تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > المنتدى الحضاري > سير أعلام النبلاء

> نثر الإبريز من سيرة عمر بن عبد العزيز

  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: نثر الإبريز من سيرة عمر بن عبد العزيز
06-01-2018, 01:45 PM
4 ـ العدل في دولة عمر بن عبد العزيز:
قال تعالى:((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ))، وأمر الله بفعل كما هو معلوم يقتضي وجوبه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خبِيراً))، وللعدل صورتان:
صورة سلبية بمنع الظلم وإزالته عن المظلوم، أي: بمنع انتهاك حقوق الناس المتعلقة بأنفسهم وأعراضهم وأموالهم، وإزالة آثار التعدي الذي يقع عليهم وإعادة حقوقهم إليهم ومعاقبة المعتدي عليها فيما يستوجب العقوبة.
وصورة إيجابية: وتتعلق أكثر ما تتعلق بالدولة، وقيامها بحق أفراد الشعب في كفالة حرياتهم وحياتهم المعاشية، حتى لا يكون فيهم عاجز متروك، ولا ضعيف مهمل، ولا فقير بائس، ولا خائف مهدد، وهذه الأمور كلها من واجبات الحاكم في الإسلام.

وقد قام أمير المؤمنين عمر بهذا الركن العظيم والمبدأ الخطير على أتم وجه، وكان يرى أن المسئولية والسلطة هي: القيام بحقوق الناس والخضوع لشروط بيعتهم، وتحقيق مصلحتهم المشروعة، فالخليفة أجير عند الأمة، وعليه أن ينفذ مطالبها العادلة حسب شروط البيعة، وقد أحب الاستزادة من فهم صفات الإمام العادل وما يجب أن يقوم به ليتصف بهذه الخصلة الفريدة الحميدة، فكتب إلى الحسن البصري يسأله في ذلك، فأجابه الحسن:
" الإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده يسعى لهم صغاراً، ويعلمهم كباراً، يكتب لهم في حياته ويدخرهم بعد مماته، والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البّرة الرفيقة بولدها، حملته كرهاً، ووضعته كرهاً، وربته طفلاً، تسهر بسهره، وتسكن بسكونه، ترضعه تارة وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته، وتغتمّ بشكايته، والإمام العدل يا أمير المؤمنين وصيّ اليتامى، وخازن المساكين يربي صغيرهم، والإمام العدل يا أمير المؤمنين كقلب بين الجوانح، تصلح الجوانح بصلاحه، وتفسد بفسادهن والإمام العدل يا أمير المؤمنين هو: القائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويُسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم وينقاد إلى الله ويقودهم، فلا تكن يا أمير المؤمنين، فيما ملَّكك الله كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله، فبدَّد، وشرَّد العيال، فأفقر أهله وفرَّق ماله".

أـ سياسته في رد المظالم:
ـ أمير المؤمنين يبدأ بنفسه:
تنفيذاً لما أراده عمر من رد المظالم مهما كان صغيراً أو كبيراً بدأ بنفسه، روى ابن سعد: أنه لما رد عمر بن عبد العزيز المظالم قال:" إنه لينبغي أن لا أبدأ بأول من نفسي".
وهذا الفعل جعله قدوة للآخرين، فنظر إلى ما في يديه من أرض أو متاع، فخرج منه حتى نظر إلى فص خاتم، فقال:" هذا مما كان الوليد بن عبد الملك أعطانيه مما جاءه من أرض المغرب"، فخرج منه.
وكان ذلك لإصراره على قطع كل شك بيقين، وحتى يطمئن إلى أن ما في يده لا شبهة فيه لظلم أو مظلمة حتى ولو كان ورثه، خصوصاً وأن القصص والحكايات كانت كثيرة يتناقلها الناس عن مظالم ارتكبت على عهد خلفاء بني أمية وعمالهم، وقد بلغ به حرصه على التثبت أنه نزع حلي سيفه من الفضة، وحلاه بالحديد، قال عبد العزيز بن عمر:" كان سيف أبي محلى بفضة، فنزعها وحلاه حديداً".
وكان خروجه مما بيده من أرض أو متاع بعدة طرق كالبيع، ذلك أنه حين استخلف نظر إلى ما كان له من عبد وإلى لباسه وعطره وأشياء من الفضول، فباع كل ما كان به عنه غني، فبلغ ثلاثة وعشرين ألف دينار، فجعله في السبيل، أو عن طريق ردها إلى أصحابها الأصليين، وهذا ما فعله بالنسبة للقطائع التي أقطعه إياها قومه.
وهكذا بدأ عمر بنفسه يضرب المثل ويكون الأسوة أمام رعيته حين رد من أملاكه كل ما شابته شائبة الظلم، أو الشك في خلاص حقه فيه، فرد كل ذلك إلى أصحابه: انطلاقا من تمسكه بالزهد، وإيمانه برد المظالم إلى أصحابها: تقوى الله، ووضعاً للحق في نصابه.
وبعد أن انتهى من رد كل مال شك بأنه ليس له فيه حق: اتجه إلى زوجته فاطمة بنت عبد الملك ـ وكان لها جوهر ـ فقال لها عمر:" من أين صار هذا المال إليك؟"، قالت: أعطانيه أمير المؤمنين، قال: إما أن ترديه إلى بيت المال، وإما أن تأذني لي في فراقك، فإني أكره أن أكون أنا وأنت وهو في بيت"، وقد أوضح عمر لها سبب كرهه له بقوله:" قد علمت حال هذا الجوهر وما صنع فيه أبوك، ومن أصابه، فهل لك أن أجعله في تابوت ثم أطبع عليه وأجعله في أقصى بيت مال المسلمين، وأنفق ما دونه، وإن خلصت إليه أنفقته، وإن مت قبل ذلك، فلعمري ليردنه إليك". قالت له: أفعل ما شئت. وفعل ذلك، فمات ـ رحمه الله ـ ولم يصل إليه، فرد ذلك عليها أخوها يزيد بن عبد الملك، فامتنعت من أخذه، وقالت:" ما كنت لأتركه ثم آخذه"، وقسمه يزيد بين نسائه ونساء بنيه.

ـ رد مظالم بني أمية:
وإذا كان عمر قد بدأ بنفسه في رد المظالم، فقد ثنى في ذلك بأهل بيته وبني عمومته وبإخوته من أفراد البيت الأموي، وفور فراغه من دفن بن عمه سليمان بن عبد الملك، فقد رأى ما أذهله وهو أن أبناء عمه من الأمويين أدخلوا الكثير من مظاهر السلطان التي لم تكن موجودة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أو خلفائه الراشدين، فأنفقوا الكثير من المال من أجل الظهور بمظاهر العظمة والأبهة أمام رعيتهم ومن تلك المظاهر المراكب الخلافية التي تتألف من براذين وخيول وبغال، ولكل دابة سائس، ومنها أيضاً: تلك السرادقات والحجرات والفرش والوطاءات التي تعد من أجل الخليفة الجديد، وفوجيء بتلك الثياب الجديدة وقارورات العطر والدهن التي أصبحت له بحجة أن الخليفة الراحل لم يصبها، فهي من حقه بصفته الخليفة الجديد، وهذا كله إسراف وتبذير لا مبرر له يتحمله بيت مال المسلمين، وهو بأمس الحاجة لكل درهم فيه لينفق في وجهه الصحيح الذي بينه الله ورسوله، وهنا أمر مولاه مزاحماً فور تقديم هذه الزينة له ببيعها، وضم ثمنها إلى بيت مال المسلمين.
ولقد كانت لعمر بن عبد العزيز سياسة محددة في رد المظالم من أفراد البيت الأموي تكون لديه خطوطها فور تسلمه زمام الخلافة، حين وفد عليه أفراد البيت الأموي عقب انصرافه من دفن سليمان يسألونه ما عودهم الخلفاء الأمويون من قبله، وحين أراد عبد الملك أن يرد أفراد البيت الأموي عن أبيه كشف له أبوه عن سياسته تلك حين قال له: وما تبلغهم؟، قال: أقول أبي يقرئكم السلام، ويقول لكم: ((قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)).
ثم أوضحها له مرة أخرى حين جاءه يطالبه بالإسراع باستخلاص ما بأيدي الأمويين من مظالم، فقال:" يا بني، إن قومك قد شدوا هذا الأمر عقدة عقدة، وعروة عروة، ومتى ما أريد مكايدتهم على انتزاع ما في أيديهم لم آمن أن يفتقوا عليّ فتقاً تكثر فيه الدماء، والله لزوال الدنيا أهون علي من أن يهراق في سببي محجمة من دم ،أو ما ترضى أن لا يأتي على أبيك يوم من أيام الدنيا إلا وهو يميت فيه بدعة ويحي فيه سنة حتى يحكم الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الحاكمين؟".
ثم زاد في توضيح سياسته تلك حينما قال له ولده عبد الملك: ما يمنعك أن تمضي الذي تريد؟، فوالذي نفسي بيده ما أبالي لو غلت بك وبي القدور، قال وحق هذا منك، قال: نعم والله. قال عمر:" الحمد لله الذي جعل من ذريتي من يعينني على أمر ديني إني لو باهت الناس بالذي تقول لم آمن أن ينكروها، فإذا أنكروها لم أجد بداً من السيف، ولا خير في خير لا يجيء إلا بالسيف، يا بني، إني أروض الناس رياضة صعبة، فإن بطأ بي عمر أرجو أن ينفذ الله مشيئتي وأن تعدو منيتي فقد علم الله الذي أريده".
وهكذا يتبع عمر أسلوب الحكمة والحسنى في تنفيذ سياسته وتطبيقاً لهذه السياسة، فإنه قد مهد لهذه الخطوة الحاسمة والخطيرة بخطوات تسبقها: خروجه هو أولاً مما بيده من مظالم وردها إلى أصحابها أو بيت المال، ثم أتجه إلى أبناء البيت الأموي، فجمعهم وطلب إليهم أن يخرجوا مما بأيدهم من أموال وإقطاعات أخذوها بغير حق.
وشهدت الأيام الأولى من خلافة عمر تجريداً واسع النطاق لكثير من أموال وأملاك بني أمية، ظلت تنمو في الماضي وتتضخم لكونهم العائلة الحاكمة ليس إلا ..
وها هي الآن ترد إلى بيت مال المسلمين لكي يأخذ العدل مجراه، وتعود أموال المسلمين إلى المسلمين، لا يستأثر بها أحد دون أحد، ولا حزب دون حزب.. أموال وأملاك من شتى الصنوف والأنواع، جمعت بمختلف الطرق وسائر الأساليب جرد عمر بني أمية منها ومزق مستنداتها واحدة واحدة، وردها إلى مكانها الصحيح: مظالم وجوائز وهدايا ومخصصات استثنائية وضياع وقطاع، جمعت كلها على شكل ممتلكات ثابتة ونقود سائلة بلغت في تقدير عمر شطراً كبيراً من أموال الأمة جاوزت النصف، ولا تمضي سوى أيام معدودات حتى يجد بنو أمية أنفسهم مجردين إلا من حقهم الطبيعي المشروع، فيضجون ضد سياسة عمر هذه ويعلنون معارضتهم الصارمة لها، فماذا يكون جواب عمر. أنظروا:
" والله لوددت أن ألا تبقى في الأرض مظلمة إلا ورددتها على شرط ألا أرد مظلمة إلا سقط لها عضو من أعضائي أجد ألمه، ثم يعود كما كان حياً، فإذا لم يبق مظلمة إلا رددتها سألت نفسي عندها".
ولكن بني أمية لم ييأسوا من هذا الحزم والعزم إزاء حقوق الأمة، وهم الذين ما خطر ببالهم يوماً أن يجردوا هذا التجريد، فاجتمعوا وطلبوا من أحد أولاد الوليد وكان كبيرهم ونصيحهم، أن يكتب إلى عمر، فكتب إليه:
" أما بعد فإنك أنسيت ممن كان قبلك من الخلفاء، وسرت بغير سيرتهم، وسميتها المظالم نقصاً لهم لأعمالهم، وشاتماً لمن كان بعدهم من أولادهم ولم يكن ذلك لك، فقطعت ما أمر الله أن يوصل، وعملت بغير الحق في قرابتك، وعمدت إلى أموال قريش ومواريثهم وحقوقهم، فأدخلتهم بيت مالك ظلماً وجوراً وعدواناً، فاتق الله يا ابن عبد العزيز وارجعه، فإنك قد أوشكت لم تطمئن على منبرك إن خصصت ذوي قربتك بالقطيعة والظلم، فوالله الذي خص محمد صلى الله عليه وسلم بما خصه من الكرامة، لقد ازدادت من الله بعداً في ولايتك هذه التي تزعم أنها بلاء عليك، وهي كذلك، فاقتصد في بعض ميلك وتحاشيك".
ويظهر في هذا الكتاب مآخذ الأمويين على سياسة عمر وهي:
ـ ... خالف سيرة من قبله من الخلفاء وأزرى بهم وعاب أعمالهم.
ـ ... أساء إلى أولاد من قبله من الخلفاء.
ـ ... لم يكن عمله منسجماً مع الحق.
ـ ... إن قطيعة أهل بيته يهدد مكانه من الخلافة.
ولا ريب أن سياسة عمر بن عبد العزيز تهدد مكانة الأسرة الأموية وتضعف مراكز قوتها، وقد تؤدي إلى دفعها لاتخاذ مواقف مهددة للخليفة القائم، وفي هذا خطر كبير عليه وعلى الخلافة، وكان رد عمر حمم من نار الحق تتفجر في كل كلمة فيها:
" .. ويلك وويل أبيك!، ما أكثر طلابكما وخصمائكما يوم القيامة ... رويدك فإنه لو طالت بي حياة، ورد الله الحق إلى أهله، تفرغت لك ولأهل بيتك، فأقمت على المحجة البيضاء، فطالما تركتم الحق وراءكم".
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: نثر الإبريز من سيرة عمر بن عبد العزيز
01-03-2018, 09:29 AM
ـ بنو أمية يلجؤون إلى أسلوب الحوار الهادي:
وما أن يئس بنو أمية من صمود عمر إزاء معارضتهم الجماعية الشديدة هذه: لجؤوا إلى أسلوب الحوار الهادي، علهم يصلون عن طريقه إلى ما يشتهون، فيتكلمون معه يوماً مستشيرين فيه نزعة القربى وعاطفة الرحم، فيجيبهم:
" أن يتسع مالي لكم، وأما هذا المال ـ أي المال العام ـ فحقكم فيه كحق أي رجل من المسلمين، والله أني لا أرى أن الأمور لو استحالت حتى يصبح أهل الأرض يرون مثل رأيكم لنزلت بهم بائقة من عذاب الله"، ودخل عليه هشام بن عبد الملك يوماً، فقال:" يا أمير المؤمنين إني رسول قومك إليك، وإن في أنفسهم ما جئت لأعلمك به أنهم يقولون: إستأنف العمل برأيك فيما تحت يدك وخل بين من سبقك وبين ما ولوا بما عليهم ولهم"، وببديهة يجيب عمر:
" أرأيت أن أتيت بسجلين أحدهما من معاوية والآخر من عبد الملك، فبأي السجلين آخذ؟، قال هشام: بالأقدم، فأجاب عمر: فإني وجدت كتاب الله الأقدم، فأنا حامل عليه من أتاني ممن تحت يدي وفيما سبقني".

ـ بنو أمية يرسلون عمة عمر بن عبد العزيز:
فعندما عجز الرجال من بني أمية عن جعل عمر يخاف أو يلين عن سياسته إزاءهم، لجؤوا إلى عمته فاطمة بنت مروان، وكانت عمته هذه لا تحجب عن الخلفاء، ولا يرد لها طلب أو حاجة، وكانوا يكرمونها ويعظمونها، وكذلك كان عمر يفعل معها قبل استخلافه، فلما دخلت عليه عظمها وأكرمها كعادته، وألقى لها وسادة لتجلس عليها، فقالت: إن قرابتك يشكونك ويذكرونك أنك أخذت منهم خير غيرك. قال:" ما منعتهم حقاً أو شيئاً كان لهم، ولا أخذت منهم حقاً أو شيئاً كان لهم"، فقالت: إني رأيتهم يتكلمون، وإني أخاف أن يهيجوا عليك يوماً عصيباً. فقال:" كل يوم أخافه دون يوم القيامة، فلا وقاني الله شره". قال: فدعا بدينار وجنب ومجمرة، فألقى ذلك الدينار بالنار، وجعل ينفح على الدينار إذا احمر تناوله بشيء، فألقاه على الجمر فنشى وقتر، فقال:" أي عمه أما ترثين لابن أخيك من هذا!!؟".
وتؤخذ العمة بهذا المشهد المؤثر، وتلتفت إلى عمر طالبة منه أن يستمر في الكلام، فقال:
" إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة، ولم يبعثه عذاباً إلى الناس كافة، ثم اختار له ما عنده، وترك للناس نهراً شربهم فيه سواء، ثم ولي أبو بكر وترك النهر على حاله، ثم ولي عمر فعمل عملهما، ثم يزل النهر يستقي منه يزيد ومروان وعبد الملك وابنه الوليد وسليمان أبناء عبد الملك حتى أفضى الأمر إلي، وقد يبس النهر الأعظم، فلم يرو أصحابه حتى يعود إلى ما كان عليه"، فقالت: حسبك، قد أردت كلامك، فأما إذا كانت مقالتك هذه، فلا أذكر شيئاً أبداً،فرجعت إليهم، فأخبرتهم كلامه.
وجاء في رواية: إنها قالت لهم:".. أنتم فعلتم هذا بأنفسكم، تزوجتم بأولاد عمر بن الخطاب، فجاء يشبه جده"، فسكتوا.

ـ تلاشي المعارضة الجماعية لبني أمية:
وسرعان ما تلاشت السمة الجماعية لمعارضة بني أمية بعد ما رأوا من جد عمر إزاء أموال الأمة، وقالوا:" ليس بعد هذا شيء".
ومن ثم: أخذ كل منهم يسعى على إنفراد ليسترد ما يستطيع استرداده من الأموال، ولكن عمر الذي وقف تجاه رغباتهم مجتمعين، أحرى به الآن أن يتصدى لكل واحد منهم على انفراد، ويعلمه أنّ حق الأمة لا يمكن أن يكون موضع مساومة في يوم من الأيام.

ب ـ رد الحقوق لأصحابها:
لم يقف عمر عند حد استرداد الأموال من بني أمية وردها إلى بيت المال، بل يخطو خطوة أخرى، ويعلن لأبناء الأمة الإسلامية: أن كل من له حق على أمير أو جماعة من بني أمية أو لحقته منهم مظلمة، فليتقدم بالبينة لكي يرد عليه حقه .. وتقدم عدد من الناس بظلامتهم وبيّناتهم، وراح عمر يردها واحدة بعد الأخرى: أراضٍ ومزارع وأموال وممتلكات، ومرة بعث إليه واليه على البصرة برجل اغتصب أرض،ه فرد عمر هذه الأرض إليه، ثم قال له:
" كم أنفقت في مجيئك إلي؟". قال: يا أمير المؤمنين تسألني عن نفقتي وأنت قد رددت علي أرضي وهي خير من مائة ألف؟، فأجابه عمر:" إنما رددت عليك حقك"، ثم ما لبث أن أمر له بستين درهماً كتعويض له عن نفقات سفره.
وقد قال ابن موسى:" ما زال عمر بن عبد العزيز يردّ المظالم منذ يوم استخلف إلى يوم مات"، وذات يوم قدم عليه نفر من المسلمين، وخاصموا روح بن الوليد بن عبد الملك في حوانيت، قد قامت لهم البينة عليه، فأمر عمر روحاً برد الحوانيت إليهم، ولم يلتفت لسجل الوليد، فقام روح فتوعدهم، فردع رجل منهم وأخبر عمر بذلك، فأمر عمر صاحب حرسه أن يتبع روحاً، فإن لم يرد الحوانيت إلى أصحابها، فليضرب عنقه، فخاف روح على نفسه وردّ إليهم حوانيتهم، وردّ عمر أرضاً كان قوم من الأعراب أحيوها، ثم انتزعها منهم الوليد بن عبد الملك، فأعطاها بعض أهله، فقال عمر:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: .. من أحيا أرضاً ميتة، فهي له".
ولقد أحبّ آل البيت، وأعاد إليهم حقوقهم، وقال مرة لفاطمة بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما:
" يا بنت علي، والله ما على ظهر الأرض أهل بيت أحبّ إليَّ منكم، ولأنتم أحب إليَّ من أهل بيتي".

ج ـ عزله جميع الولاة والحكام الظالمين:
لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة عمد إلى جميع الولاة والحكام المسؤولين الظالمين، فعزلهم عن مناصبهم، ومنهم: خالد بن الريان وصاحب حرس سليمان بن عبد الملك الذي كان يضرب كل عنق أمره سليمان بضربها، وعين محله عمرو بن مهاجر الأنصاري، فقال عمر بن عبد العزيز:" يا خالد ضع هذا السيف عنك، اللهم، إني قد وضعت لك خالد بن الريان اللهم لا ترفعه أبداً"، ثم قال لعمرو بن مهاجر:" والله، إنك لتعلم يا عمرو، إنه ما بيني وبينك قرابة إلا قربة الإسلام، ولكني سمعتك تكثر تلاوة القرآن، ورأيتك تصلي في موضع تظن ألا يراك أحد، فرأيتك حسن الصلاة، خذ هذا السيف قد وليتك حرسي".
وهكذا استمر عمر في عزل الولاة الظلمة، وتعيين الصالحين.

د ـ رفع المظالم عن الموالي:
تعرض الموالي قبل عمر بن عبد العزيز للمظالم، فقد فرضت الجزية على من أسلم منهم، كما منعوا من الهجرة، مثلما حدث للموالي في العراق ومصر وخراسان وفي عهد عبد الملك أوقع الحجّاج بالموالي ظلم عظيم، فقد عمل على إبقاء الجزية على من أسلم منهم، وحرمهم من الهجرة من قراهم، وهذا ما دفعهم للاشتراك في ثورة ابن الأشعث ضد الحجّاج، كما وقع الظلم على الموالي في مصر وخراسان، فلما تولى عمر بن عبد العزيز أزال تلك المظالم التي لحقت بهؤلاء الموالي، وكتب إلى عماله يقول:
" .. فمن أسلم من نصراني أو يهودي أو مجوسي من أهل الجزيرة اليوم، فخالط المسلمين في دارهم، وفارق داره التي كان بها، فإن له للمسلمين وعليه ما عليهم، وعليهم أن يخالطوه، وأن يواسوه غير أرضه وداره، إنما هي من فيء الله على المسلمين عامة، ولو كانوا أسلموا عليها قبل أن يفتح الله للمسلمين كانت لهم، ولكنها فيء الله على المسلمين عامة".
وكتب إلى عامله على مصر حيان بن شريح ـ يقول:
" وأن تضع الجزية عمن أسلم من أهل الذمة، فإن الله تبارك وتعالى قال: [فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ].(التوبة،: 5)، وقال:[قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ].(التوبة،: 29).

وهكذا أبطل عمر تلك المظالم التي أصابت الموالي، فترتب على ذلك: أن أعاد إليهم حقوقهم المسلوبة والهدوء والطمأنينة إلى نفوسهم، وباتوا ينعمون بالمساواة والعدل مع غيرهم من أبناء الأمة الإسلامية.


  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: نثر الإبريز من سيرة عمر بن عبد العزيز
10-03-2018, 10:18 AM
هـ ـ رفع المظالم عن أهل الذمة:
زاد عبد الملك في عهده الجزية على أهل قبرص، وكان معاوية بن أبي سفيان غزا قبرص بنفسه، وصالحهم صلحاً دائماً على سبعة آلاف دينار وعلى النصيحة للمسلمين، وإنذارهم عدوهم من الروم، ولم يزل أهل قبرص على صلح معاوية حتى ولي عبد الملك بن مروان، فزاد عليهم ألف دينار، فجرى ذلك إلى عهد عمر بن عبد العزيز فحطها عنهم، كما أصابت الزيادة فيما يجبى من جزية أهل الذمة في العراق، وقد وضعها عنهم عمر بن عبد العزيز كسياسة عامة التزم بها في أن يرفع المظالم عن أهل الذمة حتى يدعهم ينعمون بحياتهم في ظل الشرائع الإسلامية السمحة، ويؤيد ذلك ما جاء في كتابه إلى عامله على البصرة ـ عدي بن أرطأة:
" أما بعد، فإن الله سبحانه إنما أمر أن تؤخذ الجزية ممن رغب عن الإسلام واختار الكفر عتيا، وخسراناً مبيناً، فضع الجزية على من أطاق حملها، وخل بينهم وبين عمارة الأرض، فإن في ذلك صلاحاً لمعاش المسلمين، وقوة على عدوهم، وانظر من قبلك من أهل الذمة ممن قد كبرت سنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه، فلو أن رجلاً من المسلمين كان له مملوك كبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب: كان من الحق عليه أن يقوته حتى يفرق بينهما موت أو عتق، وذلك أنه بلغني أن أمير المؤمنين عمر مر بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس، فقال: ما أنصفناك، إن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك، ثم ضيعناك في كبرك. قال: ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه".
كما بلغت سياسة عمر بن عبد العزيز في وضع المظالم عن الناس ومساعدتهم أيضاً حين كتب إلى عامله على الكوفة يقول:
" انظر من كانت عليه جزية، فضعف عن أرضه، فأسلفه ما يقوي به على عمل أرضه، فإنا لا نريدهم لعام ولا لعامين".
وقد أمر عمر ولاته بالأخذ بالرحمة والرأفة بالناس، فقد منع تعذيب أهل البصرة وغيرهم لاستخراج الخراج منهم، وعندما أرسل إليه عامله على البصرة عدي بن أرطأة يقول:" إن أناساً قبلنا لا يؤدون ما عليهم من الخراج حتى يمسهم شيء من العذاب"، فكتب إليه عمر:
" أما بعد، فالعجب كل العجب من استئذانك إياي في عذاب البشر: كأني جنة لك من عذاب الله، وكأن رضاي ينجيك من سخط الله، وإذا أتاك كتابي هذا، فمن أعطاك فاقبله عفواً، وإلا فأحلفه، فوالله لأن يلقوا الله بخياناتهم أحب إلى من أن ألقاه بعذابهم، والسلام".

و ـ إقامة العدل لأهل سمرقند:
لما وصل خبر تولية عمر بن عبد العزيز الخلافة إلى سكان ما وراء النهر، اجتمع أهل سمرقند، وقالوا لسليمان بن أبي السرّي:" إن قتيبة غدر بنا، وظلمنا وأخذ بلادنا، وقد أظهر الله العدل والإنصاف، فآذن لنا، فليفذ منا وفد إلى أمير المؤمنين، يشكو ظلامتنا، فإن كان لنا حق أعطيناه، فإن بنا إلى ذلك حاجة"، فإذن لهم سليمان، فوجهوا منهم قوماً، فقدموا على عمر، فكتب لهم عمر إلى سليمان بن السري:
" إن أهل سمرقند، قد شكوا إليَّ ظلماً أصابهم، وتحاملاً من قتيبة عليهم، أخرجهم من أرضهم، فإذا أتاك كتابي، فأجلس لهم القاضي، فلينظر في أمرهم، فإن قضى لهم، فأخرجهم إلى معسكرهم كما كانوا وكنتم قبل أن ظهر عليهم قتيبة".
فأجلس سليمان:" جُمَيْعَ بن حاضر القاضي"، فقضى أن يخرج عرب سمرقند إلى معسكرهم وينابذوهم على سواء، فيكون صلحاً جديداً أو ظفراً عنوة، فقال أهل الصُّغد:" بل نرضى بما كان ولا نجدِّد حرباً"، وتراضوا بذلك، فقال أهل الرأي:" قد خالطنا هؤلاء القوم وأقمنا معهم، وأمنونا وأمنّاهم، فإن حكم لنا عدْنا إلى الحرب، ولا ندري لمن يكون الظفر، وإن لم يكن لنا اجتلبنا عداوة في المنازعة"، فتركوا الأمر على ما كان ورضوا ولم ينازعوا.
أية دولة في القرن الواحد والعشرين تحني رأسها هكذا للعدل كي يأخذ مجراه وللحق كي يعود إلى أصحابه؟ وأي حاكم في تاريخ الشعوب التي لم تعرف الله: استجاب هكذا لنداءات المظلومين الذين سلبت حقوقهم كهذه الاستجابة السريعة الحاسمة من عمر بن عبد العزيز!!؟.
ألا أنه المسؤول الذي نذر نفسه للدفاع عن قيم الحق والعدل في أقطار الأرض، فبدونهما تفقد شريعة الله مقوماتها وأهدافها العليا، فهذا مثل رفيع من عدل عمر، وإننا لنلاحظ في هذا الخبر عدة أمور:
ـ ... أن الناس يقبلون على التظلم والشكوى والمطالبة بالحقوق حينما يكون الحكام عادلين، لأنهم يعلمون أن دعواهم ستؤخذ مأخذ الجد، وسينظر فيها بعدل،فهؤلاء المتظلمون قد سكتوا على ما هم فيه من الشعور بالظلم طيلة ولاية الوليد وسليمان، فلما رأوا عدل عمر بن عبد العزيز رفعوا قضيتهم.
ـ ... أن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز لم يهمل قضيتهم، وإنما أحالها إلى القضاء الشرعي، وهذا مثل من الخضوع للإسلام والتجرد من هوى النفس، و قد نذر نفسه لرفع المظالم وإقرار العدالة، وذلك لا يكون إلا بحكم الشرع والتحاكم إليه.
ـ ... أن أولئك القوم قد أسقط في أيديهم لما اطلعوا على كتاب أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ورأى أهل الرأي منهم أنهم خاسرون في كلا الحالين، سواء حكم لهم أو عليهم، وأن مصلحتهم في بقائهم على ما هم عليه، وبهذا زال تظلمهم، وشعروا بعدالة الحكم الإسلامي.
التعديل الأخير تم بواسطة أمازيغي مسلم ; 10-03-2018 الساعة 10:21 AM
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: نثر الإبريز من سيرة عمر بن عبد العزيز
15-03-2018, 11:05 AM
زـ الاكتفاء باليسير من البينات في رد المظالم:
نظراً لمعرفة عمر بن عبد العزيز بغشم الولاة قبله وظلمهم للناس حتى أصبحت المظالم كأنها شيء مألوف!!؟، فإنه لم يكلف المظلوم بتحقيق البينة القاطعة على مظلمته، وإنما يكتفي باليسير من البينة، فإذا عرف وجه مظلمة الرجل: ردها إليه دون أن يكلفه تحقيق البيئة، فقد روى ابن عبد الحكم وقال: قال أبو الزناد:" كان عمر بن عبد العزيز يرد المظالم إلى أهلها بغير البينة القاطعة، وكان يكتفي باليسير، إذ عرف وجه مظلمة الرجل ردها عليه، ولم يكلفه تحقيق البينة، لما يعرف من غشم الولاة قبله على الناس، ولقد أنقذ بيت مال العراق في رد المظالم حتى حُمل إليه من الشام".
فما أحسن ما فعله عمر بن عبد العزيز، وما أحسن التيسير على الناس قدر المستطاع، لأن فيه اختصار للوقت وتوفيراً للجهود.

ح ـ وضع المكس:
لما كان المكس من الظلم والبخس، لأنه جباية أو ضريبة تؤخذ من الناس بغير وجه شرعي، ولما كانت الزكاة على المسلم، والجزية والعشور والخراج على الذمي كافيه عما سواها، فقد نهى عمر عن المكس، وشدد في ذلك ومنعه كما يأتي: عن محمد بن قيس قال:" لما ولي عمر بن عبد العزيز وضع المكس عن كل أرض ووضع الجزيه عن كل مسلم"، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة أن:
" ضع عن الناس ... والمكس ولعمري ما هو بالمكس ولكنه البخس الذي قال الله فيه: ((وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ))، فمن أدى زكاة ماله، فاقبل منه، ومن لم يأت، فالله حسيبه".

خ ـ رد المظالم وإخراج زكاتها:
قرر عمر بن عبد العزيز رد المظالم التي في بيوت المال، وأخذ زكاتها لسنة واحدة، فعن مالك بن أنس عن أيوب السختياني: أن عمر بن عبد العزيز رد مظالم في بيوت الأموال، فرد ما كان في بيت المال، وأمر أن يزكي لما غاب عن أهله من السنين.

هذا هو عمر بن عبد العزيز في دولته التي أقامها على العدل، وكان رحمه الله يعلم ولاته أنه بالعدل تستقيم الحياة بكل شئونها، فلما أرسل إليه بعض عماله يقول: أما بعد، فإن مدينتنا قد خربت، فإن يرى أمير المؤمنين أن يقطع لنا مالاً نرمّها به فعل. فكتب إليه عمر:
" أما بعد، فقد فهمت كتابك، وما ذكرت أن مدينتكم قد خربت، فإذا قرأت كتابي هذا فحصِّنها بالعدل، ونَقِّ طرقها من الظلم، فإنَّه مرمَّتها والسلام". وكتب إلى بعض عماله:" إن قدرت أن تكون في العدل والإحسان والإصلاح كقدر من كان قبلكم في الجور والعدوان والظلم، فافعل ولا حول ولا قوة إلا بالله".
وكتب إلى أبي بكر بن حزم:" أن استبرئ الدواوين، فانظر إلى كل جور جاره من قبلي من حق مسلم أو معاهد فردَّه إليه، فإن كان أهل تلك المظلمة قد ماتوا فادفعه إلى ورثتهم".
وكان رحمه الله يواجه في تنفيذ ما يريده من العدل مصاعب ومشقات ومقاومة وعقبات، فكان ينفق بعض المال في سبيل تهدئة بعض النفوس، لإنفاذ الحق ونشر العدل، ورفع الظلم، دخل عليه ابنه عبد الملك ذات يوم، فقال: يا أبتِ ما يمنعك أن تمضي لما تريد من العدل؟، فوالله ما كنت أبالي لو غلت بي وبك القدور في ذلك؟، قال:" يا بني، إنما أروِّض الناس رياضة الصَّعْب، إني لأريد أن أحيي الأمور من العدل، فأوفِّر ذلك حتى أُخرج معه طمعاً من طمع الدنيا، فينفروا لهذا ويسكنوا لهذه".
وقام برصد الجوائز لمن يدل لمن يدل على خير، أو ينبه على خطأ، أو يشير إلى وقوع مظلمة لم يستطع صاحبها إبلاغها، فكتب كتاباً أمر أن يُقرأ على الحجيج في المواسم وفي كل المحافل والمجامع جاء فيه:
" أما بعد، فأيما رجل قدم علينا في رد مظلمة، أو أمر يصلح الله به خاصاً أو عاماً من أمر الدين، فله ما بين مائة دينار إلى ثلاثمائة دينار، بقدر ما يرى من الحسبة، وبعد الشقة، رحم الله أمراً لم يَتَكَاءده بعد سفر، لعل الله يحي به حقاً، أو يمت به باطلاً أو يفتح من ورائه خيراً".
ولاستعذابه حلاوة العدل ورحمته، وتنعم الناس بتفيّؤ ظِلاله كان يقول:
" والله لوددت لو عدلت يوماً واحداً، وأن الله تعالى قبضني".
ومع أنه رأى ثمرات العدل التي قطف منها جميع الناس في خلافته إلا أن نفسه التوّاقة لكل شامخ ورفيع كانت تطمح للمزيد، ولقد عبر عن ذلك بقوله:" لو أقمت فيكم خمسين عاماً: ما استكملت العدل".

وحتى الحيوانات نالهن عدله وإنصافه ورفع الظلم عنه، وإليك هذه المشاهد:
ـ النهي عن نخس الدابة بالحديدة وعن اللجم الثقال:
فقد أكد عمر بن عبد العزيز على الرفق بالحيوان وعدم ظلمه أو تعذيبه قال أبو يوسف: حدثنا عبيد الله بن عمر: أن عمر بن عبد العزيز نهى أن يجعل البريد في طرف السوط حديدة ينخس بها الدابة، ونهى عن اللجم الثقال ، وقد أصدر أوامره بمنع استخدام اللجم الثقيلة مع الخيول والبغال، كما منع استخدام المناخس ذات الرؤوس الحديدة.

ـ في تحديد حمولة البعير بستمائة رطل:
وحين بلغه أن قوماً يحملون على الجمال ما لا تطيق، وذلك في مصر كتب إلى واليها يحدد أقصى حمولة للبعير بستمائة رطل، وطلب منه إبلاغ قراره هذا الناس وأمره بتنفيذه.

كانت تلك بعض الملامح السريعة على إقامة العدل في دولة عمر بن عبد العزيز، إن من أهداف التمكين: إقامة المجتمع الذي تسود فيه قيم العدل ورفع الظلم، ومحاربته بكافة أشكاله وأنواعه، وهذا ما قام به عمر بن عبد العزيز رحمه الله.

  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: نثر الإبريز من سيرة عمر بن عبد العزيز
20-03-2018, 01:02 PM

5 ـ المساواة:
قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)) (الحجرات: 13).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى".
وقد قام عمر بن عبد العزيز بتطبيق هذا المبدأ في دولته، وكان أول مؤشر على رغبته في تطبيق مبدأ المساواة، حين أقسم أنه يودُّ أن يساوي في المعيشة بين نفسه ولحمته التي هو منها وبين الناس، فقال:
" أم والله لوددت أنه بُدئ بي وبلحمتي التي أنا منها، حتى يستوي عيشنا وعيشكم، أم والله، أم والله لو أردت غير هذا من الكلام، لكان اللسان به منبسطاً ولكنت بأسبابه عارفاً".
كما أن عمر اتخذ مبدأ المساواة بين الناس في الحقوق والواجبات في كافة مجالات الحياة، فلم يميز بين الناس في حقهم في تولي الوظائف والولايات، ولم يعط أحداً كائناً من كان شيئاً ليس له فيه حق، فقد ساوى بين أمراء وأشراف بني أمية وبين الناس، فمنع عنهم العطايا والأرزاق الخاصة، وقال لهم حين كلموه في ذلك:
" لن يتسع مالي لكم، وأما هذا المال ـ يقصد المال الذي في بيت مال المسلمين ـ فإنما حقكم فيه كحق رجل، بأقصى برك الغماد".
ومن أعماله التي تدل على ترسيخه بمبدأ المساواة بين الناس ما أعلنه عندما رأى أمراء بني أمية قد استحوذوا على قطع واسعة من الأرض وجعلوها حمى، يحرم من الاستفادة منها عامة الناس، فقال:
" إن الحمى يباح للمسلين عامة .. وإنما الإمام فيها كرجل من المسلمين، إنما الغيث ينزله الله لعباده، فهم فيه سواء".
كما ساوى بين من أسلم من أهل الأديان الأخرى من النصارى واليهود وبين المسلمين، وعمل على كسر حاجز التنافر بينهم، فقال:
" ... فمن أسلم من نصراني أو يهودي أو مجوسي من أهل الجزية اليوم، فخالط عمّ المسلمين في دارهم وفارق داره التي كان بها، فإن له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، وعليهم أن يخالطوه وأن يواسوه".
ويروي ابن سعد: أن عمر بن عبد العزيز جعل العرب والموالي في الرزق والكسوة والمعونة والعطاء سواء، غير أنه جعل فريضة المولى المعتق خمسة وعشرين ديناراً.
وفي مجال المساواة بين الناس أمام القضاء، وأحكام الإسلام، نكتفي بهذا الدليل الذي كان عمر فيه أحد أطراف النزاع أمام القاضي، وتفصيل ذلك أنه: أتى رجل من أهل مصر عمر بن عبد العزيز، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن عبد العزيز ـ يقصد والد عمر ـ أخذ أرضي ظلماً، قال: وأين أرضك يا عبد الله؟، قال: حلوان، قال عمر: أعرفها ولي شركاء ـ أي شركاء في حلوان ـ وهذا الحاكم بيننا، فمشى عمر إلى الحاكم، فقضى عليه، فقال عمر: قد أنفقنا عليها، قال القاضي: ذلك بما نلتم غلتها، فقد نلتم منها مثل نفقتكم، فقال عمر:" لو حكمت بغير هذا: ما وليت لي أمراً أبداً، وأمر بردها".
وكان عمر يقيم وزناً لمبدأ المساواة بين المسلمين حتى في الأمور العامة، ومن ذلك: أمره بأن لا يخص أناس بدعاء المسلمين والصلاة عليهم، فكتب إلى أمير الجزيرة يقول:
" .. وقد بلغني أن أناساً من القصاص قد أحدثوا صلاة على أمرائهم، عِدل ما يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا جاءك كتابي هذا، فمر القصاص، فليجعلوا صلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وليكن دعاؤهم للمؤمنين والمسلمين عامة، وليدعو ما سوى ذلك".
ومن ذلك يتضح اهتمام عمر بالمساواة بين عامة الناس حتى في الدعاء لهم، ولا يختص أحد بدعاء، فالمسلمون عامة في حاجة دعوة الله عز وجل لهم والله سبحانه وتعالى جدير بالإجابة، وقد طبق مبدأ المساواة بينه وبين عامة الناس، فقد حصل أن شتمه رجل بالمدينة لسبب أو لآخر، فلم يكن ما أمر به سوى ما قد يأمر به كما لو كان المشتوم أحد أفراد الأمة، ذلك ما حدث حين حُكم رجل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بن محمد بن حزم والي عمر على المدينة في صلاته ـ فقطع عليهم الصلاة، وشهر السيف، فكتب أبو بكر إلى عمر، فأتي بكتاب عمر، فقرئ عليهم، فشتم عمر، والكتاب ومن جاء به، فهمَّ أبو بكر بضرب عنقه، ثم راجع عمر وأخبره أنه شتمه، وأنه همَّ بقتله: فكتب إليه عمر:
" لو قتلته لقتلك به، فإنه لا يقتل أحد، بشتم أحد ألا أن يُشتم النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فإذا أتاك كتابي فاحبس على المسلمين شره، وادعه إلى التوبة في كل هلال، فإذا تاب فخلِّ سبيله".
ولم يكتف عمر بالأخذ بمبدأ المساواة بنفسه فحسب، بل كان يأمر عماله وولاته بذلك، فقد كتب إلى عامله على المدينة يقول له:
" أخرج للناس فآسي بينهم في المجلس والمنظر، ولا يكن أحد الناس آثر عندك من أحد، ولا تقولن هؤلاء من أهل بيت أمير المؤمنين، فإن أهل بيت أمير المؤمنين وغيرهم عندي اليوم سواء، بل أنا أحرى أن أظن بأهل بيت أمير المؤمنين، فإن أهل بيت أمير المؤمنين وغيرهم عندي اليوم سواء، بل أنا أحرى أن أظن بأهل بيت أمير المؤمنين أنهم يقهرون من نازعهم".

كانت تلك بعض مواقف عمر رضي الله عنه، و فيها دلالة واضحة على أخذهبمبدأ المساواة في دولته.
يتبع إن شاء الله.
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع


الساعة الآن 09:16 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى