لماذا هجرنا القرآن
02-02-2017, 12:36 PM
لماذا هجرنا القرآن!!؟

حسنية تدركيت

الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:

سلام عجيب يأتي به هذا الصمت الْمُتأمل، وفرحة لا أدري كيف أصفها تنبعث من أعماق روحي، كلما سمعت هذه الآية الجميلة الجليلة العظيمة، يعقبها هدوء وسكون، كل ذرة في كياني تستمع وتخشع وتخضع: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.

تظلُّ روحي تشرب من معانيها حَدَّ الارتواء، ثم هي لا تمل أن تستعيدَ معانيها التي وصلت إلى سويداء القلب وسكنت فيه، هكذا يُعلمنا الله ويُخبرنا بمن سيفوز برضاه وجنتِه، أناس ترفعت أنفسُهم عن الحطام الفاني، فلا تكبُّر ولا تجبُّر، لا تعلقَ بالدنيا ولا علوَّ ولا فساد، ثم العاقبة لهم؛ لأنَّهم مُتَّقون.
ما أجملَها من بداية!، وما أروعَها من نهاية!، هكذا في كلمات جليلة تهز القلب هزًّا، فيشتاق للعلو والسمو، يصور لنا الله - جَلَّ وعلا - أسمى وأجمل الصور للمتقين، إنَّ المؤمن الصادق الواثق في وَعْدِ الله يرى الحقائق بنور قلبه، فتظهر له الدنيا بصورتها الحقيقية:
إنَّها دار ابتلاء واختبار، فيترفع عن تفاهات الأمور؛ لأنه دائمًا موصول بالله، ومن وصله الله، فقد كتبت له السعادة.
شرد الذِّهن بعيدًا يفكر ويتأمل ويتدبر, ليت الحال يظل هكذا، اتصالٌ دائم بالملأ الأعلى بالروح والمشاعر, وعلى الشفاه مشروع فرح يتراقص في النَّظرات التي تتطلع إلى رحمة الله - سبحانه وتعالى.

يا الله، كيف تغيب عني هذه الحالة الإيمانية الجليلة؟.
أسئلة عديدة تبادرت إلى ذهني، وأيقظت الحس الإيماني بداخلي:
لماذا لا نعالج مشاكلنا بالقرآن؟.
كم عمَّت الفوضى أفكارنا وخواطرنا ومسارتنا في الحياة واختياراتنا؛ لأننا بكل بساطة ابتعدنا عن القرآن، ولم نجعله منهاجًا للحياة.
أنزله الله - سبحانه وتعالى - كي يكون دستورًا للحياة.

إنها الحياة الحقيقية، التي تتوافق فيها كلُّ ذرة في الكيان مع الكون العابد لله؛ حيث لا مَجالَ للاختلاف أو الشقاق أو أي أمر يدعو للنُّفور، هدوء يعم كل أجزاء الجسم، ويتسرب إلى سويداء القلب، حتى لكأنَّما كل نبضة فيه ترهف السمع للآيات الكريمة؛ كيما تخلصها من العناء والعذاب، هل تهجر الروح الجسد إلا إذا كان عليلاً؟.

وأين الداء والدواء قد نَفَذَ مع كل كلمة منكتاب الله، وتغلغل عميقًا بجماله وصفائه إلى سويداء القلب؛ كي يغسل أدران الروح، ويجدد إيمانها وعهدها مع ربِّها.

كيف نبحث عن السعادة وقد وهبنا الله أسبابَها الحَقَّة!؟، ونموتعطشًاوبين أيدينا كتاب ربنا!؟، ونتخبط شرقًاوغربًا؛ كي نجني الكثير من التيه والضلال؟، إنه من الغباء أن يعيش الإنسان ويَموت دون أن يدركَ السعادة الحقيقية، ومن الحرمان ألاَّ تشعر بالفرح وأنت تتمعَّن في كلام الله، وأن تبخل على نفسك من أن ترتوي من هذا المعين الصافي، إنه حبل الله المتين والوصال الحنون بيننا وبين ربنا، كلام ينفذ إلى الأرواح، فتطير فرحًا به وطربًا.

جاء في الحديث الشريف عن عقبةَ بنِ عامر - رضي الله عنه - قال: خرج رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن في الصُّفَّة،فقال: ((أيغدو أحدُكم كلَّ يوم إلى بطحان العقيق, فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثمولا قطيعة رحم؟، فقلنا: يا رسولَ الله، نُحب ذلك، قال: أفلا يغدو أحدُكم إلى المسجد،فيتعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله - عزَّ وجلَّ - خير له من ناقتين، وثلاثٌ خيرٌ له من ثلاث،وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل))؛ رواه مسلم وغيره.

قلبتُ صفحاتِه الشريفة وأنا أستشعر هذه النعمة الجليلة، فكم مسح عن خاطري الكدر، وأنار بصيرتي ووجَّهني للخير!، فيا عجبي لأناس يقضون حياتهم بعيدًا عن النور، فإذا تمكن منهم إبليس قيدهم بقيود المادة، موحيًا لهم أنه لا حياةَ إلا بالترف والمال والجاه والنعم التي ينعم بها الله على عباده؛ كي تكون لهم عونًا على طاعته، فإذا بهم يجعلونها الغاية، بدونها تتوقف الحياة، وينتحرون في ظلمات الجهل والعار، ألسنا مسلمين مؤمنين بالله - سبحانه - .
أين اللجوء إلى الله؟، أين القرآن في حياتنا؟، أين منا آيات الصبر وجهاد النفس والسُّمُو بها؟.
وأين منا آيات تُقرِّر لنا وتعرفنا على حقيقة ذواتنا وعلى الدنيا؟!، كل شيء هباء من دون طاعة الله.

هنا فيكتاب اللهدواء للمحزون والمكتئب، للمريض وللمعافى، لكل حالة دواء وعلاج، النداء الحبيب الندي يهمس بحب للذين آمنوا: أن هلُمُّوا إلى الفلاح والسعادة؛ قال - سبحانه وتعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.
إي والله، إنَّها حياة، دماء نقية تتجدد في العروق، ونسيم نقي يعبر إلى حيث نبتة الإيمان، فيعطيها ما تحتاج من الأوكسجين؛ كي تكبر وتترعرع، فنستظل بظلها.

فليأتِ الذين يهتمون بالراحة النفسية لهم ما لَذَّ وطاب، لن يجدوا سكونًا وهدوءًا مثل الذي يتذوق حلاوته المؤمن وهو يستمع أو يقرأ كتابَ الله، فلْنُكثِر من تلاوته، ولْنجنِ الثمار الحلوة من أمن واستقرار وهناء، ودرجات عليا عند الله - عزَّ وجلَّ - في جنات عدن، ولْيأتِ كلُّ مَنْ سَوَّل له شيطانه أنه كئيب حزين وحيد، لا حَظَّ له في الحياة، سيرى أنه أخطأ الطريق حينما بحث عن السعادة بعيدًا عن كتاب الله، ذاك النور المبين المبدِّد لظلمات الجهل والغفلة والأنانية، ومهلك لكل وسوسة شيطانية، مع القرآن: الحياة أحلى وأروع، إنه عيش السعداء.

جاء في الحديث الشريف:
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع آخرين))؛ رواه مسلم وغيره.