فضيحة المندوب السامي في ليبيا
17-09-2016, 08:28 AM



أسفر لقاء المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر مع أعضاء المجلس البلدي لمدينة مصراتة عن فضيحة جديدة تؤكد إصرار الغرب على إحراق هذا البلد حتى النهاية.
لقاء كوبلر مع "جزء معين من الليبيين" جاء بعد أن قدَّم تقريره "الهزيل إلى الأمم المتحدة، والذي تضمن معلومات غير دقيقة عن أعداد المهاجرين غير الشرعيين عن طريق ليبيا إلى أوروبا، وكذلك المعلومات غير الواضحة والتي تحمل موقفا مسبقا عن الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، والفهم المنقوص للوضع الليبي وخريطة التشابكات السياسية والقبلية والذي نجم عن الرؤية الأحادية التي يحاول الغرب فرضها لتحقيق مصالحه.
هذا اللقاء عكس إصرار المبعوث الأممي مارتن كوبلر، الذي يصفه العديد من وسائل الإعلام بالمندوب السامي في ليبيا، على مواصلة تأليب الليبيين بعضهم على البعض الآخر، واستخدام التناقضات السياسية والقبيلية للحفاظ على وضع هش في ليبيا. غير أن الخطير في الأمر أن السلطات المحلية بمدينة مصراتة "أبلغت" كوبلر بعدم رغبتها في خوض حرب جديدة مع أي جهة، وذلك على خلفية سيطرة قوات الجيش الوطني الليبي على موانئ تصدير النفط.
وعلى الرغم من أن حكومة الوفاق والمشير خليفة حفتر والبرلمان الليبي أكدوا أن المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا تسلمت رسميا وبشكل كامل إدارة موانئ التصدير (الزويتينة والبريقة وراس لانوف والسدرة) وأصبحت منطقة الهلال النفطي بكاملها تحت إدارة المؤسسة، يواصل كوبلر تنفيذ "الفرمان" الغربي الذي أصدرته الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا في 12 سبتمبر/أيلول الحالي، والذي يدعو كل القوات العسكرية التي دخلت الهلال النفطي إلى الانسحاب على الفور ودون شروط مسبقة.
جوهر هذا البيان أو "الفرمان" المشترك للدول التي تتصارع وتتفق وتختلف على مقدرات ليبيا، وهي نفسها التي شاركت في قصف ليبيا، يظهر بجلاء في تحركات كوبلر الذي يلتقي بالمجالس البلدية وبأعضاء وعناصر من التنظيمات والجماعات والتشكيلات التي تعتبرها حكومة الوفاق إما غير شرعية أو غير مخولة بالحديث باسم ليبيا. وبالتالي ليس غريبا أن تبرز وسائل الإعلام الإيطالية تصريحات أحد أعضاء المجلس البلدي لمدينة مصراتة، حيث يقول إن "أبرز ما نوقش خلال زيارة كوبلر للمدينة هو التعامل الإيجابي من قبل مدينة مصراته مع استفزاز خليفة حفتر بعد هجومه على الموانئ النفطية".
وفي مقابل تأليب الغرب الليبيين بعضهم على البعض الآخر، اعتبرت قبائل برقة الليبية دعوة الدول الغربية للجيش الوطني للانسحاب، تدخلا سافرا فى شؤون الوطن الداخلية، وإشارة واضحة إلى وجود نوايا مبيتة كانت، وما زالت وراء أزمة ليبيا. وأكدت أن "الجيش الوطني الليبي أعلن فور تحريره لموانىء ليبيا من الميليشيات التى كانت تستخدم أجندات بعينها، دعا المؤسسة الوطنية للنفط لاستلام هذه المرافق وإدارتها، واحترام حقوق وعقود المستوردين".

المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر، وعقب حصول حفتر على رتبة مشير، جدد استعداده للقاء القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر لمناقشة "تشكيل جيش ليبي موحد لمكافحة جميع صور الإرهاب ولحماية مرافق النفط". هذا على الرغم من أن الخطوة التي اتخذتها قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر كانت في هذا الاتجاه أصلا، ولكن يبدو أن كوبلر يرغب في طرح "أمور أخرى" على حفتر خلف الأبواب المغلقة. والمعروف أن الأخير رفض لقاء كوبلر أكثر من مرة، وفقا لتأكيدات مقربين من العسكري الليبي.
إن تصريحات كوبلر لصحيفة "لاستامبا" الإيطالية بأن "النفط ملك جميع الليبيين، وليس جزء معينا فقط.. وأن العملية العسكرية التي طالت الموانئ في منطقة الهلال النفطي مدعاة لقلق كبير.. وأن اتفاق الصخيرات يمنح المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق صلاحيات قيادة القوات المسلحة الموحدة"، تؤكد مجددا على أن الغرب مصمم على تهميش حفتر أو ترويضه من جهة، وإخضاع البرلمان الليبي لسيناريوهات خارجية من جهة أخرى، والتحكم الكامل في حكومة الوفاق من جهة ثالثة، وقطع الطريق على أي محاولات وطنية ليبية للم الشمل ما لم تتوافق مع سيناريوهاته وخططه.

مواقف الغرب، وبالذات الدول الست التي أصدرت" البيان المشترك المتسرع للغاية، معروفة جيدا. أما مواقف دول الجوار فهي تكاد تكون غير واضحة، على الرغم من أنها تشكو من مشاكل الإرهاب وتدهور الأوضاع الأمنية الذي يؤثر عليها بشكل مباشر. وهو ما يشير مجددا إلى حالة الاستقطاب الدولي لدول الجوار الليبي، وربما الضغط عليها للالتزام بنسق معين من التصريحات والإجراءات التي لا تعيق تحركات الدول الغربية. وربما تكون القاهرة قد حسمت موقفها بشكل نهائي بشأن هذه الاستقطابات، أو على الأقل تحاول تفاديها. فقد أوضح وزير الخارجية المصري سامح شكري أن مصر ستولى أيضا أهمية قصوى بخصوص ضرورة عودة الاستقرار إلى ليبيا وتحقيق الوفاق الوطني من خلال تنفيذ اتفاق الصخيرات، "مؤكدا أن مصر تدعم الجيش الوطنى الليبى بكل ما يحمله من شرعية"، وشدد على "تأييد مصر التام لتحرك الجيش الليبى للحفاظ على الأمن والاستقرار فى ليبيا وتأمين الثروات البترولية الليبية". بل وذهب شكري إلى أن "دعوة الولايات المتحدة وخمس دول أوروبية الجيش الليبي بقيادة الفريق أول خليفة حفتر بالانسحاب من منطقة الهلال النفطي بعد قيامه بتحرير هذه المنطقة من سطوة العصابات المسلحة، كانت متسرعة ولم تراع الاعتبارات الخاصة بالأوضاع الداخلية فى ليبيا، وشدد من جديد على أهمية الجهود التى يقوم بها الجيش الوطنى الليبي لتأمين أمن واستقرار الأراضي الليبية والحفاظ على الثروات البترولية الليبية".

روسيا ليست بعيدة عن الأزمة الليبية. ولسنا بحاجة للعودة إلى تاريخ العلاقات. وبالتالي، كانت الخارجية الروسية حريصة على التأكيد على أن "عملية إعادة توزيع مناطق النفوذ فى قطاع النفط فى ليبيا لا ينبغى أن تؤثر على تسوية النزاع هناك، لاسيما تشكيل حكومة موحدة فى البلاد". وسلطت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في مؤتمر صحفي على أن "الجيش الوطني الليبي تحت قيادة الجنرال خليفة حفتر تمكن من السيطرة على موانئ النفط فى البلاد على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، حيث يقع الجزء الأكبر من البنية التحتية النفطية الليبية، بما فى ذلك محطات النفط"، وحثت القوى المتحاربة فى ليبيا للعمل فى إطار الاتفاقات التى تم التوصل إليها للتمكن من تحقيق المصالحة الوطنية". هذه التصريحات التي تؤكد على اهتمام روسيا البالغ بما يجري في ليبيا، جاء متزامنا تقريبا مع زيارة كوبلر موسكو وإعلانه بأنه في حاجة إلى مشورة الروس، وأن رأي روسيا مهم جدا حول التقرير الذي يجب أن يقدمه لمجلس الأمن.

أشرف الصباغ