ثنائية ( المواطن ، النخبة ) في كتابات بوفاتح سبقاق القصصية
18-10-2008, 06:27 AM
مقدمة الدراسة

لطالما اكتوت قلوبنا بأبعاد تأزم الصراعات بين طبقة العوام الكادحة في المعاش وبين الطبقة الأرستقراطية البرجوازية العاجية المتنفذه في مجتمعاتنا …المنطبعة في مراتع الترف ورغد المعاش والتنفذ المطلق في إطار رتب عاجية تحكم من خلالها الخناق على الفرد الكادح فاقد كل معطيات ( الحياة ، المستقبل ) في دوامة معيشته الاجتماعية المتأزمة المتصارعة في فكره وسلوكه وابعاد أفق ذهنة الممتد في محطات الآلآلم.

هذه الثنائية المتصارعة المتناوشة في الأعماق الساكنة هي موضوع هذه الدراسة التحليلية الناقدة التي تحاول جادة استقراء أبعاد هذه الثنائية في الذات والمجتمع ، عوالم الزمان والمكان الذي تدور فيه ، تجسد النهايات في ظل هذه الثنائية المتلازمة ، لغة الكاتب في بث وتصوير هذه الثنائية ، في ظل إضاءات تحليلية تكشف ستار قلم الكاتب في تحديده ماهية وكينونة هذه الثنائية المتلازمة التي شكلت خطا واضحا في كتابات " بوفاتح سبقاق"* القصصية .

أهداف الدراسة

هدفت الدراسة إلى تحديد طبيعة ثنائية ( المواطن ، النخبة ) في كتابات" بوفاتح" القصصية وذلك من خلال الإجابة على السؤال الرئيس في الدراسة وهو على النحو الآتي :

ما هي أبعاد ثنائية ( المواطن ، النخبة ) في كتابات" بوفاتح" القصصية ؟

وللإجابة عن السؤال الرئيس قامت الدراسة بالإجابة عن الأسئلة الفرعية الآتية : 1ـ ما هي الأبعاد النفسية والاجتماعية ، المكانية والزمانية ، لهذه الثنائية المتلازمة في قصص" بوفاتح سبقاق " ؟

2ـ ما هي طبيعة النهايات التي جسدها الكاتب لهذه الثنائية في كتاباته القصصية ؟

3ـ ما هي طبيعة لغة الكاتب في تجسيد وتصوير هذه الثنائية المتلازمة في قصصه ؟

فرضية الدراسة

هناك ثنائية متلازمة تدور رحاها بتصادم في كتابات" بوفاتح سبقاق" القصصية تعبر عن تشكيلة إجتماعية متناقضة في رحم المجتمع الجزائري على وجه الخصوص والمجتمع العربي عامة

أهمية الدراسة

تتشكل أهمية الدراسة في تقديمها جزئية من الأدب القصصي الجزائري في ظل لغة واقعه ومعطياتها المشحونة بأجواء متصارعة قد أنهكتها الآلآلم وتكدس المتناقضات في كافة زواياها المنكسرة فقرا …قهرا ….جراحات دامية ….آهات متشعبة في الأزقة المظلمة الصامتة، كل ذلك شكله الكاتب في منظومة ثنائية متلازمة، تعي من خلالها السؤال والجواب معا، في لغة منكشفة محبطة تنطق بلسان حال يتأجج بالشجن والاكتواء، في ظل أجواء حارة ساخنة؛ تبث لوحة خاصة بالمجتمع الجزائري في اشد لحن عذاباته الاجتماعية.

التعريفات الإجرائية

لأغراض الدراسة يكون للألفاظ الواردة المعاني الآتية من وجهة نظري البحثية المستقاة من مجمل توجهات القاص" بوفاتح" في قصصه – موضع الدراسة - :

المواطن : رمز تعبيري عن الطبقة الكادحة ، مهضومة الحقوق ، الفئة المنزوية في أفكارها وتطلعاتها ، رمز معبر عن حس المواطنة في الامها وأمالها الضائعة

وتصدعاتها التي تئن باستصراخ لكن لا يعي صرخاتها أحد .

النخبة : الطبقة المتنفذه ذات الرتب والمناصب العاجية في المجتمع ، التي تفرض على المواطن رؤاها ، تسلطها ، جشعها في هيئة نهم جشع متعالي؛ يلبس ثوب التحضر ولكن بزيف خادع...طبقة تعج بكل معاني التناقضات في أجوائها الخاصة والعامة ..

محددات الدراسة

اقتصرت الدراسة على تحديد طبيعة أبعاد ثنائية " المواطن ، النخبة " في القصص الآتية المنشورة في مجموعته القصصية "رجل الأفكار" وعلى شبكة الأنترنت (1) :

ـ اعترافات رجل مهم(2)

ـ الأوباش(3)

ـ الاقتراح العجيب (4)

ـ رجل الأفكار(5)

ـ الوفد المرافق له (6) ـ الذاكرة المثقوبة (7)

ـ الانتحار الأخير(9)

منهجية الدراسة

انتهجت الأسلوب التحليلي الوصفي الناقد في استخلاص أبعاد ثنائية ( المواطن ، النخبة ) في كتابات" بوفاتح سبقاق" القصصية من خلال تتبع عينة مختارة من قصصه المنشورة على شبكة الأنترنت ( عام 2003م)

هيكلة الدراسة

تتناول الدراسة ثنائية ( المواطن ، النخبة ) من خلال هذه المحاور الفكرية المدرجة على النحو الآتي :

ـ الأبعاد النفسية والاجتماعية

ـ الأبعاد الزمانية والمكانية

ـ النهايات المجسدة

ـ لغة الكاتب

ـ نتائج الدراسة

وأدرج محاور الدراسة على النحو الأتي :

الأبعاد النفسية والاجتماعية

تتشكل الأبعاد النفسية والاجتماعية لهذه الثنائية في قصص الدراسة في هيئة أطياف تتجانس تؤامة في وحدة الحس والصورة في غالب أمرها ، وأحياناً تتمايز فيما بينها . ...وادرج تلك الأبعاد في العينة المختارة على النحو الأتي:

يستقرئ المتدبر لقصة " اعترافات رجل مهم "انعكاس وتبلور النخبة في صورة متعجرفة سوفسطائية، تمنطق الأمور وفق مصالحها الرسمية ، إذ تتشكل تلك النخبة في لسان" رجل مهم " يتذمر من عوارض مرض انتابه اسمه المواطن، وقد أصيب هذا" المهم" بالقرف من شريط لسان المواطن في التذمر والشكوى ، ويعتبر ذلك" المهم " ان المواطن لا يمتلك حساً وطنيا ، وانه يبحث عن وظيفة فحسب، وانه يجب ان يتلقى مزيدا من دروس الوطنية؛ حتى يعي أن الوطن ليس بنكا ماليا لمطالبه ، ويختصر ذلك " المهم " كل مشاكل المواطن في صورة احتفال يجب ان يعبر فيه ذلك المواطن عن وطنيته دون ان يطلب حقا له في وظيفة أو أي حق آخر ؛ لأن ذلك يصادم ما يجب ان يتحلي به من حس المواطنة فالمواطن عنده في خانة تقديم الواجب ... التضحية ... الولاء للوطن

والوظيفة يستحقها عالم النرجسية من كون ذلك "الرجل المهم" في إطار مصالحة المتبادلة .

هذه النخبة في لسان هذا المهم تتشدق لنا بالوطنية وواجباتها في ظل شعاراته الرنانة الفارغة ؛ في الوقت الذي هو أول عدو للوطنية، إذ يرى أن المواطنة مرضا سببت له الاكتئاب ؛ فهولا يطيق رؤياهم حتى ولو في مركبات مارة في الطريق أو على الأرصفة يمشون أو حتى في كابوس عابر في منام طفله؛ الذي رأى نفسه يلعب مع طفل مواطن في قصره ؛ لذا اضطر ذلك " الرجل المهم " إلى نقل ابنه بعيدا عن أجواء الأوباش ليحلق ابنه في مدينة الضباب في ظلال معية صحبة التحضر كما يدعي .

صورة سلبية براجماتية جشعة للنخبة التي تعاني عاجية السلوك ، وانتفاء إنسانية الإحساس مع كل الفئات المقهورة ظلماً ( الأرملة ، الشريف ، أهل الشهداء ) وغيرهم من شرفاء الوطن المقهورين .

في حين يصور لنا الكاتب صورة المواطن في ظل القهر ، الواقعية المطلقة ، الذكاء في الرد على تبجح النخبة في الحوار ، يصوره في ظل الفقر المدقع ، المرض ، البطالة ، انتفاضة ضيق المعاش ، شرف المواطنة ، الأمانة السلوكية في الوظيفة.

لذا تتشكل تلك الثنائية في ظل تلقين النخبة للمواطن- الكادح المقهور- دروس الوطينة وفداء الوطن والتغني به بدلا من المطالبات الحقوقية والمالية والتذمر والشكوى من واقع المجتمع والسلطة لأنه يجب ان تقدم للوطن ولا تنتظر منه شئ إنها الوطنية المتفانية التي لا يعيها المواطن ...في الوقت الذي تنهب النخبة المال ... المكتسبات.... الحقوق

لتعيش في رغد المعاش في ظل الإجازات مدفوعة الأجر وترف تسفير أبنائهم إلى مدينة الضباب وغيرها حتى لا يروا مرضا اسمه المواطن .

وفي قصة " الأوباش" تجسيد لنهم جنسي يتأجج في النخبة بشكل سافر عدائي لكل مشاعر الأستقامه والعفة؛ في استغلال بشع للفقر والجوع الذي أحال بيت امرأة وبناتها موطئاً لليالي حمراءٍ ، في نشوة وشهوة مستعرة من قبل النخبة ، في صورة مزرية من التردي ووقاحة السلوك ، قد جسدها الكاتب في تعاقب سيارات الأوباش الفخمة إلى منزل هذه المرأة في جنح الليل المظلم .

وترسم لنا القصة انتفاضة المواطن صالح وتعاضده مع أعمدة إنارة المدينة ليحجب الظلام والسقوط اللااخلاقي فيها ؛حيث ترسم مخيلة صالح صورة حالمة للمدينة في ثوب الفضيلة والثقافة .

ويجمع لنا الكاتب في قصته فئات متنوعة للمواطن في صورة رفقاء صالح مع شخصية الحاج علي ، وترصد القصة ردات الفعل الناشئة من هذه الفئات الاجتماعية تجاه هذه الصور الساقطة المتهاوية للنخبة في ليل المدينة المظلم، إذ منهم المتهور الذي أشار بحرق سيارات الأوباش ، ومنهم ناصح بضرورة رفع لائحة اعتراض إلى السلطة لكف هذه المهزلة اللاأخلاقية في المدينة، ومنهم الساخر الذي يبرر للسقوط في مدينته ويقدم نظرية العاهرة المحترمة ، إذ يذكرهم بمزايا حققتها تلك العاهرة المحترمة ، إذ بفضل مرتاديها الأوباش عمت أعمدة الإنارة المدينة ، وقد طالب بها المواطن الكادح مدى سنوات دون مجيب، ولكن بفضل مرتادي بيت امرأة الهوى الليلي ؛ عمت الأنوار المدينة .. ويمضي ذلك المتمنطق في تذكير رفقاءه بمزاياها وإيجابياتها على المدينة ويعارض صالح ذلك المتمنطق مخبرا إياه بأن هذه المرأة خطر على أخلاقيات المدينة ، وتكون المصادفة الغريبة التي أسفرت عن قمة المتناقضات ، إذ أن المصدر الذي قصدوه لحفظ عفة المدينة هو وبش محترف في ارتياد ذلك البيت الليلي ، وهكذا هي الصورة السلبية التي ترسمها كتابات " بوفاتح" للنخبة التي تدمر المعاني الجميلة في المجتمع، وتتبوئ بوقاحة مواطن الإصلاح والأعمار في المجتمع؛ وهي في الحقيقة فاقدة لكل معاني الإصلاح والاستقامة الأخلاقية، وتتهاوى بلا حدود في السقوط الذي صور لنا الكاتب هنا بعدا منه وهو البعد الأخلافي، في حين يتعالى حس الولاء للمدينة وأخلاقياتها في نبض المواطن صالح؛ إذ يبذل ما في وسعة لحفظ المعاني الجميلة في المدينة، لكنها سلبية الواقع وتناقضاته التي تدمر كل شئ ، ولا تجعل هنا فسحة لتصور واقع مدينة فاضلة، تعشق الأخلاق والثقافة في حس المواطن صالح .

وترصد لنا قصة "الاقتراح الجميل" أبعاد نفسيات متنوعة للمواطن في زوايا تلك القصة؛ فمنها نفسية تمقت واقعها وتشرئب للمنصب وعاجية الرتب في حلم الارتقاء إلى مجتمع النخبة، ونفسية أخرى هي في منتصف الطريق لبلوغ عاجية النخبة ، وقد أضافت لنفسها الشكل المتأنق للنخبة في حلتها الخارجية.

فالقصة ترصد لنا صراعات الحقد والتنافس والطموح المتعالي نحو مجتمع النخبة وسطوته الرسمية ، ترسم صورة واقعية لمواطنة تئن ألماً من الواقع وسوء التنظيم فيه، وترى أن عقليتها وفكرها المستنير يحمل سبل الإصلاح الاجتماعي واليات حل لأزمات اقتصادية في ظل ما تحويه حقيبتها من اقتراح عجيب .

ويرصد الكاتب نفسية مقصودة من خلال شخصية صالح ، إذ أنها في قمة اتقاد الطموح وتتوجه أنظار المتنافسين إليه في هذه القاعة الرسمية التي جمعت المشاركين ، ويعتلي القاعة منصة علوية عاجية للنخبة في رسميتها وادعاءاتها الديمقراطية الشكلية .

وترسم القصة امعية سلوك المواطنة مع تلك النخبة في ضجيج التصفيق المتعالي في القاعة؛ في هيئه أبواق مرددة مغردة في سرب النخبة وخطاباتها الرنانة،

على عكس" صالح" الذي تهيأ للنقاش وسجل اسمه في قائمة المشاركين في المداخلات ، لكن كواليس المداخلات انتهت وأسدل الستار عنها، وقد بقي اقتراح صالح دفينا في اعماقة يئن من احباطات الواقع وتردياته ، إذ كان من المصادفة ان عجلة مضى المشاركين في المداخلات والاقتراحات قد توقفت عنده، ولم يتسني له المشاركة، وانبرى رجل النخبة لامتطاء صهوة رسمية الخطابات تحت ضجيج التصفيق وبروتوكولات الاستقبالات في ظل تقاليد مزركشة زائفة تعبر عن تناقضات تعج في كل أبعاد هذا المجتمع المقهور

وتصور قصة " رجل الأفكار" معاناة البطالة في المجتمع في صورة واقعية يرصدها الكاتب ؛إذ أن معاناة البطالة شكلت حالة غوص في غياهب فلسفة الفكر تأمل الناس ....المتاجر.... حراك الناس.... وقع أقدامهم.... .في آتون معادلات فكرية تدور في ذهن " رجل الأفكار" - العاطل عن العمل- ، و قد ابتدع منها خلاصات براهين للحياة يتسلي بها ويمضي وقته معها من اثر دوي طاحونة الفراغ والبطالة، فهو قد صور الحياة حالة رئيسة ، تتفرع منها حالات فرعية في المواقف البشرية التي تقابله في يومه الفارغ من كل شئ إلا من استقصاء مزيدا من الحالات ضمن منظومة جزئيات من الحالا ت وهكذا حالات تدور في مركز حالة واحدة

وهذا الدوران في الحالة ..الجزيئات ...فلسفة الأبعاد ..قد تعمده الكاتب ليبرز حالات القتل الذي تحدثه البطالة، إذ تشكل تصارع نوبات هستيرية فلسفية في متعاطي البطالة في ظل أجواء الفراغ الذي تقتل طاقاته وتجعله فريسة لدوائر فلسفة الأفكار الفارغة التي لا يجني منها فكرة ولا درهما ..

وتتسارع معادلة الحالات مع هذا المواطن حتى يصل إلى مكتب الوحدة العاملة وتتواكب هناك معادلات التساؤلات في ذهنة حول مبررات طلبة و قد تجمع معه زملائه العاطلين عن العمل في وحدة متجانسة من المعاناة ..إذ جميع متطلبات التوظيف عندهم ...وهنا يشكل الكاتب بإيجاز شريحة النخبة التي تقابل شريحة المواطن العاطل عن العمل فنجد شريحة النخبة في هيئتها الفخمة ...وهي تشهر أداة قتل أوقات الآخرين في سذاجة متطلبات شكلية لاستيفاء طلب التقديم للتوظيف في برود سلوكها و عنجهية تساؤلات حول التأكد من رغبة الجميع في طلب التوظيف وكل هذه الاستدعاءات الرسمية للعاطلين عن العمل ما هي إلا بروتوكولات شكلية تعبر عن المماطلة الباردة في شأن مسألة التوظيف وهنا يزيد هيجان معادة الحالات معادلة تلو معادلة عند رجل الأفكار في أجواء التناقضات والإحباطات وقتل الأوقات والمماطلات الرسمية تقابلها طاحونة رحى هستيريا ولادة حالات في ذهن رجل الأفكار الذي دارت حوله القصة

وفي قصة" الوفد المرافق له" تصور القصة لنا مسرحية تمثيلية من وحي الواقع تدور كواليسها في مدينة أعدت عروسا لاستقبال مسؤول هام في النخبة، جاء لرؤية مشروع تطوري فيها ، وقد هيئ هناك ممثل بارع يحكي تفاصيل المشروع ...وصور الكاتب المواطن وهو يراقب المشروع بعين ثاقبة وقد انطلى عليه التمثيل فرأى التطور والتقدم في حركة مجتمعه في عمر لحظات ، لكن سرعان ما خفت بريق التمثيلية الدعائية وعاد بعد لحظات - خداع- ذلك المواطن وقد تحرر من اثر الإعلان الدعائي ليصل إلى خلاصة مفاداها أن كل ما راه ما هو إلا زخرفة شكلية أريد للمسؤول أن يراها في عزف جوقة النخبة التي أتقنت عزفها وادارة فصول المسرحية على ارض المدينة الصامتة .

وتصور القصة في سخرية لاذعة إحساس المواطن وقد وقفت سيارته بجانب سيارة النخبة الفخمة عند الضوء الأحمر للإشارة وقد غمرت المواطن هناك سعادة خاصة إذ شعر بإحساس ذا نكهة خاصة نادر الأجواء ....إحساس عمره لحظة ؛ قد تلذذ به وتمنى لو يتكرر عند إشارة حمراء أخرى، انه إحساس المساواة المفقودة في المجتمع ...إحساس المساواة بين المواطن والنخبة في كأس مذاق واحد .

وتنتهي المسرحية عند ازدحام الناس وسوء التنظيم في أواخر كواليس المسرحية ليمضى المواطن بسيارته ذات جيل السبعينات في وسط الركب الرسمي السامي فيكون بينهم فجأة و تنهال عليه هناك انعكاسات عدوى الفخامة والاعتلاء والزخرفة الشكلية لكن سرعان ما أسدلت تلك اللقطة لينتهي الأمر بالمواطن إلى شارع ضيق غير معبد تصطف على جانبيه القمامات والمشردين في أجواء رمادية لمدينته التي تئن بالجراح وهكذا تتراقص على جراحها الاجتماعية مسرحيات ومسرحيات من هذا النوع الساخر الذي تدير كواليسة النخبة بابتداع دعائي شكلي الزخرفة، خادع هش في الجوهر والمضمون؛ في صور مثالية وهمية للتطور، وفخامة تمثيلية للمشروعات لا تمت إلى الحقيقة بأية صلة بل ان الحقيقة معها بشعة لا تحتمل .

ويرصد لنا الكاتب في قصة " الذاكرة المثقوبة " المواطنة في هرمها المشبع بالآلام والأنكسارات ، لكنها ما زالت أصيلة نبيلة، وقد جسد الكاتب صورة المواطنة في شخصية " صالح" الذي يبذل قصارى جهده في خريف عمره للحفاظ على بوتقة التماسك الأسري .

وتبتدئ القصة مسارها في حافلة قطع المكان وذاكرة الزمان معا إذ تحصل هناك مفأجاة غير سارة ؛ وتلتقي ذاكرته بصورة فرعونية قديمة تشكلت في مدير عمله في زمانه الغابر ، وهنا يشكل الكاتب صورة للنخبة في خريف زمانها وانكسار جسدها والتوائه بعد ارتوائها من بحر التسلط، وتغطرسها في نرجسية الفرعونية الاستبدادية في السلوك، وإحكام قبضتها على الخلق بسياط القهر ،

فتتقد في تسارعٍ عجلٍ شيطانية ثأر في نفس" صالح " لنيل بعضا من كرامة قد وأدت من قبل غطرسة النخبة المتفرعنة، وها هو الوقت يتيح ذلك في ايسر الحالات، وقد غدت تلك النخبة هنا على حافة الموت، لكنه سرعان ما أطفأ أجيج تلك الشيطانية المتسارعة في نفسه، وركن إلى اعتدال أمواج نفسه، ليسود بعد ذلك التعقل في نفسه، ويسدل الستار عن مشهد شيطاني قد عبث لحظة في ذاكرته .

وتمضي الذاكرة حركة نشطة في سجل شريط تأملاته التي تدور في ذاكرته المثقوبة ، وهكذا تنتهي الصورة عند تلاقيه مع حفيدته التي تبشره بحفيد جديد اسمه موسى، فتسطع كلمة من جوف ريقه تتساءل عن ماهية ( فرعون النخبة ) الذي سيلاقيه حفيدة ..

إنها صورة نخبة متسلطة تتكرر عبر الزمان ...لا يقوى على إسقاطها إلا الزمن وهو سيفها القاهر فحسب، وصورة قهر وسجن معاناة في ظل استبداد النخبة بالمواطن ، إذ يتشكل ميلاد القهر مع ميلاد المواطن في أول لحظة له في الحياة، ويتولد معها ميلاد فرعون و نخبة جديد وهكذا تواليك في سلبية مطلقة متكررة لا تنتهي .

وفي قصة " الانتحار الأخير" يعكس لنا الكاتب المعاناة ، ثقل الإحباطات التي تتجاوز خط الانتحار المعنوي الخائر في نفس المواطن" صالح" لتبلغ خط القرار بانتحار الجسد كمتتالية طبيعة بعد انتحار المعنويات في النفس المقهورة إحباطاً

فتتشكل فكرة الانتحار عند" صالح" على جسرقسنطينة، حيث هناك الأجواء المناسبة لهذا الانتحار التاريخي في نفس" صالح" وهذه نتيجة متوقعة لأبعاد البؤس التي تثقل عبئ المواطن بالقهر والفقر والمعاناة

وتدور رحى معادلات فكرية في أبعاد الانتحار المعنوي والجسدي في ذهن" صالح" ... ويعكس صالح صورة البؤس والقهر التي في نفسه على رواد تلك المدينة إذ يعتبرهم ينتحرون كل دقيقة فهم لا يجدون خبرا ولا سكنا بل هم منتحرون .

لكن انسام" وادي الرمال" في تلك المدينة هي التي تبعث فيهم الحياة من جديد

وهاهي أقدامه تطؤ الجسر، وتحلق نفسه هناك في أجواء بعيدة؛ يتحسس من خلالها أصوات الركب السابق من المنتحرين وهم في أهبة الترحيب به، لكن هنا على غير عادة كتابات" بوفاتح" يبرز رسماً جديداً لشخصية" صالح " وقد اتقد فيه الأمل وجذوة المستقبل ؛ عند إنقاذه طفل تقدم عليه سيارة تتحرك بسرعة جنونية وقد انشغلت عنه أمه؛ فهنا تتشكل صورة النبل والشهامة في شخصية المواطن المحبط معنويا ، المنفجر بؤسا وقهرا ، ولأول مرة في هذه المجموعة القصصية المختارة للكاتب" بوفاتح" تغرد طيور الأمل والاستبشار و تحلق في نفس المواطن، فتشرئب نفسه للأمل ويتسع مداها، فتلقي عنه خور إرادته وثقل الأحباطات في نفسه وجراحات مصاعب الحياة، فيشعر" صالح " انه القي بكل هذا الثقل الموجع في أعماق وادي الرمال، لتسيح روحه في آمال متجددة في ظل واقع مؤلم مزري محبط، وهنا لا نجد شخصية النخبة لكنها ساكنة خلف السطور، ففي كل حرف معاناة وفقر وجوع مضني وتشرد موحش و حالات انتحار تستشري بجنون على جسر الانتحار في مدينة قسنطينة ؛ تبرز معطيات سلبية النخبة وتنفذها وامتصاصها الجشع في صورة الواقع المتصدع جوعا وقهرا... آلماً وتشردا .

الأبعاد المكانية والزمانية

وادرج الأبعاد الزمانية والمكانية لثنائية ( المواظن ، النخبة ) في قصص الدراسة المختارة على النحو الأتي :

تدور قصة" اعترافات رجل مهم " في اركنة المكاتب الرسمية واروقتها، حيث بهو تلقي شكاوي وتذمر المواطنة ، في مدينة الإنكسارات التي تزداد انكساراً واعوجاجاً وحلباً لأموالها في خدمة فئة النخبة من اجل منازلهم الفاخرة وسياراتهم الفخمة وغاية الإجازات مدفوعة الأجر، وتأمين سكن لأبنائهم ، بعيدا عن مرض المواطنة في مدينة الضباب .

وهكذا دارت القصة في نهارات الكدح والتعب وبث الشكوى والمطالبات بالحق المقابل للتضحيات ....أداء الواجب ..أمانة شرف العمل ....

في نهارا ت تمضي ويبقى معها الفقر ...الأنكسارات ...الكدح ...في عمر المواطنة ويزداد معها الترف... رغد المعاش ..مقدار الأرصدة المالية.... في عمر النخبة المترفة في المجتمع

أما في قصة " الأوباش" فإن القصة تدور في أرجاء مدينة تتعاضد معها أعمدة الإنارة لحجب الظلام، وحفظ ثوب العفة على جسدها.. ..

تدورفي مدينة المواطنة التي تئن بانعدام الخدمات والرعاية الرسمية من قبل النخبة لكن بيت امرأة الليالي الحمراء حسم المسالة فأنهالت على المدينة الخدمات بفضل الأوباش الذين يرتادون منزلها الليلي أما الزمان فهو الليل المظلم الموحش الذي يئن من نهم الاستهواء الحنسي الذي يدور في زاوية منه تحت مظلة تواكب سيارات النخبة لهذه الزاوية المخصوصة ليرسم الليل رسالة ساقطة لهذه النخبة تسجلها لحظات هذا الليل المظلم في تلك المدينة المقهورة ماديا ومعنويا ، في صورة الروح والجسد معا وفي استواء تام للمعاناة .

أما في قصة " الاقتراح العجيب " فتدور القصة في قاعة مناقشات فخمة تقود منصتها النخبة تحت مظلة الديمقراطية الفارغة ، وتدور في مخيلة صالح الحالمة هناك آليات انتقال اقتراحه العجيب إلى حيز التنفيذ وبوابات التاريخ لكنه الزمن الذي يقف عند أول خطوة لمسار اقتراحه العجيب ، ليؤول على عجل من الزمن إلى منصة القتل الحتمي .

أما عوالم الزمان في القصة فهو زمان مخصوص يتعدى ما لانهاية من الأزمان في عمر الواقع المتأزم إذ زمان القصة هنا يحمل مقومات التكرار بخصوبة اكثر ورمادية اشد .

أما في قصة" رجل أفكار " فالمكان هو حافلة المكان والزمان ؛التي كانت رحم ولادة هستريا فلسفة الحالات عند" رجل الأفكار " ، ثم تواكب ميلاد الحالات في الشارع وعند بوابات المحلات، وتولد مخاص حالة جديدة عند مكتب القوى العاملة في رحم متناسخ فلسفي لميلاد الحالات التي تكشف عن زخم التناقضات ...الإحباطات ..سرطان الفراغ...أتون البطالة

دارت القصة في نهارات الشقاء والتسكع في أرجاء المدينة و استهواء للمسير دون هدف محدد سرعان ما نشأ عنه هدف تولد حالات عند رجل الأفكار من اثر

فراغات الزمن التي رسمتها البطالة بتألق في عمر" رجل الأفكار"

أما في قصة" الوفد المرافق له " فالمكان هو المدينة التي لبست ثوبا خادعا للتطور والنظافة الناصعة ، إذ غدت بكرا في لحظة تمثيلية بارعة لاستقبال عريسها النخبة على شرف كأس مشروع متطور ينطق بجهد النخبة في المدينة،

كل ذلك دار في إطار مسرحية أعدت النخبة فيها؛ كادر التمثيل ومسرح العرض وجوقة العزف في براعة تامة .

أما الزمان فهو لحظة تمثيلية تتكرر .. تواكب المدينة في لحظة ما ، فيشعر المواطن معها أن أروقة المدينة تغيرت في أجواء خيالية حالمة ، لكنه سرعان ما يستيقظ من حلمه المسرحي ليرى الحقيقة في وجهها العجوزي الهرم ... المتآكل ألماً معاناة..... تذمراً وقهرا

أما في قصة " الذاكرة المثقوبة" فالزمان هو ميقات لقاء العائلة عبر حافلة الميعاد عند رصيف المكان والذاكرة في التقاء الماضي والحاضر والمستقبل في ذاكرة واحدة ورصيف زمان واحد يجمعها جوهر مكان واحد سواء كان بالحافلة أم بوابة بيت ابنه؛ التي جمعت التقاء مسار معاناة الأجداد مع ميلاد معاناة جديدة في عمر الأحفاد .

أما في قصة " الانتحار الأخير" فالمكان هو مدينة قسنطينة حيث وسائل الانتحار المتاحة ؛ من مباني شاهقة ومبيدات قاتلة وجسور معلقة.

وتركز القصة على مكان اسمه وادي الرمال وتعتبره باعثا للحياة من جديد في نفوس أهل هذه المدينة المنتحرة معاناة ..جوعا ...تشردا في كل شوارعها وازقتها الرمادية .

أما الزمان فهو نهارات الكدح والمعاناة ولحظات تنفيذ قرار الانتحار الحتمي من قبل المواطن " صالح " لكن تتولد عند الجسر ميلاد روح جديدة في" صالح " منشؤها إنقاذه روح طفل أوشكت على الموت ، فيثني نفسه عن تنفيذ القرار وينبعث هناك في نفسه أمل وتفاؤل في ظل رمادية واقعه الذي يعاني من زخم مصاعب الحياة .

النهايات المجسدة تشكلت أبعاد النهايات المجسدة لثنائية ( المواطن ، النخبة ) في قصص الدراسة المختارة على النحو الآتي :

ففي قصة اعترافات " رجل مهم" تشكلت النهاية في سخرية لاذعة تبرز حجم الفراغ في القوام الشخصي الأنيق المنتفخ للنخبة إذ ركنت في نهاية المطاف إلى ممارسة حل الكلمات المتقاطعة.... بدلا من الجدية في التجاوب مع المواطنة ومنحها حقوقها المستلبة في ظل مجتمع القهر وعنجهية النخبة .

وهذه النخبة مادة لسانها الكلمات المنمقة بألفاظ الوطنية والولاء لها وعملها في نهاية القصة هو ذات المسار لكنه هنا ربط لها في ورقة اللهو والتسلية، وذلك تؤامة حالهم في واقع الأمر؛ إذ يمارسون ذلك النوع من التسلية الباردة مع آهات قهر المواطن الممتد في لسان شكواه التي لم يسمعها أحد في عين الحقيقة ولن تجد صداها في وجوده الاجتماعي مع النخبة

أما في قصة " الأوباش " فتدق ساعات النهاية معلنة عن غلبة الأمر لفئة النخبة وتحكمها في مسار المجتمع وانتهاكها الوقح لأخلاقيات المدينة ، وذهاب جهود فئة المواطنة الصالحة في مهب الرياح، في سراب تلو سراب، فالاستقامة بعيدة المنال في مجتمع يمارس النخبة فيه هتك ستر العفة في مدينة الفقراء والمقهورين ، وهذا تجسيد واقعي مستقى من حس الواقع دون أن تتدخل فيه المخيلة الحالمة ؛ إذ لا يوجد إلا عزف جوقة النخبة على الحان هتك عرض المدينة، في نسائها الجائعات في الليالي العابثات .

فأني للإصلاح أن يكون ومصدر تقويم الإصلاح المنشود هو ذاته من المرتادين الأوباش لهذا المنزل المشبوه

أما نهاية قصة " الاقتراح العجيب " فإنها تبدو غامضة مبهمة ، إذ لم يشكلها الكاتب كما يستحقها زخم البدء المتسارع المكثف في بوتقة تصوير واحد، إذ يبدو أن عجلة الكاتب في إسدال ستار القصة خفف من حدة رنين النهاية فلم تتشكل فيها بحرارة حس البدء فكانت باردة في إحساسها وقد جسدها الكاتب في ظهور صورة صغيرة للمواطن صالح في الجريدة الرسمية لذا كانت النهاية لا تتناسب مع المساحة الهندسية المتوقعة لمسارات أحداث القصة المتسعة .

وخلاصة ما يبرز للمستقرئ من نهايتها يتشكل على العموم في إحباط الواقع وقتل الطاقات وإجهاض فرص الوصول وقطع كل محاولات الخلاص من مستنقع المجتمع المزري وجحم الهوة بين الواقع الذي يقتل الطاقات وبين مخيلة صالح الحالمة في آماد الإصلاح والإنجازات

وتتجسد نهاية قصة " رجل الأفكار " في ميلاد هستريا حالات فلسفية تتناسخ إلى ما لانهاية في ظل سوداوية الحالة بين المواطنة والنخبة وفي ظل انسلاخ المواطنة في أتون موت بطئ اسمه البطالة ..... وبرود النخبة العاجية التي توفر مجانا أفيون ولادة حالات فلسفية للمواطن العاطل عن العمل مما يزيد أجيج هذيانة اللامتناهي في وجوده الاجتماعي .

وتتجسد النهاية في قصة " الوفد المرافق له " في كشف اللثام عن الحقيقة لتغدو في واقعها الحي ...في أجواء مسرحية زائفة ، إذ يغادر جمهور الحضور المكان ، وتغادر جوقة النخبة والعازفين في فرقتها ، ليسدل الستار عن مدينة تئن من شوارع ضيقه غير معبدة تصطف على جوانبها القمامة والمشردين مما يجعل المواطن يقرف من هذه المسرحيات العابثة؛ التي تلبس قناعا خادعا ؛ يخبئ حقيقة الفقر والجوع القهر والتشرد المستشري في المدينة ، لتبدو المدينة في لحظة عزف نخبة عابثة، مدينة الأحلام البيضاء ومسرح المشروعات المتطورة .

أما في قصة" الذاكرة المثقوبة" فيكشف اللثام عن ماهية حالة التفرعن إذ هي سرطنة متفشية لن ينهيها أي شئ إلا سيف الزمن القاهر؛ إذ يحولها إلى قطعة مهمشة على رصيف الأحداث ، ليتولد بعدها فرعونية جديدة في دماء شابة ،تمارس آلية التفرعن من جديد، وهكذا تواليك .في مسلسل لا ينتهي .

"الذاكرة المثقوبة " نهاية رمادية واقعية ترسم الواقع في عين الحقيقة دون خداع ولي للحقائق ..نهاية لا تتدخل في رسمها المخيلة الحالمة .

أما في قصة " الانتحار الأخير" فقد أسدلت النهاية في ظل عزف إرادة إصرار على البقاء منشؤها إنقاذ روح أوشكت على الفناء ( فالدافع الذي جعل صالح ينقذ الآخرين سيحفزه بدون شك على مواجهة صعاب الحياة )

لذا ولدت الإرادة هنا بأمل واستبشار... في عمر المواطن المحبط " صالح " فرمى بخور إرادته في وادي الرمال ، إذ تشكل من انسامة ولادة جديدة لروح "صالح" في انتصار الإرادة على المحبطات وامتلاء النفس بطاقة فياضة من الأمل في ظل أجواء مشحونة بالجراح والإنكسارات .

" الانتحار الأخير " نهاية غير عادية، جديدة في نكهتها وعزفها العام ، تسير بمسارات مختلفة عن النهايات التي شكلتها كتابات " بوفاتح" للمواطن المقهور على وجه العموم ، وشخصية صالح على وجه الخصوص إذ نجد أن الطابع العام لنهايات قصصه مع المواطن المقهور وصالح هي نهايات رمادية سلبية تكشف بشاعة نهش النخبة بالمواطن ومدى النخر الذي أوصلوا المجتمع إليه إداريا وسلوكيا .

لغة الكاتب تتشكل لغة الكاتب الأدبية في عينة الدراسة المختارة في أطياف متنوعة يجمعها خط رسم واحد وادرج محاور هذه اللغة في قصص الدراسة على النحو الآتي :

ففي استقراء للغة الكاتب في قصة اعترافات " رجل مهم " نجد أن عجلة السرد في القصة أثرت على لغة الكتابة فكانت نوعا ما تقريرية مباشرة نأى بها القاص بعيدا عن الأجواء الخاصة للغة الأدب التي سحر بها القارئ في قصص أخرى ...ففي كثير من قصصه نجده بارعا في تجسيد نص لغة الواقع مع جمال أدبيات التعبير لكن ذلك المنحى ابتعد عنه كثيرا في اعترافات رجل مهم فسبك القصة في نطاق المباشرة السردية وتسجيل أحداث حوارية

أما في قصة الأوباش فقد سادت الحوارات التقريرية في كل زوايا القصة في لغة تعبيرية قد ترواحت بين براعة التعبير في النص والفكرة وبين التقرير المباشر للفكرة

وهناك استخدام حائر للكاتب في قصصه للفظة" أوباش " مما يجعل القارئ حائرا في تحديد أبعادها فهم في قصة " أوباش " النخبة المتنفذه لكن اللفظة تنحو منحاً مغايراً في لغة قصة "اعترافات رجل مهم " إذ يقصد بها المواطن المقهور في ظلال لفة ساخرة به من قبل النخبة

أما " قصة الاقتراح العجيب " فتبدو لغة الكاتب في تؤامة مع لغة " اعترافات رجل مهم " وربما يعود ذلك لرغبة الكاتب في إنزال اللغة إلى مسرح واقعية الحدث في لغة حوارية تتناسب أطيافها اللغوية مع واقعية الحدث لذا غلب عليها التقرير والمباشرة والسرد الوصفي في عزف لغة واحدة في كلا القصتين

وفي قصة " الوفد المرافق له " تتشكل اللغة في صورة تعبيرية لمسرحية محبكة الجوانب في ملكات سرد ذكية وتصوير متعدد الجوانب وتلاعب مرن في نقل القارئ إلى أجواء مسرحية عابثة من قبل النخبة ...ورسم دقيق لمشاعر المواطن تجاه إحساسه بالمساواة مع النخبة في عزف لحظة واحدة

وفي قصة" الذاكرة المثقوبة " يبرز هناك المدى الذي غاصت به اللغة في قطع مسافات المكان والزمان في لغة واحدة ثنائية الأبعاد تدور بين المواطن والنخبة في الذاكرة ومستقبل الأيام يفصل بينها واقع سكتت عنه لغة الكاتب وليس ذلك افناءا له بل هو إشارة من لغة الكاتب إلى مدى المضض الذي يلتهب في نفس المواطن من آتون واقعه، بحيث لا مفر منه ما دام المستقبل يهلهل له ويرتقبة في خصوبة تفرعن اكثر وسلبية اشد

أما في قصة "الانتحار الأخير" فنجد الانتصار البارع للغة الكاتب في إثبات تمكنها في بحار ترميز الكلمة بعيدا عن اسر لغة الواقع ومتطلباتها من السرد والتقرير المباشر فنجد الكاتب يمتلك زمام أمر لغته في قصة " الانتحار الأخير" في حين نجد هذه المزية في اللغة فلتت منه في قصة" اعترافات رجل مهم "

ويستقرئ المتأمل في جميع قصص العينة المختارة في الدراسة، اللغة الرمادية السلبية التي تئن وتعصف بها الصراعات والجراح وهوة التناقضات ؛بحيث لا فسحة هناك للأمل والاستبشار ومعرفة حقيقة اسمها المستقبل، فلا يوجد إلا نهايات مأساوية باردة واقعية الجرس والإحساس، باستثناء قصة" الانتحار الأخير" إذ على النقيض من عنوانها فأنها شكلت بعد لغويا جديداً عند الكاتب ، فيه إضاءات بحبحة الأمل والاستبشار، وكسر لمجاديف الرمادية وسلبية المسير في الحياة

ويستقرئ الدارس لقصص بوفاتح الأسلوب الساخر اللاذع المتهكم في كتاباته وبالأخص في تجسيده لهذه الثنائية المتلازمة .. إذ يختلج في نفس القارئ ضحكة مجنونة من أعماق القلب من طرافة صياغة المقال فيها وجرح عاصف دامي موجع في الآن نفسه

وتبرز في لغة " بوفاتح " القصصية السياحة المطلقة في عوالم المتناقضات والمتضادات في كل أبعاد الشخصيات الزمان والمكان النهايات بحيث لا يسعك بعد كل نهاية قصه إلا أن تزيح عن نفسك بقايا متكاثفة من رماد الآسى والمتناقضات .

ونجد في اغلب قصص عينة الدراسة أن حقيقة واقع المواطن قد تشكلت في شخصية " صالح " ..إذ رسم لها الكاتب ظلالاً لغوية خاصةً بها لتعبر بأنين متصاعد عن طبقة المواطنة المحبطة المقهورة ..التي تبلغ حد الانتحار وتعود ولكن لا يبرز التركيز في تحديد سمات تلك الشخصية عند الكاتب إذ نجده يحاول أن يعبر عن هذه السمت الثابت للمواطنة في شخصية صالح لكنه في قصص أخرى يتراجع عن هذا السمت الثابت ويشكل مسميات أخرى مثل قصة " الجوقة والعازف الوحيد " * أو يجعلها مجهولة المسميات مثل" اعترافات رجل مهم" ويلحظ أيضا المتتبع لشخصية صالح أنها ربما تلعب دورا رئيسياً في القصه مثل اغلب قصص عينة الدراسة أو قد تكون ثانوية مثل قصة " سارق القمر " * وهذا يعزز توجهاً متنوعا في رسم شخصية صالح عند الكاتب

ولكن هذا لاينفي اتقاد تساؤلات في ذهن القارئ حول المغزى الذي بيته الكاتب في رسمه العام لشخصية صالح؛ التي تثير أبعاد مختلفة من التساؤلات في ذهن القارئ .

هذه خلاصة مسارات رسم لغة الكاتب " بوفاتح " القصصية في تجسيد أبعاد ( ثنائية المواطن ، النخبة ) في عينة الدراسة المختارة من مجموعته القصصية " رجل الأفكار " والمنشورة على شبكة الانترنت ( عام 2003 م )

نتائج الدراسة

تتلخص نتائج الدراسة التي توصلت إليها من خلال رحلة البحث في كتابات " بوفاتح سبقاق " على النحو الآتي :

ـ هناك صراعات حادة متأزمة بين ثنائية( المواطن ، النخبة ) ؛ تعبر عن حجم الهوة وثقل المتناقضات بينهما، في أجواء مفارقات عجيبة ، تحكي عاجية النخبة ..تنفذها ....زخم خطوط الفساد الإداري والسلوكي في رسمها العام ، وباثة في ألم دامي ...مشاعر القهر ....المعاناة .... الأنكسارات المعنوية والمادية ، في كل أبعاد حياة المواطن النفسية والاجتماعية .

ـ تتنوع الأبعاد المكانية والزمانية التي تدور رحاها في هذه الثنائية المتلازمة، وكلا البعدين -من المكان والزمان- يحملان مقومات خصوبة التكرار في أماكن متنوعة وأزمنة متعددة في رحم المجتمع المقهور .

ـ تتجسد نهايات هذه الثنائية المتلازمة في غلبة الأمر لفئة النخبة وتنفذها العام في كل أبعاد حياة المواطن في صور سلبية ذات أبعاد رمادية مؤلمة ، تزيد من ثقل معاناة المواطن ، وتُفقدهُ فسحة الاستبشار والأمل في الحياة .

ـ تتراوح لغة الكاتب بين التمكن في استخدام أدوات براعة التعبير، وامتلاك كل أبعاد فنياتها المختلفة، وبين الركون إلى عجلة الطرح القصصي في سرد تلقائي مباشر .

كذلك يبرز في لغة الكاتب رسم لخطوط متنوعة لشخصية " صالح " ، التي استخدمها الكاتب في لغتة؛ ليعبر من خلالها عن معاناة المواطن وانكساره ، لكن يبرز للمستقرئ عدم تعويله الثابت على هذه الشخصية في التعبير عن معاناة المواطن ، وهذا يعكس تماوج رسم كتابات " بوفاتح " في أطياف متنوعة (للصور التعبيرية ، الشخصيات . الفكرة ،) في كتاباته المختارة في عينة الدراسة






* من مواليد 07جانفي 1969 نشرت له قصص قصيرة في العديد من الجرائد والمجلات الجزائرية ، أذيعت بعض أعماله في الإذاعة الجزائرية ، ونشرت له أسبوعية أخبار الأدب المصرية . شارك في العديد من المسابقات الوطنية ونال عدة جوائز ، عضو اتحاد الكتاب الجزائريين ، عضو جمعية الجاحظية الوطنية ،.

(1) رجل الأفكار ، سبقاق بوفاتح ، ( الجزائر : منشورات التبين / الجاحظية ، 2000م )

(2) http://www.arabicstory.net/text.php?tid=669

(3) رجل الأفكار , سبقاق بوفاتح ، ص 24

(4) رجل الأفكار ، سبقاق بوفاتح ، ص 19

(5) رجل الأفكار ، سبقاق بوفاتح ، ص 7

(6) رجل الأفكار ، سبقاق بوفاتح ، ص 38

(7) رجل الأفكار ، سبقاق بوفاتح ، ص 61

(9) الانتحار الأخير ، سبقاق بوفاتح ، ص 9

* http://arabicstory.net/text.php?tid=672

* رجل الأفكار ، سبقاق بوفاتح ، ص 53

موارد نصيــة
سعـاد جبـر
منقولة من ملتقى الأدباء الجزائريين
[SIGPIC]https://scontent-mxp1-1.xx.fbcdn.net/v/t1.0-9/21032558_1535798633150991_3828048114234565275_n.jp g?_nc_cat=0&oh=fc672f4f4a3d4f1a3b6c16149c40ddf6&oe =5BA881B9?type=sigpic&userid=1506&dateline=1414496 936[/SIGPIC]


و الشعر ماذا سايبقى من أصالته
إذا تولاه نصاب و مداح
الثورة وقودها الفقراء يقودها الأغنياء و العلماء و يجني ثمارها الجبناء و العملاء
أنا " محمد مخفي "