هل كانت حبيبة تبحث عن رجل؟!..
23-04-2008, 11:30 AM
هل كانت حبيبة تبحث عن رجل؟!..
لحسن عيساني*
دخلت "حبيبة " قاعة درس الاسبانية بمعهد ثاربانتيس...
الحقيقة أنها لم تدخل، لأنها كانت تتأبط ذراعي عوني الأمن...فرجلاها كانتا عاجزتين عن حملها..
انتبهت إلى أن قميصها يحمل عبارة بالفرنسية تقول " أبحث عن رجل"!!
ترى هل ارتدت حبيبة القميص عن قصد لأنها كانت تبحث فعلا عن رجل؟..
أم تراها كانت تدرك أنه ما من رجل يجرؤ حتى على أن يصغي إلى صوت قلبه لو حدثه أنه معجب بحبيبة..
كانت تبتسم بسهولة، ربما لأن الابتسام كان الحركة الوحيدة، إضافة إلى نظرتها البريئة، التي لا تحتاج فيها إلى عون من أحد!!
كان الجميع يبادلونها الابتسام ويسألونها عن أحوالها، وتجيب بآلية، كما لو كانت لا تملك غير ذلك الجواب: بخير..وتعيد السؤال بصعوبة: وأنت؟
ترى هل كانت فعلا بخير؟ وهل أنها حين تسأل الآخرين عن أحوالهم كانت تنتظر أي جواب؟ أم تراها ربما كانت تفكر بأن الجميع بخير مقارنة بحالها هي؟ يقينا أنها كانت تحس بأن في الكثير من معاملات الناس معها خليط بين الحب والشفقة..
سألتها الأستاذة "ثريا "ضمن درس التعبير عن كيفية قضائها يومها، فأجابت بأنها تستيقظ باكرا وتتناول إفطارا مكونا من كوب حليب وقطعة "كرواسون"، ثم تأتي إلى درس الاسبانية وبعد الغداء تذهب إلى درس الانجليزية، وفي المساء تتعشى مع أمها أو تخرج مع أصدقائها...
ولم أستطع تجاهل سؤال كان يلح علي: هل كانت إجاباتها دقيقة؟ أم أنها كانت تركز على استعمال المفردات الاسبانية الجديدة ضمن السياق دون ربطها بحقيقة يومياتها؟!!
فكرت: كيف هم أصدقاؤها؟ لا شك أنهم من نوع فريد..
وكيف يتواصلون معها؟ وهي التي تتحدث بصعوبة، ولا تقوى على التنقل إلا محمولة، ولا تستطيع استعمال يديها كي تتواصل عن طريق الكتابة مثلا...
قلت بيني وبين نفسي: ترى كيف استطاعت أن تصل إلى الجامعة وأن تتم دراسة الليسانس في اللغة الفرنسية وتبلغ المستوى الخامس في الانجليزية وهاهي تتدرج في تعلم الاسبانية!!!
لا شك أن لها إرادة فولاذية..وهي التي لا تستطيع حتى أن تقلب صفحة كتاب!!
ولا تستطيع كتابة جواب...
وبالكاد تستطيع أن تنطق كي تملي إجاباتها على من يتطوع لمساعدتها!!
بدت لي "حفصة"، الصديقة التي عرفتها في سنوات التسعينات في معهد الترجمة محظوظة جدا لأنها كانت كفيفة فقط!!
نعم، " كفيفة فقط " لأنها على الأقل تحملها قدماها، وإن احتاجت إلى من يدل قدميها على موقع الخطى، وهي تستطيع الكلام واستعمال يديها، وإن كانت لا ترى ماتخطه يداها على لوح "البرايل" حين تحضر الدروس لطلبتها..
كما أنها كانت تتحدث بسهولة إلى أصدقائها وإن لم تكن تعرف وجوههم !!
غريب أمر هذه الدنيا التي تتفاضل فيها المصائب!!
و لم أملك سوى تصحيح إجابات حبيبة بيني وبين عقلي الفضولي اللحوح..
كانت حبيبة تحمل (بضم التاء) إلى درس الاسبانية ولا تستطيع مغادرة المعهد حتى يحضر مرافقها، ولو لم يحضر لا قدر الله، لظلت لصيقة مقعد قاعة الانتظار..وتساءلت: ماذا لو أرادت الذهاب إلى الحمام؟ من سيحملها إليه؟ ثم تذكرت السلالم المؤدية إليه وعدم صلاحيته للاستعمال لأمثالها..
تخيلت مدى اعتمادها على غيرها وهي التي لا تستطيع حتى استعمال الحمام؟..
وتساءلت: ترى من يناولها طعامها؟ ومن يغسل وجهها؟ ومن يمشط شعرها ؟ومن يلبسها ثيابها؟ ومن يذهب معها إلى الحمام ؟ !!
لم أستطع منع نفسي عن أن أحمد الله بأنانية على نعمة العافية!!
وفكرت في الكثيرين من الذين لا ينقصهم شيء ولكنهم لا يكفون عن الشكوى والتذمر..
ثم تذكرت غياب المرافق المكيفة مع حياة ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يهملهم ولاة أمورنا المعوقون من عقولهم وضمائرهم..وتحسرت على أنهم يسمونهم معوقين...
ولكن السؤال الأول عاد يلح علي: هل كانت حبيبة تبحث عن رجل؟
وأجبت بيني وبين نفسي: الأكيد أن من حقها الحلم!!
ولكنها بعد أن استمعت إلى تشجيعي لها قالت:" ولكني أفعل كل ذلك تمضية للوقت، ولا أتصور كيف سأستفيد مما أتعلمه؟!!
لحسن عيساني
* كاتب صحفي ومترجم
من مواضيعي
0 الأستاذ لحسن عيساني ، مترجم ترجمان معتمد- المدنية الجزائر
0 رجاء الدخول على الفيسبوك وطلب إغلاق هذه المجموعة
0 رجاء الدخول على الفيسبوك وطلب إغلاق هذه المجموعة
0 تعال متأخرا أفضل ن أن لا تأتي أبدا : وفاء لذكرى فضيلة نجمة
0 هجوم على المترجمين في الجزائر تختفي خلفه مقاومة التعريب
0 أبحث عن معلومات عن السيد. مصطفى شكايمي
0 رجاء الدخول على الفيسبوك وطلب إغلاق هذه المجموعة
0 رجاء الدخول على الفيسبوك وطلب إغلاق هذه المجموعة
0 تعال متأخرا أفضل ن أن لا تأتي أبدا : وفاء لذكرى فضيلة نجمة
0 هجوم على المترجمين في الجزائر تختفي خلفه مقاومة التعريب
0 أبحث عن معلومات عن السيد. مصطفى شكايمي