عقل الجرمان ومجانين الغلواز
26-07-2016, 09:49 PM



سهيل الخالدي


طوال ليلة الجمعة إلى السبت، كان العرب والمسلمون في محنةٍ جديدة إذ وضعوا أياديهم على قلوبهم بانتظار معرفة نتائج الهجوم على المركز التجاري في ميونيخ، وكلهم يبتهل إلى ربه أن لا يكون الفاعل عربيا أو مسلما.
وأما الألمان النصارى فقد كانوا في امتحان شديد العسر لدقتهم، فهذا الشعب يقدم نفسه على أنه الشعب الأكثر دقة في العالم والأقدر على تجاوز المحن.
في تلك اللحظة الجهنمية في ميونيخ كانت كل ألمانيا بأقاليمها وحاضرها وتاريخها ولغتها ودقتها وصناعتها وعساكرها وإعلامها وسائر قيمها في لحظة امتحان عسير، فمن هو هذا القاتل؟ وهل هو وحده؟ ومن معه؟ ولماذا يقتل؟ وكيف استطاع أن يقتل؟ من أي ثغرة نفذ؟ إلى أيّ جهة سياسية ولأي كتلة بشرية ينتمي؟...
ADVERTISEMENT
عشرات الأسئلة التي تنهال على الجميع مرة واحدة لا تفرِّق بين سياسي وعسكري، بين مثقف وجاهل.. الكل تضربه الأسئلة وأجهزة الأمن وحدها مطالبة بالأجوبة، وبأسرع من مرور اللحظة، لكن الدولة الألمانية بكل أجهزتها تمالكت أعصابها بل تحكمت فيها كما يليق بدولة لاينتمي رجالها إلى جنسية أخرى ولا يعيشون فكريا في المنطقة الرمادية، فرغم ضغوط أوروبا ومنها فرنسا وضغوط أمريكا وبعض الأحزاب العنصرية أن تسرع ألمانيا لالصاق التهمة بداعش، وهو ما يقبله الشارع المعبأ تماما في هذا الموضوع الذي يعني أكثر من داعش ويصل إلى العرب والمسلمين ودينهم.
وفي النتيجة تبين أن القاتل ألماني مولدا وأما وثقافة ولا علاقة له بالإسلام والمسلمين، بل أن المصالح الألمانية كشفت المستور فلم تقل انه انضمّ مؤخرا وعن بُعد لهذا التنظيم الإسلامي أو ذاك وتأثر بأفكاره كما فعلت الأجهزة الفرنسية الشهيرة بخبثها وتزويرها لوقائع التاريخ عن تعمد وترصد وإصرار مسبق، بل قالت الأجهزة إن الفتى الألماني القاتل متأثر بالثقافة الأوروبية الغربية عموما وآخر مخترعاتها التكنولوجية في الإعلام فهو مدمن انترنيت وقد عمل لوحده ولحساب نفسه.. لقد مكّن الإصرار على الدقة أجهزة الأمن الألمانية من امتلاك الشجاعة لان يكشفوا أكاذيب حلفائهم وإلصاق التهمة بغيرهم وأن تعكف على دراسة الثغرات في الثقافة الغربية برمتها التي تصنع الإرهابيين والقتلة في باريس ونيس وبروكسل وأمريكا، والتي تنتج أمثال ترامب وهولاند اللذين يتستران على الوحشية ويلصقانها بالآخرين. لقد كشف عقل الجرمان تفاهة جلاوزة الغلواز وأسيادهم الرومان.
وهنا لنا وقفة؛ فنحن كعرب نحيِّي دقة وشجاعة الأجهزة الألمانية واحترامهم لعقلهم وحِرفيتهم وعقل شعبهم الذي ما كان له أن يسكت لو اكتشف أن أجهزته خدعته كما فعلت حكومة بلير وبوش مع شعبيهما، فنحن كعرب ليس بيننا وبين ألمانيا إرث استعماري فهم لم يحتلوا بلادنا ولم ينصِّبوا على رؤوسنا عملاءهم وجواسيسهم، وليس بيننا وبينهم بحر من الدم كالذي بيننا وبين فرنسا وبريطانيا واليهود، كما أنهم لم ينهبوا نفطنا وثرواتنا بل إننا مدينون لبعض مفكريهم ومستشرقيهم بدراسات هامة لتراثنا ولغتنا كما هو الحال مع فيشر صاحب فكرة القاموس التاريخي للغة العربية وغيره من الباحثين والدارسين والفلاسفة الذين رفضوا أن يدخلوا في لعبة الاستشراق الاستعمارية التي دخلها بعض من المستشرقين الألمان وكثير من الفرنسيين والانكليز.
ويبدي العرب تفهُّما كبيرا للضغوط الأوروبية والأمريكية والصهيونية على الدولة الألمانية لتدمير علاقة الشعب الألماني بالشعوب خارج أوروبا فيجرُّونها لتأييد إسرائيل والدفع لها من جهة وللدخول في حروب الغرب هنا وهناك في أفغانستان ومالي وقد اضطرت ألمانيا للمشاركة في بعض هذه الحروب بأجهزة
مخابراتها.
ولعل العرب الذين سلبهم المستعمرون الغربيون حقهم في وطنهم يتمنُّون في قرارة نفوسهم أن تتخلص ألمانيا من كل الضغوط الاستعمارية عليهم وعلى ساستهم، وأن تعود ألمانيا إلى موقعها القيادي بين الشعوب، متخلصة من الفترة الهتلرية وبعض أفكارها التي أساءت إلى لتاريخ الجرماني برمَّته لصالح التاريخ الروماني الاستعماري وورثته وتقرِّب أكثر من الأمة العربية والشعوب الإسلامية وإفريقيا.. فمستقبل البشرية مع هؤلاء.. فأوروبا وخاصة فرنسا التي تعيش من عرق جبين الألمان والدانماركيين وتسبُّهم، يجرفها نهار التاريخ نحو الهامش.
إنها فرصة للعقل الألماني أن يتدبر ويتفكر...