تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
  • ملف العضو
  • معلومات
ريانة_الجزائر
عضو جديد
  • تاريخ التسجيل : 06-04-2009
  • الدولة : الجزائــــــ جيجل ــــــر
  • العمر : 33
  • المشاركات : 5
  • معدل تقييم المستوى :

    0

  • ريانة_الجزائر is on a distinguished road
ريانة_الجزائر
عضو جديد
الحجاب و الحرية
15-04-2009, 12:51 PM
الحجـاب والحـرِّية
بسم الله الرحمن الرحيم
جمال المرأة :
المرأة مخلوق جميل .. وإلى جانب جمالها الشكليّ وهبها الله جمالات أخرى : جمال العقل والتدبير ، وجمال التصرّف الحكيم ، وجمال الدقّة في الانتاج ، وجمال الرقّة في معاملة الاُسرة وتلطيف ما تعانيه من صعوبات الحياة ..
وأضفى على ذلك كلّه غلالةً من جمال ساحر ، وهو حياؤها الذي يزيدها جمالاً على جمال ..
وقد أراد الاسلام للمرأة أن لا تكشف مفاتنها للرائح والغادي ، ولم يرد لها أن تكون كمعرض تُعرض فيه البضائع التي تجتذب الزبائن ، بل أراد لها أن تستتر ، وأن تبرز جمالها في المواطن التي حدّدها لها ، وأن لا تقتصر على جمال المظهر دون جمال الجوهر .
فالاسـلام لم يحرم المرأة من التمـتّع بجمالها وأنوثـتها ، بل حـدّد لها طريقة التعامل مع الجمال ومع الاُنوثة ، حتى لا يُساء استغلال ذلك ، ويتسبّب في مشاكل اجتماعية ونفسية وأخلاقية يحاول الاسلام أن ينظِّف المجتمع منها ومن آثارها .
وقد تسأل سائلة : لماذا منحنا الله الجمال ومنعنا من التمتّع به ؟ وكأنّها بسـؤالها تستبطن شعوراً بالظلم . فالفتاة السائلة ترى أنّ من حقّ الجميلة أن تعرض جمالها على الناظرين كما يعرض التاجر بضاعته من خلال معرض متجره ، أو كما يعرض الرسّام لوحاته في معرضه أو مرسمه .
حسـناً ، فلنناقش الأمر بعقـل بارد ، ومن خلال أسئلة هادئة وصريحة :
ـ هل تبتغي الفتاة الجميلة أن تجتذب الأنظار إليها من أجل الزواج بها ؟
ـ هل تسعى من خلال كشفها لجمالها أن يتكاثر عليها المعجبون ؟
ـ هل تقوم بإبراز مفاتنها ليكون جسدها مبذولاً لكلّ مَن يشتهيه؟
فإذا كانت تبتغي الزواج ، وهو حقّها الشرعي لا يخالفها عليه أحد، فإنّ الاسلام لم يحرمها من :
ـ كشف وجهها ، وهو عنوان جمالها الذي يمكـن لخاطب ودّها أن يقرأه ، والكتاب ـ كما يُقال ـ يُعرَف من عنوانه ، في الغالب .
ـ الحركة في المجتمع ، سواء في مواقع الدراسة أو في العمل ، مما يتيح لها المجال في أن يتعرّف الراغب بالزواج عليها ، سواء من خلال النظرة العامّة أو من خلال السلوك والتصرّف .
ـ مفاتحة مَن ترغب الزواج به ، وإن كانت التقاليد قد حجبت هذا الحقّ الشرعي حتى عاد أمراً مُسـتهجناً أو غير مُتعارَف عليه على الأقل .
وإذا تزوّجت الفتاة ، كان لها أن تُعبِّر عن استمتاعها بجمالها بأقصى درجات الاسـتمتاع . وإذاً فهو ليس الحـرمان ، بل وضع الشيء في موضعه ، وتلك هي الحكمة .
أمّا إذا كانت تهدف إلى استقطاب عدد كبير من المُعجَـبين ، فقد يُدخل ذلك على قلبها سروراً مؤقتاً وإعجاباً بالنفس قد لا يستغرق أكثر من فترة التماع نظرات المُعجَبين . لكن السؤال المهم هنا هو : وماذا بعد ؟
ـ هل تستهويها اللّعبة فتبقى تتلقّى نظرات الإعجاب المغموسة بالشهوة والطّمع بجسدها لتُشبِع بذلك غرورها ، وهيهات أن يشبع ؟!
ـ هل تتخيّر من المُعجَبين شخصاً بعينه لتعيش معه كزوجة في وئام واحترام وانسجام ؟
ـ هل تستسـلم لأكثر من مُعجَب ، لتكون صيداً سهلاً لأكثر من صيّاد يقضي وطره منها ثمّ يرميها رميَ النواة ؟!
لقد كشفت الكثـير من التحقيقات في أوساط الفتيات والنساء السافرات أنّ القضـية لم تقف عند حـدود الإعجاب ، بل تعـدّته إلى حالات من التحرّش والمضايقة والاعتداء .
هكذا هو الحـال في مجتمع الفنّانات من الممثِّلات والمطربات .. وهكذا هو في أوساط المذيعات الفاتنات .. وهكذا هو في دنيا السافرات المتـبرِّجات من الطالـبات والعامـلات في أماكن العمل المختلطة .
إنّ الفـتاة التي تجد مُتعتها في النظرات الجائعـة والكلمات الملتهبة تطرق سمعها وهي تخطر كاشفة بعض مفاتنها ، ستجد نفسها بعد حين وقد ملّت اللّعب بانتـظار الرجل الذي تسـعد بقربه ، ويصدق في حبّها ويخلص لها ، وتشاطره الاسـتمتاع بالحياة الزوجية بعيداً عن حالات التوتّر النفسي التي تعانيها في عزوبيّتها .
أمّا تلك التي عرضت جسدها في سـوق المباذل لتقع في أحضـان أكثر من (زبون) ، فقد اختارت طريق الفحشـاء والرذيلة ، وليس حديث هذه الصفحات معها .
إذاً ، فالسؤال الحريّ بكل فتاة أو إمرأة مسلمة عاقلة أن تطرحه على نفسها هو : ماذا أريد بجمالي ؟
ـ هل أريد له ما تسوِّله لي نفسي الأمّارة بالسوء ويزيِّنه الشيطان من تحويله إلى سلعة ؟
ـ هل أريد له ما يريده تجّار اللّحم الحيّ وأدعياء الحرِّية ؟
ـ هل أريد له ما أراد له خالقـه من أن يكون مصـوناً في حدود الشرع ، وأن أعبِّر عن استمتاعي به في المواضع التي حدّدها لي ، وفي ذلك فسحة كافية للارتواء النفسي والجسدي ؟
وفي الإجابة الصريحة على هذه الأسـئلة ، يتحدّد موقف المرأة الشرعي من الستر والتبرّج .
وثمة سؤال آخر تحتاج الفتاة أو المرأة أن تواجهه بصراحة أيضاً ، وهو : هل أرتضي لنفسي كفتاة أو إمرأة أن تُقيّم شـخصيّتي من خلال شكلي الخارجي فقط ؟ أي من خلال جمالي الذي لا دخل لي فيه وإنّما هو هبة الله الذي يمكن أن يسلبه منِّي في أية لحظة ؟ أم أنّني كإنسانة لي نقاط قوّة وجمال أخرى يمكن أن اُقيّم من خلالها :
ـ (علمي) الذي يمكن أن يكون جمالاً مُـلازماً يومَ تدبّ تجاعيد الشيخوخة فتنطفئ النضارة وتخبو أشعّة الجمال، بل هو تاج جمال يُضاف إلى جمالي في ريعان صباي وشـبابي ، فيُضاعفه ويُسبغ عليه هالات أجمل وأكمل .
ـ (ذكائي) الذي به اُحسِن التصرّف وإدارة الاُمور ومعالجة المواقف والمشكلات .
ـ (أخلاقي وعفّتي) التي تُزيِّن جمالي وتحرسه ، فتهفو إليه النفس المؤمنة العفيفة ليلتقي العفاف مع العفاف فننتج جيلاً عفيفاً طاهراً .
ـ (تواضعي) الذي أسـتمدّه من أنّ جـمالي مهما كان باهراً فإنّـه صناعة الله ، وأمّا أخلاقي الحميدة فهي صناعتي وجهدي الخاص الذي تعبتُ في تحصيله ويحقّ لي أن أفتخر به .
ـ (عملي ونتاجي) ممّا يمكن أن اُبدعه على أي مستوى سواء في دراستي ، أو عملي الحقلي ، أو في بيت المستقبل من تربية صالحة لأبناء مؤمنين عاملين .
ومن هنا ، فإنّ المرأة كيان إنساني ذو شـخصية لها شأنها ، ويظلم المرأة كما تظلم هي نفسها ، من يظنّ أو تظنّ أنّها مجرّد شكل أو شيء أو سلعة ، فلقد كرّمها الله إذ كرّم بني آدم جميعاً . وإنّها لتسيء إلى كرامة الله تلك التي تتبذّل وتتنزّل حتى تغدو مجرّد جسد أو إطار أو آنية جميلة .
مخاطر التبرّج :
ماذا يحصل عندما نهدم جدران بيت ؟
يغدو مكشوفاً وعرضة لنظرات الرائحين والغادين بحيث تسقط حرمته فلا يستطيع أهله أو سكّانه منع الناس من التفرّج عليهم .
وماذا يحصـل لو أ نّنا فتحنا شـبابيك بيت جمـيل ، وقلنا للمارّة : لا تنظروا من خلالها ، ولا تلقوا إلى داخل الدار ولو نظرات عابرة ؟ ألا يمكن أن يثير ذلك اعتراضهم فيقولون : اغلقوا شبابيك البيت قبل أن تطلبوا منّا إغلاق عيوننا ؟!
هذان المثالان كثيرا الشبه بالفتاة أو المرأة التي تخرج سافرة متبرِّجة كاسـية عارية تلبس أبهى زينتها وأجمل ملابسها وتضع المساحيق والعطور المثيرة ، ثمّ تقول للشبّان الذين تفور غرائزهم : لا تُستثاروا !! غضّوا أبصاركم !! لا تلتفتوا إليَّ .. دعوني وشأني !!
وهل هناك يا ترى متبرِّجة تقول ذلك ؟ أليست تخرج كذلك لتلفت الأنظار إليها وكأنّها شاشة تلفاز تبيح للجميع التطلّع إليها ؟! وعلى ضوء ذلك ، ما هي انعكاسات التبرّج على الفتاة المتبرِّجة ذاتها ، وعلى المجتمع ؟
على الفـتاة ، يبدو انعكاس ذلك من خلال النظر إليها من زاوية واحدة فقط ، أي أنّها اُنثى ، وأنّها جسد يطمع به الطامعون ، كما يتركّز هذا المعـنى في ذهنيّـتها أيضاً ، فلا تلتفـت إلى الجـوانب الاُخرى في شخصيّتها ، وإنّما تصبّ اهتمامها على الشكل دون المضمون ، فتغرق في اقتناء الملابس الثمينة والزينة الغالية ، وتتفنّن في الظهور بمظهر اللاّفت للأنظار ممّا يُسبِّب لها متاعب مالية واجتماعية ونفسية كثيرة .
فهي لا بدّ وأن تُغيِّر ملابسها التي سبقَ أن ارتدتها وإن لم يمضِ على شرائها وقت طويل ، ولابدّ أن تنافس قريناتها من الفتيات في التسابق على الموضات والصرعات والصيحات الجديدة ، وإذا مرّ عليها وقت لم تجد فيه ذلك كلّـه ، فإنّها سـوف تعاني من أزمة نفسـية ظنّاً منها أنّ الخروج إلى الشارع أو المعهد أو مكان العمل في نفس ملابسها يجعلها صغيرة وفقيرة وحقيرة في نظر صاحـباتها ، وفي نظر مَن تتوقّـع من الشبّان والرجال أن ينظروا إليها .
وقد تضطرّ بعض الفتـيات للعمل أو للاقتراض ، أو الضـغط على عائلتها ذات الدخل المحدود من أجل أن تبقى في حالة تغيير دائم في الشكل وإلاّ سقطت في السِّباق المحموم .
وكم فعلت هذه المنافسة فعلها السيِّئ في نفوس فتيات تعقّدن من اللّهاث وراء الموضـات ، وربّما شـعرن بالغـيرة والحقد والحسـد من الفتيات الاُخريات اللّواتي يفقنها في تسريحة الشعر ، أو موضة الملابس الباهضة التكاليف قماشاً وخياطة ، أو ما يضعنه من زينة ويلبسنه من ذهب ومجوهرات .
وكم أكلت هذه المنافسة التي ليس فيها فائزة واحدة ، من أوقات الفتيات والنساء في الأحاديث التي يسـتغرقن فيها حول ما لبسن وما سـيلبسن ، والمقارنات التي يعقدنها حول ما تلبسـه فلانة والزينـة التي تتزيّن بها الاُخرى ، حتى امتدّت المنافسـة إلى تقليد الفنّانات ، وصاحبات الثراء ، وعارضات الأزياء .
إنّ فتاةً تلهث خلف الاهتمام الوحيد بمظهرها .. فتاة مسكينة تبعث على الشفقة .. وربّما احتاجت إلى وقت طويل حتى تُدرِك أنّها كانت ضحيّة التجّار والسماسرة ومروِّجي الاعلانات وأصحاب النزوات والشهوات .
أمّا على صعيد المجتمع ، فالانعكاسات أشدّ سوءاً :
فالشبّان الذين يريدون أن يتحصّنوا أو يتعفّفوا لأنّهم لا يجدون ما يؤمِّن لهم نفقات الزواج ، وهم يشاهدون في الصباح والمساء مشاهد فاضحة تجعل غرائزهم تستعر وهم لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً .
والرجال الذين في قلوبهم مرض الذين يمدّون أعينهم إلى هذه وإلى تلك في عملية التقاط للصور المثيرة ، وأخرى للمقارنة بين ما أنعم الله به عليهم من الحلال الطيِّـب وبين ما هو في حكم المُشـاع من اللّحم العاري والنصف العاري ، أو المُغطّى الذي يصف ملامح الجسد فيثير أكثر من المكشوف ، كلّ ذلك ممّا يُربك حياتهم ويُعقِّد أوضاعهم النفسية والاُسرية ، بحيث يتسبّب في حالات شجار وعراك بينهم وبين زوجاتهم إن لم يتسبّب في الأسوأ وهو الطّلاق وخراب البيوت .
وبالتالي فإنّ المتبرِّجات وأنصاف العاريات والسافرات اللاّبسات من الملابس أكثرها إثارة يُحـدِثن حالة من الطوارئ الجنسـية بحيث يتحوّل الشارع أو أماكن العمل أو وسائط النقل إلى أشبه شيء بغرف النوم .
فأيّة جرائم اجتماعية وأخلاقية يتسبّبن فيها ذوات الحياء القليل سواء شعرن بذلك أم لم يشعرن . وللأسف فإنّ قانون الكثير من البلدان لا يتسامح في ذلك فقط ، بل يشجِّع عليه ويفتح له الأبواب على مصاريعها بغية إفساد الجيل بشبّانه وشابّاته .

الوقاية الأخلاقية :
ولأجل أن يضع الاسلام حدّاً لهذا الاسـتهتار بالقيم والأخلاق ، ولكي يخفِّف ويزيل الكثير من الانعكاسات والآثار السلبية الاجتماعية والفردية للتبرّج ، ولكي لا يستهلكنا علاج الحالات الصعبة أو التي فاتَ عليها الأوان فلم ينفع معها العلاج ، رأى المشرِّع الاسلامي أن يحصِّن الفـتاة داخلياً وخارجياً في برنامج وقـائي أثبت نجاحه حيثما كانت هناك فرصة لتجريبـه ، وحيثما كانت هناك استعدادات ذاتية وموضوعية لتطبيقه .
ولا بدّ من الالتفات إلى أنّ الاسلام لا يلغي ولا يصادر الحرِّيات ، بل يتحفّظ على بعضها حتى لا يُساء استغلالها ، ويضع الحدود هنا وهناك من أجل أن يحمي الانسان من نفسه الأمّارة بالسوء تارة ، ومن المجتمع الذي يحيط به أخرى .
فعلى صعيد المناعة الذاتية ، اتّخذ الاجراءات التالية :
ـ طلب من الفتاة أو المرأة عموماً أن تحكِّم إرادتها في أفعالها كلّها ، كما طلب ذلك من الشبّان أو الرجال عموماً .
ـ وحذّرها من أن تقع فريسة لتسويلات الشيطان الذي قد يملك أن يوسوس لها بالسوء ويزيِّنـه لها ، ولكنّه لا يملك أن يعطِّل أو يشلّ إرادتها كإنسانة واعية (إنّ كيدَ الشيطانِ كان ضعيفاً ) ([1][1]) .
ـ وألزمها بالستر الشرعي ( الحجاب) لا ليضعها كما يقول المغترّون في ( كيس أسـود ) وإنّما ليحصِّـن أنوثتها بما يبعد عنها غائلـة السوء والتعدِّي ، وبما يساهم في نشر حالة العفاف في المجتمع كجزء من حالة الأمن الاجتماعي الذي يحرص على استتبابه ونشره على أوسع نطاق .
ـ كما منعها من أن تبدي زينـتها إلاّ ما ظهر منها ، حتى لا تحرِّك أجواء الإغراء بالمعصية .
ـ وزرع في داخل تكوينها الانساني خصلة ( الحياء ) التي تعمل بمثابة الكابح الذي يكبح جماح النفس والشهوة والنزوة ، كما يجعل المرأة محبوبة أكثر ومُقدّرة أكثر .
ـ ودعاها إلى تربية حالة ( التقوى ) في داخلها والتي تقابل ما يُصطلح عليه بـ ( الضمير ) ، حتى لا تندفع مع تيار النفس الجامحة التي تأمر بالسوء والشيطان الذي يُزيِّن ذلك السوء .
ـ كما دعاها إلى احترام سمعتها ومكانتها في المجتمع حتى لا تطالها الألسن بالسوء والرِّيبة والانتقاص والتسقيط ، فتلك مريم (عليها السلام) مثال العفّة والصون للمرأة المسلمة الملتزمة تقول في صدد رعايتها لسُمعتها الأنقى من الزلال : (يا ليتني مِتُّ قبل هذا وكنتُ نسياً منسيّاً ) ([2][2]) ، خاصّة بعدما عرفها قومها بعـفافها الذي كان يُضرَب مثلاً للنسـاء : (قالوا يا مريمَ لقد جئتِ شيئاً فريّاً * يا أختَ هارون ما كان أبوكِ امرأ سوء وما كانت أمُّكِ بَغِيّاً ) ([3][3]) .
وأمّا من جهة المناعة الاجتماعية ، فقد اتخذ المشرِّع الاسلامي الاحتياطات التالية :
1 ـ فلقد حرّم إطالـة النظر من الرجل للمرأة : (قُل للمؤمنينَ يغضّوا من أبصارِهِم ويحفظوا فروجهِم ذلك أزكى لهم إنّ اللهَ خبيرٌ بما يصنعون ) ([4][4]) ، ومن المرأة للرّجل : (وقُل للمؤمناتِ يغضضنَ من أبصارهنّ ) ([5][5]) . فلقد اعتبرت العين نافذة القلب ، والنظر رسول الفتنة ومقدّمة الزِّنا .. وقديماً قال الشاعر :
كلّ الحوادث مبدأها من النظرِ***ومعظم النار من مستصغر الشّرر
كم نظرة فتكت في قلبِ صاحبها***فتك السِّهام بلا قوس ولا وترِ
وقال آخر :
نظرةٌ فابتسـامةٌ فسـلامُ***فكـلامٌ فمـوعدٌ فلِــقاءُ
2 ـ وحرّم النظر بريبة ، تلك النظرة التي تمثِّل الانجذاب الغريزي أي الشهوة الجنسية ، ولقد اعتبرت هذه النظرة محرّمة ولو لم يكن بعدها الزِّنا لأ نّها تشتمل على مفاسد ذاتية مثلها مثل اللمسة والقبلة .. وفي الحديث الشريف : «العينان تزنيان ، وزناهما النظر » ، وجاء في حديث آخر : «النظرة سهمٌ من سهام إبليس مسموم ، وكم من نظرة أورثت حسرةً طويلة» ، وفي حديث آخر : «أوّل النظرة لك والثانية عليك والثالثة في الهلاك» ، لأنّ في الثالثة تحقيقاً للنظر وإمعاناً له ، وهو النظر بريبة .
3 ـ وحرّم الخلوة بالأجنبية ، وهي التي لا تحلّ إلاّ بالزواج ، مُعتبراً ذلك مسرباً من مسارب الشيطان : «ما اختلى رجل وامرأة إلاّ وكان الشيطان ثالثهما» .
من خـلال ذلك ، نفهم أنّ العـلاقة بين ( السـتر ) وبين ( النـظر ) مترابطة ، فكما نطلب من الفتيات أن يستترن ، نطلب من الشبّان أن يغضّوا الطّرف ، وحتى تكتمل دائرة العفّة ، سدّ الاسلام الطرق الموصلة إلى الزِّنا ، ولذا جاء قوله تعالى : (وإذا سألتموهنّ متاعاً فاسألوهنّ من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهنّ ) ([6][6]) ، فالغرض المطلوب من الستر هو طهارة القلوب ، قلوب الشابّات وقلوب الشبّان معاً .
ولقد جاء في سبب نزول الآية الكريمة : (قُل للمؤمنينَ يغضّوا من أبصارهم ) أنّ شابّاً من الأنصار استقبل امرأة بالمدينة ، فلمّا جاء نظر إليها ودخل في زقاق وجعل ينظر خلفها ، واعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة ، فشقّ وجهه ، فلمّا مضت المرأة ، فإذا الدماء تسيل على ثوبه وصدره، فقال: والله لآتينّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولأخبرنّه. فهبط جبرئيل (عليه السلام) بهذه الآية : (قُل للمؤمنينَ يغضّوا من أبصارهم ) .
فالشاب هنا قد افتتن بالنظر الشهوانيّ فاتّبع المرأة بالسّـير خلفها لأ نّه حرّك مخيّلته في الجانب الجنسي، ولم تكن النظرة عابرة أو سطحية. وقد قيل إنّ معنى غضّ البصر ليس هو إقفال البصر تماماً وإنّما خفضه وعدم إرسـاله طليق العـنان يلتهم الغاديات والرائحات . ولذا قال الشاعر ناصحاً :
وأنتَ إذا أرسلتَ طرفكَ رائداً***لقلبكَ يوماً أتعبتكَ المناظرُ
رأيتَ الذي لا كلّه أنتَ قادرٌ***عليه ولا عن بعضهِ أنتَ صابرُ
ولذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «كلّ عين باكية يوم القيامة إلاّ ثلاثة : عين بكت من خشية الله ، وعين غضّت عن محارم الله ، وعين باتت ساهرة في سبيل الله» . وفي الحديث : «مَن نظر إلى إمرأة ورفع بصره إلى السماء ـ أي صرفَ بصره عن النظر الحرام ـ لم يرتدّ إليه بصره حتى يزوِّجه الله من الحور العين» .
وكلّ ذلك من أجل أن يعيش المجتمع المسـلم العفاف في نظراته وكلماته وتصرّفاته .

لماذا الحجاب ؟
ربّما توحي كلمة ( الحجاب) والتي تعني الستر الشرعي بمعنى سلبي، وكأنّ الاسلام يريد للمرأة أن تحتجب عن المجتـمع وتنعزل عنـه فلا تمارس دورها فيه . وهذا ما قد ركّزته بعض الأحاديث الموضوعة التي تتعارض مع صريح القرآن الكريم([7][7]) في دفع المرأة إلى ممارسـة دورها الرسالي والسـياسي والاجتماعي ، كالقـول : «النساء عيّ وعورات ، فداووا عيّهنّ بالسكوت وعوراتهنّ بالبيـوت» ، والقول : «فاحبسوا نساءكم يا معشر الرجال» وغيرها ، في حين أنّ الواقع التاريخي لمسيرة المرأة لا يلتقي مع ذلك ، فلقد كانت تخطب وتشارك في المعارك كمداوية للجرحى ، وساقية للعطاشى ، أو مستنهضة للعزائم والهِمَم ، وتساهم في النشاطات العامّة بما لا يخرجها عن حدود الالتزام والعفّة .
ولذلك فإنّ من الأنسـب في التعـبير هو ( الستر الشرعي ) ; لأنّ مصطلح الحجاب لم يرد في أيّ من كتب الشريعة ، وإنّما هو اصطلاح دارِج ، ومع ذلك فإنّنا سنستعمله في الاشارة إلى الستر .
فلماذا أراد الله للفتاة أو المرأة أن تستتر ؟
لقد أجبـنا عن ذلك بعض الإجابة ، وقد تأكّد ـ فيما سبق ـ أنّ الاسلام يريد التركيز على إنسانية المرأة دون أن يلغي خصوصيتها الاُنثوية .
ولم يُحدِّد الاسـلام شكلاً معيّناً للستر ، بل تحدّث عنه في الاطار العام والمواصفات التي يجب أن يتّصف بها لباس المرأة دون الخوض في تفاصيل اللون والشكل وتصميم الأزياء ، وذلك ضمن النقاط التالية :
1 ـ أوجب على المرأة ستر ما زاد عن الوجه والكفّين ـ وعلى بعض الآراء القدمين أيضاً ـ وذلك لغير الزوج والمحارم كالأب والعم والخال والإخوة ، وأجاز النظر إلى تلك المساحة المحدودة على اعتبار أنّ هذه المواضع ( الوجه والكفّين ) هي ممّا تحتاجه المرأة في التعامل الاجتماعي .
2 ـ أوجب عليها أن تستر فتحة الصّدر، لأ نّها من مواضع الإثارة، وذلك هو قوله تعالى: (وليضرِبنَ بخمرهنّ على جيوبهنّ )([8][8])، والخمر جمع خمار وهو غطاء الرأس، والجيوب جمع جيب وهو فتحة الصّدر من الثوب . فالواجب على الفتاة أو المرأة المسلمة أن تُغطِّي رأسها بخمارها ، وأن تستر به صدرها ونحرها وعنقها ، حتى لاينكشف شيء من هذه المفاتن لنظرات المتطلِّعين، وحتى لاتكون المرأة المسلمة كالمرأة المتبرِّجة في الجاهلية (ولا تبرّجنَ تبرّجَ الجاهليّة الاُولى ) ([9][9]) ، لأنّ التبرّج لغةً هو إظهار ما يجب إخفاؤه . ولقد كانت المرأة في الجاهلية تخرج وتمشي بين الرجال، لها مشية تكسّر وتغنّج، وتلقي الخمار على رأسها ولاتشدّه، فتبدو في زينتها .
3 ـ أوجبَ عليها أن لا تُبدي زينتها إلاّ ما ظهر منها ، ويُقال إنّ المراد من الزينة هي الزينة الطبيعية كالشعر والمحاسن الجسمية ، فيجوز إظهار ما بدا منها ، وهما الوجـه واليدان . وأمّا الزينة الاصطناعية ، كالأصباغ والمسـاحيق ، فلا يجـوز إظهارها (وإن يستعففنَ خير لهنّ ) ([10][10]) .
ولقد صدق مَن قال : «لقد تساهل الاسلام مع المسنّات وشدّد على الشابّات ـ في مسألة الحجاب ـ ولكن جاء العمل على عكس ما أمر القرآن الكريم، حيث نرى التبرّجوالتهتّك في الشابّات والتستّر والتحفّظ من المسنّات ، فتساهلنَ فيما شددّ الله ، وتشدّدن فيما تساهل» ([11][11]) .
4 ـ في الستر الشرعي، أراد الاسلام لملابس المرأة أن تكون موافقة لشروطه ، وهي :
أ ـ أن تغطِّي جميع الجسم عدا المستثنى منه (ما ظهر منها ) .
ب ـ أن لا يشفّ ولا يصف ما تحته ، أي أن لا يكون رقيقاً يحكي البشرة ويبرزها .
ج ـ أن لا يحدِّد أجزاء الجسم أو يبرز مفاتنه ، أي أن لا يكون مثيراً للشهوات ، وذلك قوله تعالى : (يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ )([12][12])، وأن لايكون مصداقاً للتبرّج بأن ترتدي الفتاة أو المرأة لباساً يستر جسدها ، لكن موضته ـ أي طريقة صناعته أو خياطته ـ تخلق حالة من الإثارة ربّما تفوق إظهار المفاتن .

الحجاب والحرِّية :
والآن نحاول أن نجيب على الأسئلة التالية ، لنرى هل أنّ الاسلام أراد أن يضيِّق حرِّية المرأة بتكليفها بارتداء السّتر ؟
أ ـ ما هو مفهوم الحرِّية في الاسلام ؟
ب ـ ما هي ضوابط ممارسة الحرِّيات ؟
ج ـ هل الحجاب يناقض الحرِّية ؟

أ ـ فالحرِّية في معناها العام هي : «نفي سيطرة الغير .. والقاعدة الأساسية للحرِّية في الاسلام هي : التوحيد والايمان بالعبودية المخلصة لله الذي تتحطّم بين يديه كلّ القوى الوثنية التي هدّدت كرامة الانسان على مرّ التاريخ» ([13][13]) .
فعملية التحرير تنطلق من داخل الانسان نفسه بتحكّمه بإرادته ومسيرته وشهواته ، ولذلك فإنّنا : «إذا جمّدنا في الانسان القدرة التي تمكِّنه من السيطرة على شهواته ، واكتفينا بمنحه الحرِّية الظاهرة في سلوكه العملي ، ووفّرنا له بذلك كلّ إمكانات ومغريات الاستجابة لشهواته ، كما صنعت الحضارات الغربية الحديثة ، فقد قضينا بالتدريج على حرِّيتـه الانسانية في مقابل شهوات الحيوان الكامن في أعماقه ، حتى إذا التفت إلى نفسه في أثناء الطريق ، وجد نفسه محكوماً لا حاكماً ، ومغلوباً على أمره وإرادته» ([14][14]) .
فالحرِّية بهذا المعنى الاسلامي حرِّيتان :
حرِّية داخليـة ، تنبع من مقـدار التحكّم والسيطرة على شهوات الانسان .
وحرِّية خارجية ، وهي التحرّر من سيطرة الآخرين وظلمهم وضغوطاتهم .
وهما حرِّيـتان متكاملتان ، فلا يمكن أن نجمِّـد إحداهما ونطلق الاُخرى ، وإذا تزاحمتا ، أي لم يكن لنا خيار سوى حرِّية واحدة ، فإنّنا نفسح المجال للحرِّية الاُولى لأ نّها الحرِّية الحقيقية التي يشعر معها الانسان بحرِّيته وعزّته حتى ولو كان يقبع في داخل زنزانة .
ويمكن أن نلخِّص أهم معالم الحرِّية الاسلامية من خلال تعريفها في النقاط التالية :
1 ـ الحرِّية تستبطن المسـؤولية ، فأنتَ حرّ يعني أنتَ مسؤول ، ولا بدّ أن تقدِّم تفسيراً معقولاً لكلّ ما تقوم به .
2 ـ والحرِّية نظام ، فهي تنظِّم الحركة وتضع لها ضوابطها وتفسح لها المجال حيثما كان في ذلك الخير والصلاح ، وتمنعها حيث تصبح تعدِّياً على حرِّيات الآخرين ، فهي قانون وليست ضدّ القانون .
3 ـ والحرِّية اختيار ، لأ نّها تقوم على أساس أنّ الأصل في طبيعة الانسان الخير .
4 ـ والحرِّية علم وثقافة ، لأ نّها تقوم على تشخيص الحقائق ومعرفة الأشياء الضارّة والنافعة .
5 ـ والحرِّية تشريع يتـحرّك في دائرة المـباحات ، ولا حرِّية مع الواجب والمحرّم .
6 ـ والحرِّية تجربـة ومنهج اسـلامي شـامل ، ينضـج بالوعـي والممارسة الصحيحة .
هذه هي أهم معالم الحرِّيـة في الاسـلام ، وما عداها فـ ( حرِّية ) مزيّفة أو لنَقُل ناقصة ، فلقد ركّزت وسائل الاعلام على تحرير الشكل الخارجي للمرأة ، والذي يعتبر شكلاً آخر للعبودية يهدف إلى إضفاء مسحة من الجمال الظاهري على الأَمَة القديمة ليس إلاّ .
فلقد كان عربُ الجاهلية يعتبرون (ذات النقاب) حرّة و(المتجرِّدة) أمَة ، أي أ نّهم أعطوا صفة الحرِّية للمرأة المستترة ، وكان يمكن أن تعتبر سجينة النقاب أو مُضيّقاً عليها ، وأعطوا صفة العبودية للمتبرِّجة .
فالحرِّية المزعومة هي شعار للاستغلال وليس دعوة مخلصة لانقاذ المرأة أو تحريرها ، والحقيقة هي كما عبّرت عنها إحدى الكاتبات «قال لها الرجل : إنّها حرّة في تصرّفاتها وفي كلّ شيء ، وهي في الواقع مُقيّدة بإرضاء الرجل ، أي رجل كان ، وإشباع رغباته» ([15][15]) .
ويمكن لنا أن نتمثّل حرِّية الغرب الداعيـة إلى الخلاعة والمجون ، من خـلال الاحصاءات المريعـة ، التي تتحدّث عن الحمل والولادة والاجهاض قبل الزواج ، وأثر الأفلام الخليعة . كما يمكن أن نتعرّف على زيف شعار الحرِّية في بلد كفرنسا من خلال طرد بعض الفتيات المحجّبات من مدارسهنّ ، حيث اعتبر حجابهنّ رمزاً دينياً تبشيرياً يثير الخلافات بين الطالبات !!
يُضاف إلى ذلك أنّ بعض أسباب الطلاق وانتشار الفحشاء هو من بعض الثمار الفجّة للتبرّج ، وسنضرب لذلك بعض الأمثلة والشهادات الميدانية .
ب ـ وحتى لا يُساء اسـتعمال الحرِّية في الاسلام ، وضع المشرِّع تنظيمات وضوابط ، فالحرِّية في الاسلام ليست مُطلقة بل قُيِّدت داخلياً بالخضـوع لحكم الارادة والعقل والضمـير ، وخارجياً بالاجـراءات القانونية التي يُطلق عليها ( الآداب العامّة ) ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتشريعات الاسلامية الاُخرى .
ولمّا كانت الارادة تضعف أحياناً أمام الضـغوطات ، كان لا بدّ من ضوابط تحفظها من ذلك الضعف ، وأهمّها ( الثواب ) و ( العقاب ) ، إلى جانب إجراءات القانون الاسلامي ، وهو نظام تشريعي غير خاضع للأهواء والأمزجة .
ولعلّنا نجد في مثال يوسـف (عليه السلام) اختيار السجن أو تفضيله على الحرِّية المنحرفة ، مثلاً اسلامياً بليغاً ـ للمرأة وللرجل ـ في الحفاظ على روحية الحرِّية التي يتحرّك بها الانسان المؤمن ، ويحاذر أشدّ المحاذرة من السقوط تحت أقدام المعصية ، فلقد قيّد حرِّيتـه الجسدية من أجل أن يطلق حرِّيته الايمانية والروحـية : (قال ربِّ السِّجن أحبّ إليَّ ممّا يدعـونني إليه وإلاّ تَصرِف عـنِّي كيدهـنّ أصبُ إليهـنّ وأكن من الجاهلين ) ([16][16]) .
ج ـ وأمّا الإجابـة عن السـؤال الأهم : هل الحـجاب و ( السـتر الشرعي) يناقض الحرِّية ؟
فلنستمع إلى آراء بعض علماء الاسلام وأصحاب الرأي في ذلك :
ـ «إنّ ستر البدن باستثناء الوجه والكفّين لا يحول دون أي نشاط ثقافي أو اجتماعي أو اقتصادي ، وإنّ الذي يؤدِّي إلى تعطيل الطاقة العملية للمجتمع هو تلويث محيط العمل بالممارسات الشهوانية» ([17][17]) .
ـ «رأي الاسلام الصريح أنّ الحجاب إنّما هو ضمان قانوني للعفّة ، يصونها عن الانزلاقات العاطفية التي توجبها فتنة العري ، وعن الاعتداء الأثيم الذي تمكّن له مظاهر التبرّج والخلاعة» ([18][18]) .
ـ ( إنّ الاسـلام لم يفرض على المرأة ـ كما يُقال ـ أن تظلّ حبيسـة البيت لا تخرج منه إلاّ إلى القبر ، بل أباح لها الخروج إلى الصلاة وطلب العلم وقضاء الحاجات وكلّ غرض ديني أو دنيوي مشروع ، كما كان يفعل ذلك نساء الصحابة ومن بعدهم من خير القرون ، وكان منهنّ مَن يخرج للمشاركة في القتال والغزو مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن بعده من الخلفاء والقوّاد . وقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لزوجه سودة : «قد أذن الله لكنّ أن تخرجن لحوائجكنّ» ، وقال : «إذا استأذنت المرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها» ، وفي حديث آخر : «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» ) ([19][19]) .
ـ وتقول إحدى الكاتبات : «إنّ فلسفة الحجاب أ نّه يجعل النساء أكثر تحرّراً ، فهو يجنِّبهنّ أن يكنّ مجرّد رموز جنسية أمام الناظرين ، وأن يقعنَ في فخِّ الثوب الغربيّ وتعاليم الأزياء الغربية» ([20][20]) .
من هذه الآراء ، وغيرها كثير ، التي تلتـقي على فهم واحد لمعنى الحجاب في الاسـلام ، نخلص إلى أنّ الحرِّية تتسع في أجواء العفّة والاحتشام ، وتضـيق فتنحـصر في النزوات والشهوات إذا كانت تتحرّك في إطار جنسي بحت .

شهادات ميدانية :
ولعلّنا نتّفق على أنّ خير طريقة للتثبّت من أنّ الحجاب لا يتناقض مع الحرِّية ، هي شهادات النساء أنفسهنّ ، سواء السليبة منها ، والتي تتحدّث عن النتائج الوخيمة للتبرّج ، أو الايجابيـة التي تتحدّث عن نجاح تجربة الحجاب في خلق أجواء العفّة والاستقرار النفسي .
ـ تقـول الشاعرة الفرنسـية (مدام دولار مارديوس) : «قولوا لنسائكم ليقدِّرنَ سعادتهنّ ، وما يضطررن إليه من الحياة المحجّبة التي تصونهنّ عن اضطرابات كثيرة . إنّ في اُذنيّ ودائع من شكايات النساء تفتِّت الأكباد» .
ـ وفي دراسة نقابية اتّضح «أنّ كل نساء سريلانكا تقريباً يتعرّضن لمضايقات في العمل» ، وقد خلصت الدراسة التي شملت (600) سيِّدة عاملة تتراوح أعمارهنّ بين (20 ـ 39) سنة ، إلى أنّ المضايقات أكثر في القـطاع الخاص منها في القطاع العام ، وأنّ معظمهنّ تعرّضن إلى استغلال مظاهرهنّ وأزيائهنّ ، وأنّهنّ يشعرنَ بقلّة حيلتهنّ وبالهوان عندما يتعرّضن لمضايقات، ممّا يؤدِّي إلى زيادة الضغط على أعصابهنّ .
ـ وقد قامت مجلّة ( ماري كير ) الفرنسـية باسـتطلاع شملَ (5ر2) مليون فـتاة ، نشر تحت عنـوان : «وداعاً عصر الحرِّية .. أهلاً بعـصر الحريم» . وكان السـؤال المطروح للاستطلاع عن رأيهنّ بالزواج من العرب ولزوم البيت . فكانت الإجابة ( 90 % ) نعم» .
ـ (مارلين مـونرو ) التي توصَف بأنّها ممثِّـلة الإغـراء ، قالت قُبيل انتحارها : «إنِّي أتعس امرأة على هذه الأرض . لم أستطع أن أكون أمّاً ، إنِّي امرأة أفضِّل البيت والحياة الاُسرية الشريفة الطاهرة ، فهي رمز سعادة المرأة ، بل الانسانية» .
ـ وفي استطلاع للرأي نشرته صحيفة ( الرأي العام الكويتية ) في عام 1992 ، جاء : «إنّ 90 % من الجامعيات المصريات محجّبات ، وأنّ غالبيّتهنّ يتمتّعن بمستوى ثقافي وعلمي رفيع» .
ـ تقول فتاة جامعية : «طرح الحجاب وطرح الاختلاط الجامعي ، ترك لي الخـيار ، فوجدتُ أنّ النتيجة في الحالين تهمّني وحدي ، فاخترتُ الحجاب وازددتُ به تعلّقاً بعد دخولي الجامعة ، فهو الحصن الواقي للفتاة» .
ـ وتقول أخرى : «اختياري للحجـاب كان طوع إرادتي لأ نّني فهمتُ معناه منذ كنتُ صغيرة . إنّني لا أعمل شيئاً لا أفكِّر به جيِّداً ، ولا أقوم بتقليد الأشياء أبداً» .
ـ وتقول ثالثة : «إنّ الحجاب هو أفضل وسيلة للحفاظ على كرامة ومكانة المرأة ، وأنجح سبيل تستطيع من خلاله التحرّك والمساهمة في الأنشطة الاجتماعية والأعمال الأخرى، دون خوف من العيون الجائعة».
ـ وتقول أخرى : «الحجاب بالنسبة لي هو صمّام الأمان في علاقتي مع الرجل ، لأ نّه بمثابة الحدود التي لا يمكن تخطِّيها ، ولا يمكن بالتالي تجاهلها ، والتي تفرض على الرجل أن يتعامل معها كإنسانة وليس مجرّد جسد يثيره ويغويه» ([21][21]) .
وبالرغم من كلّ ما قيل ويُقال في التزام الفنّانات المُعتزلات اللّواتي كنّ يغوين الشبّان والرجال بأجسـادهنّ ، والنساء بتقليد أزيائهنّ المتبرِّجة وحركاتهنّ المتخلِّعة ، فإنّ ما يمكن التقاطه من هذه الظاهرة ، أنّ العودة إلى الذات والالتزام بمقرّرات الاسلام يعني أنّ الخروج عليها وعدم التقـيّد بها كان سبباً بارزاً من أسـباب بؤس المرأة وضياعها ، وبعودتها إلى رشدها كانت قد اختارت الطريق الأمين الذي يُجنِّبها ومجتمعها مزالق ومخاطر كثيرة .
ومن خلال الشهادات ـ المارّة الذِّكر ـ سواء السلبية أو الايجابية ، يتّضح أنّ اللّواتي اكتوينَ بنار الخلاعة والاثارة ، بل حتى السافرات العاديّات يدفعنَ ضريبة باهضة لتخلِّيهنّ عن حدود ما أراد الله . وأمّا اللّواتي التزمنَ بتلك الحدود ، فإنّهنّ يعشنَ حياة أكثر استقراراً .
أصناف المحجّبات :
إنّ الأسـباب التي تدعـو الفتاة أو المرأة إلى الالتزام بالحـجاب ( الستر الشرعي ) كثيرة ، فليست كلّ محجّبة أو مستترة هي حقّاً إمرأة مؤمنة بهذا الضابط الشرعي للعفّة .
ولقد تحدّث بعض الكتّاب عن تصنيف المحجّبات على ضوء الدافع الذي يقف وراء التزامهنّ بالحجاب .
فالبعض اعتبر الدافع اجتماعياً ، وهو خشية الملتزمة بالستر من أن تكون غرضاً لكلام الناس . أو أ نّها تقوم بعملية تقليد إلزامية للمجتمع الذي يأخذ بأسلوب الستر ، فهي ملتزمة لا عن إيمان وقناعة بل عن تقليد ومحاكاة .
والبعض الآخر اعتـبر الدافع ذاتياً ، وهو حبّ الظهور وجذب الأنظار .
واعتبره آخرون ازدواجية في الشخصية ، أي أنّ هناك تناقضاً بين المحتوى الداخلي لشخصية المحجّبة ، وبين ما يضفيه الشكل الخارجي ، أو يحدثه من انطباع بالايمان والالتزام بالحشمة . أي أنّ المحجّبة تقوم بعملية تمويه ، فهي في الخارج مستترة ، وفي الداخل مخالفة للاسلام في كلّ شيء ، أو في أشياء كثيرة .
ونظر إليه آخـرون نظرة اقتصـادية ، فاعتـبروه لوناً من ألوان الاشتراكية ، وإلغاءً للفوارق الطبقية .
واعتبره قسم آخر تعبـيراً عن صدمة عاطفية ألجأت الفتاة أو المرأة المصابة بالصّدمة إلى اتخاذ الحجاب أسلوباً احتجاجياً ، أو ردّة فعل لما تعانية من صدمة ، أو ما تشعر به من حالة إحباط شديد .
واعتـبره آخرون حالة من حالات التصوّف والانعزال ، وربّما الانغلاق في شعور الفتيات المحجّبات ـ حسب أصحاب هذا الرأي ـ أنّ طبيعة الحياة المعاشة لا تُبشِّر بالأمل والسعادة ، فلا بدّ من العودة إلى الايمان .
وهناك المحجّبة المنطلقة في سترها من منطلق إيماني راسخ ، وشعور حقيقي بالانتماء للاسلام ، والتزام واع بمقرّرات الشريعة الاسلامية ، ومعرفة بضرورة تحصين المجتمع بالعفّة والاحتشام .
ويجمع أصحاب هذه الآراء على أنّ المظهر لا يمكن اعتماده دليلاً وحيداً على نقاء الداخل وطهارة السريرة ، فقد تتحجّب الفتاة أو المرأة ، ولكن سلوكها العام لا يوافق ما ترتديه من زي اسلامي ولا يدلّ على معناه .
ومع أ نّنا مأمورون إسلامياً أن نأخذ بظواهر الأمور ، لكنّ مناقشة هذه الآراء ستعين على مواجهة الشبهات التي تُثار ضدّ الستر الشرعي ( الحجاب ) وتدفع إلى التمسّك والالتزام به أكثر فأكثر .
فبالرغم من أنّ خشية الفتاة من كلام الناس ونقـدهم يُعدّ عاملاً مساعداً من عوامل الحفاظ على أجواء العفّة ، ولا بدّ من مراعاته تجنّباً للخدش في سـمعتها ، إلاّ أ نّنا يمكن أن نعتبر الالتزام بالحجاب سواء بسبب التقليد الاجتماعي للاُمّهات أو الجدّات أو النساء المؤمنات ، أو الخوف من ألسِنة الناس ، لا يمكن أن يصمد طويلاً .
فعندما تتعرّض الفتاة لأوّل حالة اهـتزاز أو ضغط عنيف ، فإنّها يمكن أن تتخلّى عن حجابها ، أو في الأقل تتساهل فيه ، لأنّها أساساً لم تنطلق من قناعة ذاتية أو فكرية أو تشريعية للالتزام به .
وأمّا الصنف المتناقض الذي يبدو في الخارج ملتزماً ، وفي الداخل بعيداً عن الالتزام ، فإنّ الفتاة من هذا الصنف إنّما تقوم بعملية تجزئة للإلتزام وللإيمان ، فهي تراهُ شكليّاً ، ولذا فهي تلتقي مع الفتاة الاُولى في التخلِّي عن حجابها إذا دعتها الظروف الخارجية الضاغطة ، أو البقاء عليه رغماً عنها .
فالالتزام إذاً كلّ متكامل ، سواء في الداخل أو في الخارج . والعفّة النفسية والسلوكية أهمّ بكثير من العفّة المظهرية ، بل هي التي تعطي زخماً لعفّة الشكل لكي يكون فاعلاً مؤثِّراً ، بل وقادراً على المقاومة .
ولا يخفى أنّ الفتاة التي تتظاهر بالالتزام بالستر وتخالفه في واقعها الحياتي ، إنّما تقدِّم بذلك نموذجاً سيِّئاً للفتاة أو المرأة المسلمة ، فهي فتاة منافقة تتقيّد بالشكل وتهمل الجوهر .
وأمّا تلك التي تحجّبت حبّاً في الظهور ولأجل أن تتجه الأنظار إليها ، لأنّها تعيش في مجتمع يسود فيه الالتزام والمحافظة على العفّة ، ولذا فهي تخشى من عدم الزواج ، إلاّ إذا كانت محجّبة ، فهي تندرج تحت عنوان الالتزام السطحي بالحجاب الذي لا يرمز إلى عُمق إيماني ، ولا يُعبِّر عن حالة روحية تنعكس في السلوك عفّة واحتشاماً .
وأمّا اعتبار الحجاب حالة من التصوّف والانعزال ، احتجاجاً على واقع الحياة المزري والمتردِّي، فقد يكون ظاهر هذا الرأي الحق وباطنه الباطل .
فأن تعتزل الفتاة حالة الانهيار الأخلاقي والفحش والفساد ، وتركن إلى ما يقيها من مهاوي الانفلات والانزلاق ، أمر تُحمَد عليه ، وهي من الصنف الملتزم المحتشم عن قناعة ووعي وإيمان .
وأمّا أن تصـبح في حالة من حـالات الانكـماش والانغـلاق عن المجتمع ، فلا تمارس دورها الاجتماعي والعملي والرسالي بسبب ذلك ، فإنّ هذا ممّا لم يقل به الاسلام .
أمّا أولئك الذين يعتبرون الزيّ الاسلامي ينطوي على اشتراكية وتكاليف أقلّ وتذويب للفوارق الطبقية ، لأ نّه يوحِّد الشكل أو المظهر من حيث اللباس الخارجي على الأقل ، فحتى على فرض أنّ النتيجة كانت كذلك بحيث تتقلّص الفوارق ويكون هناك نوع من التضامن بين لابسات الزيّ الواحد أو الموحّد ، فإنّ هدف المشرِّع الاسلامي أعمق من ذلك ، إذ يمكن اختراق هذه المحصّلة بالأقمشة التي تُصنع منها حجابات ونقابات المرأة من حيث الرخص والغلاء ، وبالتالي فكلّه ستر شرعي . فالمسألة ليست اقتصادية بالدرجة الاُولى بقدر ما هي المحافظة على الجوّ الاجتماعي والنفسي والروحي عفيفاً نظيفاً .
وأمّا اعتبار الحجاب في بعض الحالات تعبيراً عن صدمة عاطفية في نفسية الفتاة كانفصال الأب عن الاُم ، أو وفاة أحد الأعزّاء في الاُسرة ، فلا تجد مهرباً من صدمتها سوى التقرّب إلى الله بالزهد والحجاب ، كما يعبِّر بعض أطبّاء علم النفـس ، فإنّ حالة الالتزام هنا طارئة سوف تزول بزوال السبب المؤثِّر ، وسرعان ما تعود الفتاة إلى وضعها السابق .
يقول طبيب نفسـاني : «وقد صادفتني عدّة حالات تتحجّب فيها المرأة مع بداية المرض النفسي ، وعند شفائها من المرض تخلع حجابها وتعود إلى طبيعها، والعكس صحيح، وبعض المحجّبات يخلعن الحجاب عندما يبدأ المرض ، وبعد شفائهنّ يعدنَ إلى لبس الحجاب» ([22][22]) .
وإذا كان تشخيص الحالة صحـيحاً ، فإنّها كأيّة حالة مرضيّة خاضعة لمدّة المرض وشدّة تأثـيره ، ولا يمكن اعتبار حجاب من هذا النوع حجاباً إسلامياً ثابتاً ، لأنّ الدوافع التي دفعت إليه نفسية قلقة .
ويبقى الصنف الأخير هو الأهم ، وهو الصنف الذي ركّزنا حديثنا عليه في هذا الكُتيِّـب . وهو المثال الذي نتمـنّى على فتياتنا وبناتنا ونسائنا الالتزام به للدواعي الكثيرة التي تقدّم ذكرها .
لكنّنا ـ كفتيات ملتزمات بالحجاب أو على أهبة الالتزام به ـ يجب أن لا يخفى عليـنا أنّ بعض مَن يصنِّفون المحجّبات بهذه التصنيفات يحاولون الطّعن بالسّتر الشرعي من خلال هذه الاعتبارات .
وعلينا أن لا نعتبر كلّ فتاة سافرة ساقطة خلقياً ، فقد تكون نشأتها أو ظروفها الخاصّة هي التي أجبرتها على ذلك ، وقد تكون مستعدّة لإصلاح أمرها إذا توافرت الأجواء المناسبة أو القناعات اللاّزمة .
كما يمكن الإفـادة من حجاب أيّة محجّبة لأسـباب غير شرعية ، كمقدّمة لإقناعها بالالتزام به دائماً ، فقد يُعبِّر ذلك عن استعداد للالتزام بالعفّة والحشمة والحياء ، وخطوة أولى على الطريق الصحيح .

مناقشة شبهات :
تعرّض ستر المرأة المسلمة الشرعي وما زال إلى هجوم سافِر من دُعاة التحـلّل الذين يرفعون دعـوتهم تحت ستار أو شعار (حرِّية المرأة) .
فمن قائل :
ليتَ النقاب على النساء محرّمُ***كي لا تغرّ قبيحةٌ إنسانا
وهذا هو قول من يقول بما لا يعلم ، لأنّ قوله مردود من جهة :
1 ـ إنّ من أبرز علامات القُبح والجمال هو الوجـه ، فطالما كان الوجه ممّا يُباح للمرأة كشفه ، فأين هو التغرير ؟
2 ـ وإذا كان المراد بالنقاب هو ستر الوجه ، فهو ممّا درج عليه العُرف ولم يقل به الشّرع .
3 ـ وإذا كان المراد بالتغرير أن يكون القُبح في الأجزاء المستورة من الجسد ، فإنّ المشرِّع الاسلامي عالج هذه المسألة من خلال :
أ ـ الجواز للرجـل أن ينظر إلى مَن يريد أن يتزوّج بها ، أي إلى محاسنها ، وهي : الشعر والعُنق والمعصم والساق .
ب ـ وإذا تأكّد بعد الزواج أنّ الفتاة أو المرأة قد أخفت على الرجل إصابتها ببعض التشويهات أو التعويقات ، فللرجل الحق في فسخ العقد دون أن يدفع لها من مهرها شيئاً ، لأنّ ذلك يعتبر من ( التدليس) أي الخداع في الشروط والمواصفات .
فما هي الحاجة إلى تحريم السّتر ـ حسب قول الشاعر ـ مع مراعاة هذه المباحات أو المسموحات ؟
ومن قائل([23][23]) :
أسفري فالحجابُ يا ابنة فهر***هو داء في الاجتماع وخيمُ
كلُّ شيء إلى التجدّد ماض***فلماذا يُقَرُّ هذا القديمُ
أسفِري فالسفور للناسِ صبحٌ***زاهرٌ والحجاب ليلٌ بهيمُ

فالشاعر هنا يعتبر السـتر شيئاً قديماً لا يجوز التمسّـك به طالما أنّ كلّ شيء في الحـياة ماض نحو التجدّد والتطوّر والتقدّم ، وهو قول مردود أيضاً من جهة :
1 ـ ليس كلّ قديم باطلاً ، وليس كلّ جديد صالحاً ، فما أكثر الجديد الباطل وما أكثر القديم الصالح . فالأمر ليس في جدّة الشيء وقدمه ، بل بما يعبِّر عنه من قيم وبما يحقِّقه من مصالح وأهداف اجتماعية وأخلاقية ونفسية وأمنية .
2 ـ إنّ صلاحية القديم تنتهي إذا انتهى مفعوله أو أسبابه ، وطالما أنّ مفعول السّتر الشرعي ودواعيه قائمة ، وأنّه يشكِّل حاجة فعليّة وأساسية ، فإنّه يعتبر علاجاً منظوراً فيه مدى الزمن وليس الفترة التي شُرِّع فيها فقط .
ومن قائل : «ليس الذنبُ في السفور ، ولكن بإساءة استعماله» .
والأسئلة التي يمكن أن تُطرَح أو توجّه لقائل هذا القول هي :
1 ـ أيّ سـفور تعني ؟ هل هو الكشـف عن محاسـن المرأة ؟ هل هو التـبرّج ؟ هل هو الاختلاف في الكشف عن بعض أجزاء الجسد الاُنثويّ ؟ هل هو اللِّباس الذي يستر الجسـد ما عدا الشـعر ؟ ما هو بالضّبط ؟!
2 ـ كيف يمكن ضمان عدم إساءة استعمال السفور ، وهو كالنافذة المفتوحة على القصر الجمـيل ، هل يُعقل أن يغمض الناظر عينه عن النظر من خلالها ؟
3 ـ ثمّ مَن هو ياترى يسيء اسـتعماله : المرأة السافرة ؟ أم الرّجل الذي يستغلّ فرصة سفورها ؟
إنّه تلاعب بالألفاظ ليس إلاّ .
ومن قائل : «إنّ الحجاب يصون العفّة ، لكنّه يسجن المرأة» .
ولمّا كان الاسلام قد أباح للمرأة اختيار الشكل المناسب للحجاب ضمن الشروط المنصوص عليها فقهياً ، ولم يلزمها بشكل معيّن ، كان لا بدّ من مناقشة الاعتراض من جهتين :
ـ طبيعة الحجاب في الاسلام والغاية منه .
ـ تعارض الحجاب مع الحرِّية .
وقد سبقت مناقشة ذلك .
فـ «ليس الحجاب ـ كما يصوِّره المتحلِّلون ـ تخلّفاً ورجعية وإنّما هو حشمة وحصانة تصون المرأة من التبذّل والإسفاف ، ويقيها تلصّص الغواة والداعرين ، ويجنِّبها مزالق الفتن والشرور .
وحسبُ المسلمين أن يعتبروا ما أصاب الاُمم الغربية من ويلات السفور والتبرّج واختلاط الجنسـين ، ما جعلها في وضع سيِّئ وحالة مزرية من التسـيُّب الخلقي ، وغدت تعاني ألوان المآسي الأخلاقية والصحية والاجتماعية .
إنّ الشريعة الاسلامية إنّما أمرت المرأة المسلمة بالحجاب ونهتها عن التبرّج والاختلاط المريب ، حرصاً على كرامتها وصيانتها من دوافع الاساءة والتغرير ، ووقاية المجتمع الاسلامي من المآسي والأرزاء التي حاقت بالاُمم الغربيـة ومسخت أخلاقها وضمائرها وأوردتها موارد الشقاء والهلاك» ([24][24]) .
وليس من شك في أنّ دعـوات إخراج المرأة عارية أو شبه عارية هي دعوات مُغرضة مسمومة يُراد منها إشاعة الفاحشة في المجتمعات الاسلامية ، والله تعالى يقول : (إنّ الّذينَ يحبّونَ أن تشيع الفاحشة في الّذينَ آمنوا لهُم عذابٌ أليم في الدّنيا والآخرة ) ([25][25]) .

وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمين





([1][1]) النساء / 76 .

([2][2]) مريم / 23 .

([3][3]) مريم / 27 ـ 28 .

([4][4]) النور / 30 .

([5][5]) النور / 31 .

([6][6]) الأحزاب / 53 .

([7][7]) من ذلك قوله تعالى : (والمؤمنونوالمؤمنات بعضهم أولياء بعضيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) التوبة / 71 .

([8][8]) النور / 31 .

([9][9]) الأحزاب / 33 .

([10][10]) النور / 60 .

([11][11]) محمدجواد مغنية : الفقه على المذاهب الخمسة ، ص 91 .

([12][12]) الأحزاب / 95 .

([13][13]) محمدباقر الصّدر : المدرسة الاسلامية ، ص 101 .

([14][14]) محمدباقر الصّدر : المدرسة الاسلامية ، ص 112 .

([15][15]) بنت الهدى : المرأة مع النبيّ ، ص 88 .

([16][16]) يوسف / 33 .

([17][17]) مرتضى المطهّري : مسألة الحجاب ، ص 64 .

([18][18]) محمد أمين زين الدين : العفاف بين السّلب والايجاب ، ص 13 .

([19][19]) يوسف القرضاوي : الحلال والحرام في الاسلام ، ص 258 .

([20][20]) رنا قبّاني : رسالة إلى الغرب ، ص 60 .

([21][21]) هذه العيِّنات مُقتبسة من مجلاّت نسوية : ( المؤمنة ) و ( عفاف ) .

([22][22]) انظر د. أحمد عكاشة : ثقوب الضمير ، نظرة عامّة على أحوالنا ، ص 80 وما بعدها .

([23][23]) قائل هذه الأبيات هو الشاعر العراقي (جميل صدقي الزهاوي) . وقد ردّ عليه شاعر النيل (حافظ ابراهيم) بالقول :
أنا لا أقول دعوا النساءَ سوافراً***بين الرِّجال يجلن في الأسواقِ
كلاّ ولا أدعوكمُ أن تُسرفوا***في الحجب والتضييق والإرهاقِ
فتوسّطوا في الحالتين وأنصِفوا***فالشرّ في التضييق والإطلاقِ

([24][24]) مهدي الصّدر : أخلاق أهل البيت ، ص 219 .

([25][25]) النور / 19 .
جزائـــ العزة والكرامة ــــر... غـــــ العزة والكرامة ــــزة
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 11:36 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى