الإمام الطبراني
17-09-2019, 12:34 PM


أبدع الإمام الطبراني رحمه الله في كثير من العلوم، فإلى جانب تبحره في علم الحديث، كانت له معرفة واسعة في علم التفسير، وقد صنف العديد من الكتب الممتعة النافعة، وأثنى عليه كثير من العلماء والمحدثين حتى عُدَّ أحفظ رجال عصره.

نسب الطبراني ومولده

هو الإمام الحافظ الثقة الرحال الجوال محدّث الإسلام وعلم المعمّرين، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي الطبراني[1]، نسبة إلى طبرية[2]، مفسر ومن كبار رجال الحديث في زمانه[3]، ولد سنة 260هـ= 873م[4]، قيل: كان مولده بمدينة عكا[5]، وقيل: بطبرية الشام[6]، وقد عُمِّرَ العُمْرَ الطويل، وانتشر حديثه في الدنيا[7].

رحلة الطبري في طلب الحديث

كان الطبراني إمامًا كبيرًا ثقة عارفًا بالعلل والرجال[8]، وكان حافظ عصره[9]، بدأ رحلته في طلب الحديث في سنة 273هـ[10]، وحينئذ كان عمره ثلاث عشرة سنة[11]، فرحل إلى الشام وبغداد والكوفة والبصرة وأصبهان[12]، والحجاز واليمن ومصر وبلاد الجزيرة وغير ذلك، وأقام في رحلته ثلاثًا وثلاثين سنة، سمع خلالها الكثير من الشيوخ والعلماء حتى وصل عدد شيوخه إلى ألف شيخ[13]، منهم: أبو زرعة الدمشقي والنسائي[14]، وقد سُئل الطبراني عن كثرة حديثه فقال: كنت أنام على البواري[15] ثلاثين سنة[16].

ثناء العلماء على الطبراني

كان الإمام الطبراني حسن المحاضرة طيب المشاهدة[17]، أثنى كثير من العلماء والمحدثين عليه، فذكر الذهبي كثيرًا من محاسنه في كتبه ومؤلفاته: فقال عنه: هو" الحافظ المشهور مُسْنَد الدنيا"[18]، وقال: كان من فرسان هذا الشأن (أي الحديث) مع الصدق والأمانة[19]، وقال: هو الإمام الحافظ الثقة الرحال الجوال محدث الإسلام، ولم يزل حديث الطبراني رائجًا، نافقًا مرغوبا فيه[20]، وغير ذلك، كما قال عنه ابن الجوزي: كان الطبراني من الحفّاظ الكبار وله التصانيف الحسان[21]، وقال ابن عُقدة: ما أعلمُني رأيت أحدًا أعرف بالحديث، ولا أحفظ للأسانيد من الطبراني[22].
أيضًا قال الوزير ابن العميد[23]: ما كنت أظن أن في الدنيا حلاوة ألذ من الرئاسة والوزارة التي أنا فيها حتى شاهدت مذاكرة سليمان بن أحمد الطبراني وأبي بكر الجعابي[24] بحضرتي، فكان الطبراني يغلب الجعابي بكثرة حفظه، وكان الجعابي يغلب الطبراني بفطنته وذكاء أهل بغداد، حتى ارتفعت أصواتهما ولا يكاد أحدهما يغلب صاحبه، فقال الجعابي: عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي، فقال: الطبراني: هاته، فقال الجعابي: حدثنا أبو خليفة حدثنا سليمان بن أيوب، وحدّث بالحديث فقال الطبراني: أنا سليمان بن أيوب، ومني سمع أبو خليفة، فخجل الجعابي، وغلبه الطبراني، قال ابن العميد: فوددت أن الوزارة والرئاسة لم تكن لي وكنت أنا الطبراني وفرحت مثل الفرح الذي فرح الطبراني لأجل الحديث[25].
وقال أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الرحمن: الطبراني أشهر من أن يُدَلَّ على فضله وعلمه، حدث بأصبهان ستين سنة فسمع منه الآباء ثم الأبناء ثم الأسباط، حتى لحقوا بالأجداد، وكان واسع العلم كثير التصانيف، وقد ذَهَبَتْ عيناه في آخر أيامه[26].

مصنفات الطبراني ومؤلفاته

صنف الطبراني العديد من الكتب الممتعة النافعة وأشهرها معاجمه الثلاثة الكبير والأوسط والصغير[27]، وكان يقول في معجمه الأوسط هو روحي لأنه تعب عليه، وأيضًا له غير ذلك من المصنفات المفيدة[28]، مثل كتاب الدعاء وكتاب عشرة النساء وكتاب المناسك وكتاب الأوائل وكتاب السنة، وكتاب النوادر ومسند أبي هريرة وكتاب التفسير وكتاب دلائل النبوة، ومسند شعبة ومسند سفيان وكتاب حديث الشاميين وغير ذلك كثير[29]، وفيه يقول القائل:
قد وجدنا في معجم الطبراني ... ما فقدنا في سائر البلدان[30].

وفاة الطبراني

بعد رحلته الطويلة في طلب الحديث عاد الإمام الطبراني إلى أصبهان وأقام فيها فترة كبيرة من عمره إلى أن توفي بها في سنة 360هـ= 971م[31]، وكان عمره حينئذ مائة سنة تقريبًا[32].


قصة الإسلام
[1] الذهبي: سير أعلام النبلاء، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة
الطبعة الثالثة، 1405هـ= 1985م، 16/ 119.
[2] ابن خلكان: وفيات الأعيان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 2/ 407،
[3] عادل نويهض: معجم المفسرين، مؤسسة نويهض الثقافية للتأليف والترجمة والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة، 1409هـ= 1988م، 1/ 214.
[4] ابن خلكان: وفيات الأعيان، 2/ 407، والزركلي: الأعلام، دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة عشر، 2002م، 3/ 121.
[5] أبي يعلي: طبقات الحنابلة، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت، 2/ 50.
[6] ابن خلكان: وفيات الأعيان، 2/ 407.
[7] ابن قطلوبغا: الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة، تحقيق: شادي بن محمد بن سالم آل نعمان، مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة، صنعاء، اليمن، الطبعة الأولى، 1432هـ= 2011م، 5/ 90.
[8] الطيب بامخرمة: قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر، دار المنهاج، جدة، الطبعة الأولى، 1428هـ= 2008م، 3/ 170.
[9] ابن المستوفي: تاريخ اربل، تحقيق: سامي بن سيد خماس الصقار، وزارة الثقافة والإعلام، دار الرشيد للنشر، العراق، 1980م، 2/ 53.
[10] عادل نويهض: معجم المفسرين، 1/ 214.
[11] الصفدي: الوافي بالوفيات، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، دار إحياء التراث، بيروت، 1420هـ= 2000م، 15/ 213.
[12] ابن عبد الهادي: طبقات علماء الحديث، تحقيق: أكرم البوشي، إبراهيم الزيبق، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1417هـ= 1996م، 3/ 107.
[13] ابن خلكان: وفيات الأعيان، 2/ 407.
[14] الطيب بامخرمة: قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر، 3/ 170.
[15] مفردها: بوري، وهي الحصير المعمول من القصب.
[16] ابن عبد الهادي: طبقات علماء الحديث، 3/ 108.
[17] الصفدي: الوافي بالوفيات، 15/ 213.
[18] الذهبي: تاريخ الإسلام، تحقيق: بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 2003م، 8/ 143.
[19] الذهبي: تذكرة الحفاظ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1419هـ= 1998م، 3/ 85.
[20] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 16/ 119.
[21] ابن الجوزي: الحث على حفظ العلم وذكر كبار الحفاظ، تحقيق: فؤاد عبد المنعم، مؤسسة شباب الجامعة، الاسكندرية
الطبعة الثانية، 1412هـ، ص68.
[22] ابن قطلوبغا: الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة، 5/ 90.
[23] ابن العميد: (337- 366هـ = 948- 977م) من الكتاب الشعراء الأذكياء، ووزير دولة آل بويه، انظر: الزركلي: الأعلام، 4/ 325.
[24] أبو بكر ابن الجعابي: (284- 355هـ= 897- 966م) قاض من كبار حفاظ الحديث، من أهل بغداد. انظر: الزركلي: الأعلام، 6/ 311.
[25] ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق، تحقيق: روحية النحاس، رياض عبد الحميد مراد، محمد مطيع، دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى، 1402هـ= 1984م، 10/ 104.
[26] ابن قطلوبغا: الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة، 5/ 91.
[27] ابن المستوفي: تاريخ اربل، تحقيق: سامي بن سيد خماس الصقار، وزارة الثقافة والإعلام، دار الرشيد للنشر، العراق، 1980م، 2/ 53.
[28] الطيب بامخرمة: قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر، 3/ 170.
[29] الذهبي: تاريخ الإسلام، 8/ 144.
[30] الصفدي: الوافي بالوفيات، 15/ 214.
[31] ابن خلكان: وفيات الأعيان، 2/ 407، والزركلي: الأعلام، 3/ 121.
[32] ابن خلكان: وفيات الأعيان، 2/ 407.