أصول الحرب النفسية العقائدية و الحقيقية - ف 3-1
30-01-2009, 07:54 PM
الفصل الثالث
ظهور الجزائريين المتغربين كقوة ضغط سياسي
المبحث الأول:
الشاب الجزائري
Le Jeune Algérien
أن الشيء المهم الملفت للانتباه هو أن المتغربين الجزائريين قد ظهروا كمجموعة سياسية ضاغطة في نفس الفترة التي شهدت صدور مرسوم 03 فيفري 1912 المثير للجدل والخاص بالتجنيد الإجباري لمدة ثلاث سنوات على الشباب لأول مرة منذ احتلالها الجزائر سنة 1830.
وجدير بالذكر أيضاً أن المستوطنين والشعب الجزائري قد عارض كلاهما وبشدة المشروع المذكور على اختلاف بينهما في الأسباب الدافعة لكل طرف إلى اتخاذ الموقف نفسه. فكلاهما اعتقد أن نمط الحياة في الجيش الذي سيعيشه الجندي الجزائري سوف يخدم في مصلحته نظرية الاندماج وقد كان مما ضاعف خشية المستوطنين والشعب الجزائري على حد سواء ذلك التصريح الذي أدلى به "Jean Mélia" الذي يعتبره الكثيرون كأحد الزعماء البارزين لدعاة رسالة التمدين والأب الروحي أيضاً للطبقة المتغربة الجزائرية، هذا القول الذي جاء في الكتيب الذي ألفه تحت عنوان "Pour la représentationparlementaire des indigènes musulmans d’Algérie" حيث قال :" أننا نطمح إلى أن تمثل الثكنة بعد المدرسة عاملاً ثانياً مهماً ووسيلة فعالة للوصول إلى التقارب بل إلى الانصهار بين الجنسيين المتجاورين "[2]
أما الجزائريون المتغربون، فإننا نجدهم أيضاً ثائرين ضد ذلك المرسوم لأسبابهم الخاصة خلافاً المستوطنين والشعب الجزائري، فقد أعلنوا بكل صراحة أنهم لن يطلبوا من الشعب الجزائري أو يشجعوه على قبول التجنيد الإجباري، دون أن يتلقوا تأكيدات من المشرعين الفرنسيين بمنحهم الجنسية الفرنسية في مقابل ضريبة الدم إلتي يطلب منهم تقديمها... ونص الرسالة الآتية التي نشرها المتغربون الجزائريون في صحيفتهم " الرشيد" تتحدث عن نفسها:"لقد نقضتم عمدا ميثاق الشرف الذي أبرم بين الأمة العربية وبين المارشال بورمونBourmontإن أبناءنا يا سيدي الوزير مستعدون لخدمة فرنسا، ولكنهم لن يخدموها إلا بشرط واحد: أن يمنحوا في مقابل السنين التي يقضونها في ظل العلم، الحق في أن يكونوا فرنسيين، إن الوقت عصيب، وسوف يزيد قراركم الأمر سوءًا إذا كان قرارا لا رجعة فيه! وقد ظهرت بالفعل متاعب لا يمكن التغلب عليها، ففي الجزائر كلها سبب قراركم أولا ذهولا شديدا، ثم ترددا مشروعا، وأخيرا احتجاجا واحدا، لا خدمة عسكرية بدون تعويض وكل إجراء يتخذ ضد الشعب إجراء خطر، والتجنيد بالصورة التي يراد بها تطبيقه عمل جنوني···"[3]
والظاهر أن الجزائريين المتغربين قد غضبوا وساءت حالتهم المعنوية بسبب موقف السياسيين الفرنسيين المتعنت الذي بدا لهم كما لو كان لطمة على وجوههم، ومن ثم اتخذوا موقفا عدوانيا غير عادي.
إن الافتراض بأن الأسلوب الحاد الذي استخدمه الجزائريون المتغربون إنما يعزى إلى تجربتهم الجديدة الفجة في ميدان الدعاية عن طريق الصحافة افتراض يدعو إلى النظر· وقد دهش الجزائريون المتغربون أنفسهم من اللهجة الخشنة التي اتسم بها تصرفهم، والتي لا بد أثارت استياء الليبراليين، وتجلى ذلك في المقال الذي نشروه في صحيفة "الرشيد" بعد أسبوعين، وفيه إذلال لنفوسهم: "يسرنا أن نمتثل لضريبة الدم، ولكنا نطالب فقط في نظير ذلك الحق في المواطنة الفرنسية"[4]
ثم لم يمر شهر على نشر هذه الرسالة حتى أصدر المتغربون البيان الآتي الذي أصبح يعرف فيما بعد ب " بيان الشاب الجزائري"
بيان الشاب الجزائري جوان 1912
أن أهالي الجزائر مستعدون لأداء واجباتهم الوطنية تجاه الوطن الأم، ولكنهم يرون ضرورة تحسين أحوالهم الشخصية في مقابل هذا الإلزام الجديد ممثلاً في التجنيد. من جهة أولى يرون أنه من الضروري أن يتم
1.تخفيض مدة التجنيد إلى سنتين كما هو الشأن بالنسبة للفرنسيين.2.يجب أن يكون الاستدعاء لمن بلغ الحادية والعشرين سنة بدلاً من سن الثمانية عشر لأن الشباب في هذه السن لا يكونون مكتملين بدنياً.
3. إلغاء المنحة لآن العائلات ستكون فخورة برؤية أبنائها في صفوف الجيش الفرنسي من غير مكافأة على ذلك.
ويطلبون من جهة أخرى أن يمنحوا التعويضات الفعالة الآتية:
1. إصلاح النظام الجزائي.
2. تمثيل جاد وكافي في مجالس الجزائر وفرنسا.
3. التوزيع العادل للضرائب.
4. توزيع موارد الميزانية على قدم المساواة بين مختلف عناصر السكان الجزائريين.
رغبات الأعيان حول مسألة تمثيل الأهالي.
1. أن يتم توسيع الهيئة الانتخابية من أجل ضمان فعالية وجدية الانتخابات.
2. أن يكون عدد ممثلي الأهالي في المجالس الجزائرية بنسبة (2/5 )الخمسين من إجمالي عددها.1. إصلاح النظام الجزائي.
2. تمثيل جاد وكافي في مجالس الجزائر وفرنسا.
3. التوزيع العادل للضرائب.
4. توزيع موارد الميزانية على قدم المساواة بين مختلف عناصر السكان الجزائريين.
رغبات الأعيان حول مسألة تمثيل الأهالي.
1. أن يتم توسيع الهيئة الانتخابية من أجل ضمان فعالية وجدية الانتخابات.
3. أن تكون الهيئة الانتخابية مشكلة بنفس الطريقة لانتخابات كل المجالس الجزائرية.
4. أن يكون الأعضاء المجالس البلدية من الأهالي الحق في انتخاب رؤساء البلدية ونوابهم.
5. إعلان عدم الجمع بين العهدة الانتخابية العامة ووظيفة كل من القائد و المساعد (الأهالي).
6. أن يكون الأهالي ممثلون في البرلمان الفرنسي، أو أن يتم إنشاء مجلس في باريس حيث يكون المسلمون الجزائريون ممثلون من طرف من ينتخبونهم.
7. أن يكون للذين أدوا الخدمة العسكرية الإجبارية أو المتطوعين الحق في نيل صفة مواطن فرنسي دون الخضوع للإجراءات الحالية وعن طريق مجرد الطلب.
لم يكد المتغربون الجزائريون ينشرون هذا البيان حتى قرروا بناءاً على نصيحة من دعاة رسالة التمدين بلا شك تشكيل وفد من تسعة أفراد برئاسة الدكتور بلقاسم بن تامي [5]كلف بمهمة السفر إلى باريس معتقدين أن اقترابهم من الوطن الأم منبطحين أمامها على وجوههم سوف يمكنهم من الحصول على عظم يلهون به.
غادروا الجزائر يوم 26 جوان 1912 إلى باريس حيث التقوا رئيس الوزراء "ريمون بوانكاريه "Raymond poincaré" الذي لم يحصلوا منه إلا على الوعد الغامض التالي عندما قال لهم:" يمكنكم أن تعودوا إلى بلدكم، وكونوا على ثقة من أن فرنسا ترحب بما يعتبرونه ترضيات مشروعة، وما نعتبره تعويضات عادلة عن الالتزامات الجديدة المفروضة عليكم"[6]
إن عودة وفد بن تامي دون تمكنه من إقناع الحكومة الفرنسية أو الرأي العام الفرنسي بأن الوقت قد حان طبقاً لنظرية الاندماج لكي تقبل فرنسا الشعب الجزائري، أو الأقل المتغربين الجزائريين كأبناء شرعيين، لا يعني بأي حال من الأحوال أن دعاة رسالة التمدين قد فشلوا في مهمتهم. بل على العكس من ذلك تماماً،وحتى نعطي القارئ فكرة واضحة عن مدى نجاحهم نجاحاً يفوق أمالهم، نعرض أمامه وفق الترتيب الزمني تلك الرؤى التي عبر عنها كل من المسمى الدكتور مرسلي، والمدعو بن حمودة فيما يلي:
" أيها الأصدقاء الأعزاء لأن آباءنا قبل جيلين من الآن كانوا متآخين مع الفرنسيين متعايشين ويسيرون يداً بيد، فنحن أبناؤهم وأحفادهم يجب أن ننهج نفس السبيل أو أفضل منه"" فنحن الذين نمثل الحاضر وانتم الذين تجسدون المستقبل، نحن جميعاً الذين تربينا على نفس المقاعد التي جلس عليها أبناء الفرنسيين، يجب أن نكون فرنسيين بأحاسيسنا وقلوبنا"*
كما أن خطاب المدعو بن حمودة الذي كان مدرساً بشرشال ثم تم تعيينه كمدرس أيضاً في "سان لويس" بالسنغال، لا يقل دلالة على نجاح دعاة رسالة التمدين، فهذا الشخص لم يمدح ويمجد في خطابه فرنسا فحسب، ولكن بلغ به احتقار أصله أن راح يمجد السفاحين الفرنسيين من أمثال " بيجو"، الذين أرسلوا إلى الجزائر كما رأينا لتقتيل الآلاف من الجزائريين دون تمييز بين رجال أو نساء أو أطفال، وفي هذا نود أن نقتطع جزءاً منه فقط لعرضه استشهاداً منا على ما ذكرنا "...بعد الغزو، كان سكان الجزائر القدامى منهزمين لكنهم أصبحوا رعايا. إن وضعية كهذه كانت محفوفة بالمخاطر، وعليه كان ينبغي بذل جهود جبارة لحمل الأهالي على حب فرنسا، كما كان ينبغي التحلي بالكثير من الصبر من أجل العفو عن الثائرين، إلى جانب قوة سلطة خارقة لقمع المنشقين. وقد تمكنت فرنسا من جمع كل هذه الخصال وفضائل أخرى كذلك في سبيل سعادتنا فقد كان كرمها تجاهنا غير محدود.
لقد فتحت فرنسا لمن يقدرون جهودها من بيننا والذين ما فتئوا يتكاثرون يوماً بعد يوم فتحت لهم صفوف الجيش والتعليم والمهن الحرة، بل وأكثر من ذلك مكنتهم من عضوية المجالس البلدية، كما لم يعد بالامكان عد الذين أصبحوا ضباطاً وموظفين وأطباء ومندوبين ماليين ومستشارين عامين...الخ.
لقد مكنتنا فرنسا من تحصيل العلوم في المدارس التي أنشأتها حتى يتسنى لنا بعد ذلك نشرها بين أهلينا. ألست أنا أيها السادة مثالاً حياً على هذا الكرم، فبعد أن منحتني تعليماً عالياً في مدارسها، ثم أرسلتني إلى هنا للتدريس، ها هي اليوم تدعوني إلى إحدى أجمل مستعمراتها حيث منحتني منصب الثقة هذا في سان لويس بالسنغال.
ثم ألا يعود الفضل أيضاً –أيها السادة- إلى فرنسا في الارتقاء بقيمة القضاء الإسلامي فكرياً وأخلاقيا بعد أن كان ظالماً ولأسباب معلومة للأسف. هذه القيمة التي لا تفتأ في ازدياد حتى يصبح إن شاء الله في نفس مستوى شرف القضاء الفرنسي.
نعم أيها السادة في الجزائر الآن وبين السكان الأهالي تتكون نخبة مثقفة ببطء ولكن بثبات -كما يقول "قامبيطا"- والتي سيمتد تأثيرها ليتخلل أعماق الجماهير.
كيف لا نكون مبهورين بمستقبل هو بصدد البناء لهذا البلد الذي هو لكم كما هو لنا؛ عندما نتصور أننا فقط في بداية عهد من التقدم بدأ بقانون مجلس الشيوخ في 1865.
أنه لا يسعنا إلا أن نخلص الاعتراف بالجميل لأمة أخذت بيدنا معها على هذا الطريق الرائع.
لقد تمت مساعدتنا وتشجيعنا في كل مكان وبكل الوسائل إلى درجة العناية بالفنون المحلية التي أصبحت موضع اهتمام كبير أيها السادة، إن القائمة طويلة؛ قائمة أولئك الذين أوكلت إليهم مهمة الإشراف على صنع مستقبل الجزائريين هؤلاء العسكريين اللامعين الذين تشع أسمائهم مجداً:( دوق أورليان doc d’orléans بيجو bugeaud ماكمهون mac-mahonشانزيchanzy) ولكن التاريخ النزيه سوف يخط صفحة أخرى لاسم آخر قد تكون أجمل، إنه اسم رجل مرتبط بالجزائر ويناضل من أجلها والذي لا يفوته أي شيء كبيراً كان أو صغيراً من أجل مصلحتها، تمتد رعايته الشاملة لتغمر الجميع وفي كل مكان، إنه (بكلمة واحدة) يريد أن يدخل الرفاه المادي والمعنوي في عقر آخر كوخ. ساتلفظ بهذا الاسم أيها السادة بكل احترام وإعجاب، لقد عرفتموه بالتأكيد، أنه السيد الحاكم العام " جونار" "Jonnart" الذي يجسد في نظرنا فرنسا، ويحملنا على حبها أكثر فأكثر.
أرجو أن يسمح لموظف من الأهالي شديد الاقتناع بما يقول أن يصرخ : تحيا فرنسا- المجد والعظمة لفرنسا"[7]
إن أراء الأمير خالد حفيد البطل الجزائري الأمير عبد القادر وزعيم ما يسمى الجناح المعتدل للمتغربين الجزائريين، لا تقل دلالة في هذا السياق عن الآراء التي عبر عنها مرسلي وبن حمودة ذلك أن الأمير خالد كان يعتقد أيضاً على خلفية ثقافته الغربية العميقة، بأن من واجبه إقناع المشرعين الفرنسيين، بأن مصلحة فرنسا الحيوية في أن تعلن الجزائر كجزء لا يتجزأ منها.
إن الخطاب المهين الآتي الذي ألقاه الأمير خالد أمام الرئيس الفرنسي (Alexandre Millerand)أثناء زيارته للجزائر في 20 أفريل 1922 يتحدث عن نفسه:
"السيد رئيس الجمهورية
اسمحوا لي بصفتي ممثلاً منتخباً للسكان المسلمين في المجلس البلدي والمجلس العام والمندوبيات المالية أن أرحب بكم.
إن الجزائر لا يسعها في زيارتكم التي شرفتم بها شمال إفريقيا إلا أن تستقبلكم بكل عبارات الامتنان والترحيب.
مرحباً بكم...للشرف الكبير الذي أوليتمونا إياه ولاهتمامكم البالغ، وللأمل الذي يولده ذلك في قلوبنا.
هل يمكن لهذه المبادرة السامية أن يكون لها عشية الذكرى المئوية الأولى للاحتلال الفرنسي من هدف سوى الإعلان وبصوت جهوري أن جميع سكان الجزائر دون تمييز من دين أو عرق هم كذلك أبناء فرنسا، ولهم نفس الحقوق إزاءها؟
في الوقت الذي يحاول فيه العالم الذي اهتز بسبب كارثة غير مسبوقة، أن يستعيد توازنه المعنوي فإن المسلمين الجزائريين يلحون في الطلب من فرنسا أن تشملهم بعطفها ورعايتها من خلال تطوير الحريات التي سبق أن أكرمتهم بها حتى يتمكنوا من الانضمام بشكل نهائي إلى صف العائلة الفرنسية الكبيرة.
يجب أن لا تقف تلك التحفظات القليلة والقيود التي يفرضها وضعهم الخاص عائقاً أمام إدماجهم النهائي أو أن يجعلكم تترددون عنه.
إن ولائهم لم يحده تحفظ ولا تردد عندما قاتلوا في ساعة الخطر من اجل الحق والحرية تدعمهم في ذلك فرنسا العظمى.
إنه ليس من قبيل الصدفة أن يتبعوا التقليد النبيل الذي رسخه الأمير عبد القادر حيث ما فتئوا منذ الاحتلال وبدافع ديني يحترمون كلمته وعهده لفرنسا.
إن الشعب الفرنسي من بين كل الشعوب بتاريخه البطولي وعبقريته هو الوحيد الذي بإمكانهم الانسجام والتآخي معه.
لقد نشأت روابط قوية لا يمكن قطعها طيلة ما يقارب قرنا من الاحتلال ومن خلال الاحتكاك اليومي، والتفاعل البطيء والأكيد بين المصالح والأفكار.
إن قرناً من الحياة المشتركة يجعلنا لا نستطيع الاستغناء عن فرنسا وعن حكمها المنظم والسلم الذي توفره، ولا عن إمكانيات التطوير التي تمنحها للكفاءات الفردية، لا يمكن الاستغناء باختصار عن كرمها المتأصل فيها.
إذا كانت الحرية التي تتمتع بها المؤسسات الفرنسية تتيح الانفتاح الكامل على إمكانيات أبناءها، فإننا نود أن تعامل بالمثل أبناءها بالتبني الذين تعرضت أفضل نواياهم إلى التأويل الخاطئ أو عدم الفهم.
إن مهمة التعاون معكم، لا يمكن أن يقوم بها على أحسن وجه إلا رجال متنورون ومكلفون من طرفنا.
لذلك، ومع كل التقدير والاحترام لمقامكم، فإننا نتقدم إليكم مطالبين بتمثيل المسلمين في البرلمان الفرنسي، الذي نراه السبيل الوحيد الذي يمكننا من التعبير –للوطن الأم- عن ارتباطنا الوثيق بها، وربط مصيرنا بسلسلة المجد الطويلة التي تضع فرنسا على رأس الحضارة والتطور في العالم.
لقد استحققنا هذا الشرف الذي سوف توجب- بلا شك- على نفسها منحنا إياه.
في الجزائر المسلمة يمكن أن يكون هناك متخلفون، وعقول قاصرة لكن لا يوجد فيها من يعادي فرنسا.
لذلك فإننا نمد أيدينا وقلوبنا بكل الولاء نحو فرنسا التي نرجو أن لا تردها. كما أننا نلتمس منكم السيد رئيس الجمهورية ومن الشخصيات المحترمة المرافقة لكم أن تنقلوا تطلعاتنا وإذا اقتضت الضرورة، أن تكونوا الضامن فينا، إننا على يقين من أن التماسنا لن يذهب هباءاً
إن الرغبة في إنشاء وضع داخل فرنسا مشرف لها ومشرف لنا هو أوضح دليل على إننا فرنسيون صالحون وأن ليس لنا من هدف آخر سوى تمتين الأواصر التي تربطنا بالوطن الأم.
تحيا فرنسا –تحيا الجزائر- يحيا رئيس الجمهورية"
يجب أن نذكر من باب الموضوعية أن الأمير خالد كان يعتقد أنه كلما بالغ في الانحناء وإذلال نفسه أمام رئيس الجمهورية الفرنسية فإنه بذلك يكون أقدر على إقناعه بقبول مشروعه ذي النقاط العشر
1.تمثيل في البرلمان متساو مع الأوروبيين في الجزائر·
2. الإلغاء الكامل الشامل للقوانين والإجراءات الاستثنائية، ومحاكم الردع، ومحاكم الجنايات، والرقابة الإدارية مع تطبيق الشرعية العامة وحدها بلا قيد أو شرط.
3. نفس التكاليف ونفس الحقوق التي للفرنسيين فيما يتعلق بالخدمة العسكرية.
4. حق الوطنيين الجزائريين في الحصول عي كل الرتب المدنية والعسكرية دون أية تفرقة، اللهم إلا في الجدارة والكفاءة.
5. تطبيق قانون التعليم العام الإلزامي تطبيقا كاملا على الوطنيين مع إطلاق حرية التعليم·
6. حرية الصحافة، وحرية إنشاء الجمعيات.
7. تطبيق قانون فصل الكنائس عن الدولة على الدين الإسلامي.
8. العفو العام.
9. تطبيق القوانين الاجتماعية والعماليةعلى الوطنيين.·
10. الحرية المطلقة للعمال الوطنيين في الذهاب إلى فرنسا"[8].
وكان الجزائريون المتغربون قد فقدوا الثقة في زعامة الأمير خالد، حتى إنهم صاروا قبل وفاته بوقت طويل منقسمين إلى ما قد نسميه عناصر متطرفة،وعناصر معتدلة· فالمجموعة الأولى التي تمثل أقلية صغيرة من الجزائريين المتعلمين تعليما فرنسيا كانت تحت قيادة حفنة من مدرسي المدارس الابتدائية والثانوية (باللغة الفرنسية) في حين كانت المجموعة الثانية تحت قيادة الدكتور بن جلول وفرحات عباس.· والشيء الهام الذي ينبغي أخذه في الاعتبار ؛هو أن الخلاف بين جناحي الجزائريين المتغربين يعكس بطرق كثيرة الفرق الشديد الذي برز ـ كما رأينا من قبل ـ بين الكاثوليك و اللبراليين الفرنسيين بخصوص الأسلحة السياسية والاجتماعية الملائمة التي يتعين استخدامها ضد القيم المعنوية والثقافية والروحية لدى الشعب الجزائري، تلك القيم كترياق كانت ضد نظرية الامتصاص· ويمكن تلخيص الحجة التي قدمتها العناصر المتطرفة من الجزائريين المتغربين (الذين كانوا في الغالب من اليتامى الذين تعهدتهم بالتربية جماعات الكاردينال لافيجيري CARDINAL LAVIGERIE الكاثوليكية المشهورة: "الآباء البيض والراهبات البيض"[9] كالآتي :
“لن يتخلى الشعب الجزائري طوعا عن قيمه المعنوية والثقافية والروحية، كما أن الرأي العام الفرنسي لن يسمح أبدا للمشرعين الفرنسيين بأن يجعلوا الجزائريين مواطنين فرنسيين طالما ظلوا متشبثين بالقيم المذكورة، ومن ثم فلا مناص للجزائريين المتعلمين تعليما فرنسيا من أن يتخلوا عن أوضاعهم الشخصية والدينية· ذلك أنهم حين يقدمون على هذه الخطوة الحاسمة ويصبحون مواطنين فرنسيين وفقا لقرار مجلس الشيوخ المؤرخ في 14جويلية1865 يتسنى لهم عندئذ أن ينتزعوا من المستوطنين الفرنسيين الجشعين الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية اللازمة، وهي إصلاحات يترتب عليها من الوجهتين الاجتماعية والنفسية هدم القيم المعنوية والثقافية والروحية للشعب الجزائري·
ومع ذلك فإننا نجد البيان الكامل الواضح للنضال المرير الذي شنته العناصر المتطرفة من الجزائريين المتغربين في محاولاتهم محو شخصية الشعب الجزائري، في كتاب " الحقيقة في شأن الاضطراب الجزائري" تأليف عزيز قسوس الذي نشر في عام 1935، و "المشكلة الجزائرية كما يراها وطني" تأليف رابح زناتي، الذي نشر في عام 1938· وقد جادل زناتي سادته الفرنسيين قائلا:"لم يزل باقيا الجزء الأكبر من العمل الذي ينبغي أداؤه، إن الهدف الذي يجب الاتجاه إليه قبل كل شيء هو فرنستنا، أي إعطاؤنا روحا فرنسية، وعقلية غربية، وبالأخص التيسير لنا بأن نستجيب لمصيرنا الذي هو الدخول دون تردد في رحاب الأمة الفرنسية"[10] · وفي موضع آخر من كتابه، ذكر زناتي الجزائريين المتعلمين تعليما فرنسيا بأن الطريقة الوحيدة التي يمكنهم بها أن يعبروا عن امتنانهم للوطن الأم (فرنسا)التي يدينون لها بأرواحهم، هي أن يقنعوا الشعب الجزائري بأنهم لن يجدوا سعادتهم إلا في صدر هذا البلد الحنون.[11]
وكان يبدو أن زناتي قد استبد به القلق بسبب المقاومة العنيدة التي يبديها الشعب الجزائري ضد نظرية "الامتصاص"، مقاومة خشي أن تؤدى في النهاية إلى إعادة استقلال الجزائر، وما يترتب على ذلك من زوال النفوذ الفرنسي فيها، إذا ظل الشعب الجزائري متمسكا بقيمه المعنوية والثقافية والروحية، حتى أنه أنذر الجزائريين ذوي الثقافة الفرنسية بصورة غير مباشرة أنهم سوف يفقدون بقدر ما يفقده المستوطنون الأوروبيون، وربما أكثر منهم إذا فشلوا في القضاء على القيم المذكورة، وبالتالي إدماج الشعب الجزائري في نطاق المجتمع الفرنسي.[12]
وكان زناتي مهتما أيضا بتذكير المستوطنين، أن معارضتهم المتشددة لنظرية الامتصاص لا مبرر لها، لأن جماهير الشعب الجزائري، على عكس ما يخشون، سوف يظلون تحت تصرفهم في صورة مصدر للشغل الرخيص، حتى بعد أن يصيروا مواطنين فرنسيين، وكل ما عليهم (أي المستوطنين) أن يعملوه كي يحافظوا على امتيازا تهم السياسية والاقتصادية هو أن يقبلوا الجزائريين المتغربين شركاء صغار في استغلال مثل هذا المصدر للشغل الرخيص،[13] ولا تحتوي حجج زناتي المتسمة بالانفعال في الواقع على أي جديد بالنسبة إلى العناصر المعتدلة من الجزائريين المتغربين· ومع ذلك فعلى الرغم من إيمان هذه العناصر المعتدلة الشديد بفرنسا، ورغم أنهم يعتقدون كما أشار زناتي أن "المسلمين لن يحولوا أنظارهم عن الشرق إلا إذا أصبحوا فرنسيين بالكامل"[14]، فإنهم رفضوا أن يتخلوا عن أحوالهم الشخصية والدينية كما حثهم زناتي وأتباعه على أن يفعلوا ذلك· وإذا اتبعت العناصر المعتدلة من الجزائريين المتغربين هذا الأسلوب الحاسم في العمل الذي ظلوا معه، وبأسف عميق فهم خارج المجتمع الفرنسي، لم يكونوا في رأينا واقعيين تحت تأثير العقاب الاجتماعي القاسي الذي يوقعه حتما المجتمع الجزائري التقليدي، وبالطبع كل المجتمعات التقليدية الأخرى على أعضائها الذين يهجرون لسبب أو لآخر بيئتهم الحنون والتي هي مع ذلك عليهم غيور، ذلك لأن مثل هذه العقوبات الاجتماعية القاسية التي يمكن أن تؤدي إلى الحرمان الفعلي من الانتماء إلى الجماعة، حرمانا قد يشمل أيضا الموتى[15]، يمكن أن تؤثر فقط من الوجهتين الاجتماعية والنفسية على الأعضاء القادرين على الاتصال بوسطهم الاجتماعي وليست هذه حال العناصر المعتدلة من الجزائريين المتغربين، فهولاء لم يكونوا مرتبطين بالمجتمع الجزائري التقليدي، شأنهم شأن المتباعدين من تلقائهم مثل "رابح زناتي"، و"جان أمروش" Jean Amrouch، وغيرهم الذين وصفهم فرحات عباس بأنهم مجموعة من الناس "جاءوا من أفق آخر·· شجعانا مخلصين"[16]
ولعلنا نتساءل عن السبب الحقيقي خلف القرار الذي اتخذته العناصر المعتدلة من الجزائريين المتغربين بسد آذانهم دون الحجج الحماسية التي قدمها زناتي وأتباعه· الإجابة على ذلك هي أنهم كانوا يخشون، ولهم الحق في ذلك من أن ينجح بضعة الآلاف من الجزائريين المتعلمين تعليما فرنسيا في إحباط قضيتهم إذا هم تخلوا عن وضعهم الشخصي والديني وأصبحوا مواطنين فرنسيين· ذلك لأنه فضلا عن أنهم سوف يبدون في نظر المجتمع الجزائري التقليدي مارقين، فإنهم لا يستطيعون دون مساندة جماهير الشعب الجزائري أن يحصلوا من المشرعين الفرنسيين على الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية اللازمة التي يأملون بواسطتها هدم القيم المعنوية والثقافية والروحية لدى الشعب الجزائري· وحتى لو حصلوا بالفعل على مثل هذه الإصلاحات، فإنه يترتب على ذلك أن ينطوي الشعب الجزائري في داخل بيئته في حالة دفاع عن النفس، بمعنى أن يوصدوا عقولهم، اجتماعيا ونفسيا دون كل القيم السياسية والثقافية والاجتماعية التي تتبدى لهم مشوبة بالنفوذ الغربي·
وعلى ذلك فبينما اتفقت العناصر المعتدلة مع زناتي وأتباعه على أن الهدف الرئيسي للجزائريين المتعلمين تعليما فرنسيا هو إزالة العقبات التي تحول دون أن تصبح الجزائر جزءا مكملا من فرنسا، فإنها أوضحت أن هذه المهمة الهائلة الشاقة يمكن تحقيقها بوضع الشعب الجزائري من النواحي المعنوية والثقافية والروحية في حالة من الرضا والراحة النفسية التامة· وفقط عندما يتخلص الشعب الجزائري مما يكنه من ارتياب وضعف الثقة حيال الجزائريين المتعلمين تعليما فرنسيا، فإنهم سوف يقبلون الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخطرة من الوجهة الاجتماعية·
والشيء الذي يتعين على الجزائريين المتعلمين تعليما فرنسيا أن يعملوا ليحققوا هذا التخطيط السياسي الكبير، هو أن يقنعوا الشعب الجزائري بأن يتجمعوا تحت زعامتهم حتى يحصلوا على الجنسية الفرنسية، ويتمتعوا نتيجة لذلك بكل الحقوق والمزايا التي يتمتع بها الفرنسيون الأصليون، دون أن يضطروا مع ذلك إلى التخلي عن وضعهم الشخصي والديني· ومن أجل هذا يجب أن يعلن الجزائريون المتعلمون تعليما فرنسيا جهارا تأييدهم لقبول الشعب الجزائري في "الأسرة الفرنسية الكبيرة مع وضعهم الإسلامي" ويجب عليهم فضلا عن ذلك أن يطالبوا "بتطبيق مبدأ الفصل المطلق بين الكنيسة والدولة على الدين الإسلامي"، كما يجب عليهم فوق كل شيء أن يعلنوا جهارا أنه يجب تعليم اللغة العربية باعتبارها "لغة أساسية على نفس مستوى اللغة الفرنسية، في دور التعليم بمختلف مراحله، بما فيها الجامعة.
والسؤال الهام الذي ينبغي طرحه في هذه النقطة هو كيف تستطيع العناصر المعتدلة من الجزائريين المتغربين حمل مؤيديهم في فرنسا على استيعاب خط الجدل السابق ذكره؟ الإجابة على هذا هي أنهم يجب أن يعكسوا هذا الخط رأسا على عقب· فخط الجدل المقلوب يتمثل في الآتي: إن فكرة قبول عدة ملايين من الجزائريين في المجتمع الفرنسي "بوضعهم الإسلامي" ليست نقيض نظرية "الامتصاص"، فهي من ثمة لا تشكل تهديدا "للنظم الديمقراطية الأساسية للجمهورية الفرنسية"· ذلك لأن قيم الشعب الجزائري المعنوية والثقافية والروحية التي حالت إلى الآن دون اندماجه اندماجا تاما في الأمة الفرنسية يمكن بسهولة أن يستبدل بها القيم الغربية بمجرد حصول الشعب الجزائري على الجنسية الفرنسية· وسوف تمحى القيم الأولى في الوقت المناسب، ليس فقط لأنها لن تستطيع أن تقاوم العصرنة (استخدام الأساليب العصرية) التي سوف يعتنقها حتما المجتمع الجزائري التقليدي كنتيجة مباشرة للإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي سوف تمنحها فرنسا "لأبنائها في الجزائر"، وإنما أيضا لأن اللغة العربية التي يجد فيها الشعب الجزائري النمط الحي الملموس من التعبير عن أسلوبه في الحياة سوف تختفي بالكامل على مر الزمان· لأنها لغة "جامدة" متخلفة وراء عصرنا العلمي والتكنولوجي الشديد التعقيد، ومن ثم لا تستطيع أن تنافس اللغة الفرنسية، حتى لو أتيحت لها الفرصة المناسبة.
محصلة القول أن الجناح المعتدل من الطبقة المتغربة بقيادة الأمير خالد ثم الدكتور محمد الصالح بن جلول وفرحات عباس، هو للأسباب التي ذكرناها أشد خطراً على قيم الشعب الجزائري من الجناح المتطرف من نفس تلك الطبقة بقيادة بقاسم بن تامي ورابح زناتي وغيرهما.
إن المتغربين الجزائريين بصرف النظر عن كونهم معتدلين أو متطرفين تجمعهم قواسم مشتركة كثيرة مع نظرائهم في العالم الثالث وخاصة الذين صنعوا على عين فرنسا فإذا أخذنا مثلاً العناصر المتغربة في الدولة العثمانية الذين ظهروا كما ذكرنا أثناء العقد الأول من القرن العشرين، تحت اسم " الشاب التركي" سنرى بأنهم تبعاً لخلفيتهم الثقافية المتأثرة ب" موليير" "Moliere" و " راسين" "Racine" "وفولتير" "Voltaire و" جان جاك روسو" " Jean Jaques Rousseau" و "فيكتور هيغو" " Victor Hugo" قد اكتسبوا تماماً كالمتغربين الجزائريين عقلية غربية جعلتهم يعتقدون أن فرنسا هي منبع العلم الإنساني والتطور وأن السبيل الوحيد لتمكين بلدهم من اللحاق بالركب لا يكون إلا بتدمير قيمه المعنوية والثقافية والروحية التي تحول في نظرهم دون المضي في طريق التقدم.
لقد تمكن المنضوون تحت لواء " الشاب التركي" كما سنرى في الصفحات التالية من أداء المهمة التي أوكلت إليهم مهمة تنفيذها.
[1] حسب ما ذكر (Philippe Millet) في مقاله المعنون (Les Jeunes Algériens) الصادر في (Revue Paris) عدد نوفمبر/ ديسمبر 1913 ص:165؛ فإن أقدم نادي اجتماعي للشاب الجزائري تأسس في 1895 تحت اسم (Avant- garde sociale de Gymnastique) ثم "الرشيدية" و" التوفيقية" اللذان تأسسا في 1902 و1908 على التوالي. إلى جانب " أصدقاء العلم الحديث" و"نادي الشباب الجزائريين"في تلمسان ثم " نادي صالح باي" و (La Société Islamique) في قسنطينة و"الهلال" و" نادي التقدم" في عنابة. أما عن الجرائد فقد كان المتغربين الجزائريين صحيفتان هما " الإسلام" و" الرشيدي" تأسست الأولى في ديسمبر 1909 من طرف عبد العزيز طبيب، ثم آلت إلى الصادق دندن الذي نقلها إلى الجزائر سنة 1912 أما الثانية فقد أسسها نصيب الجيجلي في جانفي 1911.
[2] Jean Mélia P25.
[3] الرشيدي 3مايو 1912 أوردها شارل هنري فافرود "Charles Henri Favrod " المرجع السابق صفحة 144.
[4] لرشيدي، 18 من مايو 1912، أوردها ريتشارد Richard وجوان بريس Joan Brace"محنة في الجزائر: نشأة القومية الجزائر Ordeal In Algeria: Genesis Of Algerian Nationalism"،صفحة 21
[5]إلى جانب كل من..المحامي مختار الحاج سعيد، بوشريط علاوة متشار بلدية قسنطينة، د/ موسى مستشار بلدية قسنطينة، حاج عمر مستشار بلدية جيجل، جودي مستشار بلدية بسكرة، بن عكمان مستشار بلدية سرادي، بن ديدوش مستشار بلدية تلمسان، قارة علي موثق من عنابة.
[6] André Nouschi « le renaissance du nationalisme Algérien» Paris les édition de minuit 1962 P24.
* Revue du Monde Musulman Volume III N° 09 année 01 Sep. 1907 P494 –495.
[7]Source: Revue du Monde Muslman .Voulme 12 –14eme année N° 10Octobre 1910 PP631-632.
[8] (أوردها فرحات عباس، المرجع السابق، صفحتي 116 ـ 117)
[9]لم يكلل بالنجاح المجهود الذي بذله الآباء البيض والراهبات البيض في تحويل الشعب الجزائري إلي الدين المسيحي؟ مثال ذلك أن الفترة من 1865 إلى 1936 تدل على أن العدد الإجمالي للجزائريين الذين حصلوا على الجنسية الفرنسية عن طريق الكتاب المقدس أو بالطرق القانونية لم يتجاوز 7817 شخصا·
[10]رابح زناتي" المشكلة الجزائرية كما يراها وطني، صفحة 58"
[11]من أحسن من الوطنيين الذين نشأوا في المدرسة الفرنسية يستطيع أن يفهم العمل الذي يؤدي في هذا البلد ويذيق أولئك الذين يجري العمل في صالحهم حلاوة هذا العمل؟ من أحسن منهم يستطيع فهم إخوانه في الدين ويؤثر فيهم ويتولى قيادتهم، ويمضي بهم إلى فرنسا من أجل خيرهم المادي والمعنوي؟ من المسلم الذي لا يشعر ـ بارتباطه بموطنه الجديد ـ شعورا عميقا بالعرفان بالجميل؟ من ذا الذي لا يعتبر من واجبه الأساسي أن يخدم هذا الوطن(فرنسا) ويكون نافعا له في كل الظروف؟" (المرجع السابق، صفحة 48)·
[12]"يعيش الكثير منا معتمدا على معرفة اللغة الفرنسية والعلاقات التي تتيحها له، وسوف يحرمنا رحيل الفرنسيين من مزايا هائلة اكتسبناها بعد قرن من الجهود· لقد تأهلنا لحياة حديثة، حياة فرنسية، أبناؤنا يوجهون صوب حياة مشتركة، ونحن لا نميل إلى أن نتصرف كالأغبياء· ترى ماذا يكون مصير موظفينا، وأساتذتنا، وضباطنا، ومحامينا، وأطبائنا إذا حرموا فجأة من المزايا التي توفرها معرفتهم اللغة الفرنسية؟" (المرجع السابق، صفحة 59)·
[13]"لا يستطيع الوطنيون أن يستغنوا عن الفرنسيين، ولا يمكن أن يكون رخاء الفرنسيين إلا من صنع سواعد المسلمين·· إن المشكلة الحالية هي في إيجاد صيغة للاتفاق وأسلوب المشاركة يحمي المصالح المشروعة للفرنسيين الذين جعلوا من الجزائر أجمل زهرة في تاج الاستعمار الفرنسي مع منح التعويضات المشروعة التي يطالب بها المفكرون الوطنيون" (المرجع السابق، صفحتي 40، 41)·
[14]المرجع السابق صفحة 45
[15]إن كون عقوبة النبذ من المجتمع التي يحكم بها الشعب الجزائري، وكذا شعوب شمال إفريقيا كلها على مواطنيهم الذين تخلوا عن وضعهم الشخصي والديني وأصبحوا مواطنين فرنسيين توقع حتى على الموتى، يتجلى في رفض شعب تلمسان أن يدفنوا جثة دكتور بن تامي المتوفى في يونيه 1937 في مقابر المسلمين، ولم يكن موقف شعب تلمسان على أية حال نزاعا إلى العدوان كموقف إخوانهم التونسيين الذين أدى رفضهم دفن بعض المرتدين التونسيين في مقابر المسلمين 1933 إلى اضطربا عامة خطيرة·
[16]فرحات عباس، المرجع السابق صفحة 126· حاولت العناصر المتطرفة من الجزائريين المتغربين نشر آرائهم من خلال مجلة "صوت عامة الشعب" التي أنشئت عام 1922 ثم في مجلة "صوت الوطنيين" واستطاعت فضلا عن ذلك أن تنشر مبادئها في بعض الصحف الفرنسية التي يصدرها الكاثوليك والليبراليون الفرنسيون
ليست لديك وثيقة تثبت بأن الجزائر ملك لأبيك حتى تحرمني من الكلام ، لم أجبرك على المسؤولية ، و لك أن تجيب عن حالي السيء بأفعالك ، و إن قمعتني سأنتقم منك أو من أولادك أو من أحفادك ، المهم أن تدفع الثمن لأنك معتدي .icon31icon31icon31