدت متابعة أو شاهد لهذه الرواية، وعلى كل الاحتمالات، فإن العلماء من أهل هذا الشأن قد بينوا ووجهوا المراد من هذا المتن، فقال أبو عمرو الداني: "إن عروة لم يسأل عن حروف الرسم التي تزاد وتنقص، وإنما سألها عن حروف القراءة المختلفة الألفاظ المحتملة الوجوه على اختلاف اللغات، مما أذن اللّه عز وجل القراءة به، ومن ثم، فليس ما جاء في الخبر من الخطأ أو اللحن بداخل في معنى المرسوم، ولا هو من سببه في شيء، وإنما سمى عروة ذلك لحنا، وأطلقت عائشة على مرسومه الخطأ على جهة الاتساع في الإخبار وطريق المجاز في العبارة".اهـ.
وينقل الداني: أن بعض العلماء قد تأول قول أم المؤمنين (أخطئوا في الكتاب) أي: أخطئوا في اختيار الأولى من الأحرف السبعة بجمع الناس عليه، لا أن الذي كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز، لأن ما لا يجوز مردود بإجماع، وإن طالت مدة وقوعه وعظم قدر موقعه. ثم ينقل أن هناك من تأول اللحن بأنه القراءة واللغة - كقول عمر- رضي اللّه عنه - أبَيّ أقرؤنا وإنا لندع بعض لحنه، أي قراءته ولغته .
ومن أدق المؤلفين كتابةً وتفصيلاً وبياناً لهذا المتن هو:" الأستاذ: غانم الحمد" في كتابه القيم:(رسم المصحف دراسة لغوية وتاريخية)، حيث قال عند هذه الرواية:
" أما حديث عروة الذي يرويه عن عائشة، فإن علينا أن نشير أولا إلى بعض الحقائق المتعلقة بالآيات التي وردت فيه:
وأول هذه الحقائق هي: أن الكلمات موضع السؤال قد جاءت صحيحة في رسمها جارية على قواعد الهجاء، فكلمة "هذان" في الآية الأولى الواردة في الخبر جاءت على وفق القاعدة التي جرى عليها الرسم العثماني من حذف ألف (ها) التي للتنبيه، ووصلها بما يليها من اسم الإشارة أو نحوه، وحذف الألف من (ذان) على نحو حذفها من كل مثنى، أما كلمة: {والمُقِيمِينَ} في الآية الثانية، فهي من حيث رسمها، على ما هي عليه، صحيحا، مثل ما رسم في المصحف:{المُؤْمنينَ وَالمُسْلمِينَ...}، وكذلك بالنسبة لكلمة "الصبئون"في الآية الثالثة التي رسمت على مثال "الخطِئُونَ".
فهذه الكلمات جاءت من حيث الرسم صحيحة، جارية على المشهور من قواعد الرسم العثماني، لكنها من حيث التوافق الإعرابي وما يقتضيه موقعها في الظاهر جاءت على نحو يستوقف النظر ويدفع إلى التأمل، فالكلمة الأولى قد ينظر إليها على أنها اسم (أن) المشددة، وهي مثنى، لكنها جاءت من غير الياء التي هي علامة النصب، والكلمتان الأخريان: {المُقِيمِينَ} و:{الصَّلبئُونَ} كلاهما جاءت مخالفة إعرابياً لما عطفت عليه في الظاهر.
وبالرجوع إلى القراءات الصحيحة المروية في هذه الكلمات: يمكن أن يتاح لنا فهم سر رسمها على ذلك النحو، فالآية الأولى:{إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}.[طه 30/ 63] قرأها ابن كثير - وحده - بتخفيف (إن) و(هذان) بالألف مع تشديد النوَن، وقرأ حفص كذلك إلا أنه خفف نون (هذان)، ووافقه ابن محيصن، وقرأ الباقون ماعدا أبا عمرو بتشديد (إن) و(هذان) بالألف وتخفيف النون، وقرأ أبوعمرو (إنّ) بتشديد النون و(هذين) بالياء مع تخفيف النون، ونجد أن أوضح القراءات في هذه الاَية معنى ولفظاً وخطاً هي: قراءة ابن كثير وحفص، وذلك أن:(إن) المخففة من الثقيلة أهملت و(هذان) مبتدأ و(الساحران) الخبر، واللام للفرق بين النافية والمخففة، وقراءة أبي عمرو واضحة من حيث الإعراب والمعنى، رغم مخالفتها الرسم، وقد تكلم أهل العربية في توجيه القراءة الأخرى، وقد أشرنا من قبل أن رسم المصحف كتب على قراءة واحدة، فليس من الضروري موافقة كافة القراءات الصحيحة له إذا وافق بعضها، وهو ما نجده في هذه الحالة.
أما الآيتان الأخريان:{والمُقِيمِينَ الصَّلوةَ وَالمؤْتُونَ الزَّكَاةَ}.[ النساء/ 162] {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادوا والصبئُونَ}.[المائدة /69]، فقد اتفق الجمهور على قراءة:{والمُقِيمِينَ} بالياء منصوباً على نحو مَا هو مرسوم إلا رواية يونس وهارون عن أبي عمرو لها بالواو، وقراءة عاصم الجحدري لها بالواو كذلك، مع محافظته على رسمها بالياء.
واتفقوا كذلك على قراءة:{الصبِئُونَ} بالواو على نحو ما هو مرسوم إلا ابن محيصن، فقد قرأها بالياء، والجحدري كذلك، ومادامت قراءة العامة قد جاءت موافقة للرسم على هذا النحو، وقد تواترت عن القراء فلا مجال - إذن - للكلام هنا عن الخطأ في الرسم أو القراءة، خاصة أن النحاة قد تكلموا على ما في الآيتين من تخالف إعرابي، ووجهوا ذلك بوجوه كثيرة...
وعلى ذلك، فإن حديث عروة يمكن أن يحمل على ما ذهب إليه ابن أشتة ورواه الداني من أن معنى الخطأ هو: أنهم أخطئوا في اختيار الأولى من الأحرف السبعة بجمع الناس عليه، لا أن الذي كتبوا من ذلك لا يجوز، لأن ما لا يجوز مردود بإجماع، وإن طالت مدة وقوعه، وعظم قدر موقعه، ويقول الداني بعد أن ناقش ما ورد في دلالة الخبر:" على أن أم المؤمنين - رضي الله عنها - مع عظيم محلها، وجليل قدرها، واتساع علمها ومعرفتها بلغة قومها: لحّنت الصحابة وخطأت الكتبة، وموضعهم من الفصاحة والعلم باللغة موضعهم الذي لا يجهل ولا ينكر، هذا ما لا يسوغ ولا يجوز.
ونخلص من ذلك كله إلى نفي دلالة الخبرين على وقوع الخطأ في الرسم العثماني". اهـ.
وقد استقر الأمر على الرسم العثماني، واعتمدت الأمة عليه، بل أجمعت على ذلك، فقد نقل الإمام: أبو عمرو الداني عن أشهب أنه قال:" سئل مالك: هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟، فقال: لا، إلا على الكتبة الأولى". ثم علق الداني بقوله:" ولا مخالف له من علماء الأمة".
وقال في موضع آخر:" سئل مالك عن الحروف في القرآن الواو والألف، أترى أن يغير من المصحف إذا وجد فيه كذلك؟، قال: لا".
قال أبو عمرو:" يعني الواو والألف المزيدتين في الرسم المعدومتين في اللفظ، نحو (الواو في) {أولُواُ} . وقال الإمام أحمد: "يحرم مخالفة مصحف الإمام في واو أو ياء أو ألف أو غير ذلك" .
وقال البيهقي في شعب الإيمان:" من كتب مصحفاً، فينبغي أن يحافظ على الهجاء التي كتبوا بها تلك المصاحف، ولا يخالفهم فيها، ولا يغير مما كتبوه شيئا، فإنهم كانوا أكثر علماً، وأصدق قلباً ولساناً، وأعظم أمانة منا، فلا ينبغي أن يظن بأنفسنا استدراكاً عليهم ولا تسقطاً لهم".
وقال أيضاً:" وأمر أبو بكر رضي الله عنه بجمع القرآن ونقله إلى مصحف، ثم اتخذ عثمان من ذلك المصحف مصاحف، وبعث بها إلى الأمصار، ولم يعرف أنه أثبت في المصحف الأول، ولا فيما نسخ عنه شيء سوى القرآن، فبذلك ينبغي أن يعمل في كتابة كل مصحف" .

إضافة:
لمزيد علم: نلتمس من القراء الكرام مراجعة الكتاب الرائع الماتع للشيخ:
" عبد الفتاح عبد الغني القاضي" رحمه الله، والذي رد فيه ردا علميا مفصلا مؤصلا على:(المستشرق اليهودي: جولدزيهر): الذي حاول النيل من القرآن الكريم، فأبطل الله كيده على يد الشيخ:" عبد الفتاح عبد الغني القاضي" رحمه الله، والكتاب هو:(القراءات في نظر المستشرقين والملحدين.).

ختاما:
نحيط القراء الكرام علما بأننا: لن نتعب أنفسنا في تتبع شبهات المخالف، فتلبيسه وتدليسه في هذه المسألة فضح قصده ومنهجيته في الطرح، ومن كان على شاكلته، فالأنسب في التعامل معه: إهماله وترك الاشتغال به!!؟، لأن حفظ الوقت وصرفه فيما يعود بالنفع على القراء الكرام: أولى من صرفه في تتبع تلك الشبهات الداحضة التي تروج بتلبيس وتدليس مكشوفين في خيانة ظاهرة للأمانة العلمية!!؟.
وبهذا:
يتبين لكل مؤمن: صدق حفظ رب العالمين لكتابه المبين، وقد كتبنا ما كتبناه على هذا المتصفح للمؤمنين من باب قول ذي القوة المتين:
[قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي].(البقرة:260).

وأما غير المؤمنين من المشككين في قرآن المسلمين، فنقرع أسماعهم بقول العزيز الجبار في كتابه المختار:
[مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ].(الأعراف: 186).
[بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ].(الرعد:33).
[أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ].(محمد:14).
َفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ].(فاطر:8).
[وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا. ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا].(الإسراء:97/98).
[وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ].(الشورى:44).
[وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ].(الصف:7/9).


والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: تشكيك المستشرقين في صحة القرآن المبين
13-06-2018, 05:11 PM
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:



هذا مزيد بيان وتوضيح لأثر عائشة رضي الله عنها الذي أورده المشككون الطاعنون في قرآننا العظيم، وغرضهم من ذلك: تسوية كتاب ربنا المحفوظ بكتبهم المحرفة!!؟.

والإضافة في هذه المشاركة هي: أن أثر عائشة رضي الله عنها الذي أورده هؤلاء المشككون الطاعنون: ليس ثابتا، وقول السيوطي رحمه الله:" إسناده على شرط الشيخين": لا يعني صحته كما معلوم من قواعد المحدثين.
وعلى فرض صحته، فإنه حديث آحاد معارض للمتواتر القطعي، فلا يؤخذ به كما هو معروف أيضا عند المحدثين والأصوليين.
والغريب العجيب المريب في أمر هؤلاء المشككين الطاعنين في حفظ الله العظيم لكتابه الكريم: أنهم قد طعنوا وأسقطوا سابقا:( صحيح البخاري)، ومشاركاتهم لا تزال شاهدة بذلك، فلما أرادوا التشكيك في قرآننا العظيم: لجؤوا إلى حديث آحاد مخالف للقطعي المتواتر، لا لشيء سوى أن هذا الحديث وافق أهواءهم، فمتى كانت الأحاديث معتبرة عند هؤلاء الطاعنين في مصادرنا التشريعية!!؟، صدق الخبير العليم القائل في القرآن الكريم:
[أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)]. (الجاثية).

وللتذكير، فإن المقال منشور في:( بيان الإسلام)، جزى الله خيرا راقمه، ننقله للقراء الأفاضل: تثبيتا للمؤمنين، وتبكيتا للمشككين، مستحضرين قول ذي القوة المتين في القرآن المبين:
[وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)].(التوبة).
وإلى المقصود بتوفيق رب العالمين:


ادعاء أن السيدة عائشة خطأت كتاب القرآن في بعض الآيات!!؟

مضمون الشبهة:
يدعي بعض المتقولين: أن بعض كتاب الوحي أثبتوا في المصحف - على سبيل الخطأ - ما خالف قواعد اللغة!!؟، ويستدلون على ذلك بأن السيدة عائشة حينما سئلت عن قوله - سبحانه وتعالى:[ قالوا إن هذان لساحران].(طه: 63)، وعن قوله - سبحانه وتعالى:[ إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى].(المائدة: 69)، وعن قوله - سبحانه وتعالى:
[ والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة].(النساء:162)، قالت:" هذا خطأ من الكاتب".
ويرمون من وراء ذلك إلى وصم كتبة الوحي بما لم يكن منهم من كتابة ما خالف اللغة على أنه قرآن؛ وذلك بغية الطعن في سلامة القرآن الكريم.

وجها إبطال الشبهة:
هذه الرواية غير صحيحة عن عائشة - رضي الله عنها -، وعلى فرض صحتها، فلا يعمل بها؛ لأنها رواية آحاد [1] مخالفة للمتواتر القطعي، والآحاد إن خالف المتواتر القطعي لا يستدل به.
ثم إن الآيات المذكورة صحت بها القراءة وتواترت، ولها أوجه في قراءتها، وكلها جار على القواعد العربية، وله منها توجيه سديد.

التفصيل:
الرواية المستدل بها لا أصل لها، والآيات المذكورة صحت قراءاتها، وكلها جار على قواعد اللغة العربية.
هذه الرواية لا أصل لها، ولم تثبت عن عائشة - رضي الله عنها - ولا غيرها، وعلى فرض صحتها، فهي: رواية آحاد، وهي معارضة للقطعي الثابت بالتواتر؛ فهي باطلة لا يثبت بها قرآن، ولا ينفى بها قرآن، ومعلوم أن من قواعد المحدثين: أن مما يدرك به وضع الخبر: ما يؤخذ من حال المروي، كأن يكون مناقضا لنص القرآن أو السنة أو الإجماع القطعي أو صريح العقل؛ حيث لا يقبل شيء من ذلك التأويل.
أما آية:[ إن هذان لساحران]، فالذي نص عليه أئمة الرسم والقراءة: أن "هذان" لم تكتب في المصحف العثماني بالألف ولا الياء، وذلك يحتمل وجوه القراءات المتواترة كلها، وهذا من أسرار الرسم العثماني، فنسبة الخطأ إلى الكاتب غير معقول.
وإنما المعقول: أن تخطئ السيدة عائشة - رضي الله عنها - من يقرأ "إن " بتشديد النون، و"هذان" بالألف، وأما من يقرأ بتشديد النون:"إن" وبالياء في "هذين"، أو بتخفيف النون "إن" وبالألف في "هذان"، فلا وجه في تخطئته، وهذا يلقي الضوء على اختلاق هذه الرواية على عائشة رضي الله عنها وغيرها، وأنها من وضع مشككي المسلمين في كتابهم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وقد قرئ هذا الجزء من الآية بسبع قراءات متواترة، وبيانها كما يأتي:

قرأ أبو عمرو: "إن هذين لساحران" بتشديد النون في "إن" وبالياء في "هذين"، وهذه القراءة الثابتة قد سلمت من مخالفة المصحف، وجرت في الإعراب على قواعد النحو العربي المعروفة، فلا إشكال فيها أصلا.

وقرأ ابن كثير، وعاصم في رواية حفص عنه: "إن هذان" بتخفيف النون في "إن" وبالألف في "هذان"، غير أن ابن كثير يشدد نون "هذان"، وهذه القراءة أيضا سلمت من مخالفة الرسم العثماني، ومن مخالفة العربية، ووجه موافقتها للغة، أن: "إن " مخففة مهملة، والجملة بعدها: مبتدأ وخبر مرفوعان.

وقرأ الباقون " إن هذان لساحران" بتشديد نون "إن " وبالألف في "هذان"، وهي موافقة للرسم العثماني، ولكنها مشكلة في الإعراب، وهذه القراءة هي: التي زعم الزاعمون: أنها خطأ، ونسبوا ذلك زورا إلى السيدة عائشة، وهذه القراءة لها وجوه صحيحة في العربية، وقد أفاض في بيانها العلماء، وأحسن هذه الوجوه وأجودها: أنها جارية على لغة بعض العرب في إلزام المثنى الألف في جميع حالاته، وهي لغة لكنانة، ولبني الحارث بن كعب، والخثعم، وزبيد، ومراد وغيرهم، ولذلك شواهد من الشعر العربي مثل: قول الشاعر:
واها لسلمى ثم واها واها ÷ يا ليت عيناها لنا وفاها
وموضع الخلخال من رجلاها ÷ بثمن نرضي به أباها
إن أباها وأبا أباها ÷ قد بلغا في المجد غايتاها

وقد اعتبر العلامة:( ابن هشام النحوي) هذه القراءة أقيس، إذ الأصل في المبني: أن لا تختلف صيغته، مع أن فيها مناسبة لألف "ساحران".

أما زعمهم أن عائشة - رضي الله عنها - قالت في قوله - سبحانه وتعالى:
[ والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة].(النساء: 162):" خطأ من الكاتب"، فلا يصح مثل هذا الكلام عن عائشة - رضي الله عنها - وهي من الفصاحة بمكان، والآية من قبيل النعت المقطوع، وقطع النعوت مشهور في لسان العرب، وهو باب واسع ذكر عليه شواهد سيبويه وغيره، وعلى القطع خرج سيبويه ذلك.

وأما قوله - سبحانه وتعالى:[ إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (69)].(المائدة)، فله وجوه صحيحة في العربية.
وأوضح هذه الوجوه: أن يكون "والصابئون" مبتدأ مقدم من تأخير، وخبر "إن" قوله "من ءامن..." إلى آخر الآية، ويكون خبر "الصابئون" محذوف لدلالة خبر "إن" عليه، والتقدير: والصابئون والنصارى كذلك [2].

الخلاصة:
إن الرواية - مناط الاستدلال - لا أصل لها، ولم تثبت عن عائشة - رضي الله عنها - ناهيك أنها - على فرض ثبوتها - رواية آحاد تخالف المتواتر القطعي، وهي في هذه الحال: لا يعمل بها - كما يقول المحدثون - ولا يستند إليها.
لقد قرئت هذه الآية:[ إن هذان لساحران] بثلاثة أوجه في القراءات السبع المتواترة، ولكل منها توجيه سديد في اللغة وجار على قواعد النحو العربي.
لا يصح أن السيدة عائشة خطأت كتاب الآيات في قوله - سبحانه وتعالى: [ إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (69)].(المائدة)، وقوله - سبحانه وتعالى:[ والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة].(النساء: 162)؛ لأن المعرفة بقواعد اللغة تنفي نسبة هذا القول لعائشة رضي الله عنها ومن له بالعربية نظر - وللسيدة عائشة رضي الله عنها، من الفصاحة ما لها - يدرك أنهما من قبيل النعت المقطوع، وقطع النعت عن المنعوت باب مشهور في اللغة العربية.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

هوامش:
(*) مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1417هـ / 1996م. المدخل لدراسة القرآن الكريم، د. محمد بن محمد أبو شهبة، مكتبة السنة، القاهرة، ط2، 1423هـ / 2003م، رسم المصحف بين المؤيدين والمعارضين، د. عبد الحي الفرماوي، مكتبة الأزهر، القاهرة، ط1، 1397هـ/1977م.
[1]. الآحاد: بالمد والتحريك من الواحد. وحديث الآحاد: الحديث الذي لم تبلغ طرقه حد التواتر.
[2]. انظر: مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1417هـ / 1996م، ج1، ص319،318. المدخل لدراسة القرآن الكريم، د. محمد بن محمد أبو شهبة، مكتبة السنة، القاهرة، ط2، 1423هـ / 2003م، ص375: 373.
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع


الساعة الآن 09:05 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى