و قالت صاحبة كتاب( الأيام الأخيرة لمحمد) :إن المسلمين لا يعرفون نبيهم :
22-11-2018, 04:50 PM
تابع (سخافات كتاب: الأيام الأخيرة لمحمد) للكاتبة التونسية هالة الوردي .


فقد أشرت في المشاركة السابقة إلى تشكيكها في معرفة المسلمين بنبيهم بقولها بإن المسلمين لا يعرفون نبيهم حقيقة بسبب مصادر تلقيهم أخباره و أن

( هذه المصادر تثير العديد من الأسئلة)
- و تقول : والحديث جُمع بعد قرن ونصف :

و هي هنا تقر بأن الحديث (جُمِع) بمعنى أنه كان مكتوبا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان الصحابة يكتبون الحديث في حياته صلى الله عليه وسلم، وكانوا يحفظونه أيضاً، ثم نقله عنهم التابعون، وإنما الذي تأخر هو تدوين الحديث تدويناً عاماً في زمن خامس الخلفاء الراشد ين عمر بن عبد العزيز، وهو من التابعين رضي الله عنه .
صحيح أن النبي صلى الله عليه و سلم كان قد نهى - في بداية نزول القرآن عن كتابةِ الحديث؛ لئلاَّ يختلطَ بكلام الله ،و لكن الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - قد استثنى بعض الصحابة من النهي، فقد كان هؤلاء يكتبون، وغيرهم من الأميين كانوا يحفظون في صدورهم ما تيسَّر لهم من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم.

وبعد أن أمِن الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - الْتباسَ الحديث بالقرآن، سمح بكتابته للجميع فانبرى عدد من الصحابة بتدوين الحديث، فقد كان عبدالله بن عمرو، وعمرو بن العاص، وعبدالله بن عباس، وأنس بن مالك، ممَّن يكتبون الحديث ، على الرغم من حفظِهم له وقوة حفظهم، وجاءت عنايةُ التابعين بالحديث؛ لاعتقادهم بأنه وحي لا يختلف عن القرآن، إلا أن القرآن موحى بلفظه ومعناه، والحديث موحى بمعناه فقط.
(ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)

و في معناه يقول الشيخ ابن باز :
فهذا الحديث من الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومعنى (ومثله معه) يعني: أن الله أعطاه وحياً آخر وهو السنة التي تفسر القرآن وتبين معناه، كما قال الله : (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ).

ومن الصحف التي كُتِبت في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - صحيفة سعد بن عبادة الأنصاري، وصحيفة ابن جندب (ت 60هـ)، وكان لجابر بن عبدالله (ت 78هـ) صحيفةٌ أيضًا، والصحيفة الصادقة التي كتبها جامعُها عبدالله بن عمرو بن العاص (ت 65هـ)، فقد جاء عبدالله يستفتي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في شأن الكتابة قائلاً: أكتبُ كلَّ ما أسمع؟ قال: (نعم)، قال: في الرضا والغضب؟ قال: (نعم؛ فإني لا أقول إلا حقًّا)، وقد كانت لأبي هريرة - رضي الله عنه - صحفٌ كثيرة، وهذه الصحف كانت مشهورة عند الصحابة، وقد تناقلوها ورَوَوا الأحاديث عنها، وظهرت أحاديثها في صحيح البخاري، ومسند الإمام أحمد، وغيرهما، وإحدى صحف أبي هريرة رواها تلميذُه همام بن منبه، وقد عثَر على هذه الصحيفة الباحثُ المحقق الدكتور محمد حميد الله في مخطوطتينِ متماثلتين في دمشق وبرلين، وزاده ثقةً بما جاء فيها أنها برمَّتها ماثلة في مسند الإمام أحمد، وأن كثيرًا من أحاديثها مرويٌّ في صحيح البخاري في أبواب مختلفة .
والعرب كانوا يعتمدون في رواية الحديث على كتابتِها وحفظها معًا، فأشعار العرب مثلاً رُوِيتْ كلها عن طريق الحفظ، فكان الذين سمُّوا الحفَّاظ يحفظون آلاف الأحاديث عن ظهر قلب؛ منهم: يحيى بن معين توفي بالمدينة سنة 232هـ، وأبو زرعة الرازي الحافظ الثقة المشهور (ت 264هـ)، فقد كان يحيى يحفظ أربعَمائة ألف حديث، وقال الإمام أحمد عن أبي زرعة: أنه كان يحفظ سبعَمائة ألف حديث، وكان أبو زرعة يقول عن نفسه: "ما في بيتي سواد على بياض إلا وأحفظه"، وقال الشعبي: ما كتبت سوادًا في بياض إلى يومي هذا، ولا حدثني رجل حديثًا قط إلا حفظته، ومن الحفاظ مَن كان يستعين على حفظ الحديث بكتابته، فإذا أتقن حفظه، محاه، أو دعا بمقراض فقرضه؛ خوفًا من أن يتَّكِل القلب عليه؛ منهم: سفيان الثوري، وعاصم بن ضمرة (ت 174هـ)، وخالد الحذَّاء (ت 141هـ)، وابن شهاب، وابن سيرين.
و للرد عليها في التشكيك بالأخبار نقول أنهاخاضعة للنصوص أي الكتاب و السنة الصحيحة و ما خالفهما أو تناقض معهما لا يعتد به ، و قد أخضع المحدثون الرواة و الاخباريين إلى منهاج شديد الضبط دقيق في غربلة و تمحيص الأخبار لم تعرفه البشرية من قبل و هو المعروف بعلم التجريح و التعديل الذي يُعَدُّ مِنْ أهمِّ علوم الحديث وأعظمِها شأنًا وأبعدِها أثرًا؛ إذ به يتميَّز الصحيحُ مِنَ الضعيف، والمقبولُ مِنَ المردود، والأصيلُ مِنَ الدخيل.


بلادي و إن جارتْ علي عزيزة ٌ** و قومي و إن ضنوا علي كِرامُ