بعث الاقتصاد الاسلامي
06-11-2008, 12:15 PM
هذا الموضوع منقول من احد المنتديات الاسلامية
هو عبارة عن سلسلة دراسات مقاربة للاقتصاد الاسلامي (أو مفهوم الاقتصاد الاسلامي ) من الناحية التاريخية والحضارية ........ بتصرف الدكتور ع.أ.رصاع

الربا و الفائدة البنكية
بتصرف عن المصدر الاصلي
Comparative analysis between Islamic and conventional banks of Arabic Gulf states, master thesis, by Omar Abu Rassa'

1. بعث الاقتصاد الاسلامي

1.1 تحدي العقلانية المسلمة : الايديولوجية الدينية للمسلمين و الاقتصاد المعاصر

عندما خضعت المجتمعات المسلمة في العالم الثالث للاستعمار من قبل القوى الامبريالية الغربية في نهاية القرن التاسع عشر واجهت العقلانية المسلمة تحدياً مختلف جذرياً عن ذلك الذي واجهته مع الحملات الصليبية السابقة.
فقد تغير الغرب و طور نظاماً ثقافياً حضارياً اكثر رقياً بما لا يقاس، لذا فإن تحدي العقلانية المسلمة كان تماماً مواجهة التعارض بين هذا النظام الذي ظهر و نما وتطور في الغرب و بفعل جدلية تاريخية و ظروف موضوعية خاصة بأوربا من ناحية و بين الارث الثقافي الاسلامي الذي كان متناغماً نصاً و روحاً مع ايديولوجيته الدينية و نصوصه المقدسة من ناحية اخرى.(*)
كانت الثقافة الاسلامية قد توقفت عن الابداع منذ قرون خلت ، و يمكن القول انها بدت كما لو كانت لا تزال تعيش في القرون الوسطى. و بكلمات المؤرخ :" منذ سقوط الاندلس في القرن الخامس عشر لا نستطيع ملاحظة أي اضافة مهمة للثقافة الاسلامية" (1) . أصبح المسلمون متلقٍ للحضارة بصيغتها الاوربية الحديثة مع وعي كامل بخلفيتهم الثقافية ، و لكن ايضاً برغبة قوية للدفاع عن هويتهم الاسلامية و حمايتها

هذه الرغبة يمكن فهمها كنتيجة طبيعية لأي تحدٍ حضاري ، كرد فعل محافظ تجاه التحول إلى دور المتلقي الحضاري. في الحقيقة إن هذا التوجه نحو فتح الثقافة قوبل باتجاهيين اساسين في الدول ذات الاغلبية المسلمة:
الأول هو تيار التغريب ، و الذي آمن بأنه لا جدوى من محاولة التوفيق بين المدنية الحديثة و التراث الاسلامي ذلك لأن لكل منهما خلفية مختلفة عن الأخرى ، لذا فإن هذا التيار اعتقد بأن أفضل طريق للتطور و تنمية المجتمع هي باتباع النظم الغربية كما هي و أن هذا يتطلب بالنتيجة القطع مع التراث. و قد كان مشروع اتاتورك في تركيا و بورقيبة في تونس ابرز نماذج هذا التيار في التطبيق.
التيار الثاني كان تيار التوفيق و الذي آمن بأن التوفيق ممكن بين المدنية الحديثة و التراث ، و كان رأي هذا الاتجاه هو الذي هيمن في الدول ذات الاغلبية المسلمة.
اغلب المثقفين المسلمين يتمنون بعمق حماية هويتهم الاسلامية ، بينما في الوقت نفسه يؤمنون بأن الاسلام دين مرن قادر على التكييف مع الافكار المدنية الحديثة.
بالنسبة للمسلمين الاسلام دين يشتمل على قوانين للحياة تصلح لكل الاوقات ، لذا فإنه محرم تحريماً مطلقاً قبول اي خرق لمعتقداتهم هذه ، الكثير من العناصر تدعم هذا الرأي فبالنسبة للمسلمين الهوية الدينية تحتل مكانة مركزية و هم يعتبرون انفسهم اصحاب حضارة عظيمة و يؤمنون بقوة انهم ضحايا الاستعمار الغربي الهادف لنهب ثرواتهم. "من المعلوم ان الحركة الاستعمارية سعت للسيطرة على مصادر الدول الاسلامية و ليس لمساعدتها او تأسيس حضارة جديدة. كل المسلمين متفقين على ذلك" (2) !
كنتيجة معقولة لهذا التحدي الحضاري حاول المسلمون الوقوف على ارض متوسطة حيث يمكنهم الحفاظ على هويتهم الدينية من ناحية وفي نفس الوقت التماشي مع تطور الحضارة الانسانية على الصعيد العالمي من الناحية الاخرى.

1.1.2أهمية دراسة الاقتصاد الاسلامي

حيث ان الاقتصاد هو عصب الحياة بالنسبة للوجود الانساني ؛ فإن العديد من المختصين المسلمين أولوا اهمية كبيرة لدراسة النظام الاقتصادي الليبرالي باعتباره اكثر تطوراً و تقدماً ، وذلك بهدف عرضه على الشريعة الاسلامية و النظر في مدى ملاءمته و توافقه معها او لتقديم بدائل اسلامية بإمكانها تلبية احياجات الحياة المدنية الحديثة من ناحية دون مخالفة الدين الاسلامي او الشريعة الاسلامية على نحو ادق.

كانت نتيجة هذه الجهود مواد تراكمت من الدراسات و الابحاث و ادخلت الحقل العلمي باسم الاقتصاد الاسلامي. يذكر هنا ان اتحاد الجامعات الاسلامية فرض على اعضائه تدريس مادة الاقتصاد الاسلامي كمادة في تخصص العلوم الاقتصادية(3).

في الواقع لا يستطيع احد الزعم بأن الاقتصاد الاسلامي هو علم مستقل او جزء من التراث الاسلامي ، ذلك ان الاقتصاد كعلم و نظريات نشأ و تبلور بعد قرون من اكتمال التراث الاسلامي و توقفه عن الابداع او الاضافة ، الاكاديميون المختصون في الاقتصاد الاسلامي انما يحاولون اعادة انتاج العلوم الاقتصادية مع الاحترام للشريعة الاسلامية او لنقل يحاولون تكييف العلوم الاقتصادية المعاصرة مع الشريعة الاسلامية ، انهم يكيفون العديد من اشكال التقنيات الحديثة مع التراث الديني و بخاصة الشريعة الاسلامية ، و البعض اعتبر هذا الانبعاث لهذه الدراسات و الجهود بمثابة جزء من ما اطلقوا عليه النهضة الاسلامية او بتعبير آخر نقول هي محاولة لاسلمة المعرفة .

اكثر من ذلك نجد أن مصطلح اقتصاد في العربية و الذي استخدم كترجمة لمصطلح ‘Economy’ او ‘Economics’ له معنى مختلف كلياً في اللغة العربية إذ ينصرف إلى التوفير في النفقة او التوفير بشكل عام و في اي شيء (4).

من المهم جداً التميز بين النتائج النظرية التي خرج بها اصحاب الاقتصاد الاسلامي من ناحية و الاسلام الدين من الناحية الأخرى ، حتى لو كان اللاحق مشتق من السابق ، فاشتقاق فكرة من الدين اياً كانت و إتباع وصف اسلامي بها لا يعني انها من الاسلام نفسه على الاقل في مستوى النصوص الاساسية ، وهذا لسببين هامين
الأول ان الاقتصاد الاسلامي - كما وصفه موجدوه – "يعتمد على تأويل النصوص الاسلامية خصوصاً القرآن و السنة" ، في محاولة لانتاج نظريات اقتصادية في ظل احترام المبادئ العامة للشريعة الاسلامية.
الثاني يستند على الأول و هو ان اي تفسير او تأويل للنصوص الاسلامية الموروثة لا يعكس بالضرورة الاسلام نفسه فالدين الاسلامي لا يعتمد على مؤسسة تحتكر الـتأويل و تتكلم باسمه كما هو الحال في المسيحية الكاثوليكية مثلاً لهذا فإن التأويل يظل نسبياً و لا يملك نظرياً على الاقل القدرة على الزعم بأنه يتماهى مع روح النصوص او يحتكر التعبير ، إن هذا يمكن النظر إليه باعتباره احد مظاهر المرونة التي يتمتع بها القرآن باعتباره نصاً اصلياً مؤسساً (مع عظيم التحفظ على هذا الوصف) ، و نجد كما يرى ابن رشد الحفيد بأن الفقهاء و خبراء الشريعة اتفقوا على ان الثبات هو لمبادئ العبادة و الاخلاق في الاسلام و ان اي مسألة اخرى يمكن ان تكون موضوعاً للاجتهاد و التأويل (5).

كان الاجتهاد قد تطور بشكل واسع خلال قرون من التطور عقب الاسلام ، فقد كانت الثقافة العربية قبل الاسلام من منتجات البيئة الصحراوية . بعد ظهور الاسلام في القرن الثامن سيطر العرب على مناطق شاسعة خلال اقل من قرن ، في الوقت الذي لم تكن فيه اللغة العربية نفسها مناسبة للكتابة و التدوين ذلك أن الحروف العربية المكتوبة كانت تقبل اكثر من قراءة ، و لم يبدأ العرب باستخدام الابجدية الخاصة بهم على نحو فعال إلى بعد نصف قرن من وفاة النبي محمد على الاقل ، لهذا نجد اغلب المؤرخيين العرب حددوا القرآن باعتباره نقطة الانطلاق للعقلانية العربية في التاريخ ، في الحقيقة القرآن هو أقدم نص مكتوب بالابجدية العربية.

تحت الضغط الثقافي للمناطق التي سيطر عليها العرب و اصبحت تحت دولتهم هذه المناطق التي لها تاريخ حضاري عريض وجد القادمون الجدد انفسهم يواجهون التحدي الرئيس و المتمثل بهضم الارث الحضاري الذي وجدوه في هذه المناطق التي سيطروا عليها ، لم تكن المهمة سهلة ابداً في مواجهة هذا التراث الضخم لشعوب و ثقافات سابقة كان لها اسهامات هامة في بناء حضارة الانسان و استيعابها و هضمها في الوقت الذي كانت فيه الابجدية العربية نفسها غير مناسبة للكتابة و الثقافة العربية تعتمد على السماع فهي ثقافة شفهية لم تتحول بعد للكتابة و الانتاج الفكري باستخدام الابجدية ، و وحده الايمان القوي و الولاء القبلي اهلهم لهذه المهمة ، فيما يبدو لنا تحدي التوفيق الذي واجهه الجيل الذي عاصر الحقبة الاستعمارية الحديثة مشابها على نحو ما ، لكننا لا نستطيع اغفال المشكلة الاكبر في هذه الحالة و هي ان بنية الثقافة العربية هنا كانت لا تزال تعيش في القرون الوسطى بشكل كامل ، و بشكل عام يمكن ان نعتبر سقوط الاندلس في القرن الخامس عشر بمثابة نقطة انعطاف تاريخية اصبحت العقلانية العربية بعدها موسومة بالثبات و الاستقرار بل ان بعض المؤرخين ذهبوا إلى ان دخول العقلانية العربية مرحلة الجمود سبق ذلك التاريخ ايضاً ، على اي حال منذ ذلك الوقت و العقلانية المسلمة شبه ثابتة مكتملة و اي محاولة لاعادة انتاج انظمتها للوضع الجديد يتطلب اعادة انتاج لكل قواعدها العقلانية او الثقافية ، جهود اعادة الانتاج هذه تهدف ليس فقط لفهم قواعد هذه العقلانية و لكن ايضاً و هذا هو الاهم اعادة بناءها من جديد ، هذه في الواقع المهمة الأكثر إلحاحاً في تحدي النهضة ، يتساءل الجابري مستنكراً (6) هل من الممكن بناء نهضة بدون عقلانية ناهضة ؛ عقلانية لا تملك القدرة على اجراء مراجعة شاملة لآلياتها؟!

عقب انهيار الاتحاد السوفيتي ظهرت العديد من الدراسات في الولايات المتحدة و غيرها من الدول الغربية تحاول تحديد او تخيل خطر آخر محتمل بعد الشيوعية على منظومتها ، ربما من اشهر الامثلة على ذلك في الفلسفة السياسية هو عمل صموائيل هنتغتون Samuel Huntington الذي نشره اوائل التسعينيات (1993) و سماه صراع او صدام الحضارات "The Clash of Civilizations" و استنتج هنتنغتون ان الاسلام هو البديل القوي الذي يمكن ان يتحدى الحضارة الغربية و النظام الليبرالي ،في المقابل كمحلل ديالكتيكي للتاريخ رفض تلميذه فرانسيس فوكاياما Francis Fukuyama النتائج التي طرحها استاذه و رد عليها في كتابه نهاية التاريخ و الانسان الأخير The End of History and the Last Man. الذي صدر عام 1994 ، فقد اعتبر فوكاياما الاسلام جزء من التاريخ الانساني لا شيء غير النظام الليبرالي يمكن ان يكون آخر مراحل التاريخ ، فقد رتب فوكاياما مراحل التاريخ واضعاً الليبرالية في ذات المكان النهائي الذي سبق ان وضع فيه كارل ماركس الشيوعية في المادية التاريخية .

على اي حال سواء كنا نتفق مع هنتنغتون او مع فوكاياما او مع غيرهما ، فإننا نجد البعض كهنتنغتون او دعاة البديل الاسلامي يرون ان هناك بديل اسلامي مطروح لما هو قائم فانه من المهم إذن دراسة و تقييم الجهود التي انتجت الاقتصاد الاسلامي و بالتوسع البنوك الاسلامية باعتبارها الجزء الاهم في هذا المضمار خصوصاً ان اصحاب الفكرة او المشروع يصفونه بالاقتصاد اللاربوي مستندين في الجوهر إلى فكرة التسوية بين الفوائد البنكية و الربا الذي حرمته الشريعة الاسلامية مما يجعل مسألة الفائدة و الربا نقطة مركزية في دراستنا هذه.

1.1.3 الانسان خليفة الله في الارض

الطريقة الاسلامية في معرفة الغاية من وجود الانسان على الارض تستند إلى مفهوم العمارة ، فالانسان هو خليفة الله في الارض لتحقيق عمارتها ، نجد في القرآن :{و إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة}(البقرة -26) ان يكون الانسان خليفة لله في الارض يتطلب ان يبسط سيطرته عليها و ان يكون له ارادته الخاصة المستقلة المشتقة من ارادة الله الكلية ؛ إذن فالله هو من قرر الغاية ؛ ان الهدف النهائي للخلافة هو عمارة الكون و التي لها معنى واسع في الاسلام ، فالانسان خليفة الله في هذا الكون ، كل نشاطاته ينبغي ان تكون في طاعته ، حتى في اشباع رغباته ، و يتم ضمان هذا بعدم خرق القانون الإلهي (الشريعة) ذلك ان الله خلق الانسان لعبادته و تحقق مفهوم الخلافة يكون بأن يأتي نشاط الانسان ملتزماً بقانون ربه، و يظهر مصطلح الخلافة حاملاً لعدة مضامين في النص القرآني ؛ فهي الامانة التي حملها الانسان بينما رفضت حملها حتى الجبال ، و هي جوهر العبادة ؛ فسيسأل كل انسان عن اعماله جميعها في هذه الحياة . و كما نلحظ استخدم الاسلام مصطلح الخلافة لبناء اجابة للسؤال الفلسفي لماذا نحن هنا و ما هو الهدف من الوجود الانساني؟

1.1.4 بعض المبادئ الاقتصادية الكلية و الجزئية من وجهة نظر الاقتصاد الاسلامي

أ) ندرة الموارد الاقتصادية Economic Resource Scarcity

ندرة الموارد هي جوهر المشكلة الاقتصادية ، هذه الاخيرة التي نعرف انها نتيجة وجود حاجات غير متناهية فالحاجات الاقتصادية متجددة دائما و لا نهاية لها و مهما بلغ مستوى الاشباع تولد حاجات جديدة و تتطور طبيعة حاجات قديمة و بالتالي فإن حاجات المجتمع لا نهائية ، في مقابل ذلك هناك محدودية في الموارد الاقتصادية و نطلق على هذه المحدودية مصطلح الندرة الاقتصادية Economic Scarcity و الندرة هنا تعني ان هذه الموارد موجودة إلا انها نادرة بمعنى انها غير موجودة على نحو كافي لمواجهة اي طلب عليها ، و عليه فنحن مثلا لا نعتبر الهواء الذي نتنفسه مورد اقتصادي لانه لا يتمتع بسمة الندرة الاقتصادية التي تؤهله ليكون شيء يمكن بيعه بثمن فهو لا يتمتع بهذه النادرة النسبية لكونه متوفر بلا حدود ، اذن المشكلة الاقتصادية جوهرها ان امامنا حاجات لا نهائية للمجتمع في مقابل موارد محدودة ، لهذا فإن درجة ندرة مورد اقتصادي انما تتحدد بالطلب عليه لهذا فالندرة الاقتصادية مفهوم نسبي لا مطلق.

يرى ارباب الاقتصاد الاسلامي أن النصوص الاسلامية اعتبرت الموارد غير محدودة في الكون و ان المشكلة مشكلة انتفاع معللين ذلك بأن "الموارد المتوفرة في الارض كافية لتأمين الاحتياجات الاساسية (الطعام و اللباس و المأوى) لخمسين مليار انسان ، المشكلة الاقتصادية يسببها سوء التوزيع الذي تسببه القوانين و الانظمة الانسانية"(7)

اذن ندرة الموارد الاقتصادية هي نتيجة التصرف غير الحكيم بهذه الموارد او توظيفها على نحو غير فعال ، و بالتالي فالمشكلة مشكلة توظيف عناصر الانتاج هذه و ليس ندرتها ؛ على اي حال ثبت تاريخياً ان المنتجات التي يمكننا الحصول عليها من نفس الموارد الاقتصادية زادت او حتى تضاعفت عدة مرات بفضل التطور التكنولوجي في فنون الانتاج.

ليس غريباً ان معظم النظريات الاقتصادية انهارت بتقدم التاريخ الانساني ؛ ذلك انها لا تستطيع ضبط كل العوامل المؤثرة او تقدير اثر كل منها على نحو دقيق ، و الحقيقة هذه سمة دارجة في كل العلوم الاجتماعية حيث ترتبط صلاحية و معقولية النظرية بثبات العناصر الفاعلة فيها فهي اذن صالحة في مستوى التحليل الآني للحظة التي وضعت فيها ، إلا انها تسقط بالتقادم لان العناصر الفاعلة فيها تختلف زيادة و نقصاناً من ناحية و على مستوى فعاليتها من ناحية أخرى ، لدينا مثل تاريخي مهم هنا و مشهور و هو نظرية مالتوس Thomas Malthus (1766-1834) السكانية ، فقد حلل مالتوس ظروف المجتمع البريطاني من زاوية تاريخية و استنتج أن النمو السكاني يتخذ شكل المتوالية الهندسية فيما يتخذ نمو الغذاء شكل المتوالية العددية
“I say that the power of population is infinitely greater than the power in the earth to produce subsistence for man. Population, when unchecked, increases in a geometrical ratio. Subsistence increases only in an arithmetical ratio” (8).

و بناء عليه استنتج مالتوس انه و خلال اقل من خمسين عاماً ستواجه انجلترا المجاعة ، دفع هذا مالتوس و هو رجل الدين لاعتبار الحروب و الاوبئة عناصر ايجابية من شأنها ان تحد من النمو السكاني وفق متوالية هندسية.

في الواقع لو ان كل العناصر المؤثرة في تلك الاشكالية بقيت على حالها لكان ما توقعه مالتوس حتمية تاريخية إذ بقي السكان يتزايدون وفق متوالية هندسية و الغذاء وفق متوالية عددية و لكانت المجاعة نتيجة حتمية ، إلا ان هذا لم يحدث فلم يتخذ النمو ذلك الشكل لا للغذاء و لا للسكان .
ربما من السهل تحليل التاريخ بحكمة رجعية إلا ان التنبأ بحركته يبدو اصعب بكثير، في حالة مالتوس ما حصل فعلاً كان مختلف كلياً فالنمو السكاني مع تعقد طرق الحياة و طبيعة الحياة المدنية و تطور النظرة العائلية للانجاب و التربية و تكلفة المعيشة و الرفاهية كلها عناصر ادت بالمحصلة لهبوط متوالي في معدلات النمو السكاني إلى ان وصل النمو السكاني البريطاني إلى درجة اصبح فيها قريب من الصفر و احياناً سالباً!

من ناحية اخرى اتاحت تقنيات الزراعة الحديثة امكانيات هائلة لزيادة انتاجية المساحة المحددة من الارض اضعافاً و اضعاف ، من الناحية العلمية النظرية على الاقل فإن مستوى التكنولوجيا الزراعية المتوفر اليوم لو طبق على كل الرقعة الزراعية لبلغ الانتاج مستويات تكفي فعلاً لاطعام اضعاف اضعاف عدد سكان الارض ، بل ان المخططين في كثير من الدول للقطاع الزراعي يواجهون مشاكل فائض انتاج و ليس العكس كما هو الحال في الولايات المتحدة و القمح في بعض المواسم او البرازيل و القهوة حماية لسعر معقول يؤمن ربحاً لهذا القطاع.
من وجهة نظر ارباب الاقتصاد الاسلامي المشكلة الاقتصادية مشكلة استخدام بينما سؤال الاقتصاد الكلي يبقى كما هو : كيف يمكن الوصول إلى أعلى مستوى من المنفعة الاجتماعية (اشباع حاجات المجتمع)؟ و كيف يمكن الوصول إلى مستوى التوظيف الامثل او الانفع لعناصر الانتاج؟
يتبع
(*) من المفترض ان الكثير من المجددين و اصحاب الرؤى الاكثر انسجاماً مع الواقع سيعترضون على هذا الوصف باعتبار ان الارث الثقافي الاسلامي ليس متناغماً نصاً و روحاً مع الايديولوجيا الدينية و النصوص المقدسة ، إلا ان الأرث الذي بين يدينا و الذي كان و لا زال يمارس فعله و يعتبر الثقافة التي ترتدي الشرعية و المشروعية على حد سواء هو كذلك ، فنحن هنا نتناول المعقولية باعتبارها ثقافة المجموع التي يحملها و يدافع عنها و يتناقلها عبر الاجيال، ليس هذا حكم قيمة ينحاز إلى كون أحد الرئيين أصوب في فهم النص بل هو تقرير لما ساد تاريخياً باعتباره الفهم الصحيح و لهذا اقتضى التنويه.
(1) عمر – عبد الله ، 2005 ، العرب و التاريخ
(2) نفس المصدر
(3) مؤمن – د.عبد النور ، 2004 ، الاقتصاد الاسلامي
(4) راجع لسان العرب مادة قصد باب الدال
(*) للاسف البالغ رغم عدم وجود نصوص قرآنية تؤسس لهيئات دينية او تقيم واسطة بين الله و الانسان او بين الانسان العادي و نصوص القرآن و عدم وجود مقام راجل دين لهم صفات لاهوتية فلم نعدم لا في الماضي و لا الحاضر ظواهر مأسسة الدين و تشكيل نوع من الهيئات الدينية التي تمارس احتكاراً و تفرد وصايتها كوسيط بين الانسان و الله.
(5) ابن رشد الحفيد ، 1988 ، ضمن مشروع الرؤية الجديدة اعاد نشره الدكتور محمد عابد الجابري : نهاية المقتصد و بداية المجتهد
(6) الجابري – محمد عابد ، 1991 ، نقد العقل العربي ج1
استخدم الجابري مصطلح عقلانية و نعتقد مع جورج طرابيشي ان المصطلح الاصوب هو معقولية و ليس عقلانية للدلالة على التكوين الثقثافي بعامة الذي ينظم قواعد الفهم و الادراك و التفكير....الخ
(7) Islamic-world.net, 2005
Malthus, 1970) (8)

يتــــ......ـــــــــبع