اللغة العربية قضية نضال
10-10-2007, 04:21 PM
مقدمة
من أهم الأسباب التي دفعتني إلى بداية هذا البحث في اللغة العربية، هو انشغالي الكبير و منذ الصغر، بوضعية اللغة العربية، و تصورات الناس لها، و كذلك إيماني الكبير بأن اللغة تعتبر من أهم مقومات الشخصية، بل ربما أهمها، وهذا لأنها الوسيلة الأكثر فعالية في التعبير على مشاعر و أفكار الإنسان منذ ولادته و حتى وفاته.
و في الوقت الحاضر، لقد أصبحت مرادف للوطنية أو الجنسية، كما نلاحظ في معظم دول العالم.

فلا يمكن لشعب أن يتقدم إذا لم يكن له إيمان مطلق بلغته.

لقد حاولت من خلال بحثي في اللغة العربية، الإجابة عن تساؤلات كثيرة خطرت على بالي منذ بداية ذهابي إلى المدرسة، و مواجهة الازدواج اللغوي في التدريس، و عيش الصراع الكبير و في مختلف الميادين بين اللغة العربية و اللغة الفرنسية.
لقد كان الصراع غير متوازن منذ البداية، لأن أنصار الفرنسية كانت لديهم أحسن الأسلحة، و أكثرها تطورا، و من ورائهم بلد في أوج قوته، يدعمهم بمختلف الوسائل البشرية و المادية، و هذه متمثلة في مختلف الكتب والجرائد و المجلات، زيادة على الإذاعة و التلفزة و الوسائل الثقافية المختلفة. بينما أغلبية الشعب الأخرى لم تكن لديها سوى العقيدة و الإيمان.و لكن فيما يخص الدلائل المادية فهي إما منعدمة في الميدان أو عبارة عن أساطير و حكايات وصلتنا من أحقاب غابرة.

في هذا الجو المتدهور، و المشحون بمختلف التيارات السياسية، تابعت كغيري من الطلبة دراستي في الإكمالية، ثم الثانوية،و أخيرا الجامعة. و بعد ذلك انتقلت إلى إنكلترا للعيش في محيط جديد و ثقافة مختلفة، بين شعب عرف نفس الصراعات اللغوية، و لو أنها حدثت منذ قرون عديدة.
td ttt




tttt
لقد خرج منها منتصرا في النهاية، و هذا بفضل وطنية شعبه الفائقة و جهود أبنائه المعتبرة و في مختلف الميادين.

و لم تكن أبدا المعركة سهلة، كما تشهد عليه مقالة أحد كتابهم، سي ثوماس إليوط* في منتصف القرن السادس عشر، و هذا في محاولة تبرير استعماله للإنكليزية في الكتابة عوض اللاتينية، حيث كتب ما يلي في مقدمة كتابه:

“If physicians be angry, that I have written physics in English, let them remember that the Greeks wrote in Greek, the Romans in Latin, Avicenna and the other in Arabic, which were their own and proper maternal tongues”.

"حتى لا يغضب علي رجال الفكر في هذا البلد، عندما استعملت الإنكليزية في التعبير عن الفيزياء، يجب عليهم التذكر بأن الإغريق كتبوا باليونانية، الرومان باللاتينية، و بن سيناء و غيره بالعربية، و التي تمثل لغاتهم الأصلية ".

فاللغات الأكثر استعمالا في القرون الوسطى كانت اللاتينية، اليونانية و العربية. ومعظم علماء و فلاسفة العالم في ذلك الوقت كانوا يستعملون هذه اللغات في الكتابة و المخاطبة. بينما اللغات الحديثة مثل الإنكليزية و الفرنسية لم تكن لها قيمة تذكر سواء في مجال الفكر أو أي نشاط آخر.

لقد كان الصراع في أوجه من أجل إعطاء الاعتبار لتلك اللغات في بداية النهضة الأوروبية، و عملت شعوبها على تطوير لغاتها حتى تصبح في مرتبة العربية و اللاتينية.

و في الوقت الحاضر نلاحظ للأسف بأن العالم انقلب رأسا على عقب، و العكس هو السائد.

عندما كنت أدرس في إنكلترا طرحت على نفسي عدة أسئلة من بينها:
لماذا الإنكليز لديهم اعتزاز كبير بلغتهم، و اشمئزاز من دراسة اللغات الأجنبية؟

و لماذا لا يستعملون و لو رمزا واحدا من اللغات الأخرى في التعامل أو التخاطب (عن قصد )؟

لماذا عكس ذلك بالضبط يحدث في العالم العربي، و لا سيما الجزائر؟
بحيث عدد كبير من الناس يجهل أو يتجاهل لغته الأم، و يفضل العمل و التخاطب بلغات أجنبية مفروضة؟

كذلك حاولت الوصول إلى إجابة مقنعة عن الفكرة التي تدعي بأن العربية لغة صعبة،غير مستساغة ، لا تتماشى مع العصر ...

و هي ليست لغة علمية، ومن الأفضل في هذا العصر استعمال العامية عوض الفصحى ...

و لماذا لا توجد هنالك مصطلحات تعبر و بدقة عن الأشياء و الأجهزة الحديثة؟

هل هذا راجع إلى ضعف كامن في اللغة، أم بسبب انعدام النشاط و الاجتهاد في هذا الميدان من طرف العرب؟

فالبعض من الناس عندنا يظنون بأنهم وصلوا إلى درجة كبيرة من "التحضر"، و يرون بأنه من الأفضل الرجوع إلى أبسط الحلول و استعمال لغة أخرى (أثبتت قوتها و صلاحيتها)، و القضاء على كل المشاكل ... و هذا عوض محاولة النهوض (كما يقولون) بلغة عاجزة عن التعبير حتى على أبسط الأفكار العلمية الحديثة...

بل أسوأ من ذلك، هنالك فئة ترى بأن استعمال العربية سوف يرجعهم أحقابا إلى الوراء!

لقد كنت أبحث دائما عن إجابات مقنعة لهذه التساؤلات، و كذلك أحاول إيجاد الحجج القوية لتفنيد هذه الادعاءات.

و لكن، و كما ذكرت، فالصراع بين العربية و اللغات الأوروبية غير متكافئ في الميدان.

فيجب القيام بجهود عظيمة لتطوير الوسائل التي يمكن بواسطتها شرح، و بطريقة علمية بسيطة، تقنع الإنسان العادي، و تظهر له بأن معظم الأشياء التي يقرأها و يسمعها فيما يخص العربية، ما هي إلا أوهام و خرافات، لا أساس لها من الصحة.

و كما يقول الأستاذ القدير محمد حسن بكالة* في كتابه، الثقافة العربية عبر لغتها و أدبها:

"لا يوجد شيء ينقص العربية كلغة. الشيء الذي ينقص الدول العربية هو وجود أناس نشطين، احترافيين في علم اللسانيات و مخططين في ميدان اللغة ليساهموا في عصرنة العربية."

لقد فكرت في البداية، مباشرة بعد تقديم أطروحة الدكتورة (نهاية 88)، فكرت في تجميع كل الأفكار التي خطرت على بالي و تأليف كتاب لشرح بعض النقاط فيما يخص العربية و التي تبدو غامضة بالنسبة للكثير من الناس، و هذا إلى جانب مواصلة البحوث لكتابة العربية بخـط منفصـل*.


و أثناء انشغالي في كتابة أحد فصوله المتعلق بالجذور و المشتقات، جاءتني فكرة الوسيلة التربوية الترفيهية المشـقاق**. فتركت مشروع الكتاب و انتقلت مباشرة إلى تصميم و صنع الوسيلة.

يمكن هنا ذكر نكتة حدثت لي في لندن عندما ذهبت للاتصال بمؤسسة في صناعة الأجزاء البلاستيكية.عرضت على مدير المؤسسة التصميم الخاص بالمشقاق، و عندما شاهده قال لي:

What is that ?
بمعنى "ما هذا؟"
قلت:
The board design for an Arabic word game

أي " تصميم خاص بلعبة كلمات عربية."
فرد علي بدون تردد:
I thought that the Arabs knew only how to ride camels
بمعنى، " كنت أظن بأن العرب لا يعرفون سوى ركوب الجمال."

و أضاف بعد ذلك قائلا: "هذا تفكير قديم، يعود إلى 40 سنة، ربما الأشياء بدأت تتغير الآن."
ربما كان نوع من المزاح في كلام هذا المدير، و لكن بصفة عامة هذه هي صورة العرب في الخارج، و نفس الصورة التي تدل على الجمود و اليأس و الإحباط أصبحنا نؤمن بها أنفسنا.
إذا يجب القيام بعمل جبار لتغيير هذه الصورة المشوهة.

المهم، في النهاية تمكنت من التعامل مع عدة مؤسسات إنكليزية و صنعت المشقاق. و لكن بعد وضعها في سوق لندن و لمدة عام كامل، لاحظت من خلال ردود الأفعال المختلفة التي تحصلت عليها من طرف عدد كبير من الناس، و بالخصوص بعد نشر المشقاق المطبوعة* في جريدة المساء الجزائرية يوميا و لمدة نصف عام سنة 1991...
لاحظت بأن المشقاق لوحدها غير كافية لإسقاط جدار الغموض و الالتباس الذي يحيط باللغة العربية، ما دامت الأغلبية الساحقة من الناس ( وأعني هنا معظم الأساتذة و المثقفين، و طلاب الجامعات) لا تفهم بوضوح المبادئ الأساسية التي بنيت عليها العربية، رغم أن الكثير منهم ربما يفهم أشياء أخرى أكثر تعقيدا عن العربية.
لهذا السبب قررت الرجوع إلى فكرة الكتاب و إعادة ترتيبه من أجل تسليط الأضواء على الجوانب اللغوية التي تميز العربية على سائر اللغات الأخرى.

و نظرا للهوة الكبيرة التي توجد بين المثقفين و عامة الناس في البلدان العربية...
و نظرا للأفكار و المبادئ الخاطئة التي أصبح يؤمن بها الكثير من الناس...
و نظرا للطرق التقليدية الجامدة في تعليم لغتنا...

حاولت من خلال فصول هذا الكتاب أن أقدم و في شكل لغة بسيطة، أفكار لا يمكن إيجادها إلا في كتب أجنبية مختصة، و بالتالي فهي كانت دائما احتكار لنخبة معينة، و لو أن الكثير من النتائج في هذا الكتاب جديدة و أصيلة لم تنشر في كتب أخرى من قبل.
إنني أؤمن بأن معظم الأشياء و المواضيع في هذه الحياة يمكن التعبير عليها بأسلوب سهل، واضح، في متناول كل من يعرف القراءة و الكتابة. فالتطور لا يمكن أن يحدث في بلادنا إلا بتعميم العلم و المعرفة على أكبر عدد ممكن من الناس، مما يزيد في الوعي الثقافي، و الانفتاح الفكري.
ربما أحسن طريقة لشرح أهمية هذا البحث هي بالإشارة إلى الأمنية التي كتبها روبرتو هام* في مقدمة كتابه الهام من أجل حروف مطبعية عربية:

« Au terme de notre recherche, il aurait été facile – et avantageux à tout point de vue – de présenter, au lieu d’un exposé de méthode peut-être fastidieux pour les non-spécialistes, une belle typographie, construite sur les principes que nous exposons ici, adaptée aux exigences techniques modernes et de ce fait, du moins nous le croyons, aisément reconnue et adoptée. Nous ne repoussons pas l’éventualité d’une telle réalisation… Mais il nous a paru actuellement plus utile d’exposer une méthode qui encouragera la réalisation d’une gamme étendue des nouvelles familles typographiques , dans les styles les plus divers, mais techniquement satisfaisante.
Il existe une confusion entre les métiers artistiques, para-artistiques et les métiers où la créativité joue un rôle important. Cette confusion est importante dans le domaine de la communication visuelle, où l’on qualifie « d’artistes », les peintres, les décorateurs, les dessinateurs, les maquettistes, les photographes, etc., sans distinguer le but poursuivi par chacune de ces disciplines ni la méthode de travail qui lui est propre. C’est pourquoi on parle souvent « d’artistes » dans le domaine de la typographie ou, plus généralement, de la communication visuelle. Nous n’avons nullement l’intention d’ôter à la typographie sa valeur artistique, donc sa fonction esthétique ; mais nous voulons éclaircir un malentendu, en précisant que la fonction spécifique de la typographie, celle d’être un outil technique au service de la communication visuelle, ne peut être remplie que si cet outil a été élaboré sur des bases rationnelles, donc scientifiques ».

"كان بودّي أن أعرض في هذا الكتاب حروف مطبعية جميلة عوض الكلام عن طرق تكوين الحروف المطبعية الحديثة دون الوصول إلى نتيجة مرضية، الحروف المنشودة تكون منسجمة مع تقنيات الطبع الحديثة بحيث تعترف بها وتتبناها كل الدول العربية. هذا يبقى مجرد أمنية، و لكن لا يستبعد تحقيقه في المستقبل."
"يوجد خلط كبير بين الاختصاصات الفنية، و الأعمال التي يلعب فيها الابتكار دور هام. و هذا الخلط يبدو جليا في ميدان الإعلام البصري، بحيث يطلق الاسم فنان على كل من يمارس أعمال الرسم، الزخرفة، التصوير، التخطيط، الخ... دون التمييز بين هدف كل فرع، و الطرق الخاصة به. و لهذا السبب يعتبر العامل في ميدان تصميم الخطوط أو الإعلام البصري كفنان.
رغم أننا لا نريد إنكار الجانب الفني و الجمالي الذي لا بد أن يميز الحروف المطبعية، إلا أنه من الأفضل إضافة بعض التوضيحات، و ذلك بشرح الوظيفة الأساسية التي تلعبها الحروف المطبعية، و هي تتمثل في كونها وسائل تقنية لخدمة الإعلام البصري، بحيث لا يمكن الوصول إلى الهدف المنشود دون الاعتماد على طرق علمية في تصميم تلك الحروف."

و حتى نعود إلى واقع الأمة العربية و الارتباط الوثيق بين تقدم الشعوب و مكانة اللغة، تجدر الإشارة كذلك إلى الكتاب القيم "المؤسسات العلمية و قضايا مواكبة العصر في اللغة العربية"، الذي ألفه الدكتور صالح بلعيد*، و يقوم بعرض المشاكل العصرية التي تعيشها اللغة العربية بحيث يلخصها فيما يلي:

ـ المصطلح العلمي
ـ المعجم العربي
ـ الخطاطة العربية

هذه القضايا في نظر الباحث تعد من بين القضايا الأساسية التي يجب التركيز عليها بناءا على المعطيات العصرية لحل بعض العوائق العالقة في اللغة العربية. و إذا استطعنا حلها يمكننا دخول مجال الحضارة باللغة العربية و مواكبة العصر.

لم أتناول بالدراسة في هذا الكتاب سوى مشكلة الخطاطة العربية أو قضية تصميم أنماط جديدة من الخطوط تتلاءم مع الآلات الحديثة و لاسيما الكمبيوتر.

إن اهتمامي باللغة العربية أدى بي إلى التعرض بصفة أو بأخرى إلى الموضوعين الآخرين. بحيث فيما يخص الموضوع الأول، أي المصطلح العلمي، لقد تطرقت لهذه القضية الحساسة في مقال تحت عنوان " اقتراح في تكوين المصطلحات العلمية العربية " نشر في مجلة العلوم الإنسانية التابعة لجامعة قسنطينة*، و هو حوصلة لسنوات عديدة من البحث و التدريس في مقياس المصطلحات لطلاب التكنلوجيا بالمركز الجامعي بجيجل.

أما موضوع المعجم العربي فلقد أدركت أهمية المشكلة عندما قمت بتأليف "قاموس المشقاق الرسمي" الذي يوجد مع الوسيلة التربوية "المشـقاق".
القاموس مرتب وفق منهجية بسيطة تأخذ بعين الاعتبار الميزة الأساسية للعربية، ألا و هي الجذور و المشتقات.

هذا الكتاب يحتوي على قسمين رئيسيين. القسم الأول يضم أربعة فصول، حاولت فيه الابتعاد و بقدر الإمكان عن أي تعقيد في إعطاء معلومات تاريخية و لغوية و الاستعانة في أغلب الأحيان بصور و أشكال عوض الإكثار من المعلومات الكتابية. و هذا لأن الأشكال تتطلب مساحات صغيرة، و تحمل أفكار كثيرة بالمقارنة مع النصوص، و كذلك من السهل استيعاب أفكار جديدة و فهمها إذا كانت منظمة في لوحات و معالم، و هذا عملا بالمثل العربي الذي يقول خير الكلام ما قل و دل.

بعض التعليقات على الصور و الأشكال تمت منذ البداية بواسطة الأبجـدية الموحـدة*، و هي مشروحة بإسهاب في القسم الثاني الذي يضم الفصل الخامس و السادس. و ذلك من أجل إظهار قوة و ضرورة استعمال الخط العربي المنفصل لكتابة العربية في هذا العصر. لقد قمت كذلك بإعطاء أمثلة لبعض التطبيقات المهمة لهذه الأبجدية في مجال المعلوماتية، و لا سيما تلك المتعلقة بالتليتاكست، الكتاب الإلكتروني و الهاتف النقال الذي ستزداد أهميته في المستقبل القريب مع إمكانية الدخول مباشرة إلى الأنترنات دون استعمال الكمبيوتر.

من الصعب جدا تقدير و فهم هذا البحث دون قراءة القسم الأول، و الذي أعطيت فيه إجابات عن أسئلة من الممكن أن تطرحها على نفسك عند تعرضك لأول مرة لهذه الأبجدية الجديدة.
www.elkawader-dz.com