متى نرى هذا الحكم القضائي التاريخي في حق دراسة اللغة العربية
20-02-2018, 01:33 PM
متى نرى هذا الحكم القضائي التاريخي في حق دراسةاللغة العربية!!؟
د. عصام فاروق

الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:

طرحتُ على بعض مُعلِّمي اللغة العربية في دورة تدريبية سؤالًا هو:
ما رأيكم في طالبٍ ضعيفٍ لُغَويًّا مُتفوِّقٍ علميًّا؟.

وقد رصدتُ اتجاهينِ أساسيين في إجابتهم عن هذا السؤال:

الاتجاه الأول: يرى أن الضعف اللُّغوي لدى الطالب لا يداويه تفوُّقُه في المناهج الدراسية الأخرى؛ لِمَا للغة من قيمة كبيرة، وتعجَّبوا مِن أن تجد طالبًا متفوقًا في الرياضيات، أو العلوم، أو الدراسات الاجتماعية، ومستواه مُتدنٍّ جدًّا في اللغة العربية!، وهو واقعٌ يُؤيِّده الكثيرُ من الشواهدِ والمشاهدِ.

الاتجاه الثاني: يرى أنه ما دام الطالبُ يُحصِّل دُروسَه العلمية، وليس ضعفُه في اللغة العربية عائقًا أمام ذلك، فما المشكلة إذًا؟، وهل كنا سنثير هذا السؤال إذا كان متفوقًا في الموادِّ كلها بما فيها اللغة العربية، وضعيفًا في مادة الرياضيات مثلًا؟.

وبعد الاستماع إلى مداخلاتهم، عرضتُ عليهم قصةً واقعية طريفةً، ذكرَتْها إحدى المِجلات العربية، وقد نقلَتْها المِجلة عن صحيفة ألمانية، ومُفاد القصة: أنَّ طالبةً ألمانية في شهادةِ ما يُسمُّونه (البكالوريا)، قد نجحَتْ بتفوُّق وامتياز في كلِّ موادِّ الامتحان، ولكنها رَسَبَتْ ولم تُمْنَحِ الشَّهادةَ، لأنها كانت ضعيفةً في اللُّغة الألمانية، ولم يشفَعْ لها تفوُّقُها في كلِّ الموادِّ الأخرى لدى الجهة التعليمية المسؤولة!.

ورفعت الطالبة أمرَها إلى محكمة (فرانكفورت)، مُطالِبةً بإلغاء قرارِ رُسُوبِها، والحكمِ لها بالنجاح وحقِّها في الشَّهادة، مستندةً إلى تفوُّقها في كلِّ الموادِّ، ومُدَّعيةً أن ضعفها في اللغة الألمانية ليس مُسوِّغًا لرسوبِها.
ولكن المحكمة رفضت طلبها، وأيَّدتْ قرار الجهة التعليمية المختصَّة في قرارها برسوب الطالبة.

ولم تيأسِ الطالبة، فرفعت أمرها إلى درجات التقاضي الأخرى، التي رفضت دَعْواها وصادقَتْ على قرار رسوبها، إلى أن وصلتْ بقضيَّتها إلى المحكمة الفدرالية التي هي عندَهم: أعلى درجات التقاضي، فرفضتْ هي أيضًا دعوى الطالبة، وأقرَّتِ الحكمَ برسوبِها، مُورِدَةً في حيثيَّات حكمها: أن اللغة الألمانية هي التعبير عن الفكر الألمانيِّ المستقلِّ، والمتَرجِم عن شخصية الألمانيين وهُوِيَّتِهم، وهي أهمُّ مادَّة في الامتحان، والضعف فيها لا يُغطِّيه التفوُّق والامتيازُ في الموادِّ الأخرى!.

وتساءلتُ أسئلةً لم أُرِدْ لها إجابةً؛ لقناعتي بإجابات محدَّدة فرضَها اعتزازي بالعربية، وقناعتي بما لها مِن مكانةٍ وقيمة ومنزِلة عظيمة؛ مِن هذه الأسئلة:

أيهما أولى أن تكون تعبيرًا عن الفكر المستقلِّ: الألمانية أم العربية، بما لها من مكانة ومنزلة وارتباط وثيق بالعقيدة والنص المقدَّس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه!!؟.

هل نحن مقتنعون فعلًا بأن العربية مُترجِمةٌ لشخصيتنا كأمَّة الضادِّ، أم يجد البعض في اللغات الأخرى ترجماتٍ أكثرَ صدقًا!!؟.

هل اللغة العربية هي أهم مادَّة في الموادِّ التي نُدرِّسُها لأبنائنا!!؟.

هل الضعفُ في مادة اللغة العربية يُغطِّيه التفوُّق والامتيازُ في الموادِّ الأخرى!!؟.

لو رفع طالبٌ عربيٌّ دَعْوى قضائية لإلغاء قرارِ جهة تعليمية، رأَتْ رسوبَه بشكل عامٍّ؛ لرسوبه في اللغة العربية وحدَها!، هل ستنصفُه المحكمةُ، أم ستنصفُ لغتَنا بما أنها ركنٌ ركينٌ وأساسٌ مكينٌ لهُوِيَّتِنا!!؟.

متى يُمكِن أن نرى حكمًا قضائيًّا يَرِدُ في حيثياته:
" إن اللغة العربية هي: التعبير عن الفكر العربيِّ والإسلامي المستقلِّ، والمتَرجِم عن شخصية العرب والمسلمين وهُوِيَّتهم، ولا يمكن أن نقيس بها أيَّ لغةٍ أخرى؛ لأنها لغةُالكتاب الخالد، واللغةُ الأكثر قدمًا في تاريخ اللغات البشرية الحيَّة، والضعفُ فيها قد يُرافِقُه ضعفٌ في العقيدة، وهي أهمُّ مادَّة في الامتحان، كما أن الضعف فيها لا يُغطِّيه التفوُّق والامتيازُ في الموادِّ الأخرى!!؟".