اكتشافات من كأس الأمم الأفريقية (غانا 2010)
14-02-2010, 04:55 PM
اكتشافات من كأس الأمم الأفريقية (غانا 2010)
___________________________________________



نقلا من مدونة المؤرخ.
م.محمد إلهامي
http://www.tadwen.com/melhamy/

ما حدث في كأس الأمم الإفريقية يكشف الكثير من الأشياء، وكعادة كل حدث ينظر إليه الناظر من الزاوية التي تشغله وتؤرقه، وحيث أن كاتب هذه السطور ينسب نفسه إلى الإسلاميين، وإلى المنشغلين بالإصلاح، فمن هذه الزاوية كان النظر، وكان الاكتشاف.

ولست أقول بأنه اكتشاف جديد، بل أقول دليل جديد يضاف إلى ما سبق وكتب في الموضوع (انظر: الكرة وصناعة المعركة، المجتمع الإسلامي المشوه، الحركات الإسلامية تراجع وانسحاب أم عودة للتربية، ولكم في الكرة عبرة)

والخلاصة التي دائما ما أعجز عن طرحها بصيغة دبلوماسية (وهذا اعتراف بنقطة ضعف خطيرة لدي) هي أن الشعوب الآن ليست في حاجة إلى تربية بقدر ما هي في حاجة إلى قائد يعبر عنها، يستطيع هذا القائد بما تتيحه له الدولة الحديثة من وسائل أن يعيد صياغة الشعوب؛ اهتمامتها تطلعاتها طموحاتها مشاريعها، نحو ما يحقق لها الأمل الذي طالما عاشت تتمناه.

مع كل الأسف لأن معنى الوطنية والقومية والنصر الكبير انحصر في إطار الكرة على الملعب، حتى صرنا نخاصم العرب والمسلمين ونعاديهم لأجله، إلا أن الحقيقة الهادرة هي أن تلك الشعوب تحب بلادها حقا وحقيقة، ولا تستنكف بل ولا تتردد أن تحترق مشاعرها وعواطفها في تشجيع بعض “المليونيرات” الذين يلعبون الكرة. والذين سيحصدون وحدهم كل الجوائز والمكافآت، بينما الذين احترقوا هم الفقراء الذين لن يغير الفوز من حالهم شيئا.

الشعب المصري، والشعوب العربية التي احتفلت له، يعبر عن تفوق قيمي حقيقي حين ينسى تماما أنه يحترق من أجل مجموعة من الأغنياء يلعبون بالكرة، لا يوجد مجرد التفكير في الفارق الطبقي ولا الحقد الاجتماعي تجاه هؤلاء، بل هم –والحال هذا- يسكنون القلوب بالفعل.

هل نحتاج لأن نقارن بين حب الناس للكرة، وحبهم للإسلام وللدين وللقدس وللنبي وللصحابة وللإصلاح وللنصر على إسرائيل؟

كانت الكرة وما زالت حتى هذه اللحظة اهتماما هامشيا في حياة المصريين، صحيح أنه يتضخم ويسكن بؤرة الاهتمام كثيرا، لكنه في نهاية المطاف أمر عابر، ما يلبث أن ينشغل الناس عنه، تماما مثلما لا يشعر أحد بمنتخب كرة اليد إلا حين بروزه في مسابقة دولية، وتماما مثلما لا يهتم أحد للكرة الطائرة أو كرة الماء أو البنج بونج. يمكنهم فعلا أن يهتمون في حالة واحدة .. النصر .. حتى حين يبرز لاعب اسمه أحمد برادة في لعبة لا يعرف اسمها نصف المصريين على الأقل “الاسكواش” يبدأ الناس في الالتفاف حوله.

لكن الدين عميق في وجدان الناس مهما كان حاله وحال أتباعه، والشعوب المسلمة تعبر بتميز نادر عن اعتناق مؤكد يبدو أنه لا ينتهي أبدا، سواء كان أهل الإسلام في المقدمة أم كانوا هم المستضعفون في الأرض.

وبرغم كل الضغط على الدين ما تزال تقاوم الشعوب وتتمسك، بغض النظر الآن عن رضائنا عن مستوى التمسك به، ففي النهاية لدينا محصلة تقول: أن الناس لا تريد سوى الإسلام، ولم تنتخب أبدا سوى الإسلاميين.

وقضية كالأقصى وفلسطين والعراق وأفغانستان، هي قضايا غير منسية، وما إن تثار حتى تظهر المعادن الحقيقية لهذه الشعوب. والكل رأى كيف ينتفض الناس للإساءات للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) باتجاه دولة بلا تاريخ عدائي –تقريبا- ولا واقع عدائي مع المسلمين.

السر الذي ينبغي أن تلفت الحركات الإسلامية له يسمى .. الإعلام.

والمنظومة التي تفرز الإعلام تسمى .. الدولة.

الإعلام هو الذي استطاع أن يجعل الوطنية محصورة في الكرة، وهو الذي يجعل الجزائر أشد الناس عداوة للمصريين، وهو الذي يجعل جدار فولاذيا لا يُشك في أنه خيانة للدين والوطن والأمة، يجعله من حقوق السيادة والكرامة والشرف، وهو الذي يجعل الرقص فنا، والإباحية تحررا، والخلاعة “موضة” تواكب العصر.. هل نحتاج لأن نزيد؟

إن الخروج التلقائي للمصريين، ولكثير من الشعوب العربية، فرحا بفوز المصريين ببطولة كرة يلفت النظر إلى أن الإعلام –وليس التربية- هي ما تحتاج أن تمتلكه الحركات الإصلاحية.

ولو كانوا لا يستطيعون لأن وحشا يسمى الدولة هو من يملك الإعلام، فلابد أن يفكروا في أن يمتلكوا هذه الدولة، وهم أحق بها وأهلها. لا أن ينتظروا من الشعب الذي يلعب به الإعلام أن يستيقظ فجأة .. أو حتى بعد مائة سنة من التربية (والتي تتم بوسائل غاية في الضعف وتحت السيطرة)، ليرفعهم -رغم أنف الدنيا- إلى الحكم.