بائعة البيض 4
26-04-2015, 09:26 AM
بائعة البيض 4

تابع

امرأة تتمرد ... سنرى كيف تكون حياة زهرة المتمردة في مزرعة اسبنيول التى لجأت اليها؟
--------------------------------------------------
بادرت الفتاة اباها بما عزمت عليه...
- رفض غاضبا : لا..لا ... افضل ان تخدمي القايد... على الاقل هو من قريتنا وهو منا....
- اجابت باقتضاب : كلا... كلا .. لا تعدها الموت افضل لى ...
تأثر الشيخ بهذه اللهجة التى لم يسبق له ان سمعها من ابنته الطائعة ...
- احس بنقص وحسرة وشفقة على ابنته : بيعى البيض كما كنت ... لماذا انت حاقدة على بنى جلدتك... اليسوا احن عليك من اسبنيول ؟
- كلا ! انت تحبهم رغم انهم اسباب اعاقتك !
- لا ... لا يا بنيتى ! لقد قال لنا الامام ان الاستعمار هو الذي جعلنا نكره بعضنا... فإذا كانت الحماية الفرنسية عند جيراننا هي التقليم ، فان فرنسا نثرت اصالتنا من جذوره...
- أجابته : بماذا نشترى الدجاج ؟ هل لك نقود ؟ ثم انى مللت الوقوف في الطريق امام الطيب والخبيث...
نجحت الفتاة في اقناع ابيها ... بدأت الشغل في المزرعة.... نالت رضى ارنوكس وزوجته... غضبت القرية عليها وعلى ابيها ... رافقها ابوها الى المزرعة في الايام الاولى ،ثم تعب... بدأت تذهب في الصباح وتعود في المساء... احيانا تقضى ليلتها هناك.... يخاف الضرير من كلام القرية ... الم يكفه ما سمعه لمجرد عملها في المزرعة ، فما بالك اذا باتت ؟ اما زهرة ارتاحت لعملها ... دفنت نفسها في اتعاب الشغل ... نسيت القرية وأهلها... لم يبق لها مكان للتفكير في حياتها كما كانت... طبعا كانت تشمئز من اسمها الجديد ( فاتْمَة ) أي اسم فاطمة شوهته العجمة واللكنة... مختصر ... إبدال الطاء تاء ... يسهل عليهم تذكره... لم تكن مكانة زهرة في المزرعة احسن من القرية ! كانت اقل قليلا من مكانة بوبى... الكلب المدلل الذي كان يأكل معهم على الطاولة ويجلس على الاركة ... اما هي تأكل في المطبخ والجلوس في الصالون محرم عليها ... اذا كانت في القرية منبوذة ففي المزرعة كأنها غير موجودة... وثمن عرقها الزاهد لم يكن ليسد طموحها... انما الذى يشدها هناك هو الراحة من الهلوسة... هنا لا يحثها تفكيرها على مقارنة نفسها بأصحاب المزرعة ... في نظرها خلقوا ليكونوا سعداء في هذه الدنيا .....
كانت زهرة في طريقها ترى عليا مع غنمه فى تلك الروابى البعيدة عن القرية الصامتة ، إلا من قصبة علي وأنغامه الساحرة ... كانت نغمة القصبة تشجيها وتمسح الصدأ عن قلبها ، حسبها ان ترى عليا كل صباح.... من بعيد تبادله النظرات التى حرمت منها منذ شهور... ثم تخجل ... تطأطئ رأسها وتنصرف ... كان علي ينتظر مرورها بفارغ الصبر... اشترت الفتاة شالا مرصعا بأسلاك الفضة ... كانت ترتديه كلما اقتربت من مكان علي... ثم تنزعه عندما تقترب من القرية...
عنست المسكينة لان القرية تزوج بناتها في سن مبكر ، وهي وبلغت ثمانية عشرة سنة ... ادركت زهرة ذلك ولكن تتظاهر وكأنها لا تبالى... قلبها كان مبطنا بحزن عميق...زارت حليمة المشعوذة لتحرق الحرباء بين رجليها وتطفئ الرصاص لعل عليا يتقدم لخطبتها... انتظرت ، وانتظرت ... بدأت الغيرة تشب في قلبها على علي من بنات الخماسين اليانعات ، انهن ارفع منها شانا ... ما كانت تأخذها الغيرة من الاخريات لانه لا القائد ولا شنبيطه ولا كبار جماعتهما يعترفون بالراعى والخماس ...
في يوم ربيعي.... في طريقها ، تسوكت زهرة وتكحلت... نثرت شعرها .... وضعت الشال المرصع على رأسها ... تغلبت على خجلها ... تجرأت ... اقتربت من علي .... مكثا ينظران في عيون بعضهما ... حاول علي الكلام ثم تردد... اخفى خجله بالحديث عن الاغنام... حكى حكايات مضحكة... ضحك وضحكت ... قهقها ... رددت الحقول والكروم صدى صوتيهما...بلغ الصدى تلك الجبال المتباينة ... شعرت زهرة بسعادة لم تشعر بها من قبل... بعد برهة ، تبددت تلك السعادة وانقلبت الى خوف مرير هدد كيانها ... بادرت عليا:
- علي ، قل لى ، امازلت تذكر يوم كنا صغارا ؟ كنت تقول لى يوم اكبر اتزوجك... ؟
احمر وجه الفتى ... سكت قليلا ... تذكر كلام امه:
- امى أحب زهرة ...؟
- - زهرة ! كلا ! تلك البنت الهاملة على وجه الارض؟ ...لم تلدغها ام ولا نصحتها جدة ... هائمة على وجه الارض.... خدامة اسبنيول...اكلت من كل خيمة لقمة... ومن كل مزبلة حفنة...لا ،لا، اريد لولدى بنتا صغيرة السن ، ما رأتها قبلك حتى عين الشمس...
- قلقت زهرة لصمته : علي اجبنى ؟
- على في غضب وخجل : لماذا خدمت عند اسبنيول ، لماذا؟
- ردت عليه في غضب ويأس : لاننى كنت محتاجة الى نقودهم...لم ترحمنى لا انت ولا امك ، او ابوك ... من انت يا راعى خوصى وابن خماس القايد ؟
شاحت بوجهها في غضب ويأس... جرت بسرعة ... اختفت عن رؤية علي ... جلست على ربوة ... مزقت الشال المرصع الذى اشترته من اجل علي... ارتمت على الارض باكية صارخة ، متمرغة... هدأ روعها ... جففت دموعها وانفها بقطع الشال... انصرفت تدس هذه الحادثة مع سابقاتها...راحت تخفف عن نفسها والخيبة تعصر قلبها....
اصبح الشغل هو الملجأ الوحيد لزهرة ...نالت رضى المدام كافأتها بلباس حال لونه وبليت خيوطه... خلعت زهرة أطمارها ... لبست الحذاء العالى الذى اهدته لها المدام... وارتدت اللباس المنحوس... غير اللباس شكلها وظهر جمالها ... وسارت معوجة مغرورة بحذاء على الكعب ... ويا ليتها ما فعلت ! ما كادت تطأ القرية حتى هاج الاطفال خلفها وماج ، بكلابهم وقططهم ، يضحكون...يغنون:
- خطانة ، خطانة.... خدامة اسبنيول...
رافقها الموكب ساخرا من هذا اللباس الذي لم يألفه ذوقهم... انتشر الضحك في كل زاوية من زوايا القرية ، حول كل مائدة ... ما عدا واحد لم يضحك ... انما بكى ...

Zoulikha
يتبع
ربنا زدنا علما وعملا بما علمتنا