مشاركتي في مسابقة أول نوفمبر ثورتنا في قلب فرنسا
31-10-2015, 08:56 PM
ثورتنا في قلب فرنسا
في مساء اكفهر فيه وجه السماء وخيم سكون رهيب على غرونوبل ، ولم يبق سوى اصحاب الزي الازرق يمشطون المكان خرج من عمله متجها الى مكان اقامته باحدى العمارات ( على شكل نزل صغير ) جسده الملتف بمعطف ثقيل ازداد ثقلا بتناويحه ، هواجس ترون على راسه كهباب الحب المذرى قد عصف به خماس دهره ، نبا عنه حق المساءلة ووجد نفسه وحيدا بين قضبان ايامه الحالكة، اخ مريض ، والد سجين، زوجة اب هزيلة يتيمة وحيدة لا باب تطرقه لتعيل ابناءها ولا مصدر تنتظر منه الفرج سوى جيبه
وصل الى نزل الحاسن بن حافظ، الواقع بشارع لي زاليي Rue des Alliés منهكا، فاستلقى على فراشه دون ان يخلع نعليه، فالنوم هو ملاذه الوحيد من واقعه الملبد ، تعاركت الافكار في راسه فجرته ذكراها من تلابيب السحايا ، قبل ان يجند للخدمة العسكرية كان يواعدها كل صباح ، كان يطعمها بيديه، يفرك قضيض الأسى بابهام امل عذب فينتشي رغم كل ما يكدر حياته من متاعب ، ميمونة العذراء حينما يمتطيها تتبجح فيه معالم الفتوة وتتاجج فيه رغبة العروج الى ابعد حدود الاحلام كانت براقه الى سماء الحرية المفتولة مع عضلات ساعديه ... لقد رحلت ميمونة بعد ان اصابتها طلقة الجندي الاشقر الجبان رحلت بكبرياء مكين على يافوخ العتاة ، رحلت بعدما اوصلت بطلا من ابطال عرشها الى معقل رفاقه .
لقد اوصى الثوار كل العروش باطعامها واشرابها حتى تعود الى عرش صاحبها الشيخ علي بن اسماعيل . كم كانت شامخة وهي تومض كخيدع تحت قصفهم الخائب . ابت حتى ان تضلع امامهم . على خلجات تلك الذكرى غشته سنة مسائية قصيرة ، قبل ان ينتفض من فراشه مذعورا ظنا منه ان الموعد قد فاته ، كان على موعد مع تسليم المنشورات في مكتب المجاهدين بشارع اللحامين Rue de boucherie ، حمل المناشير على عجلة ثم دسّها تحت قميصه واحكم عليها غلق المعطف ، ثم خرج الى مقهى النزل ولجأ الى صديقه محمد بن عابد ملتمسا منه اعارته الدراجة النارية.
كان الليل قد ارخى ستاره ، عندما انطلق بالدراجة النارية متجها نحو مكتب المجاهدين السري فهناك الفلاقة ينتظرون وصول رئيس الفدائيين chef groupe du choc ليوزع عليهم المناشير وياتيهم بجديد اخوانهم في البلاد ويتبادلون مختلف الاخبار والخطط في مسيرة النضال .
كانت ظلمة المدينة تزداد كلما تشعبت المسالك وكان عارفا بتفاصيل ازقتها وجميع مسالكها مما سهل عليه اتباع المسلك الاقل خطورة ، وفجاة تفاجا برجل في زي مدني يصيح عليه آمرا اياه بالتوقف ، فعرف انه دركي فرنسي في ثوب مدني همّ بالفرار لكن المكان محاصر واي حركة منه تستفز الرجل ستكلفه أكثر من حياته ، فتوقف ونزل من الدراجة وملامح الخوف بادية عليه لكن اخذ يداري بحركة استغباء للرجل وألقى عليه التحية ، كان شابا وسيما ، تشام فيه مخايل الدهاء والفطنة ، فسأله الدركي :
- الى اين انت متجه في هذا الوقت ؟
- لعيادة قريبة مريضة
- اين تقيم قريبتك المريضة ؟
- في حي اللحامين
- الجندي يبتسم بخبث ثم يسحب قرن الورقة من تحت معطفه : monteur
ابتلع ريقه ومر شريط مصيره المحتمل سريعا على مخيلته ثم اهتز جسده مع نضحة عرق بارد .
نظر اليه الدركي وزفر زفرة تختصر الف معنى ، ثم اعاد اليه المنشور وقال له ، انا لن افعل لك شيئا ، لكنني انصحك بالعودة الى منزلك ، فكل المسالك محاصرة ، واي مغامرة منك سيكون فيها حتفك .
قال ذلك الكلام وهو يدرك ان كلامه لا يعدو عن كونه استدراكا رحيما لتقصيره فيما اوكل اليه وان ذلك الشاب اكبر من ان ينثني .
شكره وصافحه بحرارة ، ثم انطلق بسرعة البرق دون ان ينبس ببنت شفة ، وتابع طريقه نحو مكتب المجاهدين ، وبينما هو يطوي الارض ويملا سكون الليل ضجة بازيز دراجته فاذا بسيارة تفاجئه وتشير بأضوائها ، ثم اردفتها صفارة الدرك طالبة المحاصرة .. ، كانت لحظات مفصلية بين مصيرين ولان الانسان حتى لو وصل الى اقسى محنة في حياته تبقى له حرية الاختيار ، فقد اختار ان يكمل المغامرة وخالف مسلك الدرك وفرّ هاربا متأرجحا بالدراجة في اثلام المسالك الفرعية
المتداخلة ، ولم يستطع الجنود الفرنسيين les gardes mobiles اللحاق به ، وتوارى عن الأنظار، اين عساه يلجأ لم يبق الكثير من الوقت ليضيعه في التفكير ، فغير الاتجاه نحو مركز يبيت فيه العمال العرب لرجل فرنسي يدعى monsieur Richard وكان هذا الرجل غير آبه بسياسة بلده، عايش الجالية العربية لفترة طويلة، وكان قد رآه الشاب سابقا عندما ذهب في زيارة احد الاصدقاء هناك ، وصل الشاب الى باحة المركز فوجد الكثير من الدراجات النارية للعمال ، وكان يدرك ان الجنود الفرنسيين سيلحقون به ويفتشون المركز ، فاخذ الدراجة النارية وركنها في وسط الدراجات المصطفة امام بعضها، حتى لا يتعرف عليها الجنود من خلال حرارة محركها ، وطرق الباب طرقا متعاقبا عنيفا فتح له الرجل الباب، فدفعه ودخل مسرعا خلع معطفه ودسه تحت الافرشة ثم خلع القميص واخفى المناشير وواندس تحت الغطاء بين العمال ، وكان من استيقض منهم فهموا انه مطارد من طرف الجنود الفرنسيين فلزموا الصمت واطفؤوا الانوار ، وبعد قليل جاء الجنود ، توقفوا امام باحة المركز ولجؤوا الى اسفل الدرج اين يركن العمال دراجاتهم النارية فبدؤوا يتحسسون مكان المحركات فوجودها باردة ، طرقوا باب المركز طرقا عنيفا ، خرج ، السيد ريشارد في ملابس نوم خفيفة مدعيا تفاجؤه ، سالوه ان كان احدهم دخل الى مركزه منذ فترة قصيرة ، لكنه انكر ذلك ، وطلب منه حال الواثق من حاله بالدخول وتفتيش المكان والتحقق من الأمر ، لكنهم لم يفعلوا وانصرفوا للبحث عنه في مكان آخر.
جرت احداث هذه القصة في مدينة غرونوبل الفرنسية في احد ايام شهر ديسمبر من سنة 1957 ، بطلها هو والدي المجاهد م. زيدان بن علي .
من مواضيعي
0 مقياس الحياة ليس النجاح
0 ما هذا ؟؟؟
0 لو كنت قاضيا هنا كيف ستحكم ؟
0 مارتن لوثر وبنو أمية
0 تساؤلات
0 السيناتور ..ما أصدق الأصل
0 ما هذا ؟؟؟
0 لو كنت قاضيا هنا كيف ستحكم ؟
0 مارتن لوثر وبنو أمية
0 تساؤلات
0 السيناتور ..ما أصدق الأصل
التعديل الأخير تم بواسطة اماني أريس ; 31-10-2015 الساعة 10:30 PM