حول وثيقة المرأة
20-02-2017, 12:25 PM
حول وثيقة المرأة
د. صفاء رفعت


الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:


النساء في الغرب يتمنَّين الزواج، ولا يَسْعَدن بشيءٍ كما يسعدن به، وترى إحداهن تختالُ على صويحباتها حين يَعرِض عليها صاحبُها الزواج، فيما يعزفُ عنه الرجال تملُّصًا من الحقوق والمسؤوليات الإنسانية الطبيعية الجميلة؛ لأن أغلب الرجال تحوَّلوا لمسوخٍ، بلا رجولة، ولا مروءة، لا نخوة، ولا حرج لديهم في استغلال المسكينة سنوات طوالاً، بل والإنجاب منها وهو يترك بابَه مفتوحًا دائمًا، دون التزامات فعلية تجاههنَّ؛ ليتخلى ويمضي تابعًا ما يروقُ له وقتما يشاء، تاركًا مَن يحتجنه وتتعلق حياتهنَّ به بشكل افتراضي.

النساء في الغرب يتمنين أخذ هُدْنة من الصراع اليومي هنا وهناك، وممارسة الأمومة في بيوتهن دون قلق أو توتر، أو مطالبات مادية مُنهِكة، فيما يريدُ الرجال استغلال عملهن وكسبهن لأقصى حدٍّ ممكن، دون تحمل أي التزام منهجي في الرعاية والنفقة.

النساء في الغرب يتمنين أن يشعرنَ بحمايةِ الرجل الولي، أو الأخ، أو غَيْرة الزوج الأبي، يتمنين أن يحتفظنَ بخصوصيتهن، وأن يتجنَّبنَ الامتهان المتواصل، والتحرش المستمر بهن في كل شارع، ومكتب، ومصعد، ومقعد.

النساء في الغرب يتمنين ألاَّ يطلب منهن أن يكنّ رجالاً وهن نساء، يتمنين أن يعترفَ العالَم بضعفِهن، ويحترم هذا الضعف، ولا يتجاهله؛ ليجبرهن على التنكر لأنوثتهن، وإظهار جدارتهن بدور الرجل في كل بنود الحياة.

النساء في الغرب يتمنين أن يَعْتَنِي بهن أبناؤهن في الكبر، وألا يتركوهن فريسات للوحدة والمرض في مأوى الغرباء.

ماذا يريد هؤلاء مننسائنا!!؟:
ألا يرونَ الحياة الكالحة الكئيبة الطاحنة التي لا قسط فيها، ولا حب ولا انتماء، التي تحياها نساؤهم!!؟.
هل هذه هي الحرية، وهذا هو الجمال والأمان، والحب والعطاء، والسعادة والأناقة، والتحضر الإنساني المأمول!!؟.

حياة يحارب مثقّفوها: الطهر والعفة، والفطرة الطيبة النقية التي تأبى إلا أن تكون هي مرجع العقول، وموئل النفوس المرهقة من فوضى الابتذال، وحياة التسكع البغيضة المتلفة!.

بيدِهم مطرقة يَهدِمُون بها مجتمعاتهم بجنون شيطاني سفيه أهوج سقيم أعمى، ويريدوننا أن نسكن في ذات الرقعة الخربة!!؟.

نحن لسنا بحاجة لوثيقتهم، ولا لجهدهم الفكري التوافقي، واجتهادهم - غير المشكور - لنحميَ بناتنا ونساءنا من الظلم والعنف أو التطرف، بل هم بحاجة ماسة لما لدينا: ليحموا نساءهم من القسوة والسحق والتفريط.

هم - ونحن قبلهم - بحاجة للتصور الإسلامي الحكيم القويم العادل؛ ليصلح حالهم، وتنضبط بنية مجتمعاتهم:" حاجة اللديغ السقيم لترياقِ سمِّه".

الإسلام لا يظلمُ النساءَ، ولا الرجال، ولا المجتمعات؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾.

الإسلام يكلِّف المرأة بنفس تكاليف الرجل في العبادات والمعاملات والعقائد، ويُعْفِيها من أمور تشقُّ عليها؛ كالجهاد، والكسب، وإعالة العائلة، وتحمُّل المسؤوليات الثقيلة، ويكلِّف الرجل بتولِّي شؤونها، والسهر على رعايتها وحمايتها وصيانتها، ونفقتها وتلبية احتياجاتها المعيشية من نفقة وطعام وكساء ومركب، ومنزل يحفظها، وإلانة الجانب لها، ومعاشرتها بإحسان ومعروف، وتطييب خاطرها، ومراعاة مشاعرها الرقيقة، وعدم استباحة مالها، أو إعناتها لأخذه بغير حقٍّ إلا أن تعطيه عن طيب نفسٍ.

ويلزم المجتمع كله بتوقيرها واحترامها، وحفظ خصوصيتها وسترها، وتيسير أمورها والرفق بها، ولا يترك الأمر معلقًا بما يروق للناس، فيعطونه فضلاً، بل يجعل له أحكامًا مفصَّلة محكمة حقًّا واجبًا، لا فضلاً زائدًا مستحبًّا.

فيالمجتمع المسلم الحقيقي اسما ومسمى:
لن ترى وتسمع ما تراه حولك من مآسٍ مؤلمة حزينة: تتمزق لها القلوب عن أرملة اغتصب أقاربُ زوجِها مالَ صغارِها الأيتام، وتنكروا لها ولهم؛ لتربِّيَهم وحيدةً، وتبذل من دمها وكدِّها على نفقتهم، وتنشئتهم في ظروف قاسية وحيدة في مهبِّ الريح.
ولن تسمع عن مطلَّقة تركها زوجُها وترك معها أولادًا له منها، ورحل ونَسِيهم بلا نفقة ولا رعاية ولا رحمة، كأنما لا وجود لهم.
ولن تسمع عن زوجةٍ عاملةٍ يَعضُلها زوجها لتكدَّ وتكسب ويودع راتبَها في حسابِه البنكي آخرَ كل شهر، ويحرمها من حق التملك، ومن حرية التصرف فيما تكسب وتملك.
ولن تسمع عن أمٍّ يتنكر لها ولدُها، وينشغل بزوجته ذات الجمال والدلال، وأولاده؛ متنصلاً من كل التزام عليه نحو أمه الوحيدة الواهنة.
ولن تسمع عن عاتقٍ يَلتَهِم المجتمع وجهَها صباحَ مساءَ؛ ليعاقبها على لا شيءٍ، لا لشيء، إلا لأنه مجتمع يأكل عقلَه سوسُ الجاهلية المُتْلِفة!!؟.

الإسلام يُعطِي المرأة ذاتَ الجزاءِ على العمل كالرجل، ويُعطِيها الحق في الكسب والتجارة، واستئجار العمال، بل والتحكيم في السوق، ويُعطِيها حقَّ طلب العلم والسؤال والنقاش، بل ويخصِّص لها يومًا للدرس، مع حفظ حقِّها في حضور بقيَّة الدروس، وليس هذا في درس الدِّين فقط، بل لها أن تضرب في كلِّ علمٍ بباعٍ، وقد تعلَّمتْ عائشة - رضي الله عنها - الطب والفقه، والشعر وأنساب العرب، بل ويشجِّع الناس على طلب العلم على يديها، واتخاذها قدوة، وأخذ الدِّين عنها، والنزول على قولها ورأيها ومشورتها.

الإسلام لا يقمعُ المرأة ليسوقَها زوجةً مغصوبةً تباع وتشترى، بل يكرمها ويُعلِيها، ويجعل حسنَ دينِها وأدبها أعلى ميزة فيها، ويُعطِيها حقَّ القبول والرفض، ورد العقد والاختلاع من الزوج إذا أنكرتْه نفسُها، أو الالتجاء للقاضي لفسخِ العقد لو نالها منه ضررٌ وأذى.

بل، ويعطيها الحقَّ: أن تأخذَ من ماله ما تحتاج إليه في معيشتِها ومعيشة بيتها إن كان شحيحًا، بينما لا يُعطِيه هو هذا الحق بحالٍ!- وإن كانت هي غنيةً، وكان هو معسرًا-.

الإسلام لا يجعلُ الزوج:"ديكتاتورًا" مقدَّسًا يَأمُر فيُطَاع، ويسأل فيجاب، بل يُلزِمه بحسن العشرة والتأدب معها، ومعاملتها بالمعروف، ويُلزِمه بحقوق لا عدَّ لها، مادية ومعنوية نحو أهله، ويُوصِيه بها في كل مناسبة، ويأمره بأن يعلِّمها ويذكِّرها بالخير، ويَقِيَها ما يَضرُّها، وييسر لها ما ينفعها من علم وصلاة وتعبُّد.

ويجعله في مقابل كل ذلك:" رُبَّان المركب"، وأي مركب تبحر بلا رُبَّان!؟، ومَن قال:" إن الرُّبَّان خير من الركَّاب!؟"، فلا يتركهما في البيت ثَوْرَينِ ينتطحانِ، بل يعطي لهذا اللين، ولهذا القوة، ويعطي لهذا الدلال واللطف، ولهذا الحب والشوق، ويجمع بينهما الود والرحمة، والأدب والسكينة، والرضا والاعتدال.

ثم هو لا يُطلِق يدَه عليها ليعذبَها أو يؤذيَها، - كيف وهو يحرِّم عليه أن يَلطِم خادمه المملوك، ويتوعده بالقصاص منه يوم الحساب!؟-، إنما يعطيه حقًّا في التأديب المعتدل لمن تنشزُ وتجمح؛ لعل الله يُصلِحها لزوجها ولبيتها، وإلا فهو:" سراح جميل بمعروف وإحسان".

الإسلام لا يبخسُ حقَّ المرأة في الميراث، والناس لا تذكر إلا ﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾، مع أن هذا في عددٍ محدَّد، وفي حالات معدودة، تعدُّ على أصابع اليد الواحدة فقط، ومع أن هذا الذَّكر لو كان له عشر أخوات عوائل لديه، لكان عليه أن يعولَهن ويُنفِق عليهن من ماله وحدَه، لا يأخذ من أنصبتهن شيئًا، والناس لا تذكر أن هناك حالاتٍ كثيرة تَرِث فيها المرأة مثل الرجل، أو أكثر منه، أو ترث هي، ولا يرث هو!!؟.

الإسلام لا يُصَادِر فطرة الخلق، ولا يجحدها، ولا يعاندها، ولا ينكرها، بل يضعها في أنقى وأصفى وأجمل إطار، ونساؤنا وشبابنا ومجتمعاتنا، بل ومجتمعاتهم كذلك، ليستْ بحاجةٍ لدنس الشذوذ والانتكاس في درك النوازع المُنحَرِفة عن الفطرة السليمة، وهذا الدأب الشيطاني في نشر كل ما هو شاذٌّ ودنس، وتصويره بأناقة ملفَّقة مغتصبة، كأنه حق من حقوق الإنسانية، وليس هو كذلك، وكأنه فطرة طبيعية، والفطرة منه براء، بل حتى الحيوانات لا تفعل ذلك!، وكأنه مجرَّد اختلاف تنوُّع!!؟، وليس هو كذلك، بل هو: اعتداء وتعدٍّ، وانحراف وتردٍّ، هذا الدأب الغريب المنظور، المَشبُوه الانتشار في رقعة الأرض شرقًا وغربًا، ليس حقًّا إنسانيًّا، بل من حق الإنسانية ومن واجبها: قمعه ومنعه، ودفعه وتجريمه، ورغم كل شيء لا زالتْ مجتمعاتنا - بل ومجتمعاتهم - تلفظه وتنكره وتستهجنه، ويلقي به السيل كالزَّبَد الجافي، فكيف يجتمع "حكماء البشرية" ليدافعوا عن الدنس ويقنِّنوه ويقرّوه!!؟.
هل هو هوس مجنون بمنطق أعزل؟، أم هي رغبة ملعونة في هدم كيان الإنسانية وشرفها، وتماسك بنائها الاجتماعي، وقد أصابه ما أصابه من هذا المَقْت المقيت بالفعل!!؟.

كلاَّ، ليس هذا الانتكاس حقًّا إنسانيًّا، تمامًا كما أن السرقة والقتل، والسلب والإفساد، واغتصاب مال الناس، وإزهاق أرواحهم، وترويع أمنهم في الأرض بغير الحق - ليست حقًّا من حقوق الإنسان ما دام يروق له ذلك.

نحن أسأنا للإسلام كثيرًا كثيرًا، وطويلاً طويلا،ً فلم يَعُدْ لدينا نساء مسلمات، ولا رجال مسلمون بأتم معنى الكلمة: نساء ورجال صَدَقُوا ما عاهدوا الله عليه، فغيَّروا وجه التاريخ، وبدَّلوا وجهة الأمم.

نساء رُفِع عنهن الجهاد، فأَبَيْنَ إلا أن يَخُضْن مضمارَه، ويضربن فيه بأجمل وأبلغ سهم ورمية، ورجال أدَّبهم الإسلام، فلا تدري أعن كرمِ أخلاقهم تتكلم، أم في صلابة جدهم، ومُضِي عزمهم تتأمل!؟.

نحن أسأنا للإسلام لدرجة أننا شوَّهنا صورته في ضمير العالم المسكين الحزين الضائع، لدرجة أن المرء ليقلِّب بصرَه في مشرق الأرض أو مغربها، ولا تقع عيناه على أمة وسط، ربانية نقية أبية نورانية.

نحن أسأنا للإسلام، لدرجة أننا لم نَعُدْ نعرف كيف ندافع عنه، ونحن ندافع عنا، كيف نَصِفُ جماله، وقسطه، وملاءمته للإنسان؛ ليحيا في سلام وأمان، ونجاح واطمئنان، وتوازنٍ واعتدال، ونحن لا نقفُ في صفِّه، ولا نَنْتَصِف له في أنفسنا، ولا أيامنا، ولا حياتنا، كيف نؤمنُ به ولا نعتنقه، كيف نقتنع به ولا نعتقده!؟، تطرَّفنا في أمورٍ حتى شددنا على الخلق بغير شرعٍ؛ فانفلتوا، وتسيَّبنا في أمور حتى عمينا على الناس ما هو من دين ربهم، وما هو ليس منه، فتركوا إذ جهلوا.

أصل كل حقوق الإنسان في آية كريمة بالغة؛ يقول الله - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾.

هذا الفضل الكريم والتفضيل الكبير من الله - عز وجل - الذي خلق الإنسانَ في أحسن تقويم، وهداه، وبيَّن له كل سبيل جميل، فأبى أكثر الناس إلا أن ينتكسوا إلى أسفل سافلين!!؟.

ربَّنا ظلمنا أنفسنا ظلمًا كبيرًا، وإلا تغفرْ لنا وترحمْنا نَكُنْ من الهالكين.
ربنا لا تؤاخذنا بما فعله السفهاء منا.
ربنا ردنا إلى دينك ردا جميلا.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.