فركوس.. العزّة بالإثم!
10-05-2018, 03:58 AM




عبد الحميد عثماني

نائب رئيس تحرير بجريدة الشروق



لم تهدأ زوبعة الفتنة التي أحدثها علي فركوس، شيخ المدخليّة في الجزائر، بتبديعه وتضليله كل الفِرق والجماعات والتيّارات التي لا توافقه المرجعية والفكر، حتّى خرج الرجل مجدّدا على الجزائريين، ليُشهد الخلق أنه من الذين تأخذهم العزّة بالإثم، إنْ زلّت أقدامهم في وحل التطرف والغلو المنبوذ!
في خرجة أسوأ من خطيئة “أهل السنّة والجماعة” التي رمى فيها جميع مخالفيه بالانحراف العقدي، فإنّ الإمام المخلوع من “دار الفضيلة” وجّه سهام الحقد والانتقاص هذه المرّة إلى عرش رائد النهضة الجزائرية العلامة عبد الحميد بن باديس، تلك القلعة الحصينة التي لم يجتمع الجزائريون حول هيئة دعويّة وإصلاحيّة مثلما التفّوا حول رسالتها ورؤيتها وأفكارها وبرامجها ورموزها الأعلام!
وبتحامله على جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فقد أتى فركوس من كبْوات النظر والفكر كبائرها، لو كان من قوم يعقلون ما يقولون، كأنّنا به يختار خلافة الإدارة الفرنسيّة وأزلامها الخونة في حملتهم المسمومة على الجمعية التي تحطّم على صخرها التليد المشروع الاستيطاني لمسخ الهوية الوطنية للشعب الجزائري طيلة 132 عام.
ليس من المروءة والأخلاق، أن يعيّر زعيم المدخلية بالجزائر ثلّة من الرجال الذين سبقوه بالإيمان والعلم والعمل، بالفلسفة والتصوّف والحزبيّة، وهم منْ أسّس للتعليم العالي في حقل العلوم الشرعية والدينية قبل عقودٍ في الجزائر، وقتها تصدّى هؤلاء “الفلاسفة” للمدّ الشيوعيّ الإلحادي الذي ضرب أطنابه وسط النخبة والمتعلّمين، وصنعوا مع غيرهم صحوة مباركة انتشلت شباب الأمة من الضياع، أكثر من ذلك، فقد كانوا علماء مشاهير يشرفون على التعليم الديني الذي لم يكن المدّعي سوى حدثٍ غِرّ في مضماره، يطلب العلم في معاهده الجامعيّة التي كانت ثمرة نضالهم وإدارتهم، ولكنه يجرُؤ اليوم على تجهيلهم واتهامهم بفساد العقيدة والعبث بالديّن والاندساس تحت عباءة ابن باديس!
لقد كان مأمولاً لدى ذوي العقول أن يعدل الشيخ فركوس عن شططه الجامح في إجحاف أجيال وجماعات قدّمت للإسلام والوطن عبر تاريخ الأمة المجيد، فلا يغمطها حقها وإنْ اعترض على هفواتها وتقصيرها، بل يوضّح ما التبس من كلامه الجارح بعدما أثار استياء المشايخ والدعاة وحتّى أولياء الأمور، فانبروْا يردّون ويصوِّبون، لكنّ المدخليّ ضرب بكلّ المواقف عرض الحائط، ليثبت أنه وفيٌّ لمدرسة ادّعاء احتكار الحق والحقيقة المطلقة، لا يخرج قيد أنملة عن منهج الجرح بلا تعديل!
من المؤسف أن يتقاطع تطرّف فركوس في النّيل من جمعية العلماء مع غلاة وبقايا اليسار الأحمر الذين ما فتئوا يفترون ويزوِّرون الحقائق لتصفية حساباتهم الإيديولوجيّة، فيتوحّد على تدنيس شرفها، في مفارقة عجيبة، الصالح والطالح.
ألم يكُن حريّا بشيخ المداخلة أن يُبصر من حوله ما يحاك ضدّ مقومات الهويّة الوطنيّة، وعلى رأسها الإسلام الحنيف والقرآن الكريم، فيسعى جهده في تقوية عضد العاملين لها وشحذ عزائم المنافحين عنها، بدل أن ينزل على أركانهم بمعول الهدم من البُنيان، مقدّمًا خدمة مجانيّة لأعداء الدين في كل مكان؟!
يا لها من صدفة سيئة أن تتزامن هجمات فركوس الجائرة على المرابطين في سبيل إعلاء شأن الدين، فيرْميهم بالجملة ومن دون تمحيص، مع دعوات رفاق صنصال المُتصهْين لزبْر آيات من القرآن الكريم وازدراء الزاوي لأحكام الشريعة السمحة!