بوعلام بن حمودة: "المؤامرة العلميّة" كذبة كبرى.. وهذه حقيقة وأسرار الإطاحة بمهري!
30-01-2018, 05:52 AM


عبد الحميد عثماني

نائب رئيس تحرير بجريدة الشروق

ينفي الأمين العامّ الأسبق لحزب جبهة التّحرير الوطنيّ بوعلام بن حمودة نفيا قاطعا فكرة "المؤامرة العلميّة" في الإطاحة بسلفه عبد الحميد مهري، مُرجعا خلفيات ذلك إلى توقيع الأخير على "عقد روما" المنبثق عن لقاء المعارضة في "سَنت إجيديو" بإيطاليا مطلع 1995، حيث يؤكد أن مهري تصرّف في الموقف والقرار بصفة انفرادية دون استشارة المكتب السياسي، ودون دراسة واقعية للشكل والمضمون، معتبرا الأمر خطأ سياسيّا وتنظيميّا أدى إلى أزمة كبيرة في الحزب.
وأوضح عميد الوزراء الجزائريين في كتابه "دروس الحياة" الصادر مؤخرا عن "دار النعمان" للطباعة والنشر، ملابسات إبعاد مهري من قيادة "الأفلان" بالقول "في تلك الظّروف السّياسيّة الغامِضة، شارك الأمين العامّ لحزب جبهة التّحرير الوطنيّ الأخ عبد الحميد مهري في اجتماع سَنت إجيديو بإيطاليا لدراسة الوضع السّياسيّ والأمنيّ بالجزائر؛ أسفر هذا الاجتماع عن التّوقيع على العقد الوطنيّ من طرف عبد الحميد مهري ومسؤولي أحزاب أخرى وشخصيّات سياسيّة جزائريّة وذلك يوم 13 يناير سنة 1995؛ وقد تمّ التّوقيع من طرف الأمين العامّ للحزب دون إعلام المكتب السّياسيّ".
وأضاف خليفة مهري منذ مطلع 1996 أنّ "الأخير لم يدرس لا ملاءمة العقد ولا محتواه"، معتبرا في شهادته أنّ "هذا الخطأ النّظاميّ الجسيم هو الّذي تسبّب في أزمة داخل الحزب؛ في الأشهر التي تَلت الحدث". وعن تعامل قيادة الحزب مع الموقف وقتها، كشف "بن حمودة" أنهم تجنّبنوا ذكر سَنَت إيجيديو في البيانات، مكتفين حينها بالإشارة إلى ضرورة التّشاور بين كلّ الأطراف السّياسيّة وممثّلي الدّولة لِإيجاد حلّ لِلأزمة.
وبخصوص موقفه شخصيّا من "المأزق" الذي وضعهم فيه مهري، ورفع اللبس عن دوافع خلافته للرجل لاحقا، قال بن حمودة في كتابه "كنت عضوًا في المكتب السّياسيّ بين سنة 1979 وسنة 1988 ثمّ من شهر أوت 1991 إلى شهر يناير 1996: لم أنوِ أن أكون أمينًا عامًّا للحزب ولم أُناوِر من أجل بلوغ ذلك المنصب، كان هذا الموقف معروفًا لدى الحزب وإطاراته"، في محاولة لدفع شبهة التورّط في الإطاحة بمهري أو العمل مع جهات في السلطة لأخذ موقعه على رأس الحزب.
ويسترسل "بن حمودة" في ذات السياق، ليدلي بشهادته في ظروف اندلاع الأزمة التنظيمية داخل "الجهاز"، قائلا: "لكنّ التّوقيع على اتّفاق مكتوب مع الأحزاب الأخرى في الخارج وعدم إخبار المكتب السياسيّ كلّ هذه الأمور عَجّلت بالتّغيير داخل الحزب"، كما يسجّل اعتراضه الشخصي على الموقف داخل الأطر العليا للجبهة، حيث كتب في مذكراته الأخيرة "عندما عاد الأخ عبد الحميد مهري من إيطاليا وعقد اجتماعًا للمكتب السّياسيّ لِإخباره بما وقع في سَنت إيجيديو، تدخّلتُ في الاجتماع للتّنديد بالمَسعى ولرفض محتوى الاتّفاق"، مضيفا بهذا الصدد "وأمام عنف كلامي طلب منّي الدّكتور صويلَح بوجمعة ألّا أنشر مقالي، لِأنّ نشره قد يؤدّي إلى أزمة خطيرة في صفوف الحزب؛ أتذكّر أنّني أجبته بأنّه لَيس من عادتي نَشر القضايا النّظاميّة في الصُّحُف".
ويواصل "وزير المجاهدين" سابقا في سرد شهادته بشأن تطوّر الأزمة وانتقالها إلى أعلى هيئة بين مؤتمرين في "الأفلان"، حيث يقول "عندما اجتمعت اللّجنة المركزيّة في فندق الجزائر في يناير 1996، وُزِّعت لائحة لِسحب الثّقة من الأمين العامّ فوقّعتها مع المُوَقّعين؛ ونظرًا إلى التّوتّر السّائد، فضّلت أن أنسحب وأن أعود إلى منزلي بِالأبيار".
ويختم "بن حمودة" مذكراته حول مغادرة مهري للأمانة العامة بتوضيح حقيقة تكليفه بقيادة الحزب في تلك الظروف الصعبة، حيث يؤكد "بَعد فوضى الاجتماع، زارني وَفد من أعضاء اللّجنة المركزيّة، وطلبوا منّي الرّجوع إلى الاجتماع لِأتقدّم كمُرشَّح لِمنصِب أَمين عامّ؛ بالفعل لمّا تُلِيَت قائمة الّذين سَحبوا الثّقة من الأمين العامّ تدخل عبد الحميد مهري قائلًا: أعتَبِرُ أنّني أُقِلتُ فأرجو الأخ فرحات بلامان، عضو مكتب الدّورة، أن يترأَّس الجلسَة التي سَتقوم بانتخاب أمين عامّ جديد".
ويكشف المؤلف عن أسماء بعض الذين زاروه في منزله وترجّوه بالترشّح، ذاكرا منهم: محمّد عبادة وعبد الله الحاجّ أحمد ومصطفى بن زازة.
وقبل الختام، يؤكد "بن حمودة" أنه لم يقبل الترشّح تلقائيا، بل اشترط منافسة مفتوحة وشفافة، حيث يقول "اشترطتُّ اقتراعًا سِرّيًّا لتعيين أمين عامّ جديد، فانتُخِبتُ بهذه الطّريقة أمينًا عامًّا للحزب بعد تفوّقي بثمانية أصوات على المرشّح الثّاني مولود حمروش"، مشيرا بطريقة مبطّنة إلى أن ذلك يعدّ مكسبا ديمقراطيا في تجربة "الأفلان" حينما يعلّق "لِأوّل مرّة في تاريخ الحزب يُنتخَب الأمين العامّ بالاقتراع السري".
وعن مصير العلاقات السياسية والإنسانية بعد خلافته لأمينه العام، يؤكد "بن حمودة" على النحو التالي "بعد هذا التّغيير الدّيمقراطيّ حافظنا أنا وعبد الحميد مهري على الاحترام المتبادل الّذي كان بيننا".
وفي نهاية شهادته المختصرة يقول بن حمودة "هذه هي الحقيقة التّاريخية، أمّا فكرة المؤامرة العلميّة فما هي إلّا اختراع بعض النّاس كانوا يفتّشون عن ركن في الصّحافة".