الرحلة الى التوحيد
04-10-2020, 11:28 AM
الرحلة إلى التوحيد

تَصورّتُه لم يكنْ
وجَنّدتُ كفَّ غروري لصَفْعِ خدودِ
يقيني
وأنكْرتُهُ عامدًا فتمشّى على رئتي وابلٌ
من قلَقْ
وأزَّ من القلبِ صوتٌ يقولُ: أعوذُ
بربِّ الفلَقْ
تَصورتُني دونما خالقٍ
فأصبحتُ في لجّةِ الارتيابْ
أدورُ وأنفُضُ عنّي اختناقي
كما ينفُضُ عنه اللديغُ الثيابْ
***
بكتْ عينُ قلبي
ورقتْ لحالي
وقَشّرتُ عقلي بظُفْرِ سؤالي
فحصْحَصَ من لُبّهِ صَوْلجانْ
وراحَ يخاطِبُني الساجدانْ
يصيحانِ: وَيْحكَ كيفَ انتَحيْتَ
من الهَدْيِ جنبًا
وأغلظْتَ قلبًا
وكيفَ تَجرّأَ فيكَ الحِجا واللسانْ
على مَنْ له يسجُدُ النيِّرانْ
***
تَوضّأتُ لا بلْ تَوضّأ شكّي بدمعٍ مُهانْ
وقبلَ الصلاةِ اعتلى مسرحي ماردانْ
ماردٌ من حَمَأْ
لهُ رغبةٌ في الخَطَأْ
وآخَرُ من مارجٍ، في يديهِ الوثيقةُ
من ربّهِ أنْ يكونَ من المُنظَرينْ
أقمْتُ الصلاة فجرْجَرَني من ثيابي
وتَلَّ يديْ للجَّبينْ
فصِحتُ: توضّأْ لتُصبِحَ مِثلْي
وحينَ توضّأَ هادَ وخابتْ بهِ لُعبْةُ
الماكرينْ
***
وقفتُ على شُرفْةِ الروحِ أستطلِعُ المِهرجانْ:
نجومًا كأنَّ السماءَ لها أعينٌ في المساءْ
هِلالًا تكهّفَ بطنًا ليُصبِحَ بدرًا
وسيمَ الضياءْ
غُيومًا كأنَّ الذي قادها فارسٌ في الهواءْ
هناكَ توسدّتُ روحي،
أشدُّ على وسطي مِئْزري
وأبحثُ عنّي
فقدْ ضِعْتُ منّي
أمامَ الإلهِ الذي هالني
فاستوى فوقَ ظَنّي
***
...ومن مُضغةٍ جئتُ ثم استويتْ
فسبحانَ مَنْ بثْها نَفْخةً
بها صرتُ حيًا وقد كنتُ مَيْتْ
ووزّعَ نفسي على مِفرقينْ:
فعقلٌ ببيتٍ وقلبٌ ببيتْ
***
تصوّرْ لو ٱنَّ الخلودَ نصيبي
بقيتُ هنا أتمنّى لو ٱنّي أموتُ
لألقى حبيبي
فسبحانّه صيّرَ الموتَ جسرًا
إلى ملتقاهْ
وهل يبتغي المرءُ من مُنيةٍ
أعزَّ من اللهِ وهو يراهْ
***
تصورْ لو ٱنَّ الخلودَ نصيبُ البشرْ
لصالَ وجالَ بها مَنْ كفَرْ
وأصبح بوذا
نظيرَ يهوذا
ونيرونُ روما
مَلاكًا على ما بهِ من خَطَرْ
***
أنا شاعرٌ من سنيِّ الصَغِرْ
وعلَّمني الجوعُ أنْ أمدحَ المترفينْ
وروّضني الخوفُ أن أشكرَ الحاكمينْ
لقد كنتُ غضًّا وتعظُمُ عندي الصغائرْ
وكنتُ أراهم كبارَ العساكرْ
وحين انجلى زُخرفُ اللهِ عندي
ندِمْتُ عليَّ
وآلمَني أنّني كنتُ شاعرْ
***
نأى فاقتربتُ
دنا فابتعدتُ
تمدّدتُ فوقَ مساميرِ روحي
تعلَقتُ في قَشّةٍ من عُلاهْ
وطالبتُهُ أنْ أراهْ
وكان يراني
وقد أوقدَ النورَ في ناظري
ناظراهْ
فأغمضْتُ عيني
وأغلقتُ قلبي
فصارَ على القلبِ وقعُ هُداهْ
***
... ولي جسدٌ ربما لا يُجيدُ
الوقوفَ لخالقِهِ في صلاةْ
وفمٌ ربما قايضَ الصومَ في رَمَضَانَ
بما قد يكونُ اشتهاهْ
جسدٌ أو فمٌ هكذا
ولكنَّ قلبي الذي قد يراني
ولستُ أراهْ
هو الراكعُ المُنحني دائمًا للإلهْ
***
تأبّطتُ رأسَ المخافةِ مِنهُ
ركضتُ، وثوبي بسِنّي، أُفتّشُ عنهُ
وحينَ اجتهدتُ إلى أن جهدتُ
غفوتُ، فأهدى ليَ النومُ سرَّ الحكايةْ
وأدركتُ ربّي
ضياءً بلا موقدٍ
وضيفًا بلا موعدٍ
ينوّرُ قلبي
***
هي الشمسُ تجري إلى مُستقرٍّ لها
وكان أبو الأنبياءِ يُفتّشُ عن ربّهِ حَولَها
يقولُ لها حينما تَختفي:
رويدًا، قِفي
أأنتِ الإلهُ الذي مِنْ سنينْ
أُناجيهِ سرًا، وها... قد أفِلْتِ
فكيفَ يكونُ إلـهيٰ من الآفلينْ؟
***
من جمودِ الصنمْ
من الجاهلينَ بأنَّ الوجودَ نَقيضُ
العدَمْ
منَ الناكرينَ لكلِّ النِعَمْ
من الفاقدينَ الهُدى والنُهى
يقومُ الدليلُ عليهِ إلـهًا
لهُ سِدْرةُ الـمُنتهى
وللملحدينَ الأسى والألمْ
***
على خَشَبِ النافذةْ
بقُرْبِ سريري، يَدقُّ بمنقارهِ بُلبلٌ
قُبيْل السَحَرْ
فأصحو لأقرأ في صوتِهِ
بأنَّ الضياءَ ابتدا والظلامَ
انحسرْ
فسبحانه مُولجِ الليلِ بطنَ النَّهارْ
وسبحانهُ راسمًا صورةً للجمالِ
بدونِ إطارْ
***
من الدودِ في جَامدٍ من صخورْ
من الغيمِ يركضُ شرقًا وغربًا
ليَسقي الزهورْ
من البحرِ يهدأُ حيناً وحينًا يثورْ
من الذئبِ يقسو على غيرِهِ
ويحضُنُ أطفالَهُ في حُبورْ
من النفسِ، فاضلةً في النهارِ
وفي الليلِ داعرةً بالفجورْ
يقومُ الدليلُ لدى صاحبِ العقلِ
مثلي، ويسمو الشعورْ
بأنَّ وراءَ الخفايا إلهًا يدبِّرُ
كلَّ الأمورْ
***
أخاطبُ كلَّ النساءِ اللواتي تعشّقنَ شِعري
وطالبْنني بنشيدِ الغزَلْ
أخاطبُ أُمّي على قبرِها، كنتُ أرتادُهُ
لألبسَهُ حُلّةً من قُبَـلْ
أخاطبُ في والدي عفْوَهُ
إذا ما رآني شَحيحَ المُقلْ
أخاطبُ كلَّ زعيمٍ قويٍّ
تعلّمَ مني خطابَ الدجَلْ
أخاطبُ ضَعْفي أمامَ البريقِ الذي
في الأملْ
أخاطبُهمْ كلَّهمْ
بأنْ يعذروني إذا وجدوني
تغيرتُ فيهم وصرتُ بخيلًا بشعرِ
الغزلْ
فما عُدتُ أصلحُ إلا لربّي
وما عادَ قلبي
مكانًا لغيرِ إلهِ الأزَلْ
فأوقفتُ شعري على بابِهِ
يصلّي طويلًا بمحرابِهِ
ويَحني لهُ هَامهُ في خَجَلْ .

ـــــــــــــــــــــــــــــ
للشاعر ريكان إبراهيم