أزمة الموسيقى في الانشاد
06-02-2016, 10:51 PM
أزمة الموسيقى في الإنشاد
هي أزمة بالمعنى الكامل للكلمة، و حين يتنكّر جلّ الإنشاديّين للإنشاد كفن غنائيّ دينيّ له خصوصيّاته و مميّزاته، و تصبح الموسيقى شيئا عاديا يُتناسى مع الوقت، و لا سيّما مع الجيل الصّاعد الذي ينشأ على الدّخيل دون أن يدرك أنّ ما يتغذى عليه فكره ظاهرة غير صحيّة.
و عليه؛ فإنّ التأزّم الذي نتكلم عنه ما فتئ يتعاظم حتى طغى على القضيّة بعد آخر، و أصبح الحديث يدور حول مواضيع هي في الواقع نتائج ترسّبت عن معطيات سابقة.
● لماذا هي أزمة ؟ :
لا يمكن اعتبار الموسيقى أزمة في حدّ ذاتها، و لا كونها تهديدا مثلما ينظر إليها البعض، حقيقيّا يقوّض الأسس التي بنيت عليها الرؤية السليمة نحو كثير من الفنون، فهي كغيرها فنّ من الفنون التعبيريّة، و علم من العلوم، و لكن الطريقة التي نقحمها بها في باقي المجالات هي التي تجعل الآخرين ينظرون إلى العمليّة ككلّ بمنظار أسود.
إذن فنحن و مدى بصيرتنا، أما الفنون فتبقى فنونا تعبر عن مكنونات النفس، و تبقى العلوم علوما تقنن هذا الوجود الذي نحن موجودين فيه، تسري علينا قوانينه، ربما لا نملك حق إعدام أي شيء فيه سوى ما كان مناقضا للتوحيد و ما يفرضه من تبعات.
إنّ ما حققته الأنشودة و النشيد في الواقع من انتصارات كانت بتضحيات باهضة الثمن، لم تكن هينة على الإطلاق، هي ضرائب دفعها أصحابها مقابل أن ينجحوا، على اعتبار الإنشاد وسيلة دعويّة كباقي الوسائل الأخرى، وسيلة يجب أن تصان دائماً و على مدى السّاعة كي تبقى محافظة على فعاليّتها.
أزمة الموسيقى في الإنشاد أزمة حقيقيّة لا يمكن إطلاقاً التعامي عنها بدعوى دينيّة أو بخفّة تماس، لا يمكن هكذا ببساطة شديدة إغفال مدى التأثير الحاصل؛ و الذي سيحصل لو تنوسيت المسألة؛ أو لم تُؤخذ على قدرها الحقيقيّ.
أزمة الموسيقى في الإنشاد إشكاليّة بمعنى الكلمة حين نعلم أنّ الأصل سيتبخّر و يبقى الدّخيل، و هذا الأخير؛ لا يمثل الأصل أبدا؛ و إن كان كذلك؛ ما أعطينا للقضيّة كل هذا الاهتمام، إنّما هو تطفل حميد سرعان ما يسرطن كلّ شيء.
إنّ الأزمة لا تعني الندرة و ما نفرضه من حلول أخرى، فلقد كانت الموسيقى أزمة في الإنشاد منذ القديم، إنّما هو تغيّر من رقم لآخر في مجال سلبيّ ما زال لم يتزحزح من مكانه.
لقد نُظر إلى الموسيقى على أساس أنها شيء لا يتعلّق بالإنشاد، باتخاذ مواقف سلبيّة نحوها، فهي الانحلال و التفسخ، بل مدعاة إلى كل شر، و لكن دعونا نتساءل بكل موضوعية مستطاعة؛ و بعيداً عن الأفكار المسبقة؛ هل الموسيقى شريرة إلى هذا الحدّ ؟، أم أنّ الشرّ في كيفيّة استخدامها ؟.
هل يجب أن نمنع كلّ شيء يثبت ضرره مهما كان مصدر هذا الضرر ؟.
لقد حُرّم الخمر رغم ما فيه من فوائد لأنه يُفقد التوازن العقليّ للفرد قبل أن يسبّب أمراضا أخرى، و أيّ شخص كان إذا ذهب عقله؛ أصبح و البهيمة سواء، و لو وضع الخمر أينما وضع و غُيّرت أسماؤه متى ما تغيّرت فإنه سيبقى خمرا، محرّما بنصّ الشريعة الإسلاميّة، لعلّة الإسكار، و متى وما توفرت هذه العلّة في أيّ مشروب كان حلّت عليه اللّعنة.
إنّ المناخ الذي صنعه الماجنون هو ما أدّى إلى تصنيف كل شيء داخله صنيعة الشيطان، فالمرأة تبقى امرأة هي الزوجة أو العشيقة، و الطاولة تبقى طاولة عليها أوراق و كتب و أقلام، أو فوقها أوراق القمار، و قس على ذلك إلاّ الذي حمل في ذاته علّة التحريم.
ثمّ هل من الحكمة أن نسحق كلّ جميل لأنه منبع الشر ؟، فالله جميل يا سادة يحبّ الجمال.
و لو انتقلنا مباشرة مكن هكذا موقف إلى نقيضه لو نضف سوى الزيت للنار، و ما زدنا الطين إلاّ بللا، فنحن كعطشان كاد يهلك، ما صدّق أن وجد الماء فاندفع فيه، فإن لم يوقفه عاقل هلك بكثرة شربه، بعدما كان في أوّل المسألة من عداد الموتى، أو من المحسوبين على الأموات.
و الآن أتى الوقت لننظر إلى الموسيقى وفق منطلق جديد، فالإنشاد فن غنائيّ كغيره من الفنون الغنائيّة، له مميّزاته و خصائصه، أمّا الموسيقى فهي متطلّب من متطلّباته التي يقوم عليها، جب أن ندخلها إليه ضيف شرف و لا أكثر.
لكن ما حدث يجعلنا نضرب الأكفّ حسرة، حيث تمّ إقحامها و حشرها في المكان الذي لا يتسع لها، حتى أنها أخذت من الأصل كلّ مأخذ، و عادت الأزمة مثلما كانت عليه بملبس جديد.
ساهم انتشار وسائل الإعلام في ترويج كل معلومة، و صار من الممكن جدا بسط أيّ منتوج غنائيّ، و تحت أيّ مصطلح، فحلّت الأغاريد مكان الأناشيد، و أضحت ما تسمّى الأغنية الرّوحيّة سيّدة الموقف، و ضاعت هويّة الإنشاد الحقيقيّ بين عابث لا يقيم للمصطلحات أدنى اعتبار؛ و متشدّد بقي مستمسكا بعوالق الماضي دون أن يدرك تطوّر الأوضاع، و حريص ينتحر بسلاحه الأبيض شيئا فشيئا.
هي أزمة عادت تحت مستجدّات العصر، لمّا انضمّت للعائلة شخصيّات لم تتتلمذ على الأفكار الصّحيحة، و ساعد الفراغ الذي عرفته السّاحة على بروز أفراد أقرب لفن التغريد منهم لفن الإنشاد، و تحت ضغط ثقافة الاستهلاك؛ لم يعد الجمهور يفرّق بين التوأمين.
هل تنتظر من شخص غريب أن يدلّك على المكان ؟.
هي أزمة حقيقيّة و واقعيّة حين أصبحنا نرى أنّ تربية النشء الجديد تقوم على التغريد كإنشاد، فهذا الخلط بين المصطلحين يشكّل تهديداً للدّعوة الفنيّة من عدّة أبواب :
01 - لا يفرّق الأطفال بين المتغيّرات؛ لأنّهم سيتلقّون تربية تمحو كلّ الفوارق بين الفنّين، فالإنشاد لديهم هو التغريد، و التغريد هو الإنشاد.
02 - سيحلّ التغريد مكان الإنشاد في عقولهم، لأنّهم لم يألفوا اختلافاً واضحا؛ و بالتالي لا وجود لشيئين بل هو شيء واحد، و الإنشاد الحقيقيّ يصبح عندهم ناقصاً، لأنهم ألفوا الاستماع إلى آلات العزف، و مكن ألف شيئا أصبح له عادة، و أصبح يرى كلّ شيء مخالفا لما ألفه.
● الموسيقى و الإيقاع :
قبل الغوص في الكتابة؛ نضع خطّاً فاصلاً بين الموسيقى و الإيقاع، فإذا كانت الموسيقى علم النغمات؛ فالإيقاع علم الأوزان، و الوزن إحساس داخليّ يكون عليه وتيرة العمل، أمّا إذا أخرجنا هذا الإحساس؛ فنحن أمام مفهوم الإيقاع مباشرة.
و في هذا مشكلة لدى البعض، كونه لا يميّز بين ما هو عزف و بين ما هو وقع، و كلاهما شعور مترجم في ظاهر ما، أ كان آلة عزف أم آلة إيقاع.
إنّ الفرق الموضّح بين الإيقاع و الموسيقى هو الذي يوجهنا لاستعمال الأوّل و توظيف الثانية، فإن رُفض الإيقاع كان نشيدا، و لا غبار على القضيّة برمّتها، أمّ الموسيقى فلا تستعمل بأيّ شكل من أشكال الاستعمال كي لا تضيع هويّة الإنشاد الحقيقيّ.
و لكن سبق و أن أشرنا إلى التوظيف، فما معناه ؟.
لنجيب أوّلا على هذا السّؤال ؟.
هل باستطاعة المنشد أو المنشدة الوصول إلى الصّوت الصّحيح مثلما يجب أن يكون ؟.
أكيد أنه بحاجة إلى أداة ما تضمن له تحقيق المبتغى ؟، أ ليس كذلك ؟؟.
و هذه الأداة هي الضّمان الوحيد الذي يجعله في مأمن من الخطأ، فإذا أخطأ في الصّوت؛ صار لا يفرّق بين المقامات، لأنّ الأصوات الموسيقيّة لديه كلّها متشابهة.
إنّ تجميل الصّوت البشريّ لا يكون إلاّ بتصحيحه وفق مقام موسيقيّ بسيط في البداية، لتتعقد المسألة أكثر فأكثر في مقامات أكثر صعوبة، هي أصوات موسيقيّة صعبة التجسيد،و العمل العسير ييسّره الله إذا بادرنا بأوّل خطوة سهلة فيه، هذا هو الأخذ بالأسباب؛ و على الوكيل فليتوكّل المؤمنون بعقيدتهم.
من منطلق مثل هذا المنطلق؛ يتأسّس لدينا متسع فكريّ يجعلنا في راحة و سكينة، و يدفعنا إلى اتخاذ مواقف كثيرة تجاه قضايا متعدّدة دون أن نخشى أرض التيه.