حقيقة الانسان المناسب في المكان المناسب ... بقلم الاستاذ عياش اليزيد ... تربية بدنية ورياضية
25-10-2020, 06:36 PM
حقيقة الانسان المناسب في المكان المناسب ... بقلم الاستاذ عياش اليزيد ... تربية بدنية ورياضية
كثيرا ما نسمع هذا الكلام الذي يردده الكثير منا ، خاصة في العالم العربي أو الإسلامي ، أن من بين الاسباب التي عملت على جعلنا في مؤخرة الامم وصيرتنا الى أمة منقادة بعد ان كانت في يوم ما قائدة للعالم هو تغييب حقيقة وجود الانسان المناسب في المكان المناسب ، ونعني بالمكان المناسب المنصب الاجتماعي الذي يشغله الانسان أو المسؤولية الاجتماعية التي يتحملها الانسان ضمن اطاره الاجتماعي العام او الخاص ، هذه المسؤولية الاجتماعية التي تتفرع الى ثلاثة فروع حسب رايي الشخصي ، من مسؤولية الفرد تجاه مجتمعه وامته ، ثم مسؤولية المجتمع تجاه الفرد وأمته ، الى مسؤولية الدولة تجاه الفرد والمجتمع ، فالملاحظ أن المحور الاساس في عملية المسؤولية من خلال الفروع الثلاثة التي ذكرناها للمسؤولية تتمحور حول الانسان الفرد ، هذا الانسان الذي قلنا عنه في اكثر من مناسبة أنه الراس المال الحقيقي لاي مجتمع أو أمة تطمح للرقي والتطور في سلم الحضارة ، وهو الدينامو المحرك لعجلة الحياة في شتى مناحيها في أي مجتمع أو أمة ، لكن لبلوغ هذا الهدف والاستفادة من هاته الثروة الحقيقية يجب على أي مجتمع أو أمة ان تتحمل مسؤولية اعداد هاته الثروة بشكل يجعلها مؤهلة للقيام بمسؤولياتها الاجتماعية أو اعداد ما يسمى بالإنسان المناسب ، هذا الانسان الذي يكون على قدر من السمو الاخلاقي والوعي الفكري والاستعداد العملي الانتاجي ، وقد قمنا بتقديم الجانب الاخلاقي على الجوانب الاخرى في البناء العام لشخصية الانسان المناسب من منطلق ان المجتمعات أو الامم تبنى بأخلاقها لا بذكائها ، هذا يؤدي بنا للتذكير بأن المسؤولية هي مسؤولية أخلاقية من منطلق انها تعتبر أمانة على من تحملها او كلف بها ، وبما اننا نتحدث عن الامانة يعني هنا اننا نتحدث عن جزئية اخلاقية اساسية في مسألة المسؤولية ، والتي لا بد للفرد أن يربى على هذا الخلق ( الامانة ) حتى ينشأ على هكذا خلق كمعنى حسي ومادي ، وخير دليل على ذلك ان المسؤولية هي أمانة ما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال. وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتى إذا قضى حديثه قال : ((أين السائل عن الساعة)). قال: ها أنا يا رسول الله قال : ((فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة )).قال كيف إضاعتها؟ قال: (( اذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة )) ، لكن هل توفر هاته الجزئية الاخلاقية كمعنى حسي ومادي لوحده في الانسان يعني انه صار مؤهلا لتحمل المسؤوليات وتقلدها بغض النظر عن أهليته وكفاءته العلمية والفكرية والعملية ، أم ان هاته الجزئية لن تحقق المطلوب منها في غياب الكفاءة العلمية والفكرية والعملية ، ام ان هاته الاخيرة كافية بغض النظر عن توفر الجزئية الاخلاقية ، هل توفر الجزئية الاخلاقية والكفاءة العلمية والفكرية والعملية في الانسان المناسب ووجوده في المكان المناسب كاف حتى نحقق المرجو ام ان هناك عوامل اخرى يجب ان توفر له حتى يحقق المطلوب منه ؟
ان توفر الجزئية الاخلاقية كمعنى حسي ومادي لوحدها في الانسان لا يعني ان هذا الانسان صار انسانا مناسبا ومؤهلا لتحمل المسؤوليات بغض النظر عن اهليته وكفاءاته التي يحسنها ، وخير دليل على ذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ابي ذر الغفاري رضي الله عنه لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاية ، فأجابه رسول الله بهذا القول : وعنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رسول اللَّه، ألا تَستعمِلُني؟ فضَرب بِيدِهِ عَلَى مَنْكبِي ثُمَّ قَالَ: ((يَا أَبَا ذَرٍّ، إنَّكَ ضَعِيفٌ، وإنَّهَا أَمانةٌ، وإنَّها يَوْمَ القيامَة خِزْيٌ ونَدَامةٌ، إلَّا مَنْ أخَذها بِحقِّها، وَأدَّى الَّذِي عليهِ فِيها))رواه مسلم، فلا احد منا يشك في اخلاق الصحابي الجليل ابا ذر الغفاري في جزئية الامانة كمعنى حسي ومادي ، الا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل منها سببا رئيسا في قبوله لطلبه ، بل اخبره انه ضعيف ولا يقدر على تحمل هكذا مسؤولية لمجرد انه طلبها او يرغب فيها ، هذا ما يحيلنا للقول من منطلق هذا الحديث ان ليس كل من طلب المسؤولية يولاها حتى ان توفرت فيه الجزئيات المذكورة ، فربما هناك جزئيات اخرى مهمة لا تتوفر فيه كما حدث مع ابا ذر الغفاري رضي الله عنه ، والتي جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفض طلبه ويبرر له سبب رفضه ، وهذا يعني اننا يجب ايضا ان نولي اهمية كبيرة في انتخاب الاشخاص المناسبين المكلفين باختيار ولاة امورنا والا وقعنا في قصة الرجل المناسب في غير المكان المناسب او الرجل الغير المناسب في المكان الغير المناسب مما سيؤدي الى تعطيل وضياع مصالحنا كأفراد ومجتمع وأمة ، وهنا لا يجب على من يقرأ لنا ان يحصر كلامنا في دائرة السياسة او التعليم او الاقتصاد ، بل كلامنا يمس كل من هو في منصب مسؤولية الاختيار ، فمثلا الرجل أو المرأة اللذان يودان بناء اسرة يجب عليهما ان يحسنا اختيار من تتوفر فيه أو تتوفر فيها الكفاءة والاهلية الاخلاقية والفكرية والبدنية والتربوية والنفسية اللازمة لتأسيس بيت رسالي تربوي ، تأسيس بيت مؤهل لتأدية مسؤولياته الاجتماعية تجاه الفرد والمجتمع والامة ككل ، لذا فان هذه المعادلة لن تتوازن في طرفيها الا اذا كانا كلا من المرأة والرجل تتوفر فيهما الاهلية والوعي الكافي للقيام بذلك ، وهكذا ايضا فيما يخص انتخاب الحاكم أو الوزير أو الوالي أو المدير أو المربي ..... الخ ، لأن وجود اشخاص غير مناسبين تم انتخابهم مكلفين بالانتخاب او الاختيار من الفرد أو المجتمع أو الامة يؤدي حتما الى اسناد الامور الى غير اهلها فتضيع بذلك امانة المسؤولية ، وهو ما ينعكس حتما على واقعنا المعيش ، وهذا ما نلحظه في واقعنا كمسلمين يوم وسدت امورنا في شتى مناحيها الى غير اهلها ، فنرى الاسر ومدارس التعليم والجامعات والادارات والحكومات والمجتمعات والانظمة تتخبط في واقع مرير صنعه واقع اسمه وجود الرجل الغير المناسب في المنصب الغير المناسب ، مما جعل منها مجرد هياكل بلا روح عاجزة عن تأدية الادوار المنوطة بها ، كما ان توفر الاخلاق لوحدها او توفر الكفاءة العلمية والفكرية والعملية لوحدها ايضا غير كاف للقول اننا ملكنا الانسان المناسب ، لان الانسان المناسب هو عبارة عن مجموعة من مهارات اخلاقية وكفاءة علمية وفكرية وعملية تجعل منه كتلة من الوعي والاخلاق والانجاز مع ضرورة وضعه في المكان المناسب ، لكن لا يعني ان توفر هاته الشروط الاخيرة في الانسان المناسب هي كافية لتحقيق المطلوب والنجاح في الاهداف ، بل يجب توافر شروط أو عوامل اخرى مهمة جدا في مساعدة الانسان المناسب في المكان المناسب للقيام بواجبه على اكمل وجه وتحقيق المطلوب منه ، ومن بين هاته العوامل نجد مثلا تهيئة مناخ مناسب لنشاطه : كتوفر البيئة السياسية او الادارية وحرية الابداع والمبادرة المناسبة ، الامكانات البشرية المناسبة ، الامكانات او الحوافز المادية ، وكمثال على ذلك نسوق مثال المنتخب الجزائري لكرة القدم وقصة نجاحاته الاخيرة وسرها ، بحيث نجد ان الكثير منا يكاد يجزم أن سر عودة هذا الاخير سببه وجود الشخص المناسب على رأسه الا وهو شخص المدرب ، الا ان الكثير منا يغفل ان هناك عوامل اخرى مهمة جدا ساهمت في نجاح هذا الرجل المناسب الا وهي : وجود دعم مادي ومعنوي من اعلى هرم السلطة ، وجود ادوات بشرية ذات كفاءة فنية وبدنية عالية سواء في الادارة او اللاعبين ، اعطاء الورقة البيضاء لصاحب القيادة الفنية المؤهلة في ادارة ادواته الفكرية والبشرية والمادية ، هذا ما يحلينا للقول انه ليس مجرد حسن اختيار الانسان المناسب ووضعه في المكان المناسب سوف يحول حالة الركود التي نعاني منها الى حالة الحركة والنشاط ان لم نوفر له عوامل اساسية اخرى تساعده على القيام بواجبه ومسوؤلياته الاجتماعية بشكل يجعل الامور تكون كما يجب لها ان تكون ، فالأسرة مثلا حتى ان توفر فيها الرجل المناسب لوحده أو المراة المناسبة لوحدها في غياب الطرف الثاني الموازي له في الكفاءة الاخلاقية والوعي الفكري والتربوي والقدرة العملية يبقى غير كاف لكي تؤدي الاسرة دورها كما يجب ، كما ان غياب عوامل اخرى حتى في حالة توفر المرأة المناسبة والرجل المناسب كعامل المادة او العش الاسري غير كاف ايضا لتحقيق الاستقرار وتحقيق المرجو منها ، لكن مع التسليم في الاخير ان الانسان يبقى هو الاهم في كل هاته المعادلة ، لان صلاحه ووجوده في مكانه الاصلح له هو من يهييء كل تلك الظروف والعوامل المساعدة له للقيام بالمسؤوليات المنوطة اليه ، لأن الانسان هو مركز الكون ومحوره الاساس الذي له خلق هذا الكون وامر بتسخيره بغية تحقيق غاية خلقه ووجوده ، لذا نجد من الامم من اخذ بالسنن الموجبة لصلاح امرها واستقراره كسنة الرجل المناسب في المكان المناسب فصعنت لنفسها مكانا في هذا العالم بين الامم ، وهناك امم اخرى انحرفت عن السكة الصحيحة وانجرفت وراء اهوائها تاركة السنن الثابتة خلفها فضيعت اتجاهها بعد ان ضيعت بوصلتها وتحولت من امة قائدة الى امة منقادة بسبب تعارض فكرها مع سنة الرجل المناسب في المكان المناسب ... تولانا الله برجمته