أحلام العام الهجري الجديد١٤٤٠ هـ
22-09-2018, 10:13 AM
أحلام العام الهجري الجديد١٤٤٠ هـ
د.حمزة بن فايع الفتحي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
• طال به العهد، وانتفض من الغفلة والانشغال حتى أطل عليه العام الجديد..!
• لقد زادت سنيّ حياته، ودخل مرحلة جديدة من النضج والوعي، ولكن الحقيقة: أنها نقصان من عمره وصحته، قال الإمام الحسن البصري رحمه الله:" إنما أنت أيام مجموعة، كلما مضى يومٌ، مضى بعضك".
• كبر الصغير، وشاخ الشاب، وبلغت الفتاة، واعتل الصحيح، ونشطت الخبرة والمعلومات.
• طلّت سنة (١٤٤٠ )من الهجرة النبوية، وقد خلّف صلى الله عليه وسلم إرثا عظيما ودينا متينا، ولَم يزل أنصار دينه في كل مكان: عملا ودأبا، وجدا وانتشارا، ولو قلوا وعزّت عدتهم:[ ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون].(التوبة).
• ولا يزال دينه قائما بالتحدي للعالم، أن يأتوا بمثله، أو يقدموا حلا للبشرية من ذلك الضلال والخسار:[ لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا]، (الإسراء).
• وهو في انتشار وتجدد، برغم ما يلاقي من حملات وأعادٍ، وتسطع أنواره ومعجزاته من حين لآخر، ولا يزال الداخلون إليه يعجبون به، ويندهشون من تقصير أهله:[ وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم]، (محمد).
• كل عام يهل علينا، نترقبه ونحصيه، ونقيس أعمارنا، فهلا اتعظنا وتداركنا أنفسنا!!؟[أوَ لم نعمّركم ما يتذكر فيه من تذكّر وجاءكم النذير]، (فاطر).
• كنّا نتذكر أساتذتنا، وهم يسطّرون التاريخ في كل حصة دراسية، لا سيما مدرسو الحصص الأولى، وتعلمنا من ذلك أهمية الوقت، والتقييد اليومي، والإحصاء العمري، وأن تجعل لكل يوم وظائفه.
• وكان بعض الأحيان يبقى تاريخ السنة الماضية إلى زمن الجديدة، فيمحى بالممحاة على السبورة الخشبية.
• وارتبطنا روحيا وثقافيا بذلك التاريخ الهجري البهيج، وشاهدنا علماءنا وأرباب التأليف يقيدونه في مقدماتهم، فازددنا تعلقا واهتماما.
• وكنا نعد رحيلنا، وننتظر الانتقال للفصل الجديد، والدور الثاني، أو المدرسة الجديدة.
• وفِي تعاقب الأعوام تفسير لكثير من الأحداث التي لم تفهمها الطفولة، أو تجاهلها الشباب، أو استرخصتها الكهولة.
• وقال لنا المعلم قديماً: الهجري أي تاريخنا المؤرّخ بحدث الهجرة، والرحلة التاريخية لرسولنا الكريم من مكة إلى المدينة المنورة، وإنما تؤرخ الأمم بأحداثها العظام.
• والتي من خلالها: هاجرت أرواحنا إلى مدارج النور والعزة والتمكين:
[ وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم].( آل عمران).
• ولكنها هجرة مخططة مدروسة، خلت من العشوائية والاستعجال الناجي بلا ترقب وترتيب، فالرحلة سبقها إعداد وتأمل، وتقعيد واستقبال ورسل ورسائل، هيأت المكان وحمت الطريق، وهو ما نفتقده في كثير من ممارساتنا الدعوية.
• يذكرنا مبدأ العام بأرواحنا وبهجرة نبينا صلى الله عليه وسلم، حيث وُقت تاريخنا بذلك الحدث التاريخي المصيري المهول، وكيف ارتحل من مكة مهاجرا ليس له معين بعد الله إلا قلائل، وزاد يسير.
• ولكنه الخيار المُر بعد الحصار والأذى، والتماس أماكن دعوية تنصره وتسدده وتؤازره
• ذكرى الهجرة ذكرى ولادتنا من جديد، وذكرى عزتنا التي شعت بالانتقال الرحيب، إلى مدينة حصينة، ورجال أبطال، وطائفة ذات عزة واقتدار.
فما ذلّ الإباء بهم÷ وما بهمُ احتفى الفشلُ
• وفيها: درس التغيير والتحولات، وأن دوام الحال من المحال، وأن الليل مهما اشتد ظلامه، فإن الفجر لاح:[ ألا إن نصر الله قريب].(البقرة).
• وفيها أن أرض الله واسعة، يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين:
[ ألم تكن أرض الله واسعةً فتهاجروا فيها].(النساء).
• وأن الرزقَ ليس مربوطا بوقت أو بلد أو أشخاص، بل هو: قضاء الله وتقديره الباقي:[ فابتغوا عند الله الرزق].(العنكبوت)، فلن تموت نفس حتى تستكمل رزقها.
• وأن الإسلام: أكبر من المال والأرض والولد، ومسقط الرأس والذكريات.
سافر تجد عوضاً عمن تفارقه÷ وَاِنصَب فَإِنَّ لَذيذَ العَيشِ في النَصَبِ
إِنّي رَأَيتُ وُقوفَ الماءِ يُفسِدُهُ÷ إِن ساحَ طابَ وَإِن لَم يَجرِ لَم يَطِبِ
• وغالبا الأزمات وحالات التخويف والرعب لا تخيف القلوب المطمئنة، والنفوس الواثقة بنصر ربها وتأييده:[ وكان حقا علينا نصر المؤمنين].( الروم).
• وهنا درس التوكل على الواحد الأحد، والاعتماد على تدبيره وإعانته.
توكلنا على الرحمن إنّا÷ وجدنا النصر للمتوكلينا
حبُّك الأوطانَ عجزٌ ظاهر÷ فاغترب تلقَ عن الأهل بدل
فبمُكث الماء يبقى آسناً÷ وسُرى البدر به البدر اكتملْ
• ليوقن الفرد المسلم: أن دين الله منصور، وشريعته ظاهرة، وأنصاره بارزون وظافرون، فلا حزن مستديم، ولا نكبة قاتلة:[ لا تحزن إن الله معنا].( التوبة).
• ولا تزال معاني الهجرة حاضرة في الذهنية الإسلامية بترك المعاصي، ومغادرة أماكن الفساد والاضطهاد، والبحث عن مكان آمن ساكن، يتيح عملا، ويفيض خيرا ونورا، وفِي الحديث المشهور:" والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه".
• وفِي هجرته تلك: تعلق بالله وعبودية دائمة لا انفكاك عنها تعرف بالهجرة القلبية، قال العلامة ابن القيم رحمه الله في( الرسالة التبوكية ):
" وهي هجرة تتضمن (من) و (إلى)، فيهاجر بقلبه من محبة غير الله إلى محبته، ومن عبودية غيره إلى عبوديته، ومن خوف غيره ورجائه والتوكل عليه، إلى خوف الله ورجائه والتوكل عليه، ومن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له والذل والاستكانة له إلى دعائه وسؤاله والخضوع له، والذل له والاستكانة له، وهذا بعينه معنى الفرار إليه قال تعالى:(فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ)، والتوحيد المطلوب من العبد هو: الفرار من الله إليه".
• وأن التغيير الإيجابي مفيد ومؤشر لأحداث جديدة، وتطورات نافعة، ويسهم لاستراتيجيات عالية، ولو كان مكروها ابتداءً.
• وأن الغربة قد تصنع مؤثرات وعوامل نصر أكبر من إغراءات المحل والمكان الأساسي.
• وارتباط تاريخنا بذلك التوقيت المفصلي يحرك فينا مكامن الابتكار الدعوي والفكري والاجتماعي، وأن المؤمن الصادق في جد وبلاء، وحرص وجهاد، [وجاهدوا في الله حق جهاده].(الحج).
• وضرورة تخير الصحبة، وانتقاء الرفيق الأريب، والمعين السديد، الذي يشير ويجير، وينصح ويصون، ويصدق ولا يريب.
• وفِي السفر والهجرة من الفتوحات الإيمانية والتربوية والوجدانية والثقافية ما لا يخفى، قال ابن رجب رحمه الله في:(جامع العلوم والحكم):
" ومتى طال السفر: كان أقرب إلى إجابة الدعاء، لأنه مظنة حصول انكسار النفس بطول الغربة عن الأوطان، وتحمل المشاق، والانكسار من أعظم أسباب إجابة الدعاء...".
• وفيه علائق جديدة، وأفكار حديثة، واستنبات لغراس حسنة وأفانين مختلفة.
• وأن المرء رهينُ رزقه ونهضته وبروزه، خلافاً لمن قال:( خبز الوطن، خير من كعك الغربة)، إذ قد يتأخر ذاك الخبز، وتحوله معوقات وقهر وبلاء، فتُفرض الهجرة على بعضهم، فيجد الغنى والملذات.
عسى الكربُ الذي أمسيت فيه÷ يكون وراءه فرجٌ قريبُ
• ومضة:
اجعل كل عام ينسلخ منك: موعظة أمل ونصر، ونذارة خوف واستعداد.