السلطان محمود غازان
21-02-2018, 11:22 AM


يعتبر السلطان محمود غازان أو قازان Ghazan (694 -703هـ=1295–1303م) نقطة تحوُّل فاصلة في تاريخ الدولة الإيلخانيَّة التي أسَّسها هولاكو في إيران والعراق؛ حيث انتهت بإسلامه فترة حكم السلاطين الوثنيِّين للدولة، وانقطعت الروابط التي كانت تربط دولتهم ببلاط الخاقان الأعظم في الصين، وغدا الإسلام الدين الرسمي للدولة حتى انهيار أسرة الإيلخانات سنة (756هـ=1355م).

وقد سبق غازان في الدخول إلى الإسلام السلطان أحمد تكودار، ثالث سلاطين الدولة الإيلخانية، وأول إيلخان يعتنق الإسلام، لكن إسلامه لم يُحدث أثرًا كبيرًا في دولته؛ لأنَّه وجد معارضة شديدة من أمراء البيت الحاكم، ولم يمكث في الحكم سوى عامين وبضعة أشهر، ولم يتمكَّن من نشر الإسلام بين أهله وعشيرته.

نشأته وتربيته

هو السلطان محمود غازان بن أرغون بن أباقا (أبغا) بن هولاكو بن تولوي بن جنكيز خان، أحد قادة المغول ومشهوريهم، كان بوذيًّا قبل أن يعتنق الإسلام، وقد شبَّ عليها، وكان يُسرُّ كثيرًا بمصاحبة الكهنة الذين ينتمون إلى هذا الدين، وبنى لهم معابد عديدة في خراسان، وكانت علاقاته وطيدة مع كهنة البوذيِّين الذين وفدوا إلى بلاد فارس في جماعات كثيرة منذ بسط المغول سلطانهم في تلك البلاد.

نشأ محمود غازان وتربَّى تحت إشراف جدِّه أبغا خان أو أباقا خان (663-680هـ=1265-1282م)، الذي أعدَّه للمهمَّة الخطرة التي تنتظره، وقد عهد به إلى أحد كبار العلماء ليُشرف على تربيته ويُعلِّمه الخط والعلوم والآداب، فأتقن عدَّة لغات بالإضافة إلى المغوليَّة؛ كالفارسية، والتركية، والهندية، والكشميرية، وبعد أن أتقن هذه المعارف وحصَّل العلوم شرع في تَعلُّم الفروسيَّة والرماية، وشغف بالصيد والقنص والرمي، والتنقُّل والارتحال.

ولايته على خراسان

ولمـَّا اعتلى أرغون بن أباقا والد غازان عرش الدولة الإيلخانية في العراق وإيران (683-690هـ=1284-1291م) اختار ابنه ليكون نائبًا عنه في حكم إقليم خراسان، وذلك عام (693هـ=1294م)، وعهد إلى نوروز بأن يكون ملازمًا ومساعدًا له في إدارة هذا الثغر المهم، وعُيِّن قائدًا لجيشه، وعقب وفاة أرغون بعث الأمراء المغول إلى أخيه كيخاتو خان (كيغاتو Gaykhatu) يُخبرونه بوفاته، فقَدِمَ على الفور من بلاد الروم التي كان يحكمها، وتولَّى عرش الإيلخانيَّة (690-694هـ=1291-1295م)، ثم تآمر عليه ابن عمِّه بايدو بن طوغاي بن هولاكو، وتمكَّن من قتله في سنة 694هـ وأصبح إيلخانًا (694-695هـ=1295م).

اعتناق غازان الإسلام

لم يكد بايدو يتولى أمور الحكم حتى بلغ غازان خان بن أرغون ما حدث لعمِّه كيخاتو، فأقبل بجنوده، وأرسل رسله إلى بايدو يُنكر عليه قتل كيخاتو، ويُطالبه بإجراء تحقيقٍ ليَلْقَى القتلة جزاءهم، فلمَّا لم يلقَ جوابًا دارت رحى الحرب بين الفريقين، وفي هذه الأثناء ظهر الأمير المنغولي المسلم نوروز واشترط عليه مساعدته عسكريًّا إنْ هو أسلم، وحسَّن له اعتناق هذا الدين بتشريعاته السمحة ونظمه الدقيقة، وما يُنادي به من عدلٍ ورحمةٍ ومساواة، وهذا ماحصل؛ فقد أسلم غازان على يد الشيخ صدر الدين إبراهيم بن الشيخ سعد الدين حمويه الجويني، وتحوَّل إلى المذهب السني الحنفي وذلك يوم الجمعة (4شعبان 694هـ=19يوليو 1295م)، وتذكر بعض المصادر أنَّه اعتنق الإسلام على يد وزيره العالم الفارسي رشيد الدين فضل الله الهمذاني المعروف برشيد الدين الطبيب، وتسمَّى باسم "محمود"، وسمَّى أخاه أولجايتو "محمد"، وكان إسلامه سببًا في التفاف الرعيَّة حوله، واعتناق ما يقرب من مائة ألف شخصٍ من قومه الإسلام، فأعلن -مثلًا- أحد أمرائه وهو "فيروز كوه" وثمانون ألفًا من أتباعه وصناديد قومه من المغول تحوُّلهم إلى الإسلام.

فمال إليه أكثر الأمراء، وقد عجَّل هذا بالقضاء على خصمه الذي انفضَّ الناس من حوله، وانتصر على بايدو في الحرب، فهرب بايدو ولحق به الأمير نوروز، وألقى القبض عليه، وأرسله إلى غازان، فأمر بقتله في شهر ذي الحجة عام 694هـ، ولم يبقَ بايدو في السلطة سوى تسعة أشهر.

ولاية السلطان محمود غازان

تولَّى السلطان محمود غازان عرش المغول عقب مقتل بايدو خان في (ذي الحجة 694هـ=1295م)، وكان آنذاك في الرابعة والعشرين من عمره، وهو سابع حكام المغول في إيران "سلاطين الدولة الإيلخانية"، وكان أول عملٍ يقوم به إصداره مرسومًا ينص على أنَّ الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، والالتزام بأحكامه وآدابه، وأمر المغول بأن يُغيِّروا ملابسهم المعروفة، ويلبسوا العمامة دليلًا على خضوعهم للإسلام.

ووزع غازان في مناسبة إسلامه وانتصاره كثيرًا من العطايا والأموال على المشايخ والعلماء، ونثر الذهب والفضة واللؤلؤ على الناس، ثم زار المساجد ومقابر الأولياء، ويعود الفضل الحقيقي في إسلام غازان إلى قائد جيشه نوروز الذي سلك معه أساليب متعدِّدة لإقناعه باعتناق الإسلام، وتعلَّم منه الآيات القرآنية والصلاة، فكان منه أن صام رمضان عام (694هـ=1295م).

وقد شكَّك بعض المؤرِّخين بصحة إسلام غازان، وأنَّ ذلك كان لمصالح دولته وتوسُّعاته، واستدلُّوا على ذلك بأدلَّةٍ منها سلوك غازان العنيف ضدَّ بلاد الشام عند احتلاله لها سنة 699هـ؛ إذ لم يكن سلوكًا إسلاميًّا؛ حيث تصرَّف كسلوك أسلافه الوثنيِّين.

ولكن غازان من وجهة أخرى حقَّق إنجازات عظيمة صبَّت في مصلحة دينه الجديد؛ إذ إنَّه جعل الإسلام دين دولته الرسمي، وأصدر مرسومًا أمر فيه المغول باعتناق الإسلام، وزاد عدد المساجد، وأصبح قادة الجيش والقضاة من المسلمين، كما حارب الخمر والربا والبغاء، وخصَّص اعتمادات ماليَّة كبيرة للحج وأرسل كساء للكعبة.

وبلغت حماسته للدين الإسلامي أنَّ أمر بهدم الكنائس والمعابد اليهودية والمزدكية والهياكل البوذية، وتحويلها إلى مساجد، وبارتداء اليهود والنصارى ثيابًا خاصَّةً بهم تميُّزهم عن غيرهم، وما فعله غازان ليس من الشرع في شيءٍ؛ وإنَّما غلبته العاطفة والحماسة للدين الجديد، وحاول أن يُعيد إلى أهله ما لاقوه من ضروب المهانة والمذلَّة على أيدي أجداده وآبائه.

لذا يُمكن القول: إنَّ اعتناق غازان الإسلام عن صدق وإيمان وعاطفة وحب دافعًا له إلى القيام بألوان من الإصلاحات، وضروب من النظم في الإدارة والمال والاقتصاد والعمران، وهو ما سنُفصِّله ونبرزه.

حملات غازان على الشام

لم تكن علاقات السلطان محمود غازان وديَّة مع دولة المماليك، فسلك مسلك أسلافه في معاداة المماليك، على الرغم من إسلامه!! وقام بثلاث حملات على الشام، شاء لها القدر أن تكون كلها في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون.

في الحملة الأولى الْتقت قوَّات غازان بجيش الناصر عند "مرج المروج" شرق حمص في (27 من ربيع الأول 699هـ=22 من ديسمبر 1299م)، وأسفرت عن نصرٍ كبيرٍ لغازان وقوَّاته؛ نظرًا إلى تفوُّق الجيش المغولي في العدد والعتاد، وترتَّب على هذا النصر أن استولى غازان على دمشق، وخربت قوَّاته البلاد التي فتحتها؛ جريًا على عاداتهم القديمة، وكأن الإسلام لم يُهذِّب شيئًا من طباعهم وأخلاقهم.

وأمَّا الحملة الثانية فكانت في سنة (700هـ=1300م)، وحين علم أهالي الشام بقدوم المغول عمَّهم الفزع والهلع، وترك سكان حلب مدينتهم، غير أنَّ الأقدار تدخَّلت في منع الحرب ولقاء المغول مع المماليك، فهطلت الأمطار بغزارة وكثُر الوحل، وهلك كثيرٌ من المغول؛ فاضطرَّ غازان إلى العودة إلى إيران.

أمَّا الحملة الثالثة فقد اتَّجه بها غازان إلى الشام، واستولى على "عانة" التي تقع على شاطئ الفرات، وكان يُرافقه في هذه الحملة وزيره المؤرِّخ "رشيد الدين الهمذاني"، لكنَّه رجع إلى عاصمته تبريز، تاركًا إنجاز تلك المهمَّة إلى قائده "قتلغ شاه"، الذي التقى بقوات المماليك بقيادة الناصر محمد في موقعة شقحب "مرج الصفر" بالقرب من دمشق في (2 من رمضان 702هـ=20 من إبريل 1303م)، ولقيت القوَّات المغوليَّة هزيمة منكرة بعد أن أبلى المماليك بلاءً حسنًا واشترك في تلك المعركة الخليفة العباسي وسلطان المماليك وابن تيمية رحمه الله.

إصلاحات غازان

على الرغم من أنَّ الحياة لم تطُل بغازان، ولم يمكث في الحكم سوى تسع سنوات، فإنَّه قام بإصلاحات عظيمة في مختلف ميادين الحياة، خلَّدت اسمه، ورفعت منزلته بين كبار القادة والمصلحين، وكان وجود وزيره النابه "رشيد الدين" إلى جانبه من أعظم الأسباب التي جعلت غازان يتبوَّأ مكانه اللائق في التاريخ.

ففي سنة (697هـ=1298م) عيَّن غازان رشيد الدين فضل الله الهمذاني (وهو مسلم من أصول يهودية) وزيرًا له، واستمرَّ رشيد الدين على منصبه قرابة عشرين عامًا حتى سنة (718هـ=1318م)، وكان رشيد الدين مثلًا أعلى للتفاني والإخلاص، أدار الدولة بمقدرة وكفاية، وبمهارة وحذق، وشارك السلطان غازان في تحقيق رفاهية الرعيَّة، وإصلاح الأمور الماليَّة، وإنشاء الأبنيَّة الخيريَّة.

وفوق ذلك خلد أعمال سلطانه؛ فقد كلفه غازان بأن يكتب عن تاريخ المغول ودولتهم، فتمَّ ذلك وأسماه "جامع التواريخ"، سجَّل فيه تاريخ المغول منذ أقدم الأزمنة حتى عصر المؤلف الذي استمرَّ إلى الزمن الذي حكم فيه أولجايتو (703-716هـ) خليفة غازان.

حقَّق محمود غازان للمغول ولدولته كثيرًا من الإنجازات، فبمجرَّد أن اعتلى العرش أخذ يسعى سعيًا جديًّا إلى أن يُجبر النقص الذي حدث في كلِّ أجهزة الدولة نتيجة لأخطاء السالفين، وسعى إلى تغيير معالم الحياة المختلفة المليئة بالعيوب إلى معالم أخرى مشرقة تُعيد الأمن والاستقرار للناس، وتُؤمِّنهم على حياتهم وأرواحهم وأعراضهم وممتلكاتهم، وتمتَّع في سبيل ذلك بعزيمةٍ قويَّةٍ لا تفتر، فلم يتخلَّ عن عزمه في تحقيق مآربه.

قام غازان بإصلاحات كثيرة كان من أبرزها إقامة محلة تقع شمال غرب تبريز عرفت باسم "شام غازان"، تفصلها عن مدينة تبريز حدائق ومتنزهات، وفي هذه المدينة أقيم بناء عالٍ تعلوه قبة كبيرة؛ ليكون مدفنًا له، وقد استمرت عمارة القبة وما حولها من مبانٍ نحو خمس سنوات، اشتملت على مسجد وخانقاه للفقراء، ومدرستين؛ إحداهما للشافعية، والأخرى للحنفية، ومستشفى، ومكتبة كبيرة، ومدرسة لتعليم المواد الطبية، وبيت لحفظ كتب القوانين التي أصدرها الإيلخان، عُرف باسم "بيت القانون".

كما أنشأ مسكنًا للأطفال وآخر للأشراف، وضمَّت هذه الأبنية بعض الحمامات العامَّة، وملجأ واسعًا لليتامى؛ به مكتب لتعليم القرآن الكريم وتحفيظه، وملجأ آخر يتسع لنحو خمسمائة أرملة من النساء اللائى فقدن عائلهن.

وعلى الرغم ممَّا اتَّسمت به حروب المغول من وحشيَّة وعدم مراعاة لأيِّ مظهرٍ من مظاهر النبل والفروسية، فإنَّ غازان كان رهيف الحس، نبيل النفس، يحمل بين جنبيه أرقَّ معاني الإنسانيَّة التي اتَّسعت للحيوان والطير؛ حيث أنشأ الأجران الواسعة المملوءة بالحبوب، والمزوَّدة بأحواض المياه؛ لكي تتزوَّد منها الطيور المهاجرة من الشمال إلى الجنوب في الشهور الباردة من السنة خلال رحلتها عبر الهضبة الإيرانيَّة التي تُغطيِّها الثلوج.. وهو ما يبدو في رأي البعض تناقضًا واضحًا مع أخلاقهم في حروبهم.

كما شهدت مناطق آسيا في عهده، وخاصَّةً في إيران خدمات جليلة قدَّمت للإسلام والمسلمين، وأصدر عملة إسلاميَّة نقش عليها شهادة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، كما أمر أن تُتوَّج رءوس الكتب والمنشورات و(الفرمانات) بعبارة "الله أكبر".

وسعى محمود غازان نحو تأكيد وتعميق هوية دولته الإسلامية؛ فبذل كلَّ ما في وسعه لتحطيم كل ما هو وثني، فحطم معابد الوثنية بما فيها معبد أبيه الفخم الذي كان مثالًا لمعابد البوذية، وأخذ يصبغ إدارات الدولة بالصبغة الإسلامية، فجعل أعوانه من الوزراء والقواد والكتَّاب والموظفين من المسلمين خاصَّة، كما أنَّه عهد إلى نوروز بمنصب أمير الأمراء وجعله قائدًا عامًا للجيش.

وشملت إصلاحات غازان في بلاده جوانب الحياة المختلفة من إداريَّة واقتصاديَّة وعمرانيَّة واجتماعيَّة، فأزال الحواجز الجنسيَّة والطبقيَّة التي كانت تفصل بين رعايا الدولة، كما حارب ضروب الفساد في مختلف شئون الحياة، وبذل جهودًا جبَّارة في سبيل تحسين أوضاع الطبقات الفقيرة والقضاء على المظالم التي تعرَّضوا لها في عهد أسلافه من حكام المغول، واستعان في إصلاحاته بالكتَّاب ورجال السياسة المحنكين وكبار العلماء والمثقفين في سبيل إيجاد حكومة قويَّة ثابتة ومقتدرة، فأنجزت بفضل هذه السياسة جميع الإنجازات التي كان يتوق غازان إلى تحقيقها في مختلف شئون دولته، ونتيجة لهذه الجهود المثمرة أصلح الجهاز الإداري الذي كان يشمل الدواوين المختلفة، وأدخلت تعديلات جوهريَّة على جهاز القضاء، وأحدث نظمًا جديدة في الجيش، ولم تقف جهوده عند هذا الحد؛ بل إنَّه سعى سعيًا جدِّيًّا إلى تثبيت حقوق المـُلَّاك والمزارعين، ووسَّع مساحة الأراضي الزراعية، وشقَّ الترع والقنوات، ممَّا أدَّى إلى ازدهار الزراعة وإصلاح الحالة الاقتصاديَّة في البلاد وتحسين أوضاع الناس، وأعاد غازان من جهةٍ أخرى النظام والأمن والأمان إلى مختلف مناطق بلاده.

الياسا الغازانية

ونتيجةً لاعتناق غازان الإسلام كان لا بُدَّ من تغيير سلوك المغول وقواعدهم ومقرَّراتهم؛ إذ لم يعد هناك مفرٌّ من العدول عن العمل بقواعد إلياسا (قوانين مغولية) التي وضعها جنكيز خان، وترك عادات المغول وتقاليدهم القديمة، وهذا ما دفع غازان إلى إنجازٍ عظيمٍ آخر، بوضعه ياسا جديدة عُرفت باسم "إلياسا الغازانية"، وكانت أرقى وأنسب للحياة الجديدة من ياسا جنكيز خان، وظهرت فيها تأثيرات الحضارة الإسلامية، حيث حول الإسلام القبائل الهمجية البربرية إلى أناس مهذبي الطباع، منظمين محبين للحضارة والعمران، وامتلأت قلوبهم رحمة وعطفًا حتى على الطيور والحيوانات.

فقد وضع غازان قواعد وقوانين لتحقيق رفاهية الرعية، وجبي الضرائب على أساس من العدل والرحمة، ورفع الظلم عن الناس، ومنع التعدِّي عليهم؛ فأصلح النظم المالية لدولته، ونظَّم الضرائب؛ فلا تُطالَب الرعية بدفع الضرائب أكثر من مرَّة في العام، وأصدر أمرًا نهى فيه عن التعامل بالربا وفوائد المال، وعقاب من يعصي الأمر.

وأمر بتوحيد سكِّ العملات، حيث كانت كل ولاية تسكُّ عملةً يختلف عيارها من ولايةٍ إلى أخرى؛ وهو ما سبَّب ضررًا للتجار، وأصدر قرارًا بجمع كلَّ العملات المغشوشة في كلِّ البلاد الإيلخانية؛ فلم يرُجْ وينتشر سوى العملات التي أمر بضربها، وكما وحَّد العملات قام بتوحيد الأوزان والمكاييل في سائر الولايات، وكان التناقض في معايير الأوزان سببًا في انتكاس التجارة وعدم رغبة الناس في أن يحملوا تجارتهم إلى سائر الولايات.

وأصدر غازان أحكامًا لتعمير ما خرب من الأراضي البوار بأن يُجدِّد الناس العمائر والمباني، ويزرعوا المزارع البائرة لقاء محصلة خاصَّة، وأمر بتأمين الطرق والحفاظ على أمنها وسلامتها، والقبض على قطَّاع الطرق وأن ينالوا جزاءهم وما يستحقون من التأنيب، وأصلح النظام القضائي؛ فعُني بتنظيم أمر المرافعات، واختيار القضاة والشهود.

ولهذا يمثل عهد غازان الحقبة الذهبية للدولة الإيلخانية؛ للإصلاحات التي تمَّت في مجالات الإدارة والمال والاقتصاد والعمران.

وفاة غازان

عندما وصلت إلى غازان أنباء الهزيمة التي لاقاها جيشه في حملته الثالثة على الشام بقيادة "قتلغ شاه"، حزن حزنًا شديدًا واغتمت نفسه، واعتلَّت صحَّته، وأوصى وهو على فراش الموت الحاضرين بالتمسُّك بأهداب الدين الإسلامي الحنيف، والمحافظة على إصلاحاته التي قام بها، وحثهم على الالتفاف حول أخيه وولي عهده أولجايتو محمد، ونصحهم بضرورة الاتحاد والتآزر ونبذ الخلافات، ثم لم يلبث أن تُوفِّي وهو في ريعان الشباب، لم يتجاوز الثالثة والثلاثين من عمره في (11 شوال سنة 703هـ=17 من مايو 1303م)، ونُقِلَ جثمانه إلى تبريز؛ حيث دُفن تحت القبَّة التي شيَّدها.

_______________

المصادر والمراجع:
- الحسن بن حبيب: تذكرة النبيه، تحقيق محمد أمين، مطبعة دار الكتب، مصر 1976م.
- رشيد الدين فضل الله الهمذاني: جامع التواريخ، تحقيق: محمد صادق نشأت وآخرين، دار إحياء الكتب العربية، مصر.
- النويري: نهاية الأرب في فنون الأدب، تحقيق: سعيد عاشور، المجلد 27، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1405هـ=1985م.
- رجب عبد الرحيم: انتشار الإسلام بين المغول، دار النهضة العربية، د.ت.
- محمد نصر مهنا، الإسلام في آسيا، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 1991م.
- فؤاد عبد المعطي الصياد: الشرق الإسلامي في عهد الإيلخانيين، مركز الوثائق والدراسات الإنسانية، جامعة قطر - الدوحة، 1407هـ=1987م.
- عباس إقبال: تاريخ إيران بعد الإسلام، ترجمة: محمد علاء الدين منصور، دار الثقافة للنشر والتوزيع – القاهرة، 1410هـ=1990م.
- عصام الفقي: الدول الإسلامية المستقلة، دار الفكر العربي – القاهرة، 1987م.
- أحمد تمام: محمود غازان .. مسْلمٌ بعادات المغول، موقع إسلام أون لاين.
- عمار النهار: محمود غازان، الموسوعة العربية العالمية.
-قصة الاسلام