تاريخ الدولة الغزنوية
19-03-2020, 12:54 AM


فتح المسلمون شطرًا كبيرًا من بلاد الهند في أيام الخلافة الأموية في خلافة عبد الملك بن مروان، واستمر المد الإسلامي يصبغ هذا الإقليم بالصبغة الإسلامية في الدين والثقافة حتى قيام الدولة الغزنوية التي تنسب إلى عاصمتها غزنة، وقد بدأت بوادر قيام هذه الدولة عندما وصل القائد التركي البتكين إلى منصب حاجب الحجاب في الدولة السامانية، ومن ثم ارتفع شأنه وازداد نفوذه، فتوجه إلى مدينة غزنة التابعة للسامانيين واستولى عليها، وأقام بها إمارة مستقلة.

ولما توفي البتكين في سنة 352هــ= 963م خلفه في حكم إمارة غزنة ابنه أبو اسحاق إبراهيم، ولكن أبو اسحاق سرعان ما توفي دون أن يترك وريثًا يعقبه في حكم غزنة فحكمها بلكاتكين أحد مماليكه سنة 359هـ= 969م، ولكن أهل غزنة خلعوه وعينوا بدله سبكتكين لما عرفوه من عقله ودينه وصرامته، وسبكتكين هذا أحد موالي البتكين، وكان تعيينه سنة 366هـ= 976م.

استطاع سبكتكين بحسن سياسته وبعد همته اكتساب محبة الرعية وأمراء البلاد المجاورة، ولم يلبث الخليفة العباسي أن اعترف بحكومته فاصطبغ حكمه بالصبغة الشرعية فأصبح سبكتكين المؤسس الحقيقي للدولة الغزنوية، وعلى الرغم من استقلاله الفعلي إلا أنه ظل يظهر الولاء للسامانيين، وكان يعترف لهم بالسيادة، ويشن الحروب ويفتح البلاد باسمهم، ولم يكتف سبكتكين بحكم غزنة، بل أخذ يوسع ممتلكاته ويُكَّون له دولة واسعة مترامية الأطراف حتى امتد سلطانه إلى ناحية الهند وسيطر على الكثير من المعاقل والحصون هناك، وبعد ملك دام عشرين سنة تقريبًا توفي سبكتكين في سنة 387هـ= 997م.

عهد سبكتكين بالملك من بعده لابنه الصغير إسماعيل، وكان أخيه محمود غائبًا عن العاصمة فقدم إليها ودارت بينه وبين أخيه مناوشات انتهت بتغلب محمود وقبضه على ناصية الحكم بعد نحو سبعة أشهر من وفاة أبيه، ولكنه كان كريمًا مع أخيه فعامله معاملة حسنة كريمة.

قضى السلطان محمود الغزنوي الفترة الأولى من حكمه في تثبيت أركان دولته وتوسيع رقعتها، فتوجه لمحاربة من حوله من الأمراء، وتمكن من القضاء على الدولة السامانية في عام 389هـ= 999م بعدما رأى الضعف يدب في أوصالها، وألغى اسم السامانيين من الخطبة وأقام الدعوة للخليفة العباسي القادر بالله الذي أنعم عليه بلقب يمين الدولة وأمين الملة، ثم تصدى للدولة البويهية وانتزع منها بعض البلاد.

بعد أنَّ استقرت الأحوال للسلطان محمود الغزنوي واستتب له الحكم، وأقرته الخلافة العباسية على ما تحت يده من بلاد تطلّع إلى بسط سيطرته على بلاد الهند ومد نفوذه إليها ونشر الإسلام بين أهلها، فأعلن الجهاد في سبيل الله، وتعددت حملاته على الهند حتى بلغت أكثر من سبع عشرة غزوة، وظل يحارب دون فتور نحوًا من سبع وعشرين سنة، بدأت من عام 391هـ= 1000م وحتى عام 417هـ= 1026م، وبهذه الحملات خضع له شمال شبه القارة الهندية، وبذلك اتسعت أملاك الدولة الغزنوية وعظمت هيبتها.

رغم كل اهتماماته العسكرية لم يهمل السلطان محمود الجانب الثقافي، بل اهتم بالعلوم والآداب وبذل الأموال وقدم الهدايا للعلماء والفقهاء والأدباء، حيث أنَّه كان من خيرة قادة وزعماء الإسلام وسلطانًا محبًا للعلم ذا مروءة ويقظة طاهر العقيدة، أخذ على عاتقه نشر الإسلام، قال عنه ابن الأثير: كان عاقلًا، دينًا، خيرًا، عنده علم ومعرفة، وقصده العلماء من أقطار البلاد، وكان يكرمهم، ويقبل عليهم، ويعظمهم، ويحسن إليهم، وكان عادلًا، كثير الإحسان إلى رعيته والرفق بهم، كثير الغزوات، ملازما للجهاد"[1].

توفي السلطان محمود الغزنوي سنة 421هـ، وكان قبل وفاته قد عهد بولاية العهد إلى ابنه محمد، ولم يعهد بها إلى ابنه الكبير مسعود، وهذا ما أدى إلى نزاع وصراعات بين الأخوين، حيث تولى محمد الحكم ولكنه لم يستمر فيه سوى شهور وأزاحه أخيه مسعود وتولى مكانه سنة 422هـ، واستقرت الأمور للسلطان مسعود في غزنة، وأرسل إليه الخليفة العباسي تقليدًا بالحكم، وواصل السلطان مسعود سياسة أبيه في المحافظة على أملاك الدولة الغزنوية، كما ضم إليها المزيد من الأراضي الهندية، وظل السلطان مسعود في حكم الدولة الغزنوية حتى قتل سنة 433هـ= 1041م.

جاء بعد السلطان مسعود ابنه مودود وسار سيرة أبيه في التوسع بأرض الهند، وتوالى الملوك الغزنويون على عرش الدولة الغزنوية من بعده، ولكن تناحرهم فيما بينهم أضعفهم وجعل البلاد التي فتحوها تتمرد عليهم، كما أطمع فيهم من حولهم، فأخذت عوامل الانحلال والضعف تنال من الدولة حتى أنهكت قواها، ولم تعد تستطيع المقاومة حتى سقطت في سنة 555هـ= 1160م واستولى السلاجقة على ممتلكاتها في خراسان، كما قضى الغوريون على ملكها في الهند وأقاموا على أنقاضها الدولة الغورية[2].



[1] ابن الأثير: الكامل في التاريخ، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1417هـ= 1997م، 7/ 734.
[2] انظر: عبد الحي الحسني: الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام المسمى بـ (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر)، دار ابن حزم، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1420هـ، 1999م، ص142- 157، ودكتور: عبد المنعم النمر: تاريخ الإسلام في الهند، المؤسسة الجامعية للدراسات ولنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1401ه= 1981م، ص110- 133، ودكتور أحمد محمد عدوان: موجز في تاريخ دويلات المشرق الإسلامي، دار عالم الكتب للنشر والتوزيع، الرياض، 141هـ= 1990م، ص123- 138، ودكتور: عطية القوصي: تاريخ الدول المستقلة في المشرق عن الخلافة العباسية، مكتبة دار النهضة، 1992- 1993م، ص77- 87، ودكتور عصام الدين عبد الرؤوف الفقي: الدول المستقلة في المشرق الإسلامي، دار الفكر العربي، القاهرة مصر، 1420هـ= 1999م، ص101- 137.
قصة الإسلام