تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
جذورُ البلاءِ في فِكْر المستشرقين
31-05-2018, 10:23 AM
جذورُ البلاءِ في فِكْر المستشرقين
المستشار: سالم عبد الهادي


الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:

كان لابد أَنْ نشيرَ إلى(جذور البلاءِ في فِكْر المستشرقين)، إبراءً للذِّمَّةِ أمام الله عز وجل من جهةٍ، ونصحًا لمن يقف عليه من المستشرقين من جهةٍ ثانية، وبيانًا للمسلمين من جهةٍ ثالثةٍ.
ولسنا نريد بذلكَ أولئك المستشرقين اللذين وقفوا على الحقيقةِ، فذكروها كما هي، عن علمٍ ودرايةٍ، وإِنْ كانوا أقلَّ وأندر مِن الكبريت الأحمر كما يُقال، ثم أكثر أولئك الصِّنْف مِنْ المغمورين بالنسبة للصنف الثاني الآتي هنا.
لكنَّا نقصد الكثرة الغالبة على المستشرقين، مِمَّن لا حَظَّ لهم في عِلْمٍ ولا دراسةٍ، ثم هم في وادٍ سحيقٍ، بعيدًا عن المنهج العلمي الرصين، والقواعد العلمية التي تتفق عليها عقول العقلاء مِنْ البشر.
لسنا نعني بذلك: أن ينطلق المستشرقون مِنْ إيمانهم بالإسلام؛ لأنهم لو آمنوا بالإسلام ودخلوه لم يكن ثمة مشكلة، ولكنَّا نكتب ذلك لعلَّ الله يهدي أحد المستشرقين للوقوف على كلامِنا، فيتجنَّبَ أوجه القصور، وجذور البلاء في فِكْر سابقيه ودراساتهم، أثناء البحث في إسلامنا العظيم، ليهلك مَنْ هَلَك عن بيِّنَةٍ، ويحيى مَنْ حيّ عن بيِّنةٍ.
كما نكتُبه ليستبين المسلمون جذور البلاء في فِكْر المستشرقين وأبحاثهم عن الإسلام.
وليست العبرة عندنا هنا: سرد الأقوال والمذاهب الاستشراقية في موضوعٍ ما، والاستغراق في ذلك جدًا، وإنما العبرة هنا: برصد مواطن البلاء في أبحاث المستشرقين وأفكارهم من خلال أطروحاتهم، مع لزوم التدليل على هذا من خلال واقعهم وكلامهم هم على سبيل الاختصار من أجل الوصول إلى منبع البلاء الذي أدى إلى انحرافهم فكريًّا وبحثيًّا وسلوكيًّا وغير ذلك أثناء كلامهم عن الإسلام، مكتوبًا ومسموعًا، سواءٌ في عصرنا، أو ما تقدَّمه من عصور الاستشراق.
وعلى أولئك المستشرقين اللذين يكتبون للمسلمين أو عنهم: أن يعطوا للأمر أهميَّتَه اللائقة به، كما على أولئك المخدوعين بالمستشرقين مِنْ المسلمين: أن يتدبَّروا ما بأصحابِهم مِنْ بلاءٍ!!؟.
وسأضع هنا ما يفتح الله به وييسر كتابته عبر توالي الأيام والليالي غير ملتزمٍ بزمنٍ ولا قضيةٍ بعينها، سوى ما ذُكِرَ في ترجمة الموضوع وعنوانه: (جذور البلاء في فِكْر المستشرقين)، والمراد تلك الأسباب التي أَدَّتْ إلى انحرافهم فكريًّا ودراسيًّا أثناء البحث في الإسلام، للكتابة له أو عنه.
وآمل مِنْ العلماء الأماجد، والأساتذة الأفاضل، والقراء الكرام؛ إضافة ما لديهم بخصوص القضية المذكورة هنا تباعًا حسبما يرونه صالحًا، لعل الله عز وجل ينفع به أقوامًا ويضرّ به آخرين.
والله مِنْ وراء القصد، وهو يهدي السبيل، ولنبدأ الآن على بركةِ الله.

حَـضَـــارة الـمـــــادَّةِ
(كلمة عن مناهج البحث لدى المستشرقين)

النظرية الغربية المعاصرة لا تعرف سوى المادة، ولا تقيم وزنًا بروحٍ أو معنويٍّ، فما لديها سوى تصورات المادة، ومتطلبات المادة، وبعبارة أخرى: لا تملك سوى حُكْم المادة وقانونها.
وبناءً على هذا التصوُّر المقلوب نشأ أبناء النظرية الغربية المعاصرة (والمسمَّاة زورًا وبهتانًا بالحضارة!!؟): نشأ هؤلاء على مفاهيم معكوسة، وفي ظلِّ رُؤًى مقلوبة مغلوطة، لا أساس لها من الصحة، غير أنها من المسلمات لديهم!!؟؛ لأنها مما تفرضه المادة أو تؤكده.
ومن هنا: ظهرت لدى الغرب تلك النظريات المشبوهة القائمة على غير أساسٍ علميٍّ متينٍ، يجمع بين الروح والمادة، ويُعالج أركان الإنسان جميعها، فرأينا من يؤمن ببطلان الفكرة إذا لم تُنْتِج نفعًا!!؟، كما رأينا من لا يعرف سوى نتائج الحفريات وفقط في نظرته للتاريخ، حتى لو خالفت الحفريات كافة المتعارف عليه!!؟.
حتى بلغ ببعضهم: أن يُنْكِر وجود الإسلام كدين في شبه جزيرة العرب بناءً على نتائج الحفريات!!؟.
يقول موراني في كلامه في:(شبكة التفسير):
" أما Nevo فلم يفهم فكرة Wansbrough فهما صحيحا، نظريته باطلة من أولها الى آخرها.
الفكرة الرئيسية لديه: أن عدم وجود ذكر محمد في الكتابات القديمة ما قبل عام 71 هـ , كما هو الحال في النقوش في صحراء النقب (Negev ) دليل على وجود فكرة التوحيد فحسب، ولا يثبت وجود الإسلام في ذلك الوقت .....لا أريد أتدخل في هذه التفاصيل الباطلة إذ هناك عدد من المستشرقين قد رفضوا هذا المظنون الخاطئ منهم من يحسن اللغات القيمة السائدة في تلك الفترة في المناطق شمال الحجاز، والتي لم يعرفهاNevo.
لقد أتيحت الفرصة لي أن أتحدث إليه، وأناقش معه شخصيا هذه الآراء الخاطئة، وعدم صلاحية الأخذ بآراء Wansbrough لديه, وذلك قبل ما ألقى محاضرته في جامعة القدس التي انتهت بخروج المشاركين القائلين:
هذا كارثة عظيمة!!؟.
توفي Nevo عام 1992 ونشرت دراسته عام 1994 على 32 صفحة في المجلة الاستشراقية بالقدس .
وهناك دراسات نقدية على ما جاء به على يد بعض المستشرقين في الولايات المتحدة وانجلترا، وهي تبين عدم صلاحية هذه النظرية التي بنيت على نتائج عدة من الحفريات في شمال الحجاز وفي النقب بتجاهل عديدا من الكتابات التي نشرت قبل العقود من نواحي المدينة المنورة ومن المناطق الأخرى القريبة منها.
في النهاية: أود أن أذكر أن Nevo لم يدرس المواد الاستشراقية ولم يتعمق في قراءة كتب القدماء في التأريخ, بل كان صاحب الحفريات.
هناك عدد كبير من المخطوطات وألواح متبقية من مصاحف من القرن الأول الهجري ( مثلا باليمن) وغيرها مكتوبة على البردي، وكلها دلائل قاطعة على عدم صلاحية الفكرة الرئيسية لدى هذين الرجلين.
الـدكتور م . مــورانـي مستشرق . كلية الآداب . جامعة بون . ألمانيا ".

وبناءً على ذلك: كان من الصعب جدًا على أبناء هذه النظريات المقلوبة من المستشرقين وغيرهم؛ كان من الصعب عليهم: فَهْم قضايا الإسلام بناءً على نظرتهم، وما وُلِدوا وتربّوا عليه!!؟.
نعم؛ وسيظل من المستحيل عليهم: فهم الإسلام بناءً على نظرياتهم هم!!؟.
وعليهم إن أرادوا فَهْمه على حقيقتِه: أن يأخذوه من منابعه، ويفهموه كما أراد هو أن يُفْهَم، لا كما أرادوا هم فَهْمَه، وشتَّان بين الأمرين!!؟.
وهذا بعينه ما أخطأ فيه المستشرقون قديمًا، ولا زالوا!!؟.
وليتهم عَدَّلوا أو غَيَّروا من نظرتهم للإسلام، ومن طريقتهم في فهم علومه، لكنهم لا زالوا على ما هم عليه في طريقة الفهم والدراسة للإسلام كله، ولعلوم القرآن خاصة.
يقول موراني في كلامه عن إدوارد سعيد:
" غير أنه قال كلمة حق ولم يرد بها إلا الحق عندما زعم أنّ موقف المستشرقين لم يتغير في جوهره عن موقف أسلافهم, يعني بذلك في الدرجة الأولى موقف المستشرقين من النبي ومن القرآن. إلا أنه أخطأ عندما زعم أن منهجية الأبحاث لم تتغير. انه كان عاجزا من أن يرى أن المنهجية والاقتراب من العلوم الإسلامية قد تغيّر كما تغيرت الأوضاع بظهور المصادر الجديدة التي لم يتناولها الأسلاف بسبب عدم وجودها في بداية القرن 20 م مثلا.
أما الموقف المبدئي من القرآن، فهو لم يتغير".[مستند رقم (5) السابق في المستندات المنشورة في موضوعي:(مع المستشرق موراني حول دعوى تحقيق القرآن...)]، فليُنْظَر:هنا

والمنهجية التي تغيرت في كلام موراني بالطبع ليست هي منهجية البحث أو الدراسة؛ لأنه لو تغيرت منهجية البحث أو الدراسة لديهم: لتغيرت نظرياتهم أو أفكارهم أو نتائجهم أو بعضها على الأقل، لكن شيئًا من هذا لم يحدث بدليل قول موراني نفسه:" إن موقفهم ونظرتهم لم تتغير"، فلزم من ذلك، وبناءً عليه: أن يكون المُتَغَيِّر هنا منهجية أخرى غير منهجية البحث، وهي منهجية تقديم الأفكار والتشويشات للمسلمين.
وبعبارة عامية ومثل عامي، فهم كشرطي المرور الذي قد يغير ملابسه صيفًا وشتاءً، لتناسب ظروف الطقس، لكنه لم يغير وظيفته المرورية، ولا تخلَّى عن وظيفته، كما أن تغيير الملابس لا يعني تغيير الوظائف لأي شخصٍ!!؟.
فهذا هو ما تغير عندهم، أعني: شكل وإطار تقديم رؤيتهم المقلوبة، ونظرياتهم المعكوسة، فبدلاً من المصادمة مع المسلمين مباشرة، لا مانع لديهم من تقديم رؤيتهم وتغليفها في ثوبٍ آخر أكثر قابلية، وهو:" ثوب البحث العلمي المزعوم، أو الدراسة العلمية المزعومة!!؟"، ولذا لا زال الاستشراق عاجزًا حتى الساعة عن فهم كثيرٍ من قضايا الإسلام!!؟.
ولنأخذ مثالاً قريبًا على ذلك في علوم القرآن، وخاصةً في:" الاعتماد على السماع والحفظ لا الكتابة والمصاحف" في نقل القرآن الكريم.
فالحفظ يستدعي الحرص على المحفوظ، ويستلزم دافعًا داخليًّا يؤدِّي إلى حفظِ المحفوظ، ولا ينشأ الحفظ لمجرد إرادة الحفظ، كما لا ينشأ الحفظ لمجرَّدِ أهمية المحفوظ؛ فقد يكون مهمًّا لدى بعض الناس دون بعضٍ، فيحفظه بعضُهم، ويتركه الآخرون.
فما الذي دفع الملايين من المسلمين إلى حفظ القرآن الكريم والعناية بنقله محفوظًا!!؟.
هذا ما لا تعرفه النظرية المادية الغربية بمادِّيَّتِها وحفريَّاتها الملموسة!!؟.
لأنه (يعني: الْحِرْص على الْحِفْظِ) ينبع من إيمان المسلمين، وحُبِّهم للقرآن الكريم، وحِرْصِهم عليه، وعلى نقلِه وتبليغِه، تنفيذًا لأمر الله عز وجل لهم، ورجاءً لِمَا عند الله عز وجل من ثوابٍ على حفظِ القرآن وتبليغه، ثم هو قبل هذا وبعده: ينبع مِنْ وَعْد الله عز وجل بحفظِ كتابه الكريم.
والمراد في المثال المذكور هنا:(قضية الحرص على الحفظ) يعني: الدافع وراء حِرْصِ المسلمين على حِفْظ القرآن الكريم جيلاً بعد جيلٍ، وليس المراد الكلام عن أبعاد قضية نقل القرآن العلميَّة وكيف كانت!!؟، فهذه قضية أخرى وقد سبق الكلام فيها مفصلاً بحمد الله تعالى أثناء موضوعي الآخر:(مع المستشرق موراني حول دعوى تحقيق القرآن...).
وكل هذا ممَّا لا صلة للنظرية المادية الغربية بمعرفتِه ولا بفهْمِه من قريبٍ أو بعيدٍ.
نعم؛ لا تفهم النظرية المادية الغربية شيئًا عن الإيمان، ولا صِلَة لها بالعناية بالحفظ رجاء الثواب أو خشية العقاب؛ لأنها بعبارة وجيزة: قد خلعت رباط الإيمان والدين من أعناقها من قديمٍ.
نعم؛ لم يَعُدْ للكنيسة أية سلطة روحية أو حتى مادية على أبنائها، كما فَقَدَ الحاخامات اليهود سلطتهم من قديمٍ.
كل هذا حصل من أول يومٍ دخل فيه التحريف والتزييف إلى التوراة والإنجيل، وذلك قبل الإسلام العظيم.
وشيئًا فشيئًا بدأت المسافة بين الدين والإيمان وبين الحياة اليهودية أو النصرانية تزداد، حتى صارت أبْعَدَ ممَّا بين المشرق والمغرب!!؟.
ومن هنا: وصل الغرب إلى ما هو عليه الآن بنظريَّتِه المادية المتغلغلة في كل أركانه، ضاربًا بالدين والإيمان عرض الحائط، بل وصارت محاولة العودة للدين أو لسلطة الحاخامات اليهود، أو الرهبان الكنسيين؛ تطرفًا عند الغرب نفسه!!؟.
نعم؛ هذا هو واقع الغرب من قديمٍ، وليس جديدًا عليه، ولا زال يحياه حتى الساعة، رغم الادِّعاءات الفارغة بالعناية بالأديان أو غير ذلك مما لا تُؤكِّده نظرية، ولا يؤيده دليل!!؟.
وبناءً على هذا الانقلاب والفَصْل التَّعَسُّفِي بين الدين والحياة؛ وبناءً على تحكيم المادة في كل المجالات حتى في مجال العلم والبحث؛ وبناءً على اعتماد الحفريَّات في تلَقِّي علوم الماضي، وإثبات ما كان في الزمن القديم؛
بناءً على هذا كله: لم يَعُد بإمكان الرجل الغربي فَهْمَ القضايا القائمة على الإيمان، أو التي يكون أساسها الحرص الديني، تنفيذًا لأمر الله عز وجل، أو رجاءً في ثوابه المنتظر في الآخرة!!؟.
ومن هنا: لم يفهم المستشرقون معنى حِرْص المسلمين على حفظ القرآن الكريم، ولا عنايتهم بذلك، كما لم يفهم المستشرقون كَثْرَة الحُفَّاظ من المسلمين، فجاء المستشرقون هنا بقوانين ونظريات يمكن رصدها في أمرين:

التشكيك في قدرة الإنسان على حِفْظ القرآن بكامله، واحتمال الوهم والغلط على الإنسان في نقْلِه وحِفْظِه!!؟.
الكلام عن مخطوطات المصحف، بكل ما يحمله ذلك من لغطٍ استشراقيٍّ معروفٍ.

فلا هم فهموا قضية الْحِرْصِ على الحفظ بأبعادها المنهجية العلمية فضلاً عن فهم بأبعادها الإيمانية القلبية، ولا هم فهموا قضية المخطوطات بأبعادها العلميَّة!!؟.
خاصةً مع ما يعتري منهجهم في البحث من قصورٍ وخللٍ في أصوله وفروعه، بناءً على اعتماد المادة، وحُكْم المادة!!؟، وهذا يجرُّنا إلى الكلام عن:(نظرة المستشرقين للقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم).

يتبع إن شاء الله.
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: جذورُ البلاءِ في فِكْر المستشرقين
07-06-2018, 11:08 AM
نَظْرَةُ المستشرقين للقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم


سبق وأشرتُ في موضوع:"مع المستشرق موراني حول تحقيق القرآن..." لخلاصةِ ما ذكروه حول القرآن الكريم، وعلى رأسِهم نولدكه الذي زعم: أن القرآن لم يصل كاملاً من جهةٍ، ثم عامَلَهُ كوثيقةٍ أدبيَّةٍ صارتْ في نظره ((دون)) التراث العربي القديم!!؟.
وجاء موراني مثلاً، ففرض على نفسِه المتابعة والتقليد!!؟.
وقول نولدكه وموراني وغيرهما من المستشرقين ينطلق من رؤيتهم لبشرية القرآن الكريم، ولذا فهو في نظرهم: لا يتجاوز أن يكون:(نصًّا) أو: (وثيقة تاريخية ثمينة) على حَدِّ تعبير موراني، ومن هنا: درسه الكثيرون من المستشرقين في تأليفاتهم الخاصة بالأدب العربي، أو النصوص الأدبية، بل اعتبره نولدكه في كتابه:(ملاحظات نقدية حول الأسلوب والتركيب في القرآن) ((دون)) الأدب العربي القديم!!؟.
THEODOR NOLDEKE. REMARQUES CRITIQUES SUR LE STYLE ET LA SYNTAXE DU CORAN PP: 5 ET 6 TRADUCTION DE G.H. BOUSQUET.

ويُعَلِّق موراني في آخر لقاء شبكة التفسير به على دراسات نولدكه؛ فيقول: " ومن هنا منطلق نولدكه العلمي في تأملاته في النص, وليس على أساس أَنَّه قرآن، بل على أساسِ ما جاء فيه كنصٍّ, وهنا أعيد قولي حول مسألة تحقيق النص".
فنولدكه لا ينطلق في دراساته من كون القرآن وحيًا، أو حتى من كونه قرآنًا، ولكنه ينطلق من كونه نصًّا أدبيًّا بشريًّا، وليس وحيًا ولا قرآنًا، ثم هو في نهاية المطاف لدى نولدكه: قد صار دون التراث العربي القديم!!؟.
ويمكن صياغة ذلك بعبارة أخرى تؤدي الغرض: أن كلام الله قد صار لدى نولدكه دون كلام شعراء الجاهلية، والقرآن الذي هو: كلام الله عز وجل قد صار دون الشِّعْر الجاهلي!!؟.
وحتى هذه:(الحماقات الصبيانية) التي أتى بها نولدكه: لم تكن من اختراعه، ولكنها كانت صياغةً أخرى ولمسات أخرى لقول كفار العرب قديمًا حين عادوا النبي صلى الله عليه وسلم، ورموه بأنه شاعرٌ، وأنه يُعَلّمه بشرٌ..إلخ.
وهنا نقرأ قول الله عز وجل في القرآن الكريم:
{كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [البقرة: 118].
لكن لابد من لفتِ الانتباه إلى أمرين:
الأول: أن الكفار قديمًا قد رجعوا عن قولهم هذا، ودخلوا في دين الله عز وجل أفواجًا، بعد أن وصلت آيات الله عز وجل إلى قلوبهم، ولامست أفئدتهم، فرأوا من إعجازها وسموّها: ما يقطع بأنها ليست بقول بشرٍ، إن هو إلا وحيٌ يُوحى.
الثاني: يرى بعض الباحثين: أن نولدكه قد تراجع عن آرائه، أو تَنَكَّرَ لها في آخر أيامه، خاصةً بعد أن ترك أحد أشهر ما كتبه عن القرآن لغيره يُعَدّله ويطبعه، ويكتب عليه اسمه بجوار مؤلفه الأصلي، ثم ينص على أنه قد عَدَّلَه تعديلاً تامًّا، فقام:(شفالي) بهذا العمل.
ومع هذا، فقد وصف نولدكه كتابه المشار إليه بأنه اشتمل على:(حماقات صبيانية!!؟)، وصرّح بجوانب ضعف دراساته هذه في مقدمة الطبعة الْمُعَدَّلة، وقد مضى اقتباس بعض مقدمة نولدكه في موضعٍ سابقٍ.
وعلى الرغم من ذلك، فلا يزال موراني يرى: أن دراسات نولدكه التي يراها نولدكه نفسه: حماقات صبيانية أو ضعيفة، يراها موراني: دراسات معتمدة!!؟.
ويرى طائفة من المستشرقين: أن القرآن مأخوذٌ عن اليهودية أو النصرانية، وفي هذا الصدد، يقول المستشرق:(ويلتش) في مادة:(قرآن) من (دائرة المعارف الإسلامية) باللغة الفرنسية 1981م تحت عنوان:(محمد والقرآن):
" هناك آيات مدنية كثيرة تشعرنا بأن محمدا كان يبحث بفعالية من أجل استقاء معلوماته عن اليهود".
ويقول:(ويلتش):" وفي هذه المقاطع، لا يصعب علينا أن نرى محمدا يأخذ قصصا ومعلومات من مصادر متعددة بخاصة من اليهود والنصارى، ثم يعيد صياغة ذلك في القرآن".
وفي هذا الصدد يقول موراني أيضًا في كلامه مع د.إبراهيم عوض، أثناء لقاء شبكة التفسير بموراني:(تساؤلات الدكتور: إبراهيم عوض):
د. ابراهيم عوض المحترم، وفقكم الله, في ختام مشاركتكم القيّمة تتساءلون:
أما الاحتمال الثالث الذي طرحه بعض المستشرقين، كالمستشرق الألماني: شولتس ناشر ديوان أمية، من أن النبي وأمية قد استقيا كلاهما من مصدر ثالث مشترك، فهو احتمال ليس له رِجْلان يمشى عليهما، إذ أين ذلك المصدر المشترك؟، ولِمَ لَمْ يظهر طوال كل هاتيك القرون؟، وكيف وقع كل منهما عليه، وبينهما كل هذا البعد المكاني والنفسي؟.
اسمحوا لي أن أوضّح في هذا الموضوع أمرا قد تكون له أهمية في سياق البحث الذي يفرض نفسه في هذه القضية:
لم يقصد المستشرق Schulthess ناشر ديوان أمية بن أبي الصلت عام 1911 مصدرا ثالثا مشتركا بالمعنى: أنه كان كتابا أو مصدرا مكتوبا على شكل من الأشكال, بل طرح هذا الاحتمال أنّ هذا (المصدر) هو مصدر فكري مشترك، وهو: فكرة التوحيد وما يتعلق به عند كلاهما: النبي في وحيه والشاعر في شعره.
لا يشك أحد في وجود الحنيفية في جزيرة العرب في فجر الإسلام، بل هو يعتبر من الوقائع التاريخية جاء ذكره في القرآن أيضا .
أما أمية، فقال فيه النبي: آمن شعره وكفر قلبه.
فقال أمية في النبي: أنا أعلم أنّ الحنيفية حق، ولكن الشك يداخلني في محمد.(فتح الباري: 7/153- 154).
ليس السؤال في محله عندما تقولون: أيهما أخذ من الآخر؟, بل يجوز أن نتأمل في هذا الشعر الذي منه الكثير في السيرة النبوية مثل: شعر أبي عامر وشعر أبي قيس بن أسلت وزيد بن عمرو بن نفيل وغيرهم: لكي نبرز منه طبيعة الحنيفية ومفهومها لدي كل منهم، حتى ولو لم يدخلوا في الإسلام.
هذا هو:(المصدر الثالث ) ما يقصده شولتس: الاتجاهات الروحية في فجر الإسلام، فلم يقصد بكلامه نقل مفردات من الشعر إلى الوحي، أو من الوحي إلى الشعر لدى من اتبع الحنيفية على جزيرة العرب.
فعندما لا يشك اثنان في صحة النص القرآني، فلنا أيضا ألا نشك في صحة هذه الأبيات لهؤلاء الشعراء.
الـدكتور م. مــورانـي مستشرق . كلية الآداب . جامعة بون . ألمانيا".
هنا

وأقتصر من كلام موراني على أمرين:
الأول: أنه يضع القرآن الكريم مع شعر الشعراء في درجةٍ واحدةٍ، بحيثُ يقول:" فعندما لا يشك اثنان في صحة النص القرآني، فلنا أيضا ألا نشك في صحة هذه الأبيات لهؤلاء الشعراء".
وهذا باطلٌ قطعًا؛ لأنه لا قيمة لكلام أحدٍ من الناس في مقابل كلام الله عز وجل، ولكنه لا حرج فيه عند موراني؛ لأنه لا ينطلق في كلامه من كون القرآن وحيًا، وإنما غايته أن يكون ـ كما زعم موراني ـ(وثيقة تاريخية ثمينة!!؟).
ولكن موراني أحسن حالاً في التَّهافُتِ من نولدكه، لأنَّهُ ساوى بين القرآن الكريم وبين شِعْر هؤلاء الشعراء، بخلاف نولدكه الذي جعل شعر هؤلاء وتراث العرب الأدبي: أعلى من القرآن الكريم، ورأى أن في القرآن الكريم ظواهر لغوية متناقضة، بخلاف شعر العرب وتراثهم الشِّعْري!!؟.
ومع هذا، فكلا قولي نولدكه وموراني باطلٌ قطعًا، بل لا يتجاوز أن يكون: (حماقات صبيانية) على حَدِّ عبارة نولدكه نفسه في وصفِ كتابه!!؟.

الثاني: أن موراني يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تأثر بالحنيفية، وهذا هو المصدر الثالث المشترك بين النبي صلى الله عليه وسلم في وَحْيه، وبين الشاعر في شِعْرِه حسبما يرى موراني، ولذا، فالحنيفية:(هو مصدر فكري مشترك، هو فكرة التوحيد، وما يتعلق به عند كلاهما النبي في وحيه والشاعر في شِعْرِه"،هكذا عبارة موراني، فالتأثير الفكري السائد آنذاك قد تأثر به النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن لا ننكر أن الإنسان ابنٌ لبيئتِه، ولا نُنْكِر تأثير البيئة في فِكْر الإنسان، لكن موراني يرى أن هذا التأثير قد امتدَّ إلى:(النبي في وحيه!!؟).
فالتأثير الفكري في نظر موراني هنا: قد امتدَّ إلى الوحي، وهذا يعني بعبارة مختصرة: أن ثمة ما أدخله النبي صلى الله عليه وسلم في الوحي مما ليس من الوحي، ولكنه أدخَلَه في زعم موراني بناءً على التأثير الفِكْري السائد آنذاك، وهو الحنيفية في عبارة موراني هنا!!؟.
ولم تكن الحنيفية هي كل شيءٍ عند موراني، ولكنه يرى أيضًا: أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد تأثَّرَ بأمورٍ أخرى غير الحنيفية، وهي اليهودية أو النصرانية، كما يرى ذلك طائفة من المستشرقين، وسبق نقل كلام: (ويلتش) في هذا الصدد..
وفي هذا يقول موراني أثناء كلامه عن الاستشراق:
هنا
" عندما ننظر إلى الحضارة الإسلامية بعد الانتشار السريع والمذهل للإسلام ديانة جديدة من الحجاز إلى بلاد الشام والعرق ومصر خلال ما يقل عن 30 سنة من التأريخ، فلا بد أن نعترف بالحقيقة أن لقاء الحضارات والمجتمعات المختلفة بعضها ببعض لم يتم بغير تأثير متبادل, فمن هنا للإسلام وجوه حتى إلى يومنا هذا, أم لا يرى المرء المتأمل آثارا فارسيا وهنديا وغيرها في الحضارة العربية؟.
لقد قلتم:
الإسلام مزيج ثقافي مستعار من عدة ثقافات أخرى يهودية ونصرانية، يونانية وفارسية, كما جاء ذلك على لسان الاستشراق.
ربما كانت العبارة:( مستعار) في غير موضعها، قد يكون من المستحسن أن يقال: إنّ الأديان التوحيدية تكمن فيها جميعا عناصر متشابهة وأصول تجمع بين هذه الأديان, وهي فكرة التوحيد، لا أحد يزعم حسب علمي: أنّ الإسلام لا ذاتية أصلية له، كما لا أحد يزعم أنّ جميع العناصر والأفكار الأخلاقية (مستعارة) من غيره.
ومن يزعم أن الإسلام دينا وحضارة قد نشأ في فراغ بغير علاقة بما حوله من البيئة، فتجاهل الوقائع التاريخية المسلّم بها في حضارة البشرية.
الـدكتور م . مــورانـي مستشرق . كلية الآداب . جامعة بون . ألمانيا".

نخلص من هذا:
أن النبي صلى الله عليه وسلم لدى المستشرقين: لم يكن أمينًا على الوحي، ولكنه زاد فيه ونقص بناءً على التأثيرات الخارجية، سواء أكانت هذه التأثيرات هي اليهودية والنصرانية حسبما يراه طائفة كبيرة من المستشرقين، ومنهم:(ويلتش) و(موراني) كما سبق، أو هي: الحنيفية حسبما فسَّرها موراني في بعض كلامه السابق مثلاً.
فالنهاية لدى الجميع واحدة، والخيط المشترك بينهم واحدٌ، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أمينًا على الرسالة، فزاد فيها ونقص، ولزامًا لهذا، لابد أن يكون في الإسلام وقواعده وأسسه، والتي من أهمها: القرآن الكريم، لابد بناءً على هذا التصوُّر الاستشراقي المتهافت، لابد أن يكون هناك أمورًا بشريةً، لم يرد بها الوحي، ولكن زادها النبي صلى الله عليه وسلم من عنديَّاته: اعتمادًا في نظر موراني ونظرائه على اليهودية أو النصرانية أو الحنيفية أو التأثيرات الخارجية!!؟.
وذلك كله مبنيٌّ على تعريف المستشرقين للنبوة والنبي، وقد ذكره موراني في موضعٍ آخر في التعليق على موضوع:(تحقيق القرآن)؛ فقال:
" النبي هو شخصية تاريخية, مؤسس دين بتصوراته الأخلاقية الروحية، معبرا عن إيمانه بخالق الكون، هادفا إلى تغيير أسس المجتمع الذي هو فيه، يجب أن يكون له أتباع فإلاّ، فلن يفلح بأمره على مدى طويل، يرى نفسه وسيطا بين الخالق والبشر".
هنا

وبهذا التفسير الغريب، والتعريف الأغرب!!؟: لن يبقَ على وجه الأرض لا دين ولا حقيقة ولا عِلْم، ولن تكون هناك مصداقية أو ثقة في أي قاعدة من القواعد، ولا في أي كلام!!؟، لأن تعريف موراني:(والذي هو خلاصة تعريف المستشرقين) للنبي يعني بعبارة مختصرة: أن النبي هو"(مؤسس) (بتصوراته)، (معبرًا عن إيمانه)، (هادفًا إلى تغيير)، (يرى نفسه وسيطًا).
فلا مجال في كلام موراني للكلام عن تكليف إيماني، كما أنه لا مجال لديه لأية صلة إيمانية أو حتى علميَّة يمكن الاستناد إليها لإثبات نبوة الأنبياء،
فهم بشر قاموا بحركات بناءً على تصورات لهم، بغرض تغيير أساليب واقع معين عاشوا فيه، وتعبيرًا عمَّا بداخلهم هم، وفي نفس الوقت، فهم يرون أنفسهم وسطاء بين الخالق وبين البشر!!؟، فالأمر بشريٌّ بحت، لا مجال فيه لروحٍ أو إيمانٍ أو حتى علم أو قواعد علمية، أو منهجية.
والأمر على حدِّ قول موراني في مناسبةٍ أخرى:(وستأتي عبارته بنصها كاملة في مقالٍ لاحقٍ)، حيث يقول:" الباحث لا يهتم بالخالق ولا بصفاته"،
وهذا هو: النتاج الطبيعي الذي حصل بعد فصل الدين عن الدولة في أوروبا، وتحطيم سلطة الكنيسة، وعزلها عن أداء دورها، خاصةً بعد ارتفاع لهجة: (التجديد الديني) داخل الكنيسة البروتستانتية الغربية (ذكر موراني في بعض رسائله: أنه نشأ في البروتستانتية، كما في رسائله الخاصة التي نشرها في التعليق على هذا الموضوع).
وخلاصة:( دعوى التجديد الديني) داخل الكنيسة البروتستانتية تتمثل في التملُّص من سلطة رجال الكنيسة، سواء في فهم الدين، أو في دراسة الإنجيل!!؟، فأراد القوم تصدير هذا التِّيه والضياع الذي عندهم إلى عالمنا العربي والإسلامي، وهنا نقرأ قول الله عز وجل في القرآن الكريم:
{وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداًّ مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 109].
أما نحنُ، فنعلم يقينًا من وقائع التاريخ الثابتة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمينًا صادقًا معروفًا بذلك بين قومه وعشيرته، حتى أنهم حين خالفه مَنْ خالفه منهم، وكفروا به، واتهموه بشتَّى التهم؛ قد اعترفوا في الوقت نفسه بصدْقِه وأمانته، ولم يجادلوا في ذلك أبدًا، ولا أنكروه.
فما اتَّهَمَهُ الكفار آنذاك بالخيانة ولا بالكذب، رغم العداء المستمر بينهم وبينه صلى الله عليه وسلم، بل جمعوا له الجموع، وحرضوا عليه القبائل، وحضروا إليه بخيلهم ورَجِلِهم من كل حدبٍ وصوبٍ، قاصدين إلى استئصاله والقضاء على الدين الجديد، ورغم هذا كله لم يتهموه بكذبٍ أو خيانةٍ قطٍ، بل أقرُّوا له بالصدق، وأسموه الصادق، واعترفوا له بالأمانة، ووسموه بالأمين، صلى الله عليه وسلم.
ثم نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، ليؤَكِّد هذه اتّصافه بهذه الخصال الشريفة، والمعاني الجليلة، وأنه قد جمع أحسن الأخلاق وأزكاها وأعلاها.
ونعلم أيضًا من قواطع الْمِلَّة، ومحكمات النصوص القرآنية والنبوية: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحيٌ يُوحَى.
ونعلم أنَّ الله عز وجل: قد عصم نبيَّه صلى الله عليه وسلم من كل شائبة نسيانٍ أو وهمٍ في أمور الشريعة، بل مُبَرَّأٌ من كل نسيان وسهوٍ فيما يخص الدين: قرآنًا وسنةً، تشريعًا وأخلاقًا وعبادةً وسلوكًا، فالدين محفوظٌ بحِفْظِ الله له ولأساسيَّاتِه وقواعده.
نعلم هذا عِلْم اليقين، ونقطع به من خلال أدلتِه الثابتة الراسخة رسوخ الجبال الرواسي، وقد مضى في أكثر من موضعٍ في هذا الموضوع: ما يدل على صِدْقِ النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلَّغَ وبراءته من وصمة السهو أو النسيان للوحي أو بعضه، وبه نكتفي عن التّكرار والإعادة.
كما نعلم يقينًا: أن لكلِّ مقدمةٍ نتيجةٌ، ولا مقدِّمة بلا نتيجة أبدًا، بل هو ضربٌ من الخيال والمستحيل: أن يزعم بعضهم مُقدِّمَة بلا نتيجة!!؟، فالكلام الذي هو مُقَدِّمة يتبعه صوتٌ للكلام إن كان لفظًا، أو كتابة له إن كان خطًّا وكتابةً، وينتج عن الصوت: أن يكون مسموعًا، ولو للشخص نفسه، كما ينتج عن الكتابة: أن يكون مقروءًا، كما ينتج عن هذا وذاك: أن يكون الشخص متحمِّلاً لتَبِعَةِ كلامه ونتائجه، إِنْ خيرًا فخير، وإنْ شرًّا فشر.
ثم نعلم يقينًا: أنه إذا أرسل الله عز وجل نبيًّا إلى أهل الأرض، فقد ألزمهم باتِّباعه وطاعته فيما يأمرهم به وينهاهم عنه؛ لأن النبيَّ مُبَلِّغٌ عن الله، يبلغهم ما أُرْسِلَ به إليهم، فتجب عليهم طاعته فيما يأمر وينهى، ولابد لهم من ذلك، ولو لم تكن طاعة الأنبياء لازمةٌ لأهل الأرض، والإيمان بهم واجبٌ على مَنْ بلغه خبرهم؛ لما كان لإرسالهم معنًى، ولكان إرسالهم عبثًا ولغوًا يَتَنَزَّه عنه عقلاء البشر، فكيف بربِّ البشر سبحانه وتعالى!!؟.
ولو عَلِمَ مَلِكٌ مِن ملوك الدنيا: أَنَّ رُسُلَه إلى نظيرٍ له ستُهَان ويُرْفَضُ ما يذهبون به لما أرسلَهم أصلاً، فكيف إذا أرسلهم مرةً فَرُفِضُوا، ثم أرسلهم ثانيةً فرُفِضُوا، وثالثةً ورابعةً!!؟.
فهل يكون هذا في نظرِ عقلاءِ البشر إلا سفهًا وطيشًا مِنْ هذا الْمَلِكِ الأرضي الدُّنْيَوِيّ، فكيف يُعْتَقَدُ هذا في حقِّ أحكم الحاكمين سبحانه وتعالى!!؟.
وهذا وإِنْ كان مستغربًا مستعظمًا لدى عقلاء البشر؛ لكنَّه ليس مستعظمًا ولا مستغربًا لدى موراني ونظرائه من أولئك الذين ساروا مع:( تيار التجديد الديني في الكنيسة البروتستانتية)، وحاصله:" التملُّص من سلطان الكنيسة، ورفض سلطتها، سواءٌ في فهم الدين، أو في دراسة الإنجيل، أو في طريقة السلوك، وغير ذلك!!؟".
وهذا التيار له أسبابه ونتائجه، والتي منها مثلاً: استغراق الكنيسة في مزاعمها حول إلهية الإنجيل في الوقت الذي تؤكد فيه مقدِّمات الأناجيل وخواتيمها: أنها كتب ورسائل بشرية، كتبها أصحابها لأُناسٍ بأعيانهم، وقد مضى بيان ذلك في الكلام عن الإنجيل من موضوعي:" مع المستشرق موراني حول دعوى تحقيق القرآن..."، ومضى فيه أيضًا قول موراني:
" لا يعتبر الباحث الإنجيل (مثلا) كتابا مقدسا في الأبحاث الموضوعية، إذ إن اعتبره مقدسا أو حتى وحيا: فارق ميدان الموضوعية في البحث، وكيف يعتبره وحيا عندما يجد في بداية كل كتاب فيه اسم مؤلفه الذين نشؤوا ما بين 60 إلى110 عام بعد نشاط عيسى!، النظرة التاريخية شيء ونظرية الكنيسة وتعاليمها شيء آخر تماما".
هنا

وهذا الانقسام الجذري في النصرانية، ومثله ما جرى في اليهودية أيضًا؛ قد ألقى بظلاله على الدراسات الغربية والدارسين الغربيين، ومن هنا وشيئًا فشيئًا: صار أنبياء الله ورسله في نظر موراني ونظرائه: رجال إصلاحٍ يزعمون: أن الله أرسلهم، وليس على البشر الطاعة لهم، ولا يلزم أحدًا من الناس السماع للأنبياء، ولا الائتمار بأمرهم أو الانتهاء عمَّا نهوا عنه!!؟.

هكذا باختصار دارتْ الرَّحَى داخل الكنيسة، وهكذا يريدون تصديرها إلى العالم الإسلامي والعربي!!؟.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع


الساعة الآن 02:17 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى