أفول شمس الحضارة الإسلامية وصعود الغرب-1:
21-10-2024, 12:56 PM
إن ما يُغني حركة التاريخ بالعطاء والإبداع هو سيل التمازج الحضاري والإنساني المتنوع الذي يرفدها من كل جانب، بعكس الفكرة التي يروج لها الغرب من أن الحضارة المعاصرة تقوم على أكتافه وحده. لقد خُدعت بمفهوم الغرب هذا كثير من الشعوب والأمم المنتمية إلى حضارات ضاربة في القدم فانخرطت في هوامش الحضارة الغربية متوهمة أنها بذلك تسبح مع التيار الجارف لحركة التاريخ نحو الأمام. الحقيقة أن مثل هذه الشعوب لم تبذل أي جهد أو عناء في نقد وتجديد بناها التاريخية التي أدت بها إلى الركود و عدم مجاراة الركب العلمي والتقني الهائل الذي شهدته المئون الثلاثة أو الأربعة الأخيرة من السنين، بل عمدت إلى مجرد تقليد ما يحدث في الغرب تقليداً زائفاً أعمى دون الخوض في مضمونه، ونسيت أصالتها وهويتها، بل أخذت في فبركة وتحوير عوامل هويتها مراءاةً للغرب؛ وافرغت الشعائر الدينية من مضامينها الروحية العميقة الفاعلة في المجتمع، فما فائدة الصلاة مثلا إذا اقتصرت على أن تكون رياضة شخصية دون أن تكون فعلا وتفاعلا ايجابيا في التعامل مع المجتمع؟ وما فائدة الصيام إذا اقتصر على كونه حمية يؤديها الصائم لتحسين أدائه البيولوجي وفقد دوره في أن يكون دعوة إلى التكافل الاجتماعي؟ وما فائدة الصدقات التي يؤديها الأغنياء إذا كانت نفاقا لتحسين موقفهم الاجتماعي أو كانت لترويج مشاريع تهمهم. بالملخص فقد أُفرغ الدين من محتواه الروحي والاجتماعي وأصبحت شعائره حركات وكلمات وألحان تؤدى في قاعات (العبادة) المخصصة لها، كما تُؤدى رقصات الموضة في قاعات (الرقص).
لقد نسي مثقفو الشرق تراثهم وثقافتهم وحاولوا الالتصاق بدون مبرر بثقافة الغرب فأصبحوا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء بل أصبحوا ريشة في مهب ريح تتلاعب بهم كيف تشاء.
أما كيف وصل الشرق إلى ما هو عليه، فنجده في صفحات التاريخ القريب:
مع بداية عام 1492 سقطت غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس مسجلة بذلك نهاية حكمهم الذي دام مدة تقارب ثمانية قرون. لكن الإسلام كان لا يزال في عنفوانه كأعظم قوة عالمية، ولم يكن عدد المسلمين يزيد على نحو ثلث عدد سكان الأرض موزعين في ثلاث إمبراطوريات في أوائل القرن السادس عشر تمتد رقعتها على معظم أرجاء العالم القديم؛ وهي: الإمبراطورية العثمانية في آسيا الصغرى والأناضول والعراق وسورية و شمال إفريقيا، والدولة الصفوية في إيران، والإمبراطورية المغولية في شبه القارة الهندية، و كانت الإمبراطوريات الثلاث جميعها من أولى المؤسسات الحديثة آنذاك تديرها حكومات ذات نظم عقلانية بيروقراطية دقيقة و ثابتة وتتمتع بحركة ثقافية موازية للنهضة الأوروبية الناشئة، فكان القرن السادس عشر هو عصر عظمة العمارة العثمانية، و فنون الرسم والتصوير الصفوية، و المعالم التاريخية الراقية مثل بناء تاج محل مثلا في شبه القارة الهندية. ومع ذلك وبالرغم من سير هذه المجتمعات جميعا في طريق التحديث فإنها لم تُقدم على أية إجراءات جذرية، ولم تشارك في الفكر الثوري الذي أصبح السمة المميزة للثقافة الغربية في القرن الثامن عشر، بل كانت تتميز بروحٍ محافظة، وهذه الروح هي الطابع الذي امتازت به كل المجتمعات في عصر ما قبل الحداثة، بما في ذلك المجتمع الأوروبي. أما اليوم فإن المجتمع المحافظ يواجه المتاعب فهو في الغالب يقع بين مطرقة الفكر الغربي المعاصر وسندان الموروث من أوراق صفر استعصت على التجديد.
بالنسبة للإسلام مثلاً فإن ما تناولته أحاديث وسنة الرسول محمد (ص) بمجمل صحاحها مثلاً أصبح بحاجة للاجتهاد اليوم ليعود بالنفع على عموم المسلمين الذين اختلفت أقطارهم وبيئاتهم، هؤلاء يمكنهم أخذ ما يلزم من الحديث بالقياس وليس بالالتزام الحرفي بما جاء فيه، ولا بد من الاهتمام بأمور أكثر إلحاحا من طريقة دخول الحمام أو شرعية قيادة المرأة للسيارة، كأن توجد فتاوى لطريقة الصيام في الأسكيمو مثلا التي يمتد فيها النهار ستة أشهر مقابل ستة لليل.
من المهم إذا أن نفحص تلك الروح المحافظة عندما كانت في ذروتها في هذه الإمبراطوريات الإسلامية حتى نفهم سر جاذبيتها ونقاط قوتها وبذور القصور الكامنة فيها والتي أدت إلى تخلفها عن اللحاق بركب الحضارة الحديثة.
كانت جميع الحضارات تعتمد في المجال الاقتصادي على فائض الإنتاج الزراعي، وبما أن هذا الإنتاج يرتبط بموارد الأرض المحدودة، فقد أدى ذلك بالتالي إلى محدودية إمكانيات التنمية وانغلاق آفاق التجديد المستمر بالنسبة للمجتمعات الزراعية، لكنه أصبح من مسلمات الحضارة المعاصرة في سعيها إلى التقدم بلا حدود متسلحة بالعقل و العلم و العمل، وقد ترافق ذلك مع تغيير في البنى الاقتصادية الأساسية أدى إلى تنوع موارد الإنتاج الزراعي والصناعي والتجاري و جعله أكثر مرونة، كما ترافق مع التقدم التكنولوجي المتسارع مشفوعا بكثير من المخترعات التي غيرت شكل ومضمون العلاقات الاقتصادية والاجتماعية. وهكذا فلم تكن النزعة المحافظة في مجتمعات ما قبل الحداثة نتيجة خوف أو تردد بل نتيجة واقع اقتصادي محدود، لقد انعكست هذه النزعة المحافظة على جوانب الحياة الأخرى؛ فكان التعليم مثلا يعتمد على الحفظ وليس على الأصالة، ولم يُشجَّع طلاب العلم على الإبداع فالمجتمع لم يكن مهيأً لتقبل أفكار جديدة قد تؤدي إلى زلزلة اجتماعية تعرضه للخطر، فالاستقرار الاجتماعي والنظام اعتبرا أهم من حرية التعبير و الإبداع الذي وُصف بالبِدَع في المجتمعات المحافظة، لقد كان استعمال الدراجة الهوائية في شوارع الدولة العثمانية مثلا بدعة وقد أُطلق عليها اسم "سيارة الشيطان". (1)، (2)
لم تكن مجتمعات ما قبل الحداثة تتطلع إلى المستقبل كما هو الحال اليوم بل كانت تقف على أطلال الماضي مستلهمة أمجاده التي لا يد ولا علاقة لها فيها، وبذلك فقد انتصر النقل على العقل واغلقت أبواب الاجتهاد الذي يعني إعمال العقل في ما لم يرد فيه نص صريح من القرآن أو السنة، مكتفين بما تراكم لديهم من نصوص اعتقدوا أنها تفسر الطبيعة والعالم والتاريخ، واوقفوا كل محاولة للخروج بحلول جديدة للمشاكل التي لا بد وان تظهر مع تقدم التاريخ معتبرين ذلك من عوامل تشتيت الأمة ومصادر الخطر عليها شأنها في ذلك شأن الهرطقة أو الخروج على العقيدة في عصور الظلام في الغرب المسيحي.
هذا التصور يتناقض تماما مع روح الحداثة والتطور والتخلص من قيود التقاليد القديمة التي تعيق الاختراع والإبداع التي نادى بها الإسلام نفسه: "بَلْ قَالُوٓاْ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٍۢ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّهْتَدُونَ" الزخرف - 22، ويدعم بطريقة غير مباشرة استمرار العلاقات الاجتماعية القائمة في المجتمعات الزراعية الإسلامية والتي استعصت على مواكبة الثورة الصناعية التي كانت في بدايتها في الغرب آنذاك.
لقد سعى المسلمون في الإمبراطورية العثمانية السنيّة على وجه التحديد، والتي كانت أقوى دولة مسلمة إلى بناء عصر ذهبي يشبه عصر النبي محمد (ص) و خلفائه الراشدين الأربعة الذين حكموا المجتمع واداروا الدولة، فكان محمد (ص) رسولا نبيا ورأسا سياسيا للدولة والمجتمع في الوقت نفسه، وكان القرآن يؤكد على العدل والمساواة جنبا إلى جنب مع التوحيد، وكانت إقامة مثل هذه الدولة تتطلب الجهاد الذي تضمن جهاد النفس والنضال وبذل الجهد على جميع الجبهات الروحية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية بالدرجة الأولى قبل أن يكون دعوة إلى حرب كونية مقدسة كما أسيء فهمه من قبل بعض الجهات لاحقا، بحيث تتحقق إرادة الله على الأرض في العدل والمساواة ويستطيع المسلمون تحقيق التكامل الشخصي والمجتمعي الذي يشعرون من خلاله بالوحدة الاجتماعية من جهتهم وبالوحدانية لله تعالى، وبهذا تصبح السياسة في نظر المسلم الحق نشاطا لا بد من إضفاء القداسة عليه حتى يصبح سبيلا إلى الله.
بحلول نهاية القرن الثامن عشر كانت أوصال الإمبراطوريتين العثمانية والإيرانية قد تفككت واستسلمتا للمصير المحتوم الذي تواجهه كل حضارة زراعية تنضب مواردها، لكن الروح المحافظة كانت تساعد الناس على قبول أوجه القصور في ذلك المجتمع على أعمق المستويات، مع ذلك فقد ألهمت روحانية المجتمع الناس فحققوا انجازات ثقافية وسياسية عظمى في العالم الإسلامي عرفها الغرب مع بداية الحداثة مثل العدالة الاجتماعية والمساواة وحرية الفرد بما لا يسيء للآخرين والروحانية ذات العمق الإنساني ... لكن بعض الجوانب الأخرى للحداثة صعُب قبولها لدى من تمسكوا بروح المحافظة، ففي نهاية القرن الثامن عشر كان العالم الإسلامي قد تخلف عن أوروبا في مضمار العلم الحديث، كما أن الضعف السياسي الذي دب في أوصال الدولة الإسلامية جعلها عرضة لتدخل الدول الأوروبية التي كانت تسعى للهيمنة على العالم، فقد امتدت سيطرة انكلترا إلى الهند واصبحت الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، و صممت فرنسا على إنشاء إمبراطورية منافسة لها وقطع الطريق عليها إلى الهند، و في يوم 19 مايو (أيار) 1798 أبحر نابليون بونابرت من ميناء طولون جنوب فرنسا على رأس حملة تتكون من 38000 رجلا و 400 سفينة عبر البحر المتوسط فوصل إلى السواحل المصرية في أول يوليو (تموز) وأنزل 4300 مقاتلا على شاطئ الإسكندرية واحتل المدينة صباح اليوم التالي، و كان نابليون قد أحضر معه حشدا كبيرا من العلماء والباحثين ومكتبة زاخرة بالآداب الأوروبية الحديثة ومختبرا علميا ومطبعة ذات حروف عربية، وبذلك فقد دخل العالم الإسلامي نقطة انعطاف بتمازج حضارته مع الحضارة الغربية.
------------------------------------------------------------
(1). تاريخ الدراجة الهوائية:أحد أكثر وسائل النقل شعبية في العالم. بواسطة عبدالله العنزي27 أكتوبر، 2023الدراجة الهوائية
(2). من أين جاء «حمار الشيطان» و«حصان إبليس»؟ سليمان الحديثي- الاقتصادية منصتك لأخبار الاقتصاد والأعمال،
الجمعة 7 أغسطس 2015
لقد نسي مثقفو الشرق تراثهم وثقافتهم وحاولوا الالتصاق بدون مبرر بثقافة الغرب فأصبحوا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء بل أصبحوا ريشة في مهب ريح تتلاعب بهم كيف تشاء.
أما كيف وصل الشرق إلى ما هو عليه، فنجده في صفحات التاريخ القريب:
مع بداية عام 1492 سقطت غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس مسجلة بذلك نهاية حكمهم الذي دام مدة تقارب ثمانية قرون. لكن الإسلام كان لا يزال في عنفوانه كأعظم قوة عالمية، ولم يكن عدد المسلمين يزيد على نحو ثلث عدد سكان الأرض موزعين في ثلاث إمبراطوريات في أوائل القرن السادس عشر تمتد رقعتها على معظم أرجاء العالم القديم؛ وهي: الإمبراطورية العثمانية في آسيا الصغرى والأناضول والعراق وسورية و شمال إفريقيا، والدولة الصفوية في إيران، والإمبراطورية المغولية في شبه القارة الهندية، و كانت الإمبراطوريات الثلاث جميعها من أولى المؤسسات الحديثة آنذاك تديرها حكومات ذات نظم عقلانية بيروقراطية دقيقة و ثابتة وتتمتع بحركة ثقافية موازية للنهضة الأوروبية الناشئة، فكان القرن السادس عشر هو عصر عظمة العمارة العثمانية، و فنون الرسم والتصوير الصفوية، و المعالم التاريخية الراقية مثل بناء تاج محل مثلا في شبه القارة الهندية. ومع ذلك وبالرغم من سير هذه المجتمعات جميعا في طريق التحديث فإنها لم تُقدم على أية إجراءات جذرية، ولم تشارك في الفكر الثوري الذي أصبح السمة المميزة للثقافة الغربية في القرن الثامن عشر، بل كانت تتميز بروحٍ محافظة، وهذه الروح هي الطابع الذي امتازت به كل المجتمعات في عصر ما قبل الحداثة، بما في ذلك المجتمع الأوروبي. أما اليوم فإن المجتمع المحافظ يواجه المتاعب فهو في الغالب يقع بين مطرقة الفكر الغربي المعاصر وسندان الموروث من أوراق صفر استعصت على التجديد.
بالنسبة للإسلام مثلاً فإن ما تناولته أحاديث وسنة الرسول محمد (ص) بمجمل صحاحها مثلاً أصبح بحاجة للاجتهاد اليوم ليعود بالنفع على عموم المسلمين الذين اختلفت أقطارهم وبيئاتهم، هؤلاء يمكنهم أخذ ما يلزم من الحديث بالقياس وليس بالالتزام الحرفي بما جاء فيه، ولا بد من الاهتمام بأمور أكثر إلحاحا من طريقة دخول الحمام أو شرعية قيادة المرأة للسيارة، كأن توجد فتاوى لطريقة الصيام في الأسكيمو مثلا التي يمتد فيها النهار ستة أشهر مقابل ستة لليل.
من المهم إذا أن نفحص تلك الروح المحافظة عندما كانت في ذروتها في هذه الإمبراطوريات الإسلامية حتى نفهم سر جاذبيتها ونقاط قوتها وبذور القصور الكامنة فيها والتي أدت إلى تخلفها عن اللحاق بركب الحضارة الحديثة.
كانت جميع الحضارات تعتمد في المجال الاقتصادي على فائض الإنتاج الزراعي، وبما أن هذا الإنتاج يرتبط بموارد الأرض المحدودة، فقد أدى ذلك بالتالي إلى محدودية إمكانيات التنمية وانغلاق آفاق التجديد المستمر بالنسبة للمجتمعات الزراعية، لكنه أصبح من مسلمات الحضارة المعاصرة في سعيها إلى التقدم بلا حدود متسلحة بالعقل و العلم و العمل، وقد ترافق ذلك مع تغيير في البنى الاقتصادية الأساسية أدى إلى تنوع موارد الإنتاج الزراعي والصناعي والتجاري و جعله أكثر مرونة، كما ترافق مع التقدم التكنولوجي المتسارع مشفوعا بكثير من المخترعات التي غيرت شكل ومضمون العلاقات الاقتصادية والاجتماعية. وهكذا فلم تكن النزعة المحافظة في مجتمعات ما قبل الحداثة نتيجة خوف أو تردد بل نتيجة واقع اقتصادي محدود، لقد انعكست هذه النزعة المحافظة على جوانب الحياة الأخرى؛ فكان التعليم مثلا يعتمد على الحفظ وليس على الأصالة، ولم يُشجَّع طلاب العلم على الإبداع فالمجتمع لم يكن مهيأً لتقبل أفكار جديدة قد تؤدي إلى زلزلة اجتماعية تعرضه للخطر، فالاستقرار الاجتماعي والنظام اعتبرا أهم من حرية التعبير و الإبداع الذي وُصف بالبِدَع في المجتمعات المحافظة، لقد كان استعمال الدراجة الهوائية في شوارع الدولة العثمانية مثلا بدعة وقد أُطلق عليها اسم "سيارة الشيطان". (1)، (2)
لم تكن مجتمعات ما قبل الحداثة تتطلع إلى المستقبل كما هو الحال اليوم بل كانت تقف على أطلال الماضي مستلهمة أمجاده التي لا يد ولا علاقة لها فيها، وبذلك فقد انتصر النقل على العقل واغلقت أبواب الاجتهاد الذي يعني إعمال العقل في ما لم يرد فيه نص صريح من القرآن أو السنة، مكتفين بما تراكم لديهم من نصوص اعتقدوا أنها تفسر الطبيعة والعالم والتاريخ، واوقفوا كل محاولة للخروج بحلول جديدة للمشاكل التي لا بد وان تظهر مع تقدم التاريخ معتبرين ذلك من عوامل تشتيت الأمة ومصادر الخطر عليها شأنها في ذلك شأن الهرطقة أو الخروج على العقيدة في عصور الظلام في الغرب المسيحي.
هذا التصور يتناقض تماما مع روح الحداثة والتطور والتخلص من قيود التقاليد القديمة التي تعيق الاختراع والإبداع التي نادى بها الإسلام نفسه: "بَلْ قَالُوٓاْ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٍۢ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّهْتَدُونَ" الزخرف - 22، ويدعم بطريقة غير مباشرة استمرار العلاقات الاجتماعية القائمة في المجتمعات الزراعية الإسلامية والتي استعصت على مواكبة الثورة الصناعية التي كانت في بدايتها في الغرب آنذاك.
لقد سعى المسلمون في الإمبراطورية العثمانية السنيّة على وجه التحديد، والتي كانت أقوى دولة مسلمة إلى بناء عصر ذهبي يشبه عصر النبي محمد (ص) و خلفائه الراشدين الأربعة الذين حكموا المجتمع واداروا الدولة، فكان محمد (ص) رسولا نبيا ورأسا سياسيا للدولة والمجتمع في الوقت نفسه، وكان القرآن يؤكد على العدل والمساواة جنبا إلى جنب مع التوحيد، وكانت إقامة مثل هذه الدولة تتطلب الجهاد الذي تضمن جهاد النفس والنضال وبذل الجهد على جميع الجبهات الروحية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية بالدرجة الأولى قبل أن يكون دعوة إلى حرب كونية مقدسة كما أسيء فهمه من قبل بعض الجهات لاحقا، بحيث تتحقق إرادة الله على الأرض في العدل والمساواة ويستطيع المسلمون تحقيق التكامل الشخصي والمجتمعي الذي يشعرون من خلاله بالوحدة الاجتماعية من جهتهم وبالوحدانية لله تعالى، وبهذا تصبح السياسة في نظر المسلم الحق نشاطا لا بد من إضفاء القداسة عليه حتى يصبح سبيلا إلى الله.
بحلول نهاية القرن الثامن عشر كانت أوصال الإمبراطوريتين العثمانية والإيرانية قد تفككت واستسلمتا للمصير المحتوم الذي تواجهه كل حضارة زراعية تنضب مواردها، لكن الروح المحافظة كانت تساعد الناس على قبول أوجه القصور في ذلك المجتمع على أعمق المستويات، مع ذلك فقد ألهمت روحانية المجتمع الناس فحققوا انجازات ثقافية وسياسية عظمى في العالم الإسلامي عرفها الغرب مع بداية الحداثة مثل العدالة الاجتماعية والمساواة وحرية الفرد بما لا يسيء للآخرين والروحانية ذات العمق الإنساني ... لكن بعض الجوانب الأخرى للحداثة صعُب قبولها لدى من تمسكوا بروح المحافظة، ففي نهاية القرن الثامن عشر كان العالم الإسلامي قد تخلف عن أوروبا في مضمار العلم الحديث، كما أن الضعف السياسي الذي دب في أوصال الدولة الإسلامية جعلها عرضة لتدخل الدول الأوروبية التي كانت تسعى للهيمنة على العالم، فقد امتدت سيطرة انكلترا إلى الهند واصبحت الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، و صممت فرنسا على إنشاء إمبراطورية منافسة لها وقطع الطريق عليها إلى الهند، و في يوم 19 مايو (أيار) 1798 أبحر نابليون بونابرت من ميناء طولون جنوب فرنسا على رأس حملة تتكون من 38000 رجلا و 400 سفينة عبر البحر المتوسط فوصل إلى السواحل المصرية في أول يوليو (تموز) وأنزل 4300 مقاتلا على شاطئ الإسكندرية واحتل المدينة صباح اليوم التالي، و كان نابليون قد أحضر معه حشدا كبيرا من العلماء والباحثين ومكتبة زاخرة بالآداب الأوروبية الحديثة ومختبرا علميا ومطبعة ذات حروف عربية، وبذلك فقد دخل العالم الإسلامي نقطة انعطاف بتمازج حضارته مع الحضارة الغربية.
------------------------------------------------------------
(1). تاريخ الدراجة الهوائية:أحد أكثر وسائل النقل شعبية في العالم. بواسطة عبدالله العنزي27 أكتوبر، 2023الدراجة الهوائية
(2). من أين جاء «حمار الشيطان» و«حصان إبليس»؟ سليمان الحديثي- الاقتصادية منصتك لأخبار الاقتصاد والأعمال،
الجمعة 7 أغسطس 2015
يُتبع
من مواضيعي
0 In Search of a Hidden Universe
0 The Celestial Canopy: A Journey Beyond Earth's Atmosphere
0 ?Are we brains living in vats
0 أسس ومعالم الفكر المعاصر: البحث عن الإيمان الحق بين الكاثوليكية المسيحية و الإسلام
0 The allegory of the cave
0 The Miracle of the Sun
0 The Celestial Canopy: A Journey Beyond Earth's Atmosphere
0 ?Are we brains living in vats
0 أسس ومعالم الفكر المعاصر: البحث عن الإيمان الحق بين الكاثوليكية المسيحية و الإسلام
0 The allegory of the cave
0 The Miracle of the Sun
التعديل الأخير تم بواسطة طارق زينة ; 21-10-2024 الساعة 01:02 PM