( قصـــة ) للصــــــدف نفحــــــات عجيبـــــــة !!
07-11-2018, 07:45 AM
بسم الله الرحمن الرحيم









( قصـــة قصيـــرة )

للصدف نفحات عجيبة !!
الأيدي عادةً تحوي وريقات فيها طلاسم الهوية .. الرقم والاسم والعمر والسيرة والمسكن .. حروف قليلة شحيحة .. ولكنها تؤدي الغرض .. في أروقة مخصصة تلتقي فيها أناس تشتكي من الأسقام والأمراض .. وكما يقال في الأمثال فإن للضرورة أحكام .. حيث قد يتواجد في تلك الأروقة المعروف من الناس كما قد يتواجد المجهول منهم .. وجوه تلتقي لأول مرة .. ووجوه قد تكون لها سوابق .. وفي كل الظروف والأحوال فإن المراسيم في تلك الأروقة تقتضي الخضوع لشروط أهل الدار .. حيث لا بد من صمت ووقار .. أو همهمة بقدر ضئيل .. والكل ينتظر دوره بشغف شديد مقرون بملل وقلق .. يجلس العشرات والعشرات في مقاعد متجاورة .. ويفضل في بعض الأحيان أن يجلس الجنس بجوار الجنس .. وتلك سمة من فرائض ومناهج الدين الحنيف .. ولكن قد تفرض صلات الأرحام نوعاً من الاختلاط بين الجنسين بقدر يوافق الحلال المباح .. فيجلس الزوج بجانب زوجته ،، أو يجلس الأخ بجانب أخته .. أو يجلس الأب بجانب أبنته .. أما حين تتلاشى تلك الصلات فالناس عادة يفضلون عدم الاختلاط في تلك المجالس .. بل يفضل الجنس أن يجلس بجوار الجنس .. وأثناء الجلوس والانتظار عادة تكون نظرات الجميع شاردة نحو المجاهل والآفاق .. فليس من اللائق التحديق المباشر في الوجوه .. والحوار بين الأغراب لا يكون إلا عند الضرورة .. وذلك التحفظ الشديد مرده عدم المعرفة ثم شروط الحياء .. وقد يتحايل متحايل ليكسر تلك الضرورة .. ويتخذ من حجة الاستفسار سلاحاً حتى يكسر حواجز التكلفة .. وهو ذلك المتحايل الماكر الذي يستفسر عن معلومة وهو يدري الإجابة !. وفي نفسه حاجة كما في نفس يعقوب .. وتلك السانحة قد تخلق الجديد من العلاقات .. أو قد تنتهي المحاولة بالفشل .. حيث المحاولة العقيمة الطارئة التي تتلاشى بمجرد الكلمة وغطائها !.. وعندها يدرك الصائد أن الصيد قد انفلت من شباك المكيدة .. وعدم الاكتراث كلياً أو الرد مختصراً يعني عدم الرغبة في التواصل والحوار .. ولكن قد لا يكتفي البعض من المحاولة .. وهو ذلك البعض الذي يجيد ألوان الاصطياد في الظلام .. كما يجيد الصولات والجولات في عوالم الصمت والسكوت .. لا يمل ولا يكل من المحاولات .. ولغة العيون هي واحدة من لغات الحوار في غفلة الآخرين .. وهي لغة لأهلها المهرة الذين يتكلمون بغير شفاه ولسان !.. حيث الإبداع بالغمز ورقصات الرموش .. ثم الإيماءات والجفون المتلاعبة انفتاحاً وستاراً .. وتلك المجالس في عيادات الأطباء قد توحي للناس بأنها مجالس صمت وقدسية تجاري المظاهر .. غير أنها في حقيقة الأمر قد تكون مجالس حوار عبر العيون .. مليئة بأسرار يغفل عنها الأبرياء .. وتلك النفوس قد تدعي حجة الأسقام في الأبدان .. ولكنها في الأعماق والوجدان قد تشتكي من أسقام الهيام .. قلوب تشتكي الوحدة وترغب في اللقاء .. فإذن تلك البيئة الطبية قد لا تكون بريئة كما يظن البعض .. ولكن تدور فيها الكثير من ألوان القصص .. وهذه قصة من تلك القصص .

.......... كان يا ما كان في يوم من الأيام .. ولا أقول كان يا ما كان في قديم الزمان .. كان شاب يجلس في عيادة الأطباء .. وهو في مقتبل العمر .. كان وسيم الطلعة وواسع الحيلة .. جلس الشاب في مقعده عند نهاية القاعة .. بينما جلست شابة رشيقة القوام وجميلة الطلعة في مقعدها عند النهاية الأخرى .. وقد تواجه الوجهان من قبيل الصدفة .. كانت المسافة بينهما بالأمتار .. تلك المسافة التي كانت تنوء بالجالسين والجالسات .. ورغم تلك المسافة الفاصلة فإن الإشارات البينية بدأت تأخذ السجال بين الشاب والشابة .. وتترحل عبر العيون والأثير المستتر.. وفي عجالة غير متوقعة بودلت الرسائل والشفرات .. كانت لحظات الالتقاء سلسة كرسائل البرق المختلس لطبقات السحاب .. ثم النسمة المتسللة عبر الأمطار المنهمرة .. وقد تكلمت العيون بلغة الهاتف الصامت المشفر .. حيث ذلك النوع من التنبيه الخالي من النغمات والاهتزاز .. فقط التنبيه بالإشارات والذبذبات .. وتلك الرموش كانت تتراقص لإماطة الأسرار .. تلك الإشارات التي قالت الكثير والكثير.. وقد تعدت حمى الأسرار بين الشاب والشابة .. وكل ذلك كان يجري في غفلة الأعين والنظرات .. ذلك الكل الذي كان يدعي الانشغال بأسباب التواجد .. وينتظر الدور على شغف وملل .. وتلك الأحاسيس تتوفر في أكثر المتواجدين .. قال لها بإشارات العيون : ( كفارة يا رشيقة القوام ، شفاكم الله ) .. فردت بالإشارات كذلك : ( كفر الله ذنوبكم وسيئاتكم ) .. الاستجابة الأولى كانت طيبة وهانئة .. وهي البادرة التي أذابت سطح الجليد المتحجر المتصلب .. وأزالت المخاوف والشكوك بين القلبين .. ثم شطبت الخطوات من قائمة الخطر.. بادرة قد ماثلت البادرة التي دكت حائط برلين العاصي في ذروة الحماس .. ثم تلاحقت سجالات الحوار بالعيون والرموش .. حيث المزيد والمزيد من أسرار السيرة الذاتية .. وأخيراً كان قرار اللقاء خارج عيادة الأطباء .. ولكن فجأة نادى المنادي اسم تلك الشابة الرشيقة لمقابلة الطبيب الأخصائي .. فوقفت في عجالة تلبي النداء .. ثم دخلت في غرفة الطبيب .. ولكن ذلك الاسم للشابة الجميلة قد أصاب الشاب بذهول وبصدمة شديدة للغاية .. حيث أنها تحمل اسما يتطابق اسمه في الأب والأجداد حتى المد الرباعي !! .. قال في نفسه كيف يعقل ذلك ؟؟.. هل يعقل أن نلتقي في الأب ثم في الجد ثم في جد الجد ؟!.. والطامة الكبرى أنه يعلم أن لأبيه أخوات مع امرأة أخرى في مدينة أخرى ,, وقد سمع عن الأخوات ولكنه لم يشاهد إحداهن من قبل .. كما أنه لم يجهد نفسه ليسأل عن أسماء الأخوات من أبيه .. ولم يهتم بالأمر كثيراً .. ثم جلس في مقعده حائراً مذهولاً متعجباً .. وبعد ذلك بدقائق خرجت الشابة من حضرة الأخصائي .. فإذا بالمنادي ينادي اسم ذلك الشاب فور خروجها .. بنفس الأسماء للأب والأجداد .. وعند ذلك التفتت الشابة بدورها في ذهول شديد .. فهي بدورها تعلم أن لها أخ من أبيها في مدينة أخرى يحمل نفس الاسم .. فتقدمت نحوه مباشرة ثم سألته بجرأة وحيرة هل أنت فلان ابن فلان وأمك فلانة بنت فلان ؟؟ .. وهل أنت تسكن في مدينة كذا وكذا ؟؟ .. ثم أفاضت بالمعلومات بذلك القدر الوفير الذي أذهل الشاب .. وكان الشاب يجيبها بنعم ثم نعم .. وعند ذلك ارتمت الشابة في أحضان أخيها وهي تزرف دموع الفرحة والسرور .. وفي تلك اللحظات سقطت إشارات العيون الفاضحة في مهدها .. ليكون الحوار بالألسن المباشرة دون موجبات الخوف من أعين الناس .. وفي حينه قد أدرك الشاب بأنه أحق الناس بحماية تلك الفتاة !.. حيث هي الأخت .. أما هي فبدورها قد فرحت كثيراً ثم أصرت أن تنظر في وجه أخيها بالقدر الذي يشبع شوقها الذي طال لسنوات وسنوات .. كان وجه الشاب فيه الكثير من ملامح الأب .. وقد أصرت الفتاة أن تقضي مع أخيها أكبر فترة متاحة حتى تتعرف على المزيد من المعلومات عن أهل أبيها في المدينة الأخرى .. ثم بدأ التعارف والحديث يوثق عروة الإخاء لحظة تلو لحظة .. وكان للحديث شجون بين الأخت والأخ أقرب الأقرباء .. جلست مع أخيها لساعات في كافتيريا الأطباء .. وهنالك تناولا المزيد والمزيد من المعلومات عن البعض والأهل .. وهي التي كانت تتمنى طوال حياتها أن تتعرف على إخوانها وأخواتها من أبيها .. وبعد ذلك خرج الأخ والأخت إلى الشارع واليد تشبك اليد .. ثم مالت قليلاً وهي تضع رأسها في كتف أخيها وهمست مازحة في أذنه وهي تضحك : ( كيف تغازل أختك يا مجنون ؟؟ ) .. فرد عليها قائلا : ( آسف ما كنت أعلم يا أختي الحبيبة الغالية !! ) .
ــــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد