الإسلام والتخلف لا يجتمعان
10-09-2016, 02:17 PM
الإسلام والتخلف لا يجتمعان
محمد الهادي الحسني

قرأت في الكتاب الجميل مبنى ومعنى المسمى "جنان الراشدين" للأخ الدكتور محمد بابا عمي جملة أو كلمة لو شرحت شرحا وافيا لشكل ذلك الشرح مجلدا.
هذه الجملة القليلة الكلمات العميقة والمتعددة الدلالات هي: "الإسلام والتخلف لا يجتمعان" (ص 45)
لا ريب في أن قائل هذه الكلمة يرد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على أعداء الإسلام وخصومه في حربهم الشرسة على الإسلام، إذ يوهمون "المسلمين" "الجهلة" و"الغافلين" أن سبب تخلفهم عن الركب الحضاري هو الإسلام.. فيصدق "المسلمون" تلك الأكذوبة فينفضون عن الإسلام، ويزدادون بعدا عنه.. وينتهي الأمر في زعم هؤلاء وأولئك بانطفاء نور الإسلام، ويصبح الجميع "سواء" كما جاء في القرآن الكريم في قوله عز وجل : "ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء".
إن دعوى هؤلاء الحاقدين على الإسلام من أعدائه وخصومه في أن الإسلام هو سبب تخلف المسلمين ليست حديثة، ولعل من أشهر القائلين بهذه الدعوى الناشرين لها، المروجين لمقولة "عداوة" الإسلام للعلم هو الفيلسوف الفرنسي إرنست رينان الذي حمله حقده الدفين وتعصبه الأعمى على أن يتجنى على الحقيقة الساطعة سطوع الشمس في رابعة النار .. رغم ادعائه العلم والموضوعية.
لقد تصدى الإمام محمد عبده (ت: 1905) لهذا الدعي وأثبت له سفاهته، وضحالة "فكره"، لأن كلمة "العلم" تكرر ذكرها في آيات الخلق الثلاث في سورة البقرة "ثماني مرات"، بينما جاء فيما تسمى "توراة" أن آدم – عليه السلام - ما طرد من الجنة إلا لأنه أكل من "شجرة المعرفة".إن قيمة "العلم" في الإسلام قيمة أساسية، بل هي أول قيمة ذكرها القرآن في أول آية نزلت منه على قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذه القيمة ترقى إلى درجة "الوجوب" أو "فريضة" كما قال المعلم الأكبر – صلى الله عليه وسلم – وجميل قول الشاعر العراقي معروف الرصافي:

هل العلم في الإسلام إلا فريضة ** وهل أمة سادت بغير التعلم

فالعلم في الإسلام "مطلق كل الإطلاق، شامل كل الشمول، لا يقيده قيد، ولا يحده حد، وأنه قابل للتقدم والزيادة، والتغيير والتطوير، وأن هذا ليس مرده إلى الفهم الشخصي الذي قد يخطئ وقد يصيب، بل إلى الخطاب القرآني الصريح". (صبحي الصالح الإسلام ومستقبل الحضارة ص 49).
إن من يقرأ القرآن الكريم بتدبر يلاحظ أن الله –عز وجل- لم يأمر رسوله - عليه الصلاة والسلام - بالاستزادة من أي شيء إلا من العلم، فقال سبحانه، مخاطبا رسوله – صلى الله عليه وسلم - وآمرا له "وقل رب زدني علما"، وذكر العلماء أن التنوين في لفظ "علما" "يوحي بالاستغراق والشمول حتى كأن الإنسان في كل زمان ومكان يطالب أو بالأحرى نفسه بالاستزادة من كل علم يسبر به أغوار الوجود بلا حدود ولا قيود" (المرجع نفسه ص 30)
عندما نزل القرآن الكريم كان المسجد الحرام محاطا بمئات الأصنام الحجرية، يعكف عليها أصنام "بشرية"، وكان يفترض – بمنطقنا القاصر- أن يكون أول ما يأمر به هذا الدين هو تحطيم تلك الأصنام والتشنيع عليها وعلى الذين يخرون عليها، وأن يكون الحديث الأول عن "التوحيد"، الذي ما بعث الله الأنبياء والمرسلين إلا ليأمروا به وليدعوا إليه.. وكان يفترض أن تكون "الصلاة" هي أول ما يؤمر به الناس، أليست هي الفرق بين المؤمن والكافر؟ أليست الصلاة "عماد الدين" وأول ما يسأل عنه الناس يوم القيامة؟
لقد نزل القرآن الكريم في شهر رمضان، وهو ركن أركان الإسلام، أليس معقولا أن يكون هو أول مأمور به؟
ذلك كله لم يكن، وإنما الذي كان هو "اقرأ" وكم هو جميل قول أحمد شوقي:

ونودي "اقرأ" تعالى الله قائلها ** لم تتصل قبل من قيلت له بفم

والجلال والجمال هو أن هذا الأمر أمر به رجل "أمي"، لا تخط يمينه حرفا، وما علم الشعر وما ينبغي له، وكان في الأربعين من عمره... إنه نبي الهدى والعلم والأخلاق..
إن الإسلام هو دين "العقل" والعقل هو آلة الاستدلال، ولم يرد العقل "اسما جامدا" في القرآن الكريم بل ورد فيه في صيغة الفعل المضارع الدال على التجدد والاستمرار، وما ورد إلا مرة واحدة في صيغة الفعل الماضي.."من بعد ما عقلوه" وكذلك لم يرد في القرآن الكريم لفظ الفكر "اسما جامدا" ، بل ورد في صيغة الفعل المضارع وما ورد إلا مرة واحدة في صيغة الفعل الماضي "إنه فكَّر وقدر" ولهذا ذهب الإمام ابن حزم، رضي الله عنه – إلى أنه "لا يكون مسلما إلا من استدل" وهل لجاهل، أو شبه جاهل أن يستدل؟
إن الإسلام في مصادره "القرآن والسنة والسيرة" يجعل العلم "واجبا" يعاقب على تركه، ولم تجعله "حقا" يمكن النزول عنه .. ولكن – كما قال الرصافي - :

إذا كان ذنب المسلم اليوم جهله ** فماذا على الإسلام من جهل مسلم

وإذا كان الإسلام هو سبب تخلف المسلمين، فكيف تقدم أوائله في عهده المتقدم؟
إن الإسلام جعل العلم كالهواء لا يحرم منه أي إنسان، وقد قال الأديب والمفكر الفرنسي أناتول فرانس: "إن أسوأ يوم في تاريخ فرنسا هو يوم معركة بواتيه التي هزم فيها المسلمون فلم يدخلوا فرنسا"..
فلما استغرب الناس قوله أردف قائلا: "لو انتصر المسلمون ودخلوا فرنسا لربحنا سبعة قرون من الحضارة".
إن الإسلام لا يلتقي مع شائن من القول أو الفعل كالفوضى، والظلم، والوسخ، والبذاء، والحقد، ولكن المشكلة فينا نحن "المسلمين" فمتى نصير مسلمين؟ ألم يقل لنا ربنا في قرآنه الكريم "يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا" لأننا نقول في الإسلام بأفواهنا ما ليس في قلوبنا وسلوكنا.