صراع الوهابية والإخوان العربي-الإسلامي le conflit arabo-islamique
15-04-2018, 08:38 PM
يعتبر الخوض في مثل هاته المواضيع، أمر صعب وشائك نظرا لتشعب الأفكار وتضارب الأراء؛ لأنه من الصعب جدا البحث في المعتقد.
وسأكتفي هاهنا بنقل ما هو شائع، مع إدراج المصادر الموجودة في المواقع والمدونات الإلكترونية، ومحاولة عن بعض مما لم ينشر أو تم إخفاءه، إن استطعت إلى ذلك سبيلا، كما أن تعليقاتي ووجهات نضري ليست بالضرورة تعبير عن توجه فكري، أو انتماء إيديولوجي.
رمضان بوشارب
file:///C:/Users/rami/Downloads/%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9%20%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%8 7%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A 5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8% B1%D8%A8%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%2 0le%20conflit%20arabo-islamique.pdf
لو نأتي لنتكلم عن الصراع القائم حاليا في كثير من البلاد العربية، فإن الحديث يطول بنا و يتشعب فيأخذ أبعادا دينية، سياسية، اقتصادية واجتماعية، بل حتى الثقافية الفكرية منها جزء مكون لهذا الصراع الذي لن يزول، ما دام ثمة تزمت و تطرف و أطراف خارجية تغذيه، من أجل إبقاء العالم العربي والإسلامي في قبضتها.

ولا بأس أن نقول بأن جغرافية أرض العرب، جعلوها حلبة نِزال بين أقطاب التيارات الإسلامية و حكام العرب، من يُنْزِلُ مَنْ لِيُسْقِطَه فيخرجه خارج الحلبة ومن ينسحب أو يتنازل وهكذا صار العرب والمسلمين في صراع دائم، كلعبة الرِّهان في يد الغرب، تماما مثلما يراهنون في الحلبات، على صراع الديكة والثيران والأسود.
فالمعروف والمُسَلَّمُ به عند المُسْلِمِ باختلاف الفئات العُمرية، هو أن الدين واحد من أبينا إبراهيم عليه السلام؛ حتى سيدنا صلى الله عليه وسلم وإلى غاية يومنا ""ربٌّ واحد، رسول واحد، كتاب واحد، قبلة واحدة""

فلماذا إذن الفُرقة والتفرقة؟ ونحن أمة التوحيد مصداقا لقوله تعالى:
بعد بسم الله الرحمان الرحيم (وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)الآية 52من سورة المؤمنون
متى بدأ الصراع؟
ربما لسنا بحاجة لمعرفة تاريخ نشأة الصراع الديني؛ لأنه لم يكن صراع فعلي، بين الوهابية و الإخوان الذي تبدى أول الأمر، بقدر ما كان في الأول صراع قبلي و مصالح داخل محيط شبه الجزيرة، ونحن هنا نريد تسليط الضوء على الجانب السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
إن هذه التفرقة المذهبية والطائفية، التي لا تهدف إلا إلى الاستفراد ببناء دولة دينية (ثيوقراطية)، و ما هي إلا عمليات إسقاط سياسي Une projection politique للتعددية الحزبية في النُظُم العربية، وكذا التعدد الإيديولوجي، الذي أوصل الغربيون، في يوم ما إلى إفشال الأمة العربية وتشتيتها، بكسر ما يسمى بالقومية العربية وأيضا تفتيت الوحدة العربية عن طريق الإخلال بالتوازن العربي آنذاك، بحيث استطاعت أمريكا وقتها في ذلك الوقت أن تسيطر على حقول النفط وتفرض سلطانها، بإبرام اتفاقيات شراكة وتقديم خبرات، للدول النفطية في الخليج العربي، أين كانت الوهابية السعودية هي من تتحكم هناك.
كما حالت أمريكا في تلك الآونة، بين عرب الأسر النفطية الحاكمة وبين عرب الأفريكانة (البلدان العربية الافريقية) كي لن تقوم للعرب قائمة وتتحقق الوحدة العربية، فصار طبعا من غير أين يكون ثمة اتحاد السعودية حاكمة موضوعة بشرف مع أقل دولة عربية كليبيا أو جمهورية البوليساريو مثلا.
في تلك الفترة استطاع المُعسكر الغربي بقيادة أمريكا، أن يضع لنفسه قاعدة سياسية اقتصادية عسكرية في منظقة الشرق الأوسط ، حيث كان لها نضرة جيو- بوليتيكية، طويلة الأمد ؛ حتى تتمكن منتهيئة أرضية لصنع وتكوين إسلام ليبيرالي متفتح، يكون حليفا لها وسندا دينيا وعسكريا، تقف من خلاله في وجه القوى الإسلامية في المنطقة كإيران وتركيا، وبالفعل استطاعت أن تفعل ذلك بملك السعودية محمد بن سلمان، هذا الأخير الذي أتى على العقيدة الوهابية التي مذهب ديني للعائلة الحاكمة ، صاحبة الملكية المطلقة في الدين و في السياسة، فغير النظام الديني من إسلام وهابي سلفي ، ليصبح بعد ذلك إسلام وهابي ليبيرالي، والذي كَيَّفَه ومتغيرات القوى العسكرية الراهنة، إذ سيصير الإسلام حليف ديني مكمل، و ورقة رابحة جيو- إستراتيجية في أجندة أمريكا، بموجبها يُضربِ الإسلام بالإسلام.
وبالفعل استطاعت أمريكا وبمساعدة الوهابية و دعم الأسر النفطية، أن تقضي على القومية العربية، التي استطاعت في وقت مضى، أن تُكَوِنَ متاريس للحد من التقدم الأمريكي، فقضت على رؤوس النخوة العربية ، ثم زادت بعد ذلك لإكمال بقايا رؤوس القومية والمد الناصري، عن طريق ما سموه بالربيع العربي.
في الشق الآخر ، أو الوجه الثاني للعملة التي تتصرف بها أمريكا، حركات الإخوان، وليس القصد حركات الاخوان الأولى.

إذا أردنا أن نخوض في هذا الموضوع الشائك نوعا ما، والذي نسعى من خلاله إلى إبراز خطورة هذا الصراع على المواطن العربي المسلم و البشرية جمعاء، التي تريد أن تحيا وتعيش في كنف الحرية والسلم ، ولذا علينا أن نقف عند تسمية هذا الصراع لنفهم ماهيته.
هل هو نِتاج اختلاف عقائدي مذهبي فكري لجماعة من أصل دين ووطن واحد؟ كان من الواجب أن ينتهى بتفاهم بين الطرفين، على أساس أن الإختلاف رحمة، و استنادا إلى قوله تعالى في الآية 59 من سورة النساء "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا"(النساء:59) . وهذا ما كان يجب أن من أجل وحدة الدين الإسلامي والوطن العربي ككل.
أم هو نتيجة نزاع فوقي (صراع سلطة) قائم على أسس مصلحية فردية، من يفرض سلطانه ويحكم قبضته على الأقاليم حتى يصل ايديولوجيته الدينية هذه، إلى التحكم في الثروات الباطنية لهاته الأقاليم، من طاقات منجمية، نفطية، غازية وبالتالي يتقوى بهم ليحافظ ملكه ومملكته، وعلينا هاهنا ان نعود فتأمل ونتمعن في الآية 43 من سورة الأنفال "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"(الأنفال:46).

كما أن الصراع الحالي، القائم بين الحركتين، من شأنه أن يخلق أزمة بين الدول (العربية - العربية والعربية-الإسلامية) أزمة حرب بين المماليك، التي تروم إلى توظيف الدين لخدمة مصالحها كنظام رأسمالي"إسلام ليبرالي" وبدعم غربي لها من لدن الدول الغربية الرأسمالية وعلى رأسهم أمريكا، وبين بقية الدول العربية، التي أصلا هي الأن ضحية صراع مذهبي طائفي، أو بعبارة أصح حراك بإعاز وضغط خارجي. وبهذا الصراع المُغَذَى من أطراف أجنبية خارجية، تتفرق الأمة إلى شيع و طوائف، ولا حل لها سوى الإعتصام بما جاء في الآية 103 من سورة آل عمران "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون. هذا هو الصراع العربي والإسلامي، القائم تحت غطاء الصراع الفكري المذهبي بين الوهابية والإخوان، بدأ بالإختلاف الذي استغلته أيادٍ غربية معادية، فَحَوَّلَتْهُ إلى نزاع فوقي بين الحُكام، وصنعت منه حراك شعبي ينطلق من القاعدة؛ حتى صار أزمة دولية، استدعت تدخل قِوَى عسكرية لكبريات الدول بأحلافها، وهي في الأصل ربما أصل المعضلة.
(اختلاف-نزاع-أزمة ، فحرب)

تكلمنا بإيجاز عن مفهوم الصراع[http://www.aljazeera.net/specialfiles/pa] أو ماهية الصراع، وكيف يتطور من اختلاف إلى خلاف حتى يصل حرب إقليمية، تديرها دوائر سرية أجنبية خفية، خبيرة في استراتيجيات خلق الصراعات، وإدارة النزاعات الدولية والإقليمية، كالحروب الأهلية مثل الحرب الأهلية في لبنان- النزاع الطائفي مثل الذي أريد له أن يحدث في مصر بين المسلمين والأقباط، أو حركات تحررية تسعى للتملص والتخلص من المعتقد الذهني والديني الذي يعتبره البعض تزمت، من الواجب تكييفه مع العلمانية وغيرها من الديانات، وهذا ما سيحدث في السعودية و مَنْ هم تحت مظلة الوهابية السعودية بقيادة محمد بن سلمان، دون أن ننسى التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة، التي تدربت وتلقت تكوينات خارج حدود أقاليمها وتمويلات مشبوهة من لدن دول غنية .

نعود ونتكلم عن طرفي هذا الصراع، بين حركتين قويتين، متجذرين من دين واحد و وطن واحد، ألا وهما الوهابية السلفية وحركة الإخوان المسلمين، صراع سيحدث طفرة جد هامة من شأنها خلق تغيير مفاجئ، في الخريطة الجيوسياسية والدينية على المستويين الإقليمي العربي و العالمي. الذي في الأصل ما هو إلا نسخة مطابقة للنزاع الأولي[الثورة العربية الكبرى]؛ حتى يكون ثمة امتداد الهيمنة والسيطرة الإنجليزية المتجددة و تَجَدُدْ وقوف قوى، كانت قد أسقطتها في عصر ما.
الوهابية
وهابية- محمد بن عبدالوهاب: تقول الكتابات الكثيرة في هذا المجال، أنه أنشأها أول مرة سنة (1703- 1792) انطلاقا من قاعدة دينية دعوية سلفية، لِماَ رآهُ من حياد أهل الحجاز عن دينهم، وتعلقهم بالشرك و القيام بطقوس وعادات لا علاقة لها بالفهم الصحيح لمذهب السلف الصالح، على أساس دعوى للسلفية والتمسك بالمنهج القويم.
في حين يذهب آخرون إلى عكس ذلك من باب مخالفة مريديه، بحيث أنهم قالواعنه: أنه كان هذا قد أخذ شيئا من العلوم الدينية ، كما كان مولعا بمطالعة أخبار مدعى النبوة كمسيلمة الكذاب وسجاح والاسود العنسي وطليحة الأسدي، فظهر منه أيام دراسته زيغ وانحراف كبير، مما دعا والده وسائر مشايخه الى تحذير الناس منه، فقالوا فيه: سيضل هذا، ويضل اللّه به من أبعده وأشقاه! وقد ظهر بدعوة ممزوجة بأفكار منه زعم أنها من الكتاب والسُّنة.
وأَرْجَعَ آخرون إلى أن هذا التأسيس، ما كان ليكون إلا من أجل توسيع الرقعة الجغرافية لأرض الحجاز عن طريق الغزوات، باسم محاربة أهل الضلال، والتقوى عليهم بجمع الغنائم والاستحواذ على ممتلكاتهم.
محاسن ومساوئ الوهابية في نظر مؤرخ معاصر!
هذا و يورد المؤرخ المعاصر للحركة الوهابية، [ابن سند البصري]، شهادة عن محاسن ومساوئ الوهابية
فيقول: " ومن محاسن الوهابيين أنهم أماتوا البدع ومحوها، ومن محاسنهم أنهم أمنوا البلاد التي ملوكها، وصار كل ما تحت حكمهم من هذه البراري والقفار يسلكها الرجل وحده على حمار بلا خفر، خصوصاً بين الحرمين الشريفين. ومنعوا غزوا الأعراب بعضهم على بعض... وهذا بسبب قسوتهم في تأديب القاتل والسارق والناهب، إلى أن عدم هذا الشر في زمان ابن سعود، وانتقلت أخلاق الأعراب من التوحش إلى الإنسانية... فكأنهم جعلوا تأمين الطرقات ركناً من أركان الدين، ويفهم عقلاً من سياستهم أنه إذا فُقد القاتل و السارق والناهب فأي سبب يمنع الناس من الاشتغال بالزراعة أو التجارة أو اقتناء المواشي في البادية المخصبة للتكسب من ألبانها وأصوافها وجلودها، وإذا اشتغلوا بالكسب الحلال فلا يسرقون ولا ينهبون ولا يقتلون (....) ولولا ما في الوهابيين من هذه النزعة أعني نزعة تكفير من عداهم و ملكوا جميع بلاد الإسلام وأدخلهم تحت حكمهم بطبعهم واختيارهم، ولكن بسبب هذه النزعة ابغضتهم الأمم وتسلطت عليهم الدول ".

لماذا قلنا عنها وهابية - محمد بن عبد الوهاب؟ هذا؛ لأن مريديه ومؤيديه فضلوها هكذا "الوهابية" نسبة إلى مؤسسها محمد بن عبد الوهاب، و لأنهم يعتبرونه أمامهم ومرجعيتهم السلفية، في حين ثمة من يرفضها البتة من أتباعه، لأنهم يعتبرونها دعوة دينية فحسب ، تم حصرها في نطاق ديني توعوي لاغير؛ بل لأنه لم يبتدع فيه شيئا جديدا ويكيفه كحركة سياسية،لذا أطلقوا عليه مصطلح "السلفية".
معارضي الوهابية: لن نتكلم عن معارضي محمد بن عبد الوهاب، من أتباعه ولا خارج السعودية ولا حتى ممن هم من زماننا هذا، لكنَّا سنسلط الضوء على أقرب معارض له، يعرفه من أتباعه ومريديه، إنه أخوه [ سليمان بن عبد الوهاب] شقيقه الذي كان من أكبر معارضيه ، وأول من تنبه لجلل المصيبة التي بها أخوه، حيث وقف ضده و اعتبر أن ما جاء به أخوه محمد بن عبد الوهاب، [بدعة]؛ الأمر الذي صعد حدة الخلاف بينهما؛ حتى وصلا إلى شهر السلاح في وجهي بعضهما البعض، و إلى درجة التقاتل، لم يكن سليمان قاضيا وفقط ؛ إنما كان أكثر منه علماً وفقهاً، وكان أوجه منه، بل كان مستشار أبيه، وكان هو من دَرَّسَ محمد بن عبد الوهاب وعلمه، كما كان متبحراً في الفقه، نبيهاً معروفا لدى علماء عصره السعودية كافة، وكان مقربا عند الزعماء والأمراء، ومرجعاً محل ثقة موثوقاً لمن عايشوه عن قريب وعن بعيد، وذائع الصيت علمه، و رجاحة عقله، وتقواه، وإخلاصه،تماما عكس أخيه، وهذا ما خول له تأليف كتاب:
الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية
Divine Thunderbolts in Refutation of Wahhabism
ولأن سليمان أخاً مقرب من محمد بن عبد الوهاب مؤسس الوهابية، وعايش الوهابية عن كثب وعارف بكل صغيرة وكبيرة عنهم مما يشينها ويزينها، وبصفته مصدر ثقة، وعلاقته الوطيدة بالحنابلة ، كل هذا أعطى للكتاب أهمية كبرى لعلماء الأمة الإسلامية وعمومها، مما جعله مرجعا لفهم حقيقة الوهابية، ودحض ما يدعونه ، وما فيه من المتاريس الفقهية التي تقف في طريق المد الوهابي.
وهذا بعض مما جاء في الكتاب.
«...ومما يدل على بطلان مذهبكم في تكفير من كفّرتموه: ما روى البخاري في صحيحه عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين وإنما قاسم، والله معطي، ولا يزال أمر هذه الأمة مستقيماً حتى تقوم الساعة أو يأتي أمر الله تعالى، إنتهى.
وجه الدليل منه: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أخبر أن أمر هذه الأمة لا يزال مستقيماً إلى آخر الدهر، ومعلوم أن هذه الأمور التي تكفّرون بها ما زالت قديماً ظاهرة ملأت البلاد كما تقدّم، فلو كانت هذه الأصنام الكبرى، ومن فعل شيئاً من تلك الأفاعيل عابداً للأوثان، لم يكن أمر هذه الأمة مستقيماً، بل منعكساً، بلدهم بلد كفر، تُعبد فيه الأصنام ظاهراً، وتجري على عَبَدة الأصنام فيها أحكام الإسلام. فأين الاستقامة؟ وهذا واضح جليٌّ!
فإن قلت: ورد عن النبي (صلى الله عليه وسلم) في الأحاديث الصحيحة ما يعارض هذا. وقوله (صلى الله عليه وسلم): "لتتّبعن سنن من كان من قبلكم"، وما في معناه. وقوله (صلى الله عليه وسلم): "تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين ملة، كلها في النار، إلا ملة واحدة".
قلت: هذا حق، ولا تعارض والحمد لله. وقد بيّن العلماء ذلك ووضّحوه، وأن قوله: "تفترق هذه الأمة"، فهؤلاء أهل الأهواء كما تقدم ذِكرهم، ولم يكونوا كافرين بل كلهم مسلمون إلا من أسرّ تكذيب الرسول (صلى الله عليه وسلم) فهو منافق كما تقدّم في كلام الشيخ من حكاية مذهب أهل السنة في ذلك.
وقوله (صلى الله عليه وسلم): "كلها في النار إلا واحدة"، فهو وعيد، مثل وعيد أهل الكبائر، مثل قاتل النفس، وآكل مال اليتيم، وأكل الربا وغير ذلك. وأما الفرقة الناجية فهي السالمة من جميع البدع، المتّبعة لهدْي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كما بيّنه أهل العلم، وهذا إجماع من أهل العلم كما تقدّم لك.
وأما قوله (صلى الله عليه وسلم): "لتتّبعن سنن من كان قبلكم"، قال الشيخ (رحمه الله): ليس هذا إخبار عن جميع الأمة، فقد تواتر عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه لا تزال من أمته طائفة ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة، وأخبر أنه لا تجتمع على ضلالة، وأنه لا يزال يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم بطاعته. فعُلم - بخبره الصدق - أنه يكون في أمته قومٌ متمسّكون بهدْيه الذي هو دين الإسلام محضاً، وقومٌ منحرفون إلى شعبة من شعب اليهود، أو شعبة من شعب النصارى، وإن كان الرجل لا يكفّر بكل الإنحراف بل وقد لا يفسّق.
وقال (رحمه الله): الناس في مبعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في جاهلية، فأما بعد مبعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فلا جاهلية مطلقة، فإنه لا تزال من أمته طائفة ظاهرين إلى قيام الساعة، وأما الجاهلية المقيّدة، فقد تكون في بعضبلاد المسلمين، أو في بعض الأشخاص، كقوله (صلى الله عليه وسلم): "أربع في أمتي من أمر الجاهلية". فدين الجاهلية لا يعود إلى آخر الدهر عند إحترام أنفس جميع المؤمنين عموماً.. انتهى كلام الشيخ (رحمه الله تعالى).
فقد تبيّن لك أن دين الإسلام ملأ بلاد الإسلام بنص أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وبما فسّره به العلماء الأعلام، وأن كل الفرق على الإسلام بخلاف قولكم هذا، فإن
صح مذهبكم فلم يبقى على الأرض مسلم من ثمانمائة سنة إلا أنتم. والعجب كل العجب أن الفرقة الناجية وَصَفَها أهل العلم، وليس فيكم خصلة واحدة منها! فإنا لله وإنا إليه راجعون


لكن إذا لم تكن في نظرهم مسلما وهابيا-سلفيا، أو مؤمنا بهم وبما ذهبوا إليه في مذهبهم؟ ماذا يمكن أن تكون في نظرهم؟
ماذا لو كنت إخوانيا، سنيا أو شيعيا؟ماهي علاقتهم بالإخوان، وكيف هي؟
علاقة الوهابية بالإخوان
قبل أن نتكلم عن الإخوان وعلاقتهم بهم، علينا نَفْهَمَ ونُفْهِمَ الناس، أن السعودية عرفت تعاقب فئات عدة من الحركات الإخوانية وهي:
سليمان بن عبد الوهاب سُني حنبلي أشعري من أهل الجماعة أول إخواني من الأب والأم لمحمد بن عبد الوهاب ، إخواني بدون تنظيم قام بمعارضة الوهابية ، اختلافا وخلافا ،ومن بعده جاءت حركة إخوان من طاع الله النازحة من البادية إلى الرياض.
حركة الإخوان السعوديون الأصلية [ الأرطاوية]التي ظهرت أول مرة العام 1911 على يد[فيصل بن سلطان الدويش] مؤسس إخوان الهجرة الذين هاجروا من البادية إلى الرياض واستقروا بها وبنوا لهم فيها قصورا فاخرة، يميزهم عن بقية السعوديون لبساهم التقليدي، ولف عصابة بيضاء حول الكوفية التي يضعونها فوقه على خلاف بقية السعوديين الذين يضعون العقال.
لكن قليلون هم من يعرفون حقيقة حركة [إخوان طاع الله] وعلاقتهم بالوهابية للدولة السعودية الثالثة ، التي تحالفوا معها باسم القبلية والعشائرية، في حربها ضد الدولة العثمانية، وتحت لواء الجيش الإنجليزي آنذاك في فترة ما يسمى [الثورة العربية الكبرى] في حين هي ثورة بريطانية عثمانية.
وبعد الثورة حدث أول نزاع داخلي في المملكة بين الوهابية و إخوان الهجرة داخل المملكة في 29 مارس 1929 قاده الإخواني[عبد العزيز بن فيصل الدويش] ضد [الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود] حيث عُرِفَ هذا النزاع بالتمرد والعصيان على الملك، والذي اعتبره النظام الملكي بالتمرد القَبَلي و اعتبره أخرون بـ [ تمرد الإخوان]
عرفنا الآن و لو قليلا، شيئا عن نشأة الوهابية وحركة الإخوان أول مرة في[ شبه الجزيرة العربية] والتي كانت علاقتهما في بادئ الأمر عبارة عن تحالف ضد الوجود التركي بالمنطقة، من أجل قيام الدولة العربية، واستقلالها عن بريطانيا، التي وعدت [الشريف الحسين بن علي] شريف مكة بمنصب خليفة في حال ما هو ساعدها حربها ضد الأتراك؛ حتى تقطع الطريق في وجه المسلمين وتَقَوِّيهِمْ في مناطق نفوذها، في الهند ومصر وقيامهم بثورة ضد الانجليز؛حتى تقضي أيضا على فكرة الوحدة الإسلامية.
ولا بأس من أن نذكر هنا أعداء الأمة ممن خططوا لسقوط العرب
تصريح مكتب الإستخبارات البريطاني عام 1914
مذكرة إستراتيجية أعدتها الدائرة السياسية البريطانية في وزارة الهند قائلة إن المخاطر تتمثل في "الخوف من ثورة المسلمين في مصر والهند ضد الوجود البريطاني وإحياء فكرة الوحدة الإسلامية مجددا"، ومن ثم أوصت المذكرة بقطع دابر تلك المخاطر عبر إضعاف الحكومة المنظمة الوحيدة القادرة على إعطاء زخم لفكرة الوحدة الإسلامية آنذاك ألا وهي الحكومة التركية.
رسالة مكماهون، الذي أرسلها إلى وزارة الخارجية في لندن في 14 أغسطس 1916 قائلا:
"إن لدينا فرصة فريدة قد لا تسنح مرة أخرى في أن نؤمّن بواسطة الشريف نفوذا مهما على الرأي العام الإسلامي والسياسة الإسلامية، وربما نوعا من السيطرة عليهما"
في رسالة طريفة نصح الدبلوماسي البريطاني سايكس الجنرال كلايتون في أكتوبر 1917 بالتوجه إلى معسكر الأسرى العرب ليخطب فيهم قبل التحاقهم بالشريف قائلا:
"هل من واجبي، أنا الإنجليزي، أن أذكركم بآل بيت علي ومعاوية والعباس بالأولياء والأبطال الذين صنعوا أمجاد العرب في العالم، بالتأكيد إن ضمائركم تقول لكم ذلك. ولكنني كرجل إنجليزي سأقول لكم التالي: إن إمبراطوريات العرب دمرت وجعلت تراباً بالخلافات والتكاسل، وإن نير الترك كبل أعناقكم 900 عام لأنكم أتبعتم أهواءكم ولم تكونوا متحدين أبداً.. والآن بيدكم الفرصة التي إذا أضعتموها فلن يغفر الله لكم.. إن من الأفضل أن يكون المرء طاهياً في السرية العربية من أن يكون وزيراً خاضعاً للأتراك".

نقطة تحول
في 30 مارس من عام 1929 انكسر ذراع الإخوان، و استقوت قبضة الوهابية في شبه الجزيرة العربية، بعدما توصل الحكم البريطاني إلى إسقاط الامبراطورية العثمانية، عن طريق حشد المسلمين و خلق تحالف وهابي-اخواني لصالحه من أجل وأد فكرة الوحدة الإسلامية التي كانت قيد التكوين في دولة غير عربية (تركيا)، و لما تمكن البريطانيون بفضل دسائسهم و جواسيسهم عمدوا إلى إغراء الجناح الوهابي وتمكينهم من الحكم، مقابل تهميش الإخوان الذين رأوا فيهم روح الجهاد والقوة والتمسك بالدين.
وهنا نستطيع أن نجزم القول، بأن الأسرة البريطانية الحاكمة توصلت إلى إنجاح خطة وقف نشر الدعوة الإسلامية، بالضبط في [مكة المكرمة] مهبط الوحي لانطلاقة حقيقية في محاربة الإسلام كقوة دينية، قصد تمكن اليسوعية للسيطرة على العالم ، ووقف التمدد التركي. يرجى الاطلاع على الكتاب أيضا Compagnie de Jésus en arabie saoudite
قلنا نقطة حول؛ لأن المهمة التمهيدية البريطانية، قد انتهت هنا بالسيطرة وتغيير في مسار تاريخ العرب والمسلمين، وكذا جغرافية الهيمنة؛ ليتحول بعدها الى معسكر القومية العربية للضغط من جبهتين ؛ جبهة الإخوان وجبهة الملكية التي ترفض مبدأ وفكر الوحدة ؛ ليبقى الصراع قائما عربي إسلامي.
يقول العارفون بالفكر العربي والمهتمين به منهم، من المفكرين والسياسيين والقوميين العرب الذين عقدوا أول مؤتمر عربي في باريس في جوان 1913، بأن الفكر القومي، هو البديل الأوحد في حال انهيار الرابطة الإسلامية، في خضم الأزمة العثمانية عقائديا وفكريا، نتيجة للتتريك الذي أتى به كمال أتاتورك .
بحث رمضان بوشارب
الصور المرفقة
نوع الملف: png بوشارب رمضان.png‏ (56.8 كيلوبايت, المشاهدات 0)