الصحيح المسند من آثار الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم في الزهد والرقائق والأخلاق والأدب
16-11-2017, 09:41 AM
الصحيح المسند من آثار الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم في الزهد والرقائق والأخلاق والأدب
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:
هذا سفر ماتع رائع جامع لما صح من آثار مسندة للخلفاء الراشدين رضي الله عنهم في الزهد والرقائق والأخلاق والأدب، وقد جمعه مشكورا مأجورا الشيخ:"عبد الله بن فهد الخليفي "، فجزاه الله خير الجزاء، وقد حرصنا على نشره بأسانيد معزوة لأصولها مختصرة تيسيرا على القراء الأفاضل.
وإلى المقصود:
مقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد:
فأحمد الله عز وجل على أن يسر لي جمع ما استطعت جمعه من آثار الخلفاء الراشدين المهديين في الزهد والرقائق والأدب، ولا أزعم أنني استقصيت غير أنني بذلت ما استطعت بذله من الجهد، وقد بدا أن أقوم بنشر ما صح منها بعد دفعها إلى بعض الإخوة لمراجعتها.
وقد جاء الأمر بعد المراجعة على ما سترى إن شاء الله، ولو قمت بكتابة مقدمة في فضل الشيخين لطال بي المقام، ولكني لم أرد تخلية المقام من ذكر الأخبار الواردة في الحث على اتباعهم رضي الله عنهم.
ذكر الأخبار الواردة في الحث على اتباعهم رضي الله عنهم:
قال الإمام أحمد في:[ مسنده:17144]:
عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، قَالَ:
" صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ لَهَا الْأَعْيُنُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، قُلْنَا أَوْ قَالُوا:
يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَأَوْصِنَا.
قَالَ:" أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى بَعْدِي اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ".
ورواه الترمذي في:( جامعه:2676)، وقال:" هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".
وقال الإمام أحمد:[23245]:
عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ".
وقال العقيلي في:( الضعفاء:5/ 308):
" وهَذا يُروى عن حُذَيفَة، عن النَّبي صَلى الله عَليه وسَلم، بإِسناد جَيِّد ثابت".
قال البيهقي في السنن الكبرى:[20133]:
عن عبيد الله بن أبي يزيد قال:" سمعت عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
إذا سئل عن شيء هو في كتاب الله قال به، وإذا لم يكن في كتاب الله وقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال به.
وإن لم يكن في كتاب الله، ولم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقاله أبو بكر وعمر رضي الله عنهما: قال به وإلا اجتهد رأيه".
أقول: فهذا ابن عباس مع سعة علمه ما كان يقضي، حتى ينظر في قول أبي بكر وعمر - رضي الله عنهم -.
قال ابن سعد في الطبقات:[2528]:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:" إِذَا حَدَّثَنَا ثِقَةٌ عَنْ عَلِيٍّ بِفُتْيَا لاَ نَعْدُوهَا".
وقال ابن أبي شيبة في المصنف:[18778]:
عَنِ ابْنِ عُمَرَ:" أَنَّ الرُّبَيِّعَ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا، فَأَتَى عَمُّهَا عُثْمَانَ، فَقَالَ: تَعْتَدُّ بِحَيْضَةٍ؟، قَالَ: تَعْتَدُّ بِحَيْضَةٍ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: تَعْتَدُّ ثَلاَثَ حِيَضٍ، حَتَّى قَالَ هَذَا عُثْمَانُ، فَكَانَ يُفْتِي بِهِ وَيَقُولُ: خَيْرُنَا وَأَعْلَمُنَا".
وقال ابن أبي حاتم في تفسيره:[34]:
عن أبي العالية: (اهدنا الصراط المستقيم) قال:" هو النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه من بعده".
قال عاصم: فذكرنا ذلك للحسن, فقال: صدق أبو العالية ونصح.
أقول: وهذا إسنادٌ صحيح، وهو استنباط دقيق، فقد قال الله عز وجل:( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا).
ورأس الصديقين: أبو بكر والخلفاء بعده كلهم شهداء.
وقال ابن أبي شيبة في المصنف:[26799]:
عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ:" إذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي شَيْءٍ فَانْظُرْ كَيْفَ صَنَعَ فِيهِ عُمَرُ, فَإِنَّهُ كَانَ لاَ يَصْنَعُ شَيْئًا حَتَّى يَسْأَلَ وَيُشَاوِرَ".
وقال ابن أبي شيبة في المصنف:[32650]:
عن قَبِيصَةُ بْنُ جَابِرٍ, قَالَ:" مَا رَأَيْت رَجُلاً أَعْلَمَ بِاللهِ, وَلا أَقْرَأَ لِكِتَابِ اللهِ, وَلا أَفْقَهَ فِي دِينِ اللهِ مِنْ عُمَرَ".
وقال الدارمي في مسنده:[162]:
عن عبد العزيز بن محمد عن أبي سهيل قال:" كان على امرأتي اعتكاف ثلاثة أيام في المسجد الحرام، فسألت عمر بن عبد العزيز وعنده ابن شهاب
قال, قلت: عليها صيام؟.
قال ابن شهاب: لا يكون اعتكاف إلا بصيام.
فقال له عمر بن عبد العزيز: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟، قال: لا.
قال: فعن أبي بكر؟، قال: لا , قال: فعن عمر؟، قال: لا , قال: فعن عثمان؟، قال: لا.
قال عمر: ما أرى عليها صياما , فخرجت فوجدت طاووسا وعطاء بن أبي رباح فسألتهما.
فقال طاووس: كان ابن عباس لا يرى عليها صياما إلا أن تجعله على نفسها.
قال: وقال عطاء: ذلك رأيي".
أقول: وإسناده قوي، وتأمل طلبه لسنة أبي بكر وعمر بعد إذ لم يجد حديثاً في المسألة.
وقال عبد الرزاق:[20487]:
عن صالح بن كيسان قال:" اجتمعت أنا وابن شهاب ونحن نطلب العلم، فاجتمعنا على أن نكتب السنن، فكتبنا كل شيء سمعناه عن النبي صلى الله عليه وسلم, ثم كتبنا أيضا ما جاء عن أصحابه.
فقلت: لا ليس بسنة, وقال هو: بلى هو سنة, فكتب ولم أكتب, فأنجح وضيعت".
أقول: إسناده صحيح، وهذا تنصيص من الزهري وصالح بن كيسان: أن آثار الصحابة سنة.
وقال ابن المنذر في الأوسط:[7/ 33]:
حدثنا أبو حاتم الرازي، قال: حدثنا سليمان بن حرب سنة خمس عشرة بمكة عن حماد بن زيد عن أيوب،عن محمد: أن شريحاً كان يرى رد اليمين.
قال سليمان: هذا قاضي عمر بن الخطاب وعثمان وعلي".
أقول: استدل سليمان بن حرب على سداد قول شريح بأنه كان قاضياً عند عمر وعثمان وعلي.
قال زهير بن حرب في كتاب العلم:[97]:
قال رجل لمطرف: أفضل من القرآن تريدون؟.
قال: لا, ولكن نريد من هو أعلم بالقرآن منا.
قال ابن عبد البر في الاستذكار:[5/ 160]:
وحجة الليث ومن قال بقوله: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين بعدي]: رواه العرباض بن سارية , وقال عليه السلام: [اقتدوا باللذين من بعدي أبو بكر وعمر]: رواه حذيفة عن النبي عليه السلام". اهـ
وقال الشافعي في الأم:[7/ 280]:
" فإذا لم يكن ذلك صرنا إلى أقاويل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو واحد منهم، ثم كان قول الأئمة أبى بكر أو عمر أو عثمان إذا صرنا فيه إلى التقليد أحب إلينا، وذلك إذا لم نجد دلالة في الاختلاف تدل على أقرب الاختلاف من الكتاب والسنة". اهـ
قال أبو داود في مسائله:[ص369]:
سمعت أحمد غير مرة يسأل يقال: لما كان من فعل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي سنة؟
قال:" نعم"، وقال مرةً - يعني أحمد - لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين. اهـ
وكل ما ورد في فضل إتباع الصحابة يدخل فيه الخلفاء الراشدون دخولاً أولياً.
وقال شيخ الإسلام: ابن تيمية رحمه الله كما في:( مجموع الفتاوى:20/ 308 ):
" وَكَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد: أَنَّ مَا سَنَّهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، فَهُوَ حُجَّةٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهَا". اهـ
وأختم هنا بكلمة نفيسة لشيخ الإسلام حيث قال كما في:(مجموع الفتاوى: 15/ 152 ):
" وَهَذَا بَابٌ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْتَنِيَ بِهِ، وَيَنْظُرَ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا جَاءَ بِهِ، وَأَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ مِنْ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمَجُوسِ وَالصَّابِئِينَ.
فَإِنَّ هَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ، وَلِهَذَا قَالَ الْأَئِمَّةُ - كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ - أُصُولُ السُّنَّةِ هِيَ: التَّمَسُّكُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
أقول: قول الإمام أحمد:" أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم –":[ما] هنا الموصولة بمعنى الذي، وهي من ألفاظ العموم، فيشمل ما كانوا عليه في العقائد والعبادات والمعاملات والآداب.
يتبع إن شاء الله.