صاحبة العيون الزرقاء
07-09-2019, 11:40 AM
صاحبة العيون الزرقاء
مثل زرقة البحر التي تكتسح الأفق. و تزينه كما تزين الحلي جيد غادة حسناء..
استمد البحر زرقته و هدوءه و اصراره و كبرياءه و جماله من هاتين المقلتين النجلاوين.
شعرها المخملي الأشقر يشاكس كل ذكور المدينة دون استثناء. و ينشر العطر و العشق و التحدي مع وقت الأصيل.
رمقتها من بعيد جالسة في فستان كستنائي. و قد استسلم الفستان الانيق لطيش النسائم الدافئة.
كانت تتحدث مطولا في الهاتف المحمول. ربما يكون حبيبا أو قريبا من يدري.
جسدها الأبيض الفاتن كأنه رضع من غيوم السماء المسافرة...قهرتني تلك الأنثى بحسنها و أناقتها.... و شخصيتها و حضورها.
جعتلني أركن سيارتي بعيدا و أترجل سائرا نحوها و انا ألهث كما الصياد حين يفتقد طريدته..لقد انتصرت الفتاة الشقراء على كل مقاومة لدي.
لم أكن من صنف الرجال الذين يقعون في الحب بسهولة.
لكن هذه الأنثى الجاثمة على مقعد خشبي و تنعم بشمس الأصيل القرمزية. استطاعت أن تختطف القلب من بين أضلعي. و تقذف به نحو أتون ليكتوي بلهيبه اللذيذ.
لم أكن أصدق بأن في مدينتي التائهة بين التضاريس يمكن أن يظفر المرء بمثل هذا اللون من الشقراوات.
جلست قريبا من هذه المملكة الباذخة أرمق صاحبتي بشوق و أمل و اصرار.
في داخلي كنت أغبط شيئين لا ثالث لهما. المقعد الخشبي الذي يحتضن أنثاي. و شجرة السرو الكبيرة التي تظلل جلالة الملكة.
كانت تحدق بعينين زرقاوين الى السماء حينا و الى المجهول أحيانا. و بين الفينة و الفينة ترسل ابتسامة كأنها قدت من وجه القمر.
لم ينقطع حديثها على المحمول قط. اقتربت من مقعد مجاور لها. و غشيني احساس عميق أنني أتنفس أريج كل أزهار الكرة الارضية. و أنني أمشي مغتبطا فوق كف السحاب. و انني أمتلك جميع كنوز الشرق الأوسط.
تلاشى ما بقي لدي من مقاومة و أمسيت صريع الهوى و الهيام. و قررت أن أركب المصاعب. و اطرق باب المتاعب..
تقدمت من أنثاي كثيرا حتى استطاع أنفي أن يرصد العطر المتسلل من شعرها السرمدي.
لكن الشقراء لم تحفل بوجودي و استرسلت في همس طويل على المحمول. و شعرت كأنني جالس على هامش التاريخ و لا أحد يكترث بي. أو يفهم مشاعري.
تسمر بصري فوق هاتين العينين الزرقاوين و استعرت نيران الهيام بين أضلعي و فكرت :
- في سبيلكما سوف تهون كل المتاعب و تتداعى كل القلاع و تحتشد كل الجيوش–
و انطلق لساني أخيرا بعد تردد طويل و همست في سمع الفتاة :
- هل أتشرف بمعرفة اسم هذا الغزال الشارد ؟-
و استدار الوجه الملائكي نحوي أخيرا و تدفقت سيول من الأنوار من جمالها الصاخب لتنتشلني من ظلمات الشوق و الحرمان و الظمأ ...
لكن عينيها الجميلتين تضطربان قليلا ثم تحدقان نحو الفضاء البعيد و احسست أن هذه الأنثى تحمل شيئا من التكبر أو الكبرياء لست أدري.
على الفور أغلقت المحمول بعصبية ظاهرة و قالت في ضجر :
- كيف تقتحمون على الناس حياتهم الشخصية هكذا بلا أدب و لا مروءة –
تلقفت تلك السهام في صبر و وتجلد و استسلام. لكن الفتاة ارتدت نظارات سوداء سميكة و انطفأت الأنوار المتلألئة فوق عينيها الزرقاوين و انتصبت فجأة مثل الرمح و هتفت :
- الوداع أيها الشخص النزق –
و أمام نظراتي الذاهلة راحت الفتاة تتحسس الرصيف بقدمين مرتبكتين و ذراعها ممدودة في الهواء خشية ان تصطدم بشيء ما...