الشيخ أحمد الداودي الجزائري أول شارح لصحيح البخاري
30-09-2017, 04:27 PM
أحمد بن نصر الداودي الجزائري

أول شارح لصحيح البخاري

(لقد نشرت باسم مستعار هذا الموضوع في موقع عربي آخر أنا عضو فيه للتعريف بعلمائنا الأجلاء)

المقدمة :
كتب الأستاذ النحرير محمد الهادي الحسني في جريدة الشروق الجزائرية في ماي من عام 2013 بحرقة عن إهمال الكتاب الجزائريين الكتابة عن مشايخهم و علمائهم الأجلاء و التعريف بهم لأشقائهم العرب و المسلمين المتلهفن إلى معرفتهم ، لما تحظى به الجزائر من مكانة غالية عند الأشقاء العرب ، و الذين قدموا الكثير للثقافة العربية الاسلامية ، منشغلين بما هو أدنى من ذلك :
{... ولابد من لوم وعتاب لكثير من الكتاب الجزائريين الذين يؤثرون الكتابة عن غير الجزائريين، ويهملون التعريف بعلمائهم، وقد نبّه إلى هذا النقص الأستاذ مولود قاسم منذ ستين سنة حيث خاطب كتاب الجزائر قائلا: "اكتبوا - يا قوم - عن الجزائر، إن الناس يريدون أن يعرفوا عنكم أشياء، ولا يريدون أن يقرؤوا أخبارهم في جرائدكم مشوهة ممسوخة "، وقد استشهد مولود قاسم على ما ذهب إليه ببيت من الشعر جميل هو:
إذا كان إكرامي صديقي واجبا * فإكرام نفسي - لا محالة - أوجب
إن أكثر إخوننا - خارج الجزائر - يجهلون كل شيء عن علمائنا، وعندما يذكرون بعضهم ينسبونهم إلى تونس أو المغرب.. وما هم بملومين، ولكن - نحن الجزائريين - الملومون..قرأت ما كتبه الأخ بومدين بوزيد يوم الجمعة الماضي (17 - 5 - 2013) في جريدة "الخبر" عن إحدى عادات بعض الجزائريين الحسنة، وهي قراءة "صحيح البخاري" في بعض المساجد طيلة أشهر رجب - شعبان - رمضان، وذكر الأخ بومدين في أثناء حديثه عن تلك العادة الحسنة اسم عالم من علمائنا وهو الإمام أبو جعفر أحمد بن نصر الدّاوُودي ، الذي "حاز بسبق تفضيلا، مستوجب ثناءنا الجميلا"، لأنه "من أوائل شرّاح صحيح البخاري بعد الخطّابي في كتابه إعلام السنن "، بل إن من الكتاب من جزم بأنه "هو أول من شرح كتاب صحيح البخاري }.
و كما قال استاذنا الفاضل محمد الهادي الحسني:
(ولهذا أحببت أن أعرّف في هذه الكلمة بهذا الإمام الذي وصفه الإمام ابن صعد التلمساني بأنه علامة العلماء) ..
فإني أساهم بهذه المشاركة المتواضعة في التعريف بهذا العالم الجليل و المحدث الكبير الشيخ أحمد بن نصر الداودي التلمساني، أول شارح لصحيح البخاري في كتابه ( النصيحة في شرح صحيح البخاري)

التعريف :
هو الشيخ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ الدَّاوُدِيُّ الْأَسَدِي الجزائري المالكي ، الملقب بشيخ الاسلام في زمانه ،من أئمة الحديث الشريف وحفاظه ، وأحد فقهاء المالكية المشهورين ، ويكني بأبي جعفر ، و يعد أول من شرح صحيح البخاري وثاني شارح لموطأ مالك ، كما ذكر الدكتور مصطفى حميداتو (جامعة باتنة –الجزائر) في حديثه عن الطرق التي وصل بها صحيح البخاري إلى الجزائر:{ ..."عن" طريق أبي جعفر أحمد بن نصر الداودي المتوفى سنة 402 هـ (أول من شرح صحيح البخاري) . ثم أخذ عن هؤلاء جلة العلماء, وانتشر بين طلبة العلم. وفي أواسط القرن الرابع بدأت جهود المحدثين الجزائريين في الظهور في سلسلة متواصلة إلى أيام الناس هذه.}
و كما ذكر أعلاه ، فقد توفي رحمه الله سنة 402 هـ بتلمسان في الغرب الجزائري ، حيث لا يزال قبره إلى اليوم .
مولده ونشأته
ولد بمدينة المسيلة وقيل ولد بمدينة بسكرة، وهما مدينتان متجاورتان ، تقعان في الشرق الجزائري.
حفظ القرآن الكريم ودرس علوم العربية (من نحو وصرف وبلاغة )، ثم كتب الفقه المالكي .
كان عصاميا تعلّم بمفرده، ولم يعتمد إلا على قلة قليلة من علماء عصره منهم إبراهيم بن خلف الأندلسي و أبو بكر بن عبد الله بن أبي زيد وأخوه عمر بن عبد الله.
عقيدته :
هو من أهل السنة والجماعة، مالكي المذهب، ممن يرى بالتأويل الذي كان عليه كثير من العلماء قبله وبعده، أورد ابن حجر، والعيني الحنفي كثيرا من أقواله في التأويل منها: ما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة يقاتل هذا في سبيل الله، فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد" قال الداودي: " أراد قبول أعمالهما ورحمتهما والرضا عنهما).
ثناء العلماء عليه :
1. قال عنه مؤرّخ الإسلام الإمام الذهبي: " أحمد بن نصر: أبو جعفر الأزدي الداودي المالكي الفقيه. كان بطرابلس المغرب، فأملي بها كتابه في شرح الموطأ، ثم نزل تلمسان. وكان ذا حظ من الفصاحة والجدل.
2. وقال عنه القاضي عياض: "من أئمة المالكية بالمغرب (الكبير)، والمتسعين في العلم المجيدين للتأليف"
3. وقال عنه الإمام ابن فرحون في ترجمته: "من أئمة المالكية بالمغرب (الكبير) كان فقيها فاضلا متقنا مؤلفا مجيدا له حظ من اللسان والحديث والنظر
4. و أما الحافظ ابن حجر العسقلاني؛ فقد أورد له في "فتح الباري" 479 بين استشهاد ونقل لفوائد ، وأورد الكثير من أقواله، مرجحا بها لرأيه مرة ، ومناقشا لها آخرى ، وموهما لها تارة ومصححا له اطورا.
5. و قد استشهد به بدر الدين العيني الحنفي في " عمدة القاري شرح صحيح البخاري
و قد ترك آثارا علمية حازت تقدير العلماء واحترامهم مثل القاضي عياض، وابن صعد التلمسان، وابن فرحون، والحجوي الثعالبي وغيرهم ، ومن هذه الآثار كتابه "النصيحة في شرح صحيح البخاري" وهو شرحه لصحيح البخاري وقد ألفه بالجزائر في تلمسان .
وذكر الشيخ عبد الرحمن الجيلالي في تاريخه :( وهذا الكتاب مما اعتمد عليه ابن حجر العسقلاني في فتحه، وكان يكتفي عند الإحالة عليه بلفظ "الشارح"، كما اعتمد عليه المناوي، والزرقاني، والشوكاني )


تــلامــذه :
  • أبو عبد الملك مروان بن علي –
  • أبو محمد - الأسدي القطان البوني، نسبة إلى بونة مدينة (عنابة ) بالشرق الجزائري ، (توفي حوالي سنة 440هـ )
  • أبو بكر أحمد أبي عمر أبي محمد بن أبي زيد (ت بعدسنة 460هـ)
  • هشام بن عبد الرحمن بن عبد الله، و يعرف بابن الصابوني: من أهل قرطبة.
  • أحمد بن سعيد بن علي الأنصاري القناطري، المعروف بابن الحجال، من أهل قادس، و يكنى أبا عمر، توفي سنة 428 هـ
مؤلفاته :
· النصيحة في شرح صحيح البخاري: ويسميه البعض " النصيح " وقد ألف هذا الكتاب الجليل في تلمسان حيث ألف أكثر كتبه بها.
· النامي في شرح موطأ الإمام مالك : وهذا الكتاب أصَلَه وأملاه بطرابلس أي في المرحلة الأولى من حياته ، ويعتبر هذا الكتاب ثاني شرح للموطأ بعد شرح محمد بن سحنون القيرواني له. وقد ذكر عبد الرحمن الجيلالي أنه توجد نسخة منه بمكتبة القرويين بفاس تحت رقم(527).
· الأموال: وهي فتاوى وأحكام.
· الواعي في الفقه.
· الإيضاح في الرد على القدرية.
· كتاب الأصول.
· كتاب البيان.
· كتاب تفسير القرآن المجيد.

اهتمام العلماء بشرح الداودي :
ذكرت أكثر المصادر التي ترجمت للإمام الداودي شرحه لصحيح البخاري المسمى بـ :"النصيحة في شرح البخاري"، ومن بين هذه المصادر القاضي عياض، وابن فرحون والقنوجي، والشيخ محمد بن محمد مخلوف، ومحمد رضا كحالة، وأشار إليه من غير تصريح بالإسم القسطلاني، والمبارك فوري، وحاجي خليفة. و ككثير من كنوز تراثنا الاسلامي التليد ، أهملت مخطوطات الداودي النفيسة ، و غيبها النسيان و اللامبالاة ، حتى جاء ذكرها مع يوسف الكتاني :
"أما عن شرح "النصيحة" فلا يعرف أثره إلى اليوم، وقد كانت الظنون أنه من ذخائر خزانة القرويين، وقد بحثت عنه طويلا، وبمساعدة قيمها المرحوم العابد الفاسي، ومساعدين ، أكدوا عدم العثور عليه، كما أنه (غير موجود ) مسجلا ضمن الكتب المفهرسة بها، ولا ذكر له في مختلف القوائم والفهارس المتعلقة بخزانة القرويين منذ "فهرس بل" سنة 1917 إلى اليوم، ولكنني أميل إلى وجوده إما بين الكتب التي لم تفهرس بعد، والتي أخذت الروضة تأكل بعضها، وإما بين مئات الكتب التي استعيرت من خزانة القرويين، وبقيت ضائعة عن المستعيرين إلى الآن، ومازلت آمل العثور على هذا "الشرح" النفيس. )
و مما يدل على المكانة العلمية المرموقة التي يتميز بها الشيخ الداودي ، ما وضعه لنفسه من منهج علمي يتبعه في دراساته و بحوثه العلمية ، تحريا للدقة و المعلومة الصحيحة ، خاصة و هو يتناول سنة المصطفى صلى الله عليه و سلم ، التي لا يجهل مكانتها عند المسلمين ، و هذا ما وقف عليه متتبعو آثار الداودي و دارسوها ، نعرضها ملخصة فيما يلي :

منهج الداودي في الشرح :
أ - كثرة المادة العلمية، واستنباط الأحكام من الحديث أو من غيره.
ب – اشتملت كتب الأئمة الأربعة المشار إليها آنفا على أكثر من ستمائة نص ورد صحيح النسبة إلى الإمام الداودي.
ج – تضمنت النصوص المستخرجة كلام الإمام الداودي على أغلب كتب "الجامع الصحيح"،
و لأن الشيخ الداودي اعتمد على نفسه في تعلمه و تفقهه (عصامي )لم يذكر في شرحه أحدا نقل عنه، أو استفاد منه، كما جاء في قول القاضي عياض من " أنه لم يتفقه في أكثر علمه على إمام مشهور، وإنما وصل إلى ما وصل بإدراكه ".
و لكن بالمقابل فإن الذين اهتموا بدراسة آثاره يقررون أن الداودي استعان – أثناء الشرح – بكتب كثيرة في اللغة والحديث والتفسير والفقه وغير ذلك.
د- العناية بالجانب اللغوي : اهتمام الداودي الشارح بالجانب اللغوي، وهذا أمر ظاهر من النقول الكثيرة عنه، ويبرز هذا من خلال شرح غريب الحديث النبوي،
و مثال ذلك " عند كلامه على قوله صلى الله عليه وسلم "... فيخرجون من النار قد امتحشوا" قال :"امتحشوا : انقبضوا واسودوا".
و منه شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم :"ما من الناس من مسلم يتوفى له ثلاث لم يبلغوا الحنث..." فقد ذكرأنه فسر الحنث بأن المراد منه ( لم يبلغوا أن يعملوا المعاصي) .
هـ- الاهتمام بشرح معاني الحديث و روايته :،ومثاله عند شرح حديث :"إذا أتى أحدكم الغائط، فلا يستقبل القبلة، ولا يولها ظهره، شرقوا أو غربوا".
قال الداودي :" اختلف في قوله:"شرقوا أو غربوا"، فقيل إنما ذلك في المدينة، وما أشبهها كأهل الشام واليمن، وأما من كانت قبلته من جهة المشرق أو المغرب، فإنه يتيامن أو يتشاءم".
و مثاله عند قول عاصم الأحول : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعدا في مكان فيه ماء قد كشف عن ركبتيه – أو ركبته، فلما دخل عثمان غطاها".
قال الداودي :" هذه الرواية وَهْمٌ، وقد أدخل بعض الرواة حديثا في حديث، إنما أتى أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته منكشف فخذه، فجلس أبو بكر، ثم أتى عمر كذلك، ثم استأذن عثمان، فغطى النبي فخده، فقيل له ذلك، فقال : إن عثمان رجل حيي، فإن وجدني على تلك الحالة لم يبلغ حاجته"، وأيضا فإن عثمان أولى بالاستحياء ،فزوج البنت أكثر حياء من أبي الزوجة".
و من ذلك : عند حديث أم عطية الأنصارية قالت :" دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته فقال:..."
قال ابن حجر : قوله ابنته: "حكى ابن التين عن الداودي الشارح أنه جزم بأن البنت المذكورة أم كلثوم زوج عثمان".
و كبيان اختلاف الروايات ، ومثاله قوله عند حكاية الخلاف في ثمن الجمل الذي اشتراه الرسول صلى الله عليه وسلم من جابر "ليس لأوقية الذهب قدر معلوم، وأوقية الفضة أربعون درهما، قال : وسبب اختلاف هذه الروايات أنهم رووا بالمعنى وهو جائز، فالمراد أوقية الذهب، وأما من روى خمس أواق من الفضة، فهي تقدير قيمة أوقية الذهب في ذلك الوقت، فيكون الإخبار بأوقية الذهب عما وقع به العقد، وعن أواقي الفضة عما حصل به الإيتاء..."
و منه الحرص على تدقيق صحة الحديث ، ومثاله تعليقه على حديث نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" إذا تبايع رجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا، وكانا جميعا..."، فإنه قال :" قول الليث في هذا الحديث :" وكانا جميعا إلى آخره، ليس بمحفوظ لأن مقام الليث في نافع، ليس كمقام ملك ونظرائه".


العناية بالاستنباط و فقه الحديث :
- استخراج الأحكام، وبيان فوائد الحديث و منها مثال :
قول عائشة رضي الله عنها :"كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم في إناء واحد ..." نقل الحافظ ابن حجر عن الداودي أنه استدل بهذا الحديث على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه.
- مناقشة الآراء للترجيح :
و مثال ذلك الآذان" في "باب الكلام في الأذان" ذكر البخاري في الترجمة كلام سليمان بن صرد في أذانه، ثم ساق حديث ابن عباس، وكلامه مع المؤذن وأمره له بأن ينادي :"الصلاة في الرحال". فعلق الداودي على ذلك بقوله:"لا حجة على جواز الكلام في الأذان، بل القول المذكور مشروع من جملة الأذان في ذلك المحل".
فقد كان الداودي من كبار المالكية، و تصدى لشرح "الموطأ " و ليس غريبا أن يكون متأثرا بالمذهب المالكي ، و لكنه لم يكن متعصبا للمذهب ، و لا يتردد في قبول الأحاديث التي لم تصل مالكا رحمه الله ، و يتضح ذلك في شرح حديث أبي بردة رضي الله عنه :" كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول :"لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله".
ذكر الحافظ ابن حجر اختلاف العلماء في جواز الزيادة على العشر، ثم قال :" وقال مالك والشافعي وصاحبا أبي حنيفة : تجوز الزيادة على العشر..." واعتذر الداودي فقال :لم يبلغ مالكا هذا الحديث، فكان يرى العقوبة بقدر الذنب".

القيمة العلمية لـ(لنصيحة في شرح البخاري):
اشتهر الداودي بين أهل العلم بكونه محدثا فقيها أصوليا، ثم بكونه من أوائل شراح "صحيح البخاري"، ولقد صار شرحه بعد وفاته عمدة للشارحين الذين أتوا بعده، وينقلون من علمه، وممن استفاد منه عبد الواحد ابن التين السفاقسي والقاضي عياض وابن قرقول، والعلامة شمس الدين الركماني، والحافظ علاء الدين مغلطاي (ت 792هـ) في شرحه للبخاري المسمى:" التلويح" والحافظ ابن حجر في "فتح الباري"، والبدر العيني في "عمدة القارئ" والقسطلاني في "إرشاد الساري".

فقد قال ابن حجر:"ونقل ابن التين عن الداودي أن سبب النهي، أن النبيذ يكون حلوا، فإذا أضيف إليه الآخر، أسرعت إليه الشدة، وهذه صورة أخرى".
و نقل عنه القاضي عياض قوله في شرح الحديث : " الخيل ثلاثة، لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر... فأما الرجل الذي هي عليه وزر، فهو رجل ربطها فخرا، ورياء ونواء لأهل الإسلام.. ". قال ابن حجر :"

مآخذ العلماء على الداودي في شرحه :
تعقب الأئمة الشراح شرح الداودي "لصحيح البخاري" من عدة جوانب ، خاصة العسقلاني في:
أ اللغة : من ذلك في شرح الألفاظ الغريبة : ففي شرح لفظ : "قشبني" الوارد في حديث طويل، قال الداودي :"معناه :غير جلدي، وصورتي".
فتعقبه الحافظ ابن حجر بقوله :"ولا يخفى حسن قول الخطابي"، وأما الداودي فكثيرا ما يفسر الألفاظ الغريبة بلوازمها، ولا يحافظ على أصول معانيها."

ب – استنباط الحكم:" في "كتاب الجمعة"، باب قول الله تعالى :" فإذا قُضِيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا فمن فضل الله".
قال ابن حجر :"قوله باب قول الله عز وجل :"فإذا قضيت الصلاة..." الآية : جنح الداودي إلى أنه علم الوجوب في حق من يقدر على الكسب، وهو قول شاذ نقل عن بعض الظاهرية، وقيل هو في حق من لا شيء عنده ذلك اليوم، فأُمر بالطلب بأي صورة اتفقت، ليفرح عياله ذلك اليوم، لأنه يوم عيد".
ج – الحديث :
* في بيان المهمل أو صاحب القصة : ففي قصة شرب العسل، جزم الداودي بأن حفصة هي التي شربته، فتعقبه الحافظ بن حجر بأن ذلك :"غلط، وإنما هي صفية بنت حيي، أو زينب بنت جحش".
* في رد الروايات الثابتة: ففي شرح حديث سعد أنه قال :" اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي أن أجاهدهم فيك، من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه، اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم".
قال ابن حجر :" وزعم الداودي أن المراد بالقوم بني قريظة، ثم قال في الرواية المعلقة : هذا ليس بمحفوظ، وهو إقدام منه على رد الروايات الثابتة بالظن الخائب، وذلك أن في رواية ابن نمير أيضا ما يدل على أن المراد بالقوم قريش، وإنما تفرد أبان بذكر قريش في الموضع الأول، وإلا فسيأتي في "المغازي" في بقية هذا الحديث من كلام سعد، وقال :"اللهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني له".
وأيضا ففي الموضع الذي اقتصر فيه الداودي على النظر فيما يدل على أن المراد قريش، لأن فيه :"من قوم كذبوا رسولك، وأخرجوه" فإن هذه القصة مختصة بقريش، لأنهم الذين أخرجوه، وأما قريظة فلا".
* في الكلام على الأسانيد : فعند شرح حديث علي رضي الله عنه :"يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان... الحديث".
تكلم الداودي على إسناده "فزعم أنه وقع هنا : "عن سويد بن غفلة قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم" قال : واختلف في صحبة سويد، والصحيح هنا أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم".
قال الحافظ ابن حجر متعقبا ذلك كله :" كذا قال معتمدا على الغلط الذي نشأ له عن السقط، والذي في جميع نسخ "صحيح البخاري" :"عن سويد بن غفلة عن علي رضي الله عنه قال : سمعت"، وكذا في جميع المسانيد، وهو حديث مشهور لسويد بن غفلة عن علي، ولم يسمع سويد من النبي صلى الله عليه وسلم على الصحيح، وقد قيل :" إنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح، والذي يصح أنه قدم المدينة حين نفضت الأيدي من دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصح سماعه من الخلفاء الراشدين، وكبار الصحابة، وصح أنه أدى صدقة ماله في حياة النبي صلى الله عليه وسلم".

ولقد أكثر كل من جاء بعد الداودي من انتقاده كابن التين، والزين ابن المنير، والإمام النووي ، وغالب هذه الانتقادات حكاه الحافظ ابن حجر في "الفتح".
وبالجملة، فإن شرح الداودي "لصحيح البخاري" لحقيق أن يعنى به أهل العلم، بحثا عن أصله، وتنقيبا عن نسخه، وإخراجا لمتنه، وتنويها بصاحبه.


الخاتمة :
و لعل في رفع هذا الموضوع عن الشيخ المحدث أحمد بن نصر الداودي ما يلفت أنظار الباحثين إلى هذا والكنز الثمين الذي تركه لنا من علم يتصل مباشرة بالسنة الشريفة ،و الذي أفاد منه قديما كثير من الأعلام الكبار في البلاد الاسلامية و العربية ، و مهما كانت المآخذ عليه فليس هو أو مجتهد أخطأ و لن يكون آخرهم .. و كل باحث و عالم مجتهد معرض للعثرات والخطأ والنسيان، و هو متروك للاحقين من علماء الأمة لاستدراكه و إصلاحه ، و للمجتهد أجره عند ربه إن شاء الله .
_______________________
المراجع :
- وزارة الشؤون الدينية الجزائرية (النصيحة في شرح البخاري)
- أضواء على المحدثين الجزائريين الذين خدموا صحيح البخاري
- جريدة الشروق الجزائرية (ماي 2013م) محمد الهادي الحسني .
- ملتقى أهل الحديث

بلادي و إن جارتْ علي عزيزة ٌ** و قومي و إن ضنوا علي كِرامُ
التعديل الأخير تم بواسطة بلحاج بن الشريف ; 30-09-2017 الساعة 04:38 PM